الشرق الأوسط والحرب الباردة بين واشنطن وبكين
1
مع حلول العصر الإلكتروني، يمكننا القول إن أدوات الصراع بين الدول قد تغيرت وأن عالماً جديداً قيد التشكُّل عنوانه معسكرٌ صيني وآخر أمريكي، وأن الصراع فيه سيكون من دون استخدام القوة العسكرية لأن المعسكر الغربي هو من شكل عالم مابعد الحرب العالمية وهو لم يعد يريد حرباً كونية جديدة.. وهذا ما أدركه قادةُ أمريكا والمجمع العسكري من أن الصراع بات اقتصادياً بالدرجة الأولى، وأن مردودَ كلفةِ قواعدهم العسكرية في العالم لا توازي مصاريفَها، وأن مشروعَ "الحِزامِ والطَّريق" سيأخُذُ العالمَ نحو الصين وأسواقها.. لهذا تعمل واشنطن على استراتيجيةٍ جديدة كي لا تتهاوى مثل من سبقها من إمبراطورياتٍ دالَتْ ثم زالت. فقد توقف العالم عن النظر إلى أمريكا كماركة أولى في العالم بعدما بات لها منافسون في السوق، منافسون لا يفرضون نموذجهم السياسي والثقافي وإنما يتطلعون إلى العالم كسوق وينظرون إلى دوله كما ينظر التاجرُ إلى الزَّبون؛ حيث الشركات ثكناتهم والأسواق ساحات معاركهم والمال سلاحهم.
وكما كان الشرق الأوسط ساحة تنافس بين الإمبراطوريات على مر التاريخ فإنه سيكون ساحة تنافس بين المعسكر الأوراسي والمعسكر الغربي، نظرا لموقعه ونفطه واستهلاكه.
فخلال القرن الماضي سقطت إمبراطوريات عتيقة، وحلت مكانها إمبراطورياتٌ جديدة: تفككت إمبراطورية أسرة تشينغ الصينية في العام 1912 على يد القوى الأوروبية بعد أربعة قرون من قيامها، كما تفككت الإمبراطورية التركية بعد خسارتها في الحرب العالمية الأولى عام 1916، وسقطت الإمبراطورية الروسية عام 1917 على يد الشيوعيين لتقوم إمبراطورية السوفيات على أنقاضها. كما تفككت الإمبراطورية البريطانية بعد حرب السويس عام 1957، والفرنسية بعد استقلال الجزائر عام 1962 لترثهما الإمبراطورية الأمريكية. ثم في أواخر ثمانينات القرن الماضي تفككت الإمبراطورية السوفياتية، وتبعتها الإمبراطورية البرتغالية في العام 1999. ويبدو أن الربع الثاني من هذا القرن سوف يشهد تقلص وتحجيم الإمبراطورية الأمريكية وتمدد الإمبراطورية الصينية على الخريطة العالمية، وسيكون الشرقُ الأوسطُ أحدَ مسارحِ التنافسِ بين القوتين، حيث سئمَ العرب من الاستغلال الأمريكي الفظ لهم وتفضيل إسرائيل وتركيا عليهم، بينما توفر لهم الصين فرصا لتقوية اقتصادهم من دون ابتزاز الأمر الذي يسهل التغلغل الصيني فيها.
2
يظن الأمريكان أنهم ورثة الإمبراطورية الرومانية، حتى أنهم بنوا واشنطن على طراز الهندسة المعمارية في روما القديمة، وهم يدرِّسُون في مناهجهم المدرسية أسباب سقوط روما والتي تتلخص في غزو البرابرة وقبائل الهون، والأزمة الاقتصادية بسبب ارتفاع الإنفاق على الجيش الروماني واتساع رقعة حروبه، والتهرب الضريبي، والفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتعطيل تجارة الإمبراطورية من قبل قراصنة الفاندال، وانتشار الأوبئة. فقد امتدت سيطرة روما من الأطلسي غربا حتى الفرات شرقا، وكانت عظمتُها أحدَ أسباب سقوطها، حيث واجهت مشاكل إدارية ولوجستية بسبب اتساع مناطق السيطرة وتضاعف نفقات الجيش التي أدت إلى تراجع البنى التحتية والتقدم التقني وفساد الأباطرة ومجلس الشيوخ.. وكل ذلك ماثل اليوم في تفكير الأمريكان وخصوصا خبراء المراكز البحثية الذين يبالغون في تخويف السلطات السياسية، إذ يبدو قادتها اليوم أكثرَ قلقاً وتخوفاً من خسران سيطرتهم على العالم، لذلك هم يتراجعون قليلاً اليوم من أجل تماسك الدولة، غير أن تراجعهم لم يرق لحلفائهم خصوصاً بعد الانسحاب الفوضوي لهم من أفغانستان والذي يرقى إلى مستوى النكسة.
فقد اتخذت واشنطن خطواتٍ عديدةً تشير إلى تقليص وجودها العسكري، الأمر الذي أربك حسابات حلفائها في المنطقة، وأدى إلى التفكير في إعادة تشكيل تحالفاتهم. فقد سحبت الولايات المتحدة أكثر منظوماتها الدفاعية تطوراً، وجميع بطاريات صواريخ "باتريوت" من السعودية على امتداد الأسابيع الماضية، وفق ما كشف تحليل لصور الأقمار الصناعية، أجرته وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية. كما خفضت أعداد جنودها في القواعد العسكرية بمنطقة الخليج والعراق، وسحبت قواتها من أفغانستان، وأعادت رسم توجهاتها في المنطقة بشكل يختلف عما كان مألوفاً في عهد ترامب، ومن ذلك بدءُ الحوار مع إيران وممارسة شيء من الضغط على "إسرائيل". ولعلها وجدت أن أفضل طريقة للتعامل مع الوضع اليمني والسوري والعراقي هو الاتجاه نحو الجهة الداعمة للتمرد على السياسات الأمريكية، فالتفاوض أقل كلفة من المجابهة، وهذا قد يفسر تراجع الحضور الأمريكي في المنطقة بالخروج الفعلي من الحروب التي لا تنتهي وإعطاء مزيد من المساحة للديناميات الداخلية في المنطقة بعدما أظهرت الوقائعُ فشلَ المؤسسة العسكرية في تشكيل الجغرافيا السياسية في المنطقة منذ احتلالها للعراق عام 2003.
3
تمتلك الولايات المتحدة نحو 800 قاعدة عسكرية في أكثر من 70 دولة وإقليماً، وتشمل الدول العربية ماعدا لبنان، حيث فجر حزبُ الله قاعدتَهم في بيروت عام 1983 وقتل فيها 241 جندياً. وتعمل هذه القواعد علناً على تدريب القوات المحلية وشن هجمات عسكرية، كما تنظم سراً الأعمالَ الاستخبارية والتجسسَ على شعوب الدول وقياداتها وتنفيذ عمليات خطف واغتيال بالتعاون مع السفارات الأمريكية في هذه الدول، حيث تبدو مسألةُ السيادة مجردَ وهمٍ وطني للشعوب العربية.
وقد قام مركزُ كارنيغي الأمريكي بإنجاز دراسة حول خفض الوجود العسكري الأميركي، يقول الجزء المعلن منها أنه: مع مرور الوقت، اضمحلّت أهميةُ المصالح الأوّلية التي كانت في أساس الوجود الأميركي في المنطقة (العربية)، فمصادر الطاقة لم تعد تشغل المكانة نفسها كما في السابق، وأوصت الدراسة في المراحل المقبلة: أن يقوم الوجود العسكري الأميركي على القيمة الاستراتيجية الفعلية، لا على دعم الأهداف المتعلقة بالحفاظ على الإرث، ويجب أن تُربَط المصالح والأهداف الأميركية الأساسية مباشرةً بالمهام والبعثات، وينبغي أن يُملي ذلك بدوره عديد القوات وحجم الإمكانات المطلوبة لتنفيذ تلك المهام، وموقعها.
ورأى معدُّو الدراسة أن ضمان حرية الإبحار في نقاط الاختناق البحرية الحسّاسة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط باتت هدفًا ثانويًا على الأرجح. من هذا المنطلق، تجب إعادة النظر في المستوى المناسب من الجهود والموارد المطلوبة للنهوض بهذه المسؤولية... وعلى خلفية تراجع مستوى الجاهزية البحرية الأميركية، وفرض ضرائب مرتفعة جدًا على موارد الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، فإن هذه المهمة لا تتطلب فرقة قتالية من حاملات الطائرات، ويجب ألا تُستخدَم مبرِّرًا للإبقاء على وجود حاملات الطائرات بصورة مستمرة في المنطقة. وتوصي الدراسة: من أجل أداء هذه المهمة بمستوىً مختلفٍ من الموارد، يجب على الشركاء في الإقليم (الأنظمة العربية)، وغيرهم من الحلفاء (إسرائيل وتركيا)، الاضطلاع بمسؤوليات إضافية (أي أن تقوم جيوشُ هذه الدول بمهمات القواعد الأمريكية). وهذا قد يفسر الانسحاب العسكري الجزئي من السعودية.
ويوصي الخبراء بتطوير مجموعة من القواعد الأصغر حجمًا في مختلف أنحاء المنطقة كي تحتفظ الولايات المتحدة بإمكانية الوصول إلى عدد قليل من القواعد الأساسية في الشرق الأوسط في حال وقوع أحداث طارئة، وتم وصفها بالقواعد الدافئة، لأن الدول المضيفة ستتولّى تشغيلها وصيانتها مع احتفاظ الولايات المتحدة بالقدرة على الوصول إليها في الحالات الطارئة لتنفيذ مهام حسّاسة في مجالَي الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، مثل مهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع وقوات العمليات الخاصة، مع التأكيد على توجيه رسالة إلى الشركاء في (الإقليم) مفادُها أن ما تقومُ به الولايات المتحدة هو تصويب للحجم وليس انكفاءً، من أجل عدم الإضرار بالعلاقات مع هذه الدول، وهي ليست مهمّة سهلة لكنها ذات أهمية حيوية لنجاح أية بصمة أميركية في المستقبل.
4
تم الإعلان عن قيام المملكة العربية السعودية عام 1932، وقد قابلت واشنطن طلباتِ الملك عبد العزيز للاعتراف بمملكته بالرفض حتى عام 1940 حيث اعترفت واشنطن بالسعودية بعد أن وقَّعت المملكة عقداً مع شركة آرامكو الأمريكية للتنقيب عن النفط واستخراجه عام 1933 وتم التأكد من وجود مخزونات هائلة من النفط في رمالها. وفي شباط 1943 أعلن الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت أن "الدفاع عن السعودية يعد أمراً حيوياً بالنسبة للدفاع عن الولايات المتحدة". وفي 14 شباط 1945 التقى الرئيس روزفلت بالملك عبد العزيز على ظهر البارجة الأمريكية كوينسي في الخليج العربي، وبحثا جملة من القضايا من ضمنها موضوع قيام دولة يهودية في فلسطين. وتم توقيع اتفاقية دفاعية وإقامة قواعد أمريكية في السعودية منذ عام 1951، وبعد سنتين توفي الملك عبد العزيز وخلفه ابنُهُ سُعُود الذي فاجـأ الأمريكان في شهر تشرين الأول من عام 1955 بطرده للقوات الأمريكية واستبدالها بقوات مصرية أرسلها الزعيم جمال عبد الناصر المؤيد للسياسات السوفياتية. وقد أجبر الأمريكان الملك سعود على التنحي عن العرش لصالح أخيه الأمير فيصل عام 1964، وقد انتهج الملك فيصل سياسة عربية متوازنة ووافق على قطع النفط خلال حرب تشرين 1973 عن الولايات المتحدة والغرب بسبب دعمهم لإسرائيل، فتم ترتيب اغتياله على يد ابن أخيه في آذار عام 1975 بتحريض من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن يومها باتت المملكة رهينة المشيئة الأمريكية وحفظ الأمراءُ الدرسَ على مضض.
في السبعينات كانت السعودية أكبرَ منتج للنفط في العالم، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أكبرَ دولة مستهلكة له، وقد عقد السعوديون صفقةً لضمان تحرير فواتير النفط بالدولار الأمريكي، أو ما عرف باسم البترودولار. وقد ساعد دعم السعوديين لنظام البترودولار الولايات المتحدة على طباعة المزيد من الدولارات دون التعرّض لعواقب التضخّم. وفي عام 2019 هدد السعوديون بالتخلي عن الدولار في معاملات النفط بعد الأزمة التي خلقتها قضية مقتل الخاشقجي، والضغط الأمريكي على النظام السعودي. صحيحٌ أنَّ التحالف بين واشنطن والرياض يقوم على النفط مقابل الحماية، غير أن فترة حكم ترامب المتقلب أثرت سلباً على هذه العلاقة حيث تعامل ترامب في لقائه مع ولي العهد باستخفاف بعدما قام بتشليح المملكة 400 مليار دولار بطريقة فظة، بالإضافة إلى توريطها مع دول الخليج بحرب عبثية في اليمن لاستجرار المزيد من السلاح الأمريكي، رغم معرفة السعوديين بعدم قدرة أحد على تطويع اليمنيين مهما كانت قوته.
رغم أن الأمريكان يعملون على تقليص وجودهم العسكري في المنطقة لكنهم سيستمرون بحماية النفط والحكم السعودي واستخدام مقدرات المملكة للتحكم بالسياسات العربية وإخضاعها للمشيئة الأمريكية. فمنذ قيام الثورة الإيرانية وفقدان واشنطن لنفط إيران وهي تشعر بالخوف من مصير مماثل للسعودية التي يتفوق فيها التشدد الديني على ما كان عليه الأمر في إيران قبل مجيء الخميني. غير أن حكام المملكة ضاقوا ذرعاً بالنكران الأمريكي بشأن مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان، إذ أن أول الخاسرين من تطبيقها في السعودية سيكون الأمريكان أنفسهم، كما أن ذهاب آل سعود يعني نشوء طالبان أخرى، إذ أن غالبية المجتمع السعودي يحملون نفس بنية العقل الوهابي المتشدد الذي استخدمته أمريكا في الحرب على الشيوعيين في أفغانستان إلى جانب طالبان قبل أن ينقلبوا عليها.. فالسعودية تحتوي على أكبر قنبلة جهادية في العالم، وإذا انهارت السيطرة السعودية لن يكون أحد قادراً على منع انفجارها بوجه الجميع. لهذا فإن الخطط التي أعلن عنها ولي العهد محمد بن سلمان قد تكون بداية لتفكيك العقل الوهابي المغلق داخل المملكة والدخول في الحداثة، وتخفيف الحرج الأمريكي من علاقتهم مع الدولة الأكثر استبداداً في العالم، فيما إذا لم يحاول الأمراء المتضررون التخلص منه.
ويعتبر الخبراء "رؤية 2030" التي طرحها محمد بن سلمان خطةً طموحة تهدف إلى جعل السعودية مركزاً عالمياً يربط ما بين أوروبا وآسيا، فهناك 80 مشروعاً يجري العمل عليها بوتيرة عالية شمال غربي السعودية، على ساحل البحر الأحمر قرب مصر والأردن واسرائيل، تهدف إلى إنشاء مشروع عابر للحدود تبلغ كلفته 500 مليار دولار ومساحته 26 ألف كيلومتر مربع.
وتتلاقى مبادرة "الحزام والطريق مع "رؤية المملكة 2030"، إذ تعتبر السعودية الشريك الاقتصادي الأول للصين في المنطقة بحجم تبادل تجاري بينهما بلغ 70 مليار دولار، كما وقعت عدداً من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع الصين في صناعات النفط والبتروكيميائيات والتعدين والكهرباء والسيراميك والموانئ وغيرها، بينما تعتبر السعودية أكبر مورد للصين من النفط الخام.
ويبقى السؤال: هل ستنجح خطط ولي العهد في عقلنة الوهابية وتحديث المجتمع السعودي بعد مئتي عام من العمل على نشر نسخة الإسلام الوهابي داخل وخارج المملكة؟
رغم نفور بايدن الذي ورث العلاقة مع نظام سلفي يخالف كل الأدبيات والقوانين الأمريكية فإنه مضطر للاستمرار على نهج أسلافه، كما لن يغير السعوديون اتجاه قبلتهم الثانية نحو البيت الأبيض، رغم تهديداتهم الإعلامية بالتوقف عن بيع نفطهم بالدولار، ورغم توقيع اتفاقيات تعاون مع روسيا والصين، يؤكد ذلك تعيين الأميرة ريمه بنت بندر آل سعود سفيرتهم الجديدة في واشنطن، وهي سيدة أعمال قضت سنوات طويلة في الولايات المتحدة تتلمذ على يد والدها رجل الاستخبارات والاغتيالات العريق وعراب صفقات الطيران والصواريخ الأمريكية إلى السعودية، وهذا يعني استمرار الشراكة الأمنية بين البلدين حيث أن جل هذه الفعالية الأمنية سوف يوجه نحو الدول العربية والإسلامية مثلما كان الأمر على عهد بندر. وسيستمر التحالف السعودي المصري الإسرائيلي في مواجهة النفوذ الإيراني وسيتحول شكل الصراع على سورية واليمن بعد فشل القوة العسكرية ضدهم، حيث لن تتمكن السعودية من اقتحام أسوارهما إلا من باب إعادة الإعمار ومناهضة السياسات التركية والإخونجية التي تزاحم السعودية على إرثها العثماني في البلاد العربية.
فقد اصطدم المشروع الوهابي بالمشروع العثماني منذ بداية القرن التاسع عشر عندما هاجمت جحافل المقاتلين الوهابيين العراق عام 1802 وقتلت بضعة آلاف من المسلمين الشيعة في كربلاء، وفي العام التالي هاجموا بلاد الشام انطلاقاً من عاصمتهم الدرعية في نجد وقتلوا الآلاف من المسلمين السنة في معان ومزيريب ودمشق فحمص ودير الزور، حيث واجه السلطان العثماني خطرهم عبر جيش محمد علي باشا.. وقد استمر الصراع حتى اندحار العثمانيين من شبه الجزيرة العربية عام 1916، ومنذ ذلك الحين تبنى الإخونج الخط العثماني، غير أن علمانية الأتاتوركيين أبعدتهم عن تركيا وعرقلت مشروعهم إلى حين استلام حزب العدالة الإخونجي السلطة حيث تم إحياء الصراع بين المشروعين المتنافسين على تمثيل المسلمين السنة في العالم، وقد تكون حظوظ السعودية أفضل في الصراع فيما لو قدمت العامل القومي على الديني ونجحت في حركة تحديث المجتمع الوهابي. وقد يكون من المفيد هنا التنويه أنه في الوقت الذي كانت فيه واشنطن ومازالت ترعى المشروعين المتنافسين (الوهابي والإخونجي) ضمن سياسة "فرق تسد" الإستعمارية، فإن المصلحة الصينية تقتضي نشر السلام وتحسين العلاقات في مناطق تعاني من ويلات الحروب الأهليّة لضمان تأمين الأسواق واتصالها مع بعضها وبناء المشاريع فيها. وضمن هذا السياق تكمن قوة المشروع الصيني ومصداقيته.
5
منذ احتلال العرب المسلمين لمصر بقيادة عمرو بن العاص، وصولاً إلى عهد الخديوي إسماعيل، ومصر ترسل الأموال والحبوب إلى مكة، ثم انقلب الأمر بعد ظهور البترول في شبه الجزيرة العربية حيث باتت السعودية والدول الخليجية تقدم مساعداتها لمصر لكي تطعم شعبها وتطوع سياساتها بما يتناسب مع خطهم الأمريكي، تساندهم واشنطن في المساعدات المالية والعينية منذ اتفاقية كامب ديفيد لاحتواء أكبر خزان بشري في المنطقة العربية والأفريقية. غير أن دور مصر العربي تقلص طرداً مع حاجة قادتها لملء أمعاء رعاياهم بالخبز، فكانت مطواعة في مطلب ابتعادها عن عمقها السوري رغم أن عدوهما مشترك، حيث تركت سورية تقلع شوكها بيدها، وساهمت في حرب اليمن العبثية، وأغمضت عينيها عن ليبيا، كما لم تعد تتعامل مع السودان كامتداد لأمنها القومي حتى تجلى الخطر الإثيوبي الإسرائيلي الذي هدد شريان قلبها الرئيسي النيل. فمنذ وفاة عبد الناصر بدأت السيادة والريادة المصرية بالتراجع حتى بلغت الحضيض في عهد مرسي والإخونج.
كانت العلاقات مقطوعة بين مصر وواشنطن أيام عبد الناصر ثم استؤنفت في عهد السادات منذ منتصف السبعينات، وكانت واشنطن عرابة السلام الإسرائيلي المصري. وفي عهد مبارك استُكملت عملية مسح الإرث الناصري، وأكملت واشنطن ابتلاع مصر، بينما استغلها الإسرائيليون كبوابة لاختراق البلدان العربية.
فمنذ عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والولايات المتحدة طلب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون من الكونغرس اعتماد مبلغ 250 مليون دولار كمعونة اقتصادية لمصر عام 1975 ثم تم إدراج مصر في برنامج المساعدات الأمريكية الخارجية بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1979، وأقامت واشنطن تحالفا استراتيجيا مع مصر بما يشمل التعاون العسكري والتدريب والمناورات المشتركة وبرامج تسليح وتصنيع عسكري ومحاربة الإرهاب. وقد تطورت العلاقات حتى غدت مصر بالمرتبة الثانية، بعد إسرائيل، في قائمة الدول التي تتلقي معونات عسكرية أمريكية، حيث تأتي معظم مبيعات السلاح عبر المعونات العسكرية السنوية والتي تبلغ نحو 1.2 مليار دولار.
مع بداية الألفية الجديدة بدأ تحويل اتفاق الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاق منطقة تجارة حرة وتسهيل وصول جميع الصادرات المصرية إلى أسواق الولايات المتحدة من دون جمارك. واحتلت مصر المرتبة رقم 44 كشريك تجاري للولايات المتحدة بينما احتلت الولايات المتحدة مرتبة الشريك التجاري الثاني لمصر بعد الاتحاد الأوروبي.
كان من نتيجة اتفاقية كامب ديفيد تقليص تعداد الجيش المصري وتغيير تسليحه وعقيدته العسكرية، بحيث أنه يمكن أن يكون جاهزاً للقيام بمهمات في المناطق العربية المناهضة للسياسات الأمريكية الإسرائيلية، كما هو الحال في مشاركته بالحرب العراقية ثم اليمنية إلى جانب التحالف الأمريكي السعودي، وفي الوقت نفسه لم يُسمح له بالدفاع عن مصالح مصر لا في الحرب الليبية، ولا في تجميد مشروع سد النهضة بالرغم من التهديدات التي أطلقها القادة السياسيون. حيث تبدو مصر اليوم كمارد وضع في قمقم أمريكي أصغر منه.
في موازاة ذلك قامت الصين بتطوير تعاونها مع مصر لتصل في العام 2014 إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة. وتتركز المشروعات الصينية في منطقة قناة السويس التي تؤمن الوصولَ الصيني إلى الأسواق المجاورة في المنطقة العربية والقارة الأفريقية، حيث تبلغ الاستثمارات الصينية نحو 18 مليار دولار أمريكي فيما تعمل نحو 1500 شركة صينية في العديد من المجالات الاستثمارية المتنوعة أغلبها في قطاعات الصناعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتطوير المناطق الاقتصادية، والتمويل، والمقاولات. فالصين حريصة على احتواء شريان قناة السويس وضمان وصول إمدادات النفط السعودي إلى مصانعها.
6
في شهر آذار الماضي أصدر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي دراسة بعنوان "التنافس بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط" يقول فيها ستيفن كوك الخبير المختص بدراسات الشرق الأوسط: على مدى العقود الثلاثة الماضية، اتسع نطاق علاقات الصين مع الشرق الأوسط إلى أبعد من الطاقة، فقد زادت التجارة بين الصين والمنطقة بشكل كبير، وبدأت بكين في الاستثمار في البنى التحتية لسائر أنحاء الشرق الأوسط. وتعد الصين الآن أكبر مستثمر إقليمي وشريك تجاري لإحدى عشرة دولة في الشرق الأوسط، إذ تدرك القيادة الصينية أن تطوير دور بكين في الشرق الأوسط أمر بالغ الأهمية لنجاح مبادرة "الحزام والطريق".
وبينما تراجِعُ الولاياتُ المتحدة أهميةَ دورها في الشرق الأوسط، تسعى كلٌّ من روسيا والصين والهند والاتحاد الأوروبي إلى زيادة نفوذها في المنطقة. ومع أن هذا التنافس بين القوى الرئيسة لم يؤد إلى مواجهة مباشرة بعد، إلا أن اللاعبين الأقوياء ما زالوا يريدون تأسيس وتوسيع وتعزيز نفوذهم على حساب بعضهم البعض. ذلك أن الشرق الأوسط جاهز الآن للخطف من قبل مجموعة متنوعة من القوى الإقليمية واللاعبين الخارجيين.
وفي الشهر نفسه الذي أصدر فيه مجلس العلاقات الأمريكية دراسته الآنفة الذكر، أصدر المعهد الدولي للدراسات الإيرانية بدوره دراسة حول توجهات الصين لتوسيع نطاق التنافُس الجيوسياسي، والعمل على إضعاف الولايات المتحدة، وذلك بناءً على خلفية طموحها غير المُعلَن للريادة الدولية، أو من خلال تفسيرها للسلوك الأمريكي على أنَّه تهديدٌ وجودي لنظامها.
وتخصص الدراسة فصلاً عن الشرق الأوسط بكونه ركيزة جغرافية وقيمةٌ سوقيةٌ مهمَّة لمشروعات الربط الاقتصادي الصيني العملاقة على المستوى الدولي، حيث تمثل الصين أهمّ شريكٍ تجاري لدول الشرق الأوسط، وهي تمُدّ دولَ المنطقة بمنتجاتٍ صناعية واستهلاكية وبدائل متنوِّعة بأسعارٍ تنافُسية وبجودةٍ مختلفة، حيث بلغ حجم الاستثمارات الصينية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حوالي 197 مليار دولار، خلال الفترة من 2005 إلى 2020م بينما وصل حجم التبادُل التجاري إلى 151 مليار دولار خلال عام 2020م كما وسعت شراكتها التكنولوجية مع دول الشرق الأوسط بشبكات الجيل الخامس الأمر الذي شكل مصدرَ إزعاجٍ لواشنطن، حيث يبدو الأمر كحرب تكنولوجية باردة.
7
تبدو الصين في صراعها مع الأمريكي كلاعب الجودو الذي يستخدم وزن خصمه ضده، حيث تستفيد من مظلَّة الحماية الأمريكية في المنطقة التي توفر بيئةً ملائمة لمشاريعها وأسواقًا مستقرة لاستثماراتها، إضافة إلى ضمان وصول إمدادات النفط إلى مصانعها دون تحمُّل أيّ أعباءٍ أمنية أو تكاليفَ عسكرية يدفعها الأمريكي من خزينته. إضافة إلى ذلك أقدمت الصين مؤخرا على نقلة قوية فوق رقعة الشطرنج مستغلة أزمة الملف النووي الإيراني بتوقيع اتفاقية شراكة إستراتيجية مع إيران في آذار الماضي 2021، هذا الاتفاق سيفرغ العقوبات الأمريكية من فعاليتها اعتماداً على أن بكين تنظم مركزاً مالياً واقتصادياً مستقلاً في أوراسيا يمكن أن يجعل من إيران كياناً إقليمياً أكثر نفوذاً من دون امتلاكه لأسلحة نووية.
وتبدو حالة الدول العربية مع الأمريكي اليوم مثل عشيقة زعيم مافيا تنعم بالحماية والرفاهية ولكنها ليست حرة في اختيار صداقاتها، بينما حال تركيا وإسرائيل مع الأمريكي كحال الزوجة القادرة على النكد والإزعاج بل ويمكنها أن تكون زوجة ناشزة فيما إذا ضغط عليها الزوج الذي أخذت قوته ومكانته بالتراجع. لكن وعلى الرغم من أن الصين باتت أكبر شريكٍ تجاري لعددٍ كبير من دول المنطقة غير أن هذه الدول لا تستطيع إحلال الصين مكان الزوج الأمريكي، كونها غير قادرة على تقديم الحماية التي يوفرها الأمريكي. لكن تزايُد الشكوك تجاه نوايا الأمريكي تدفعها للتعاون مع روسيا والصين في مجالات مختلفة. حيث بدأت روسيا تستعيد دورها العالمي من البوابة السورية، كما طورت علاقاتها الاقتصادية مع مصر والجزائر والسعودية وتركيا وإسرائيل، وظهرت بدور الوسيطٍ المحايد في نزاعات المنطقة، اضافة إلى تزايُد الاهتمام بالحصول على السلاح الروسي.
رغم حذر الصين في تفعيل قُواها العسكرية والسياسية في مناطق نفوذ الولايات المتحدة، فإن مواقفها تتوازى سياسياً مع روسيا ضدّ الولايات المتحدة؛ الأمر الذي قد يدفع الولايات المتحدة للدخول في حربٍ باردة معها تكون ساحتها منطقةَ الشرق الأوسط. فالصين ومنذ بداية الأزمة السورية، اتّخذت موقًفا مُنحازًا للشرعية وذلك بحُكم العلاقات التاريخية بين البلدين والتي تعود إلى بداية ستينيات القرن الماضي، فقد تجاوز الموقف الصيني من الأزمة السورية حدود عدم الرضا عن التدخُّل الأجنبي في الأزمة السورية إلى رفض تنحيةَ الرئيس بشار الأسد، واستخدمت في شباط 2012م حقّ الفيتو ضد مشروع القرار العربي ـ الأوروبي الذي يتبنّى دعوةَ الجامعة العربية لتنحِّي الأسد عن السُلطة. واعتبر المراقبون الفيتو الصيني تطوُّرًا نوعيًا في دور بكين السياسي على الساحة العالمية. وقد استمرت الصين على موقفها الداعم للدولة السورية معارضة أيّ تدخُّلٍ عسكري فيها؛ بينما يمكن تفسير استخدامها لحقّ الفيتو عدة مرّاتٍ لصالح سورية رغم كفاية الفيتو الروسي، فهو بالون اختبار للحدود السياسية التي يمكن أن تتوغل فيها من دون إشعال نيران الحرب مع واشنطن، فهي حريصة على أن يبقى الصراع بارداً لأنه يصب في صالحها، إضافة إلى دفاعها عن رمزية طريق الحرير حيث كانت سورية ملتقى قوافل القارات القديمة.
8
أصدرت الصين عام 2016 "الكتاب الأبيض" الذي تشرح فيه سياساتها تجاه الشرق الأوسط، وفق صيغة تعاونية تقوم على ثلاث ركائز: الأّولى في مجال الطاقة كمحورٍ رئيس، والثانية في مجالات البُنى التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار، والثالثة في المجالات التقنية المتقدِّمة كالطاقة النووية والفضاء والأقمار الصناعية. وعملت الدولة الصينية إلى ترسيخ قواعد العلاقات المشتركة عبر عقود استثمارية وإنشاء بُنى تحتية لمشاريع الطاقة المتجدِّدة والتكنولوجيا الحديثة، إضافة إلى عقد صفقات تسليحية. حيث أنَّ انخفاض تكلُفة الخدمات الصينية يجعل منها شريكًا اقتصاديًا واستثماريًا مربحاً ومريحاً في ظل الإحباط المتولد لدى دول المنطقة من السياسات الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية وتصريحاتها المتواترة حول انخفاض أهمِّية الشرق الأوسط. إذ أن شُركاء الولايات المتحدة بالشرق الأوسط هم في الوقت ذاته شُركاء اقتصاديون للصين، حيث يحافظون على التوازُن في التعامل مع الطرفين: الولايات المتحدة في التعاون الأمني، ومع الصين في التجارة والطاقة.
لكن هذا التوازن قد لا يدوم طويلا، ومستوى حرية التعامل سيختلف عند زوجات الأمريكي عنه عند العشيقات، فإسرائيل مثلا كما روى لنا السفير الصيني بدمشق مازالت تعمق علاقتها وتوسع تعاونها في المجال الزراعي والتجاري والعسكري والتكنولوجي والسياحي والشعبي، رغم التحذيرات الأمريكية المستمرة لها. فقد حذر ويليام بيرنز رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الشهر الماضي رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت بقوله إن الولايات المتحدة قلقة من التوغل الصيني إلى المرافق الاقتصادية الإسرائيلية، خصوصاً في مجالي التكنولوجيا العالية (هايتك) ومشاريع بنية تحتية كبيرة. كما أبدى وزير الخارجية السابق مايك بومبيو العام الماضي انزعاج واشنطن من تنامي الاستثمارات الاستراتيجية الصينية في إسرائيل بلغ حدًا يستدعي التّدخل.
