الصراعات السياسية الشرق أوسطية وسيناريو التأثير على العامل السوري
الجمل: دخلت التطورات الشرق أوسطية الجارية مرحلة بالغة التعقيدات، فعلى أساس الاعتبارات الكمية اتسع نطاق التطورات وتواترها، وعلى أساس الاعتبارات النوعية، تزايدت القضايا الخلافية، فما هي طبيعة المشهد الشرق أوسطي الحالي. وكيف يمكن تفكيك معطيات الوضع الكلي بما يتيح التعرف على مكونات الوضع الجزئي. وكيف يمكن تركيب المكونات الجزئية بما يتيح التعرف على الوضع الكلي؟
* بيئة الصراع الشرق أوسطي الداخلية
تشير المعطيات ووقائع الأحداث الجارية إلى وجود صراعات شرق أوسطية مرتفعة الشدة في كل من: ليبيا ـ اليمن، إضافة إلى وجود صراعات منخفضة الشدة في كل من سلطنة عمان ـ السعودية ـ الأردن ـ المغرب، وبدرجة أقل في كل من سوريا ولبنان والجزائر، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• التزايد الملحوظ في وتائر الصراعات السياسية في كل من ليبيا واليمن والأردن.
• التناقص الملحوظ في وتائر الصراعات السياسية في السعودية والمغرب.
هذا، وتتفاوت ردود أفعال السلطات الرسمية في كل واحدة من هذه البلدان، فقد سعت السلطات في ليبيا واليمن والسعودية والبحرين والأردن، إلى خيار التصعيد وفي بلدان أخرى سعت السلطات إلى التهدئة والتعامل بروح تغلب الحوار والعمل بما يتيح إعادة شيء من الثقة بين الأطراف.
* بنية الصراع الشرق أوسطي الخارجية
بسبب حساسية القوى الدولية والإقليمية إزاء التطورات الشرق أوسطية، فإن المعلومات الجارية تشير إلى الآتي:
• انهماك أجهزة الدول الكبرى وتحديداً أمريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا وبدرجة أقل من الصين ، لجهة القيام بإعداد التخمينات التي تحدد مستقبل التطورات الشرق أوسطية المحتملة وكيفية التعامل مع كل خيار.
• وجود العديد من التحركات الدبلوماسية الإقليمية والدولية، والتي يسعى بعضها لجهة إدارة الأزمة الشرق أوسطية بما يدعم تأمين مصالحه الحيوية مع الاهتمام بإلحاق أكبر الأضرار بمصالح القوى الدولية الأخرى المنافسة له.
• وجود العديد من العمليات السرية، وعلى وجه الخصوص بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا.
• التزايد الملحوظ في انتشار الشبكات السرية الإسرائيلية، والتي نجحت في التغلغل والنفاذ في العديد من مناطق الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص في لبنان، ومصر وليبيا، وبعض المناطق الأخرى.
هذا، ونلاحظ أن حركيات بيئة الصراع الشرق أوسطي الخارجية، أصبحت أكثر خطورة لجهة أنها أصبحت تتسم بالازدواجية، فهي من جهة تعمل على المستوى المعلن من أجل حل الخلافات وتحقيق التهدئة والاستقرار، ومن جهة أخرى تعمل على المستوى غير المعلن من أجل تصعيد الخلافات وإنفاذ بنود المعادلات التي تنطوي على قدر كبير من تحقيق المصالح وابتزاز شعوب وبلدان المنطقة.
* المشهد السيناريوي الشرق أوسطي: الحركيات والاتجاهات
تتميز محتويات المشهد السيناريوي، عادةً، بوجود نوعين من العوامل، أحدهما هو العوامل الرئيسية الحاكمة، والثاني هو العوامل الثانوية غير الحاكمة، وبالنسبة للمشهد السيناريوي الشرق أوسطي، توجد حالياً، بعض التطورات التي تشير لاحتمالات صعود المزيد من العوامل الحاكمة الجديدة، وذلك بفعل مساعي تحويل بعض العوامل الثانوية إلى عوامل رئيسية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• تأثير العامل التركي: مارست أنقرا حضوراً قوياً لجهة التأثير في تشكيل المواقف الدولية والإقليمية إزاء ملف الأزمة الليبية، وأزمة الملف النووي الإيراني، وتقول التسريبات بأن وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس يبذل حالياً جهوداً متزايدة لجهة حل وتسوية خلافات خط أنقرا ـ باريس حول الأزمة الليبية، ودور حلف الناتو. وتقول التسريبات، بأن الخلافات التركية ـ الفرنسية قد وصلت إلى مرحلة التراشق بالألفاظ، فقد صرح رئيس الوزراء التركي أردوغان قائلاً بأن نفس الذين سعوا لعرقلة دخول تركيا في الاتحاد الأوروبي تحدثوا الآن واصفين العملية العسكرية الدولية ضد ليبيا بأنها «حملة صليبية». الأمر الذي فسره المراقبون بأنه تصريح يستهدف ساركوزي، إضافة إلى لفت الانتباه إلى أن تركيا لن تسمح من واقع عقيدتها كبلد مسلم في حلف الناتو. باستخدام الحلف في الحملات الصليبية. هذا، وتجدر الإشارة إلى أن هناك إجماع داخلي تركي بضرورة أن تسعى تركيا وبشكل مباشر لجهة القيام بدور "القوة الإقليمية الرئيسية في منطقة الشرقين الأوسط والأدنى"، دون الاستئذان من أحد. وبالتالي، فعلى دول الناتو والاتحاد الأوروبي وأمريكا وروسيا، أن تدرك وبشكل واضح، أن القيام بأي دور في المنطقة لا بد أن يضع في الاعتبار بأن هناك عاملاً حاكماً في المنطقة هو: أنقرا.
• تأثير العامل القطري: برزت قطر كقوة إعلامية خلال الفترة السابقة، وحالياً برزت قطر كقوة دبلوماسية، من خلال دورها في توجيه أزمة الملف الليبي داخل التحالف الدولي، إضافة إلى تزايد علاقاتها المثيرة للاهتمام مع الولايات المتحدة، إضافة إلى علاقاتها من بين سائر دول الخليج مع إيران، وفي نفس الوقت علاقاتها مع الزعماء الإسرائيليين. هذا، وتقول التسريبات، بأن واشنطن تسعى حالياً إلى تعزيز موقف قطر لجهة الصعود كقوة دبلوماسية في المنطقة من خلال إفساح المجال ودعم جهود قطر لجهة القيام بعمليات الوسيط الدولي والإقليمي في حل الخلافات بحيث تسير الوساطة القطرية في انتهاج السيناريوهات على غرار سيناريو اتفاق الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين، ومفاوضات تمرد دارفور الجارية حالياً، وإضافة لذلك تقول التسريبات، بأن اهتمام الأمريكيين لجهة دعم صعود قطر كقوة دبلوماسية في المنطقة مبعثه موقف قطر غير المتوقع في اجتماع لندن ، وذلك عندما دعمت قطر التدخل العسكري الدولي ودعمت عمليات تسليح المعارضة الليبية، إضافة إلى سعيها لجهة حث دول الجوار الليبي على المشاركة في عملية التدخل ضد ليبيا، وجميع هذه المواقف خلقت إدراكاً أمريكياً متزايداً لجهة أن دبلوماسية قطر سوف تكون أفضل بالنسبة لأمريكا. طالما أن كل دبلوماسيات حلفاء أمريكا الآخرين تعارض النوايا والتوجهات الأمريكية عندما يتعلق الأمر بتدخل دولي ضد طرف عربي آخر. وتقول التسريبات، بأن المشكلة التي سوف تواجه واشنطن هي كيفية حث الرياض على القبول بقوة قطر الدبلوماسية الإقليمية إضافة إلى كيفية إيجاد دور بديل يحفظ للرياض وزنها الإقليمي بحيث لا يكون صعود الدبلوماسية القطرية على حساب الدبلوماسية السعودية.
• تأثير العامل السوري: تشير التحليلات الجارية إلى أن تأثير العامل السوري، أصبح يعمل في اتجاهين:
_ الاتجاه الأول: إقليمي وذلك لجهة تأثير سوريا على لبنان، والعراق، والأردن، والأراضي الفلسطينية، إضافة إلى التأثير على المواقف التركية والإيرانية.
ـ الاتجاه الثاني: دولي، وذلك لجهة عدم قدرة الأطراف الدولية على تخطي أو تجاوز تأثير العامل السوري على التطورات الجارية في المنطقة.
وتأسيساً على ذلك، فقد أشار المحلل السياسي مايكل سينج والخبير في شؤون الشرق الأوسط، إلى أن الإدارة الأمريكية تعاني حالياً من المزيد من الإرباكات والخلافات بسبب عدم القدرة على ضبط تأثير العامل السوري، وفي هذا الخصوص أشار تحليل مايكل سينج إلى التداعيات والنتائج غير المتوقعة التي حصلت عليها الدبلوماسية الأمريكية الشرق أوسطية بفعل تأثير العامل السوري، ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
• سيناريو عزل دمشق: طبقت الإدارة الأمريكية الجمهورية السابقة، سيناريو فرض العزلة على دمشق بما يتيح الضغط على دمشق لكي تتخلى عن روابطها مع طهران، والكف عن دعم حزب الله اللبناني، إضافة إلى الضغط على الفلسطينيين.
• سيناريو التعامل مع دمشق: طبقت الإدارة الأمريكية الديموقراطية الحالية سيناريو التعامل مع دمشق، بما يتيح حث دمشق لكي تتخلى عن روابطها مع طهران والكف عن دعم حزب الله اللبناني إضافة إلى الضغط على الفلسطينيين.
وفي هذه الخصوص، أشار تحليل مايكل سينج إلى أن ما حصلت عليه الإدارة الأمريكية من نتائج تمثل في الآتي:
• لم تنجح دبلوماسية العزل ودبلوماسية التعامل في الحصول على أي نتائج إيجابية إزاء إرغام دمشق على القيام بالتخلي عن طهران وحزب الله والفلسطينيين، الأمر الذي أثار الخلافات مجدداً داخل الإدارة الأمريكية حول كيفية وضع الدبلوماسية الأمريكية المثلى لجهة ضبط تأثير العامل السوري.
• انقسمت وجهات النظر داخل الإدارة الأمريكية إلى مجموعتين: الأولى تقول بضرورة السعي لفرض العزلة على دمشق، والثانية تقول بضرورة السعي للتعامل مع دمشق.
هذا، وتشير التسريبات إلى أن نقطة الضعف في وجهة نظر كل مجموعة، تتمثل في عدم قدرة أي واحد في الرد بشكل مقنع على انتقاد المجموعة الأخرى.
وبكلمات أخرى: القائلين بضرورة فرض العزلة على دمشق أصبحوا غير قادرين على تقديم الدليل المقنع بجدوى وفائدة ما حصلوا عليه خلال فترة العزلة التي سبق أن سعت إدارة بوش الجمهوري لفرضها على دمشق. أما القائلين بضرورة التعامل مع دمشق فقد أصبحوا أيضاً غير قادرين على تقديم الدليل المقنع بجدوى وفائدة ما حصلوا عليه خلال فترات التعامل السابقة.
يبدو من خلال استعراض المواقف الأمريكية والأوروبية الغربية، بأن الدبلوماسيات الأمريكية والغربية، تسعى إلى التعامل مع دبلوماسية الشرق الأوسط من خلال الآتي:
• المتغير الإسرائيلي: ويمثل بالنسبة للأطراف الغربية والأمريكية العامل الثابت غير القابل للتعديل.
• المتغير العربي: ويمثل بالنسبة للأطراف الغربية والأمريكية العامل المتغير القابل للتعديل.
وتكمن ورطة الدبلوماسية الغربية، في أن الأطراف الأمريكية والغربية ظلت تدفع دائماً باتجاه تثبيت الموقف الإسرائيلي، والضغط في نفس الوقت باتجاه تعديل الموقف العربي. وهذا هو السبب الذي جعل الدبلوماسيات الأمريكية والغربية تبذل الجهود الخارقة في منطقة الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص مع سوريا، ولكنها تحصل في النهاية على النتيجة "الصفرية"، أي على نفس الشيء.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد