السيناريوهات الإردوغانية ضد الدولة السورية
الجمل ـ ترجمة مازن الأخرس:
عانت تركيا من عدة هجمات إرهابية في الأيام القليلة الماضية. إذا كان من الأرجح أن تكون القنبلة المصنعة محلياً والتي انفجرت في ديار بكر مسؤولية حزب العمال الكردستاني، فإن الهجوم الإرهابي على أنقرة والذي سبب العشرات من الوفيات أكثر غموضاً، بالرغم من أن إيردوغان لا يظن ذلك. فقد صرح أن الهجوم تم تنفيذه من قبل كردي سوري يدعى صالح نجار، والذي بدوره تلقى الدعم من زعماء الكرد السوريين.
وقد أضاف رئيس الوزراء التركي داود أوغلو حكومة الأسد إلى قائمة المذنبين، باعتبار الأكراد السوريين شركاءه. كما تم توجيه أصابع الاتهام إلى روسيا والتي تساعد الأسد والأكراد، وحتى داعش، حسب إيردوغان.
وأكثر من ذلك، فضمن رد الفعل على الهجوم الإرهابي الذي يفترض أنه نفذ من قبل الأكراد السوريين، فقد شنت تركيا غارات جوية على مواقع الأكراد في كردستان العراقية، حيث صرح أوغلو: "قضت قواتنا الجوية على 70 إرهابياً في منطقة حفتانين في شمال العراق، وهم أعضاء في حزب العمال الكردستاني، وبينهم قياديون".
بشكل طبيعي، فإن رد الفعل التركي لن يقتصر على الغارات الجوية. فقد أعلن إيردوغان أن 14 شخصاً قد تم اعتقالهم، وأن على البلاد توقع المزيد من الاعتقالات، ومن المحتمل أن يضاف إلى ذلك غزو لأراضي الكرد في سورية. "لقد استنفذت الخسائر صبرنا.. لن تتردد تركيا في استخدام حقها الشرعي في الدفاع عن نفسها في أي وقت كان، في أي مكان كان، وتحت أي ظرف كان". يقول إيردوغان.
وقد حاول أيضاً جر الولايات المتحدة إلى الموضوع بعد أن كانت قد رفضت سابقاً أن تسمح له بغزو الأراضي الكردية في سورية. "لقد تحدثنا إلى أصدقائنا بخصوص الصلات القوية بين حزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية، لكنهم لم يصدقونا. أعتقد أنه سيكون هناك تفهم أكبر من قبلهم الآن" صرح إيردوغان.
من يحتاج ذلك؟
من الممكن أن يكون إيردوغان مخطئاً. بالرغم من تصريحه، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لم تغير موقفها، وهي تطالب كلا الطرفين، الكردي والتركي، بعدم تصعيد الموقف. "نحن نطالب وحدات الدفاع الكردية بعدم القيام بأفعال قد تزيد من مستوى التوتر مع تركيا. كما أننا نلح على تركيا كي توقف قصفها المدفعي على الأراضي الكردية" يقول مارك تونر، الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية.
يبدو وكأن واشنطن لا تصدق ادعاءات إيردوغان بتورط حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب في الهجوم الإرهابي في أنقرة. وفي الواقع، فإن الرواية التركية للأحداث تحتوي على ثغرتين جديتين.
أولاً، إن الأكراد السوريين هم آخر من يهمه تنفيذ هجوم إرهابي على الأراضي التركية، والذي من شأنه فقط أن يعطي إيردوغان عذراً لغزو الأراضي الكردية في سورية. وبالتالي فإن تصريح قائد وحدات الدفاع الكردية صالح مسلم بأنه "لم يتم إطلاق رصاصة واحدة من قبلنا باتجاه الأراضي التركية" يبدو منطقياً بشكل كامل.
وحتى وإن كان بين منظمي الهجوم الإرهابي كردي سوري، فلم يكن لديه أي تفويض أو سلطة للتصرف بالنيابة عن حزب الاتحاد الديمقراطي أو وحدات الحماية الشعبية، وعلى الأغلب أنه ببساطة أراد الانتقام للقرى الكردية التي تم إفناؤها.
ثانياً، السرعة التي تم فيها تحديد هوية منفذي الهجوم الإرهابي واعتقال شركائهم المزعومين تثير الريبة. ولا يعني ذلك أن الاستخبارات التركية قد نظمت الهجوم الإرهابي بنفسها (سيكون ذلك جنوناً بحتاً)، بل قد يعني ذلك أنه هناك خلية كردية متطرفة لا تتبع لوحدات الحماية الشعبية.
هناك أيضاً سيناريو آخر، والذي بالرغم من اعتماده "نظرية المؤامرة"، إلا أنه من المهم الحديث عنه. لا يمكن استبعاد فرضية أن هناك قوى نافذة في تركيا ليسوا راضين عن أداء الرئيس، ويحاولون أن يدفعوه باتجاه التدخل العسكري (في سورية). فهم سيستفيدون بغض النظر عما سيحدث، فإذا انتصرت القوات التركية على الميليشيات الكردية وتحاشت أي ضربات من الصواريخ الروسية، فستكون أنقرة قد استطاعت أن تلحق أذىً شديداً بالـ"ـقضية الكردية" وبإمكانيات حزب العمال الكردستاني العسكرية.
أما إذا تم القضاء على القوات التركية الغازية من قبل الصواريخ الروسية أو المدفعية السورية المدعومة بالطيران الروسي، فإن إيردوغان سيكون مجبراً على الانسحاب والهزيمة، ما سيخلق فرصة لاستبعاده من السلطة.
الحالة الراهنة أفضل:
من جهة، قد يظن المرء أن موسكو قد تفضل تدخلاً تركياً. فأولاً، إن تدخلاً تركياً فاشلاً سيحل مجموعة كبيرة من المشاكل التي تواجهها الدبلوماسية الروسية، وستكون نتيجته إعادة تشكيل للحكومة التركية بما يمكّن من إعادة بناء علاقات عادية مع تركيا دون اشتراط اعتذار عن حادثة إسقاط القاذفة الروسية SU24، وثانياً فإن الهجوم على الأكراد الذين سيعتمدون حينها على الحماية الروسية بدلاً من الأمريكية سيقنع الأكراد السوريين أخيراً بأن يتعاونوا مع دمشق، وليس مع الأمريكيين.
ومن جهة أخرى، فإنه من الخطير جداً أن يبني المرء آماله على تدخل تركي عسكري (في سورية).
فأولاً، ليس هناك ضمانات أن الولايات المتحدة لن تغير موقفها وتمنح أنقرة دعمها الكامل. وليس هناك أيضاً أية ضمانات أن روسيا ستضرب الحملة التركية بشكل فوري، بينما ستكون الحالة تتطلب ضربةً فوريةً، دون مفاوضات ودون تأخير.
وأخيراً، فإن التدخل العسكري التركي سينهي المفاوضات، بإعطاء المسلحين أملاً بأن القوات التركية في سورية ستتبعها بعض القوات الحليفة.
وبالتالي، فإنه من الأفضل لموسكو الحفاظ على الحالة الراهنة: أنقرة تهدد باجتياح، وتقصف المناطق الكردية. واشنطن مترددة باختيار أحد طرفي النزاع حيث تحتاج الدعم من كليهما. الأكراد سيغضبون أكثر من الولايات المتحدة وتركيا، ويبدؤون بتقدير الدور الروسي ويدعمون حملتها العسكرية والتي تحميهم من القوات التركية.
"أي غزو لأراضي دولة ذات سيادة هو أمر غير شرعي. هذه حقائق أساسية" تقول ماريا زاخاروفا المتحدثة الرسمية للخارجية الروسية، "نتوقع من دول المنطقة أن يبنوا خططهم على احترام القوانين والأعراف الدولية، وليس على ما يريدون فعله."
رابط المقال بالروسية:
http://3mv.ru/publ/turki_mogut_vojti_v_siriju_smogut_li_vyjti/3-1-0-53249
رابط المقال بالانجليزية
http://southfront.org/turkey-could-enter-syria-could-it-find-its-way-back-out/
الجمل
إضافة تعليق جديد