كذلك علاقة تركيا مع روسيا فقد غدت مثل الزوجة التي تتخذ عشيقاً لها في العلن، حيث تشغل تركيا المرتبة الخامسة بين الشركاء التجاريين لروسيا وتعتمد على روسيا في الحصول على نصف وارداتها من الغاز الطبيعي و12% من الواردات النفطية في الوقت الذي تستغل فيه عضويتها في حلف الناتو لدعم مشروعها العثماني. ذلك أن جميع دول المنطقة باتت منخرطة في الشراكات الصينية بينما وتيرة الصراع تشتد وترتفع، وقد يصل الأمر إلى موقفٍ تفرض عليها واشنطن الاختيار بين أحد المعسكرين أو دفع جزءٍ من فاتورة الحرب الباردة الجديدة. وهذا سيدفع دول المنطقة إلى سدّ ثغراتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وتخفيض مستوى صراعاتها الإقليمية، وبناء تحالُفات استراتيجية، بما يحسن من موقعها التفاوضي ويجعلها أقل إذعانا لهيمنة الأمريكي وإغراءات الصيني، وبالتأكيد فإن "عدم الانحياز" سيجمع بين الكثير من الدول التي ترغب بالحفاظ على مصالحها وسيادتها، وقد نشهد شيئاً مشابهاً لما كان عليه الحال في القرن الماضي خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي.
9
لا تقيم الصين أي قاعدة عسكرية خارج حدودها باستثناء قاعدة "جيبوتي" التي أنشأتها عام 2017 لحماية خط التجارة في البحر الأحمر. وقد أقرَّت اللجنة الدائمة لمجلس نواب الشعب الوطني (البرلمان الصيني) في 26 كانون أول 2020، تعديلاً مهماً على "قانون الدفاع الوطني الصيني"، يسمح للصين بلعب دور أمني خارج حدودها، وقد تضمن القانون نصاً يُجيز إرسال قوات صينية إلى خارج البلاد لمكافحة الإرهاب. ونصَّت المادة 71 من القانون على أنه: "بعد موافقة الدول المعنية، وبعد موافقة مجلس الدولة، يمكن لإدارة الأمن العام التابعة لمجلس الدولة، وإدارة الأمن القومي، إرسال أفراد في مهام لمكافحة الإرهاب خارج البلاد" ويندرج ذلك ضمن اقتراحات الخبراء الصينيين تكتيكات دبلوماسية، خاصة في الشرق الأوسط، لتعزيز سياسة الأمن العالمية المتطورة لبكين. وتشمل هذه التكتيكات الوساطة للدفاع عن المصالح التجارية بدلاً من المصالح الأمنية، ضمن خطة "إدارة الصراعات "بدلاً من علاجها، وإقامة علاقات متناغمة بين الشركاء الاستراتيجيين للصين. مع التركيز على "الاتصال" من خلال مبادرة الحزام والطريق بدلاً من السيطرة المباشرة حسب الطريقة الغربية. حيث تواكب الفلسفة السياسية الصينية حركة التقدم الاقتصادي الذي يوسع حدود إمبراطورتيها، وهي بعكس كل الإمبراطوريات التاريخية غير مهتمة بنقل إرثها الثقافي وأسلوبها في الحياة إلى الأمم الأخرى، كما أنها لا تريد السيطرة المباشرة على أي دولة في العالم وتطويعها لرغباتها، فالمال يفعل مالا يقدر عليه العسكر. وقد أخذ الصينيون الدرس من عدوتهم السابقة اليابان: أن باستطاعة أي أمة أن تتفوق بعقلها وعملها من دون امتلاك جيش وأسلحة، إذ لا يتجاوز إنفاق الصين العسكري واحد بالمئة من إجمالي ناتجها المحلي ومهمة الجيش الحفاظ على البلاد ووحدتها. إذ لا تمثل الصين تحدياً عسكرياً لأحد، وهي لن تتورط بحرب تخرب عليها انتشارها ونجاحها، بينما واشنطن قد تفعل ما اعتادت عليه منذ تأسيسها إلى اليوم. وهي ستحاول جر حلفائها ضمن هذا الصراع، ولن يستجيبوا فعلياً طالما أنهم مستفيدون من الصيني. فالأمريكان اليوم مذعورون من مجابهة عدو لا يستخدم سلاحاً عسكرياً ضدهم، وإنما يحتضن شركاتهم ومستثمريهم ويغزو بها أسواقهم ومصارفهم ليجعلهم دولة مدينة له، بحيث تجاوز الدين الحكومي الأمريكي للصين العام الماضي أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. حتى بات حال الأمريكي في صراعه مع الصيني أشبه بالمثل العربي الذي يقول: " كالطّاعن نفسه ليقتل رِدفَه " أي ليقتل الجالس خلفه على الحصان..
نبيل صالح
إضافة تعليق جديد