السعودية: الدور الإقليمي ومستوى الخطر الأمني
الجمل: تزايدت التقارير والمعلومات التي تشير إلى اتساع نطاق تحركات السياسة الخارجية السعودية وأكدت التحليلات والدراسات الجارية أن التحركات السعودية لم تعد ترتبط بالمركز التقليدي للسعودية باعتبارها أرض الإسلام وقبلة المؤمنين، وإنما هي تحركات مبرمجة تحمل بين ثناياها الكثير من الأجندة السياسية والاقتصادية، فهل نحن أمام ظاهرة نفوذ إقليمي سعودي أم شيء آخر لم يتفق الخبراء على تسميته بعد؟
* المحددات العامة للقدرات السعودية:
تشير الخصائص العامة لقدرات المملكة العربية السعودية إلى أنها تتميز بالكثير من عوامل القوة وعوامل الضعف، وعلى سبيل المثال تمتلك السعودية رقعة هائلة من الأرض وهذا يمثل عامل قوة ولكنه يترافق مع عامل ضعف يتمثل في أن هذه الرقعة هي عبارة عن صحراء جرداء. ويوجد في السعودية تجانس سكاني إثنياً ولغوياً ودينياً وهي عوامل قوة ولكن عامل الضعف يتمثل في أن عدد السكان لا يتناسب مع المساحة الكبيرة إضافةً إلى توزع السكان جهوياً على أساس الخطوط القبلية والعشائرية. وتتميز السعودية بثروة نفطية هائلة تشكل المصدر الرئيسي للاقتصاد الوطني وهو عامل قوة ولكن عامل الضعف يتمثل في اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط كمصدر وحيد الأمر الذي حرم السعودية من فرصة تنويع اقتصادها. وعلى هذا النحو يمكن استعراض عدد كبير من عوامل القوة التي تقلل من فعاليتها عوامل الضعف المرافقة لها.
* أبعاد السياسة الخارجية السعودية:
تمثل السعودية بلداً هاماً على أساس الاعتبارات الإقليمية والدولية بسبب دورها كمصدر هام من مصادر الطاقة النفطية إضافةً إلى وزنها الديني الكبير في العالم الإسلامي الذي ينتمي إليه أكثر من مليار مسلم من سكان الكرة الأرضية.
• البعد الإقليمي: تقع السعودية في منطقة الشرق الأوسط ولها إطلالة على الخليج العربي الفائق الأهمية لصادرات النفط العالمي ولها ساحل طويل على البحر الأحمر الممر المائي الأكثر خطورة في العالم إضافةً لذلك تتأثر السعودية بمشاكل شرق المتوسط والخليج العربي والقرن الإفريقي. وبسبب ذلك فإن ارتباط السياسة الخارجية السعودية بهذه المناطق هو ارتباط حيوي وضروري.
• البعد الدولي: السعودية لم تسع طوال تاريخها إلى تمديد نفوذها والتحول إلى قوة دولية كبرى، والمفارقة تتمثل في أن القوى الكبرى هي التي جاءت واستهدفت السعودية! وبرغم أن السعودية ليست عضواً في حلف الناتو ولا في غيره، إلا أن هناك من يحاول استدراجها إلى هذا الحلف كما تشير إلى بعض التسريبات الأخيرة، ولفترة طويلة لم تتجاوز السعودية نطاق المشاركة والإسهام في الجهود الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وما شابه ذلك.
* دائرة الخطر السعودي: ما بعد الحرب الباردة:
ظلت السياسة الخارجية السعودية أكثر تحالفاً مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، ولكنها كانت في الوقت نفسه أكثر تفادياً لأن يصل هذا التحالف إلى مستوى الروابط العسكرية والأمنية. ولكن بعد قيام النظام العراقي السابق باحتلال الكويت وانهيار نظام القطبية الثنائية بدا واضحاً أن المملكة ستواجه عواصف النظام الدولي الجديد ورياحه العاتية التي تتجه أعاصيرها صوب منطقة الشرق الأوسط. وسعت معظم دول المنطقة إلى تكييف وتوفيق سياساتها الخارجية والداخلية بما يتماشى مع الوضع الولي الجديد، إلا المملكة العربية السعودية فقد كانت استثناءاً لجهة عدم تكييف نفسها، وكان أن لجأت الأطراف الدولية إلى تكييفها. بكلمات أخرى، فإن كل من لا يكيف نفسه فعليه أن لا يستغرب إن جاءت أمريكا وكيفته وفقاً لمصلحة إسرائيل.
• لم تقم السعودية ببناء قدرتها العسكرية الوطنية بالشكل المتوازن المتعارف عليه عسكرياً ووجدت أمريكا فرصة التقدم ولملء فراغ انكشاف الأمن العسكري السعودي.
• لم تقم السعودية ببناء قدراتها الاقتصادية الوطنية بالشكل المتوازن المتعارف عليه اقتصادياً ووجدت أمريكا فرصة التقدم وملء فراغ انكشاف الأمن الاقتصادي السعودي.
• لم تقم السعودية ببناء قدراتها السياسية الوطنية بالشكل المتوازن المتعارف عليه سياسياً ووجدت أمريكا فرصة للتقدم وملء فراغ انكشاف الأمن السياسي السعودي.
دخلت القوات الأمريكية العراق ولكنها قبل ذلك دخلت الأراضي السعودية وستخرج القوات الأمريكية من العراق بسبب مقاومة العراقيين المسلحة الضارية، فهل سيلجأ السعوديون للمقاومة العسكرية لإخراج القوات الأمريكية أم ستغض السعودية النظر عن ذلك بحيث تبقى القوات الأمريكية لحين نضوب النفط؟
الانتشار والتمدد العسكري الأمريكي في السعودية ترتب عليه انتشار وتمدد اقتصادي سياسي أمريكي ألقى بظلاله على استقلالية قرار السياسة الخارجية السعودية على نحو بات يهدد بتآكل وانجراف السياسة الوطنية. وهكذا، دخلت السياسة الخارجية السعودية دائرة الخطر لأنه أصبح من الصعب تصور أجندة للسياسة الخارجية السعودية يتم وضعها بمعزل عن أجندة السياسة الخارجية الأمريكية المرتبطة بدورها بأجندة المشروع الإسرائيلي في المنطقة، وكان من أبرز تداعيات ذلك:
• دخلت أمريكا في مشروع الحرب ضد الإرهاب ولم تجد السياسة الخارجية السعودية سوى المسير خلف واشنطن.
• نظمت أمريكا مؤتمرات المانحين لدعم حلفائها ولم تجد السياسة الخارجية السعودية سوى تقديم المال بسخاء لدعم حلفاء أمريكا.
* الدور الإقليمي السعودي: بين الحقيقة ووهم الوكالة:
يرتبط النفوذ بتوازن المكانة والدور، وبكلمات أخرى، من كانت له مكانة ووزن أكبر يكون له دور أكبر وظاهرة النفوذ الدولي والإقليمي ليست استثناءاً عن هذه القاعدة. كذلك، ترتبط ممارسة النفوذ بأسلوب السياسة الخارجية التدخلية التي يمارسها ويطبقها الطرف القوي، وهناك أسلوب تدخلي مثالي يقوم على إرغام الواقع على قبول النموذج المعد سلفاً وهناك أسلوب تدخلي واقعي يقوم على التعامل مع الواقع وفق المعطيات الميدانية الجارية.
بين الواقعية المثالية نتساءل:
• ما هي طبيعة الدور الإقليمي السعودي؟ هل هو مثالي أم واقعي أم لا هذا ولا ذاك؟
• ما هي مرتكزات الدور الإقليمي السعودي؟ هل يرتكز على القوة العسكرية أم الاقتصادية أم لا هذا ولا ذاك؟
• ما هي حدود الدور الإقليمي السعودي؟ هل هي حدود جغرافية تنحصر ضمن نطاق بلدان الجوار الإقليمي أم حدود نوعية تنحصر في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية أم أنها تجمع بين ما هو جغرافي وما هو نوعي أم لا هذا ولا ذاك؟
• ما هو مستقبل الدور الإقليمي السعودي؟ هل هو مؤقت أم هو دائم أم لا هذا ولا ذاك؟
• ما هي تأثيرات الدور الإقليمي السعودي؟ هل هي إيجابية أم كارثية أم لا هذا ولا ذاك؟
التطرق لتحليل أبعاد هذه الأسئلة والإجابة عليها يقودنا إلى ملاحظات أبرزها:
• تزايدت محاولات الرياض للقيام بدور إقليمي مع تزايد الوجود الأمريكي في السعودية والخليج وتزايد وتائر السياسة الخارجية الأمريكية التدخلية في منطقة الشرق الأوسط.
• لم يتعارض الحراك الإقليمي السعودي مع حراك السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
• الأداء السلوكي للسياسة الخارجية السعودية في الشرق الأوسط لا يتطابق مع الأداء السلوكي للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط وحسب، بل بات يسعى أيضاً لإكمال ما عجزت عنه السياسة الأمريكية في المنطقة.
أذاً نحن أمام "بروكسي" إقليمي، ولسنا أمام سياسة خارجية حقيقية، وإلا فلماذا لم تحضر السعودية للمشاركة في قمة دمشق؟ ولماذا تصر السعودية على دعم وتأييد قوى 14 آذار؟ ولماذا تدعم السعودية الاستهداف الأمريكي لإيران؟ ولماذا تقدم السعودية المال بسخاء في مؤتمرات المانحين التي تدعو لها أمريكا من جهة وتمتنع عن دعم من لا تبارك أمريكا دعمه مسبقاً؟
إن الطموح، أي طموح، هو أمر مشروع وهو حق لكل الأطراف ولا أحد في المنطقة يرفض أن يكون للسعودية دور رائد وقائد ونفوذ على أوضاع المنطقة والسبب في ذلك بكل بساطة يتمثل في أن السعودية ستظل مثلها مثل غيرها أسيرة الحتمية الجغرافية، طالما أنها من دول الشرق الأوسط، وطالما أنها لن تستطيع الرحيل والاستقرار في الباسفيك أو أمريكا اللاتينية. ولكن مصدر الخلاف سيظل، فالجميع يرحبون بالدور الإقليمي السعودي، ولكن كيف؟ ولمصلحة من؟ وفي أي اتجاه؟ وضمن أي توافقات؟ فالسعودية تستطيع ممارسة النفوذ الاقتصادي لأنها قوية اقتصادياً وتستطيع ممارسة النفوذ السياسي عن طريق جمع الأطراف المتنازعة لأنها تستطيع التصرف بحيادية إن أرادت، ولكنها لن تستطيع فرض إملاءات واشنطن لأن جميع شعوب المنطقة تعرف الفرق الذي يميز العلم السعودي المرتبط بالإسلام والعروبة والعلم الأمريكي المرتبط بالهوية الأنجلو-ساكسونية المرتبطة بإسرائيل.
• تستطيع السعودية القيام بدور فاعل في الخليج العربي ولكن بالتنسيق مع دول الخليج وإيران.
• تستطيع السعودية القيام بدور فاعل في القرن الإفريقي ولكن بالتنسيق مع السودان وجيبوتي.
• تستطيع السعودية القيام بدور فاعل في منطقة شرق المتوسط ولكن بالتنسيق مع سوريا والأردن.
وبسبب الأهمية المركزية لمنطقة شرق المتوسط وتأثيرها الطاغي على التوازنات الجيوسياسية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، فإن محور الرياض – القاهرة لن يجدي نفعاً لأن القاهرة لم تعد طرفاً في الصراع لأنها خرجت من المعركة، ومحور الرياض – قوى 14 آذار لن يجدي نفعاً لأن الذين نهبوا وسرقوا المال العام اللبناني وأوصلوا الدين العام إلى مبلغ 50 مليار دولار في بلد لا يتعدى سكانه حدود الثلاثة ملايين، سيتخلون عن الرياض التي تدعمهم الآن متى ما وجدوا من يدفع لهم أكثر. وبالنتيجة طالما أن واشنطن برغم قوتها لا تستطيع القيام بدور إقليمي في أوروبا دون المرور بباريس ولندن وبرلين فإن الدور الإقليمي للرياض محكوم بحتمية التنسيق مع دمشق وعمان طالما أن الجيوبوليتيك والجيوسياسة يقولان باستحالة القفز من الرياض إلى رام الله وبيروت.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد