مستجدات العلاقة السورية-الإيرانية في زيارة الأسد لطهران
الجمل: تشهد العاصمة الإيرانية طهران هذه الأيام واحدة من أهم فعاليات الدبلوماسية الثنائية السورية-الإيرانية وذلك من خلال الجهد الدبلوماسي المكثف لجهة تعزيز وتقوية الروابط السورية-الإيرانية الفائقة الأهمية لجهة تثبيت استقرار منطقة الشرقين الأوسط والأدنى في مواجهة المساعي الأمريكية-الإسرائيلية الهادفة لزعزعة استقرار المنطقة: ما هي معطيات العلاقات السورية-الإيرانية؟ وما هي أهميتها الحيوية بالنسبة لاستقرار وتثبيت الشرقين الأوسط والأدنى؟
* دبلوماسية خط دمشق-طهران: القيمة الإستراتيجية
جاءت قمة طهران السورية-الإيرانية هذه المرة ضمن بُعدٍ تجاوز بقدر كامل السباقات التقليدية للقمم الرئاسية المتعارف عليها، وبكلمات أخرى فقد تطورت قمة طهران السورية-الإيرانية على الآتي:
- بُعد تقليدي: تمثل في ملفات التعاون الثنائي الإيراني-السوري.
- بُعد غير تقليدي: تمثل في "ردع" محاولات ومساعي زعزعة استقرار المنطقة.
بالنسبة للبُعد التقليدي العادي، فقد تضمن توقيع المزيد من الاتفاقيات الثنائية السورية-الإيرانية بما تضمن: تحرير المبادلات التجارية الثنائية، إنشاء مصرف تجاري مشترك؛ أما بالنسبة للبعد غير التقليدي فقد تضمّن: تعزيز جبهة المقاومة لإسرائيل، والسعي لردع مساعي زعزعة استقرار العراق وزعزعة استقرار لبنان، ومحاولات الضغط على الفلسطينيين لجهة ابتزازهم في جولات المفاوضات غير المتوازنة وصولاً إلى تصفية القضية الفلسطينية.
أبرز ما تميزت به قمة طهران السورية-الإيرانية يتجلى في عاملين هما:
• عامل الرغبة الحقيقية في تعزيز التعاون.
• عامل القدرة اللامحدودة لجهة عدم الرغبة في تقديم أي تنازلات أمام الضغوط الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية.
* بيئة قمة طهران السورية-الإيرانية: تحليل السباقات
جاءت فعاليات قمة طهران السورية-الإيرانية ضمن أوضاع داخلية وإقليمية ودولية تميزت بطبيعتها الخاصة الشديدة التعقيد، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
- السياقات الإقليمية: تتضمن البيئة الإقليمية السورية-الإيرانية، العديد من بؤر التوتر والمناطق المشتعلة الساخنة: البؤرة اللبنانية، البؤرة الفلسطينية، إضافة إلى مسرح الحرب العراقي ومسرح الحرب الأفغاني، مع وجود مناطق أخرى بعضها بدأت توتراته في التصاعد كما هو الحال في مصر والبحرين، وبعضها الآخر تجاوز مرحلة التوتر باتجاه احتمالات الاشتعال كما هو الحال في السودان واليمن.
- السياقات الدولية: تتضمن البيئة الدولية السورية-الإيرانية عملية استهداف أمريكي-إسرائيلي واسعة النطاق، فهناك ضغوط وعقوبات تستهدف سوريا، وضغوط عقوبات تستهدف إيران، ولم يقتصر الأمر على أمريكا وإسرائيل، وإنما امتد نطاق دائرة الاستهداف ليشمل العديد من الأطراف الأخرى منها على سبيل المثال لا الحصر دول المعتدلين العرب الحليفة لأمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى محاولات محور واشنطن-تل أبيب الساعية إلى استدراج روسيا والصين لجهة الدخول في مشروع استهداف سور يا وإيران وحلفائهم في المنطقة.
تشير معطيات حسابات الفرص والمخاطر إلى تمتع المحور السوري الإيراني بالمزيد من الإمكانيات والقدرات غير المسبوقة ليس لمواجهة العقوبات وصد ضغوطها وحسب، وإنما أيضاً لجهة القيام بعمليات الردع الاستباقي بما يمنع إسقاط العقوبات والضغوط على أرض الواقع.
* المحور السوري-الإيراني: جهود التحديث السياسي الإقليمي الشرق أوسطي
ترتبط سوريا بعلاقات وثيقة مع تركيا، وفي نفس الوقت ترتبط إيران بعلاقات وثيقة مع تركيا، وعلى خلفية ارتباط هذه الأطراف الثلاثة بعلاقات وثيقة مع العراق، فإن اعتماد ملف تعزيز التعاون الثنائي السوري-الإيراني، بما يعزز بدوره ملف تعاون أطراف مثلث دمشق-طهران-أنقرا، بما يؤدي لاحقاً إلى إلحاق بغداد، هو أمر سوف يتيح بناء قوام إستراتيجي إقليمي يستطيع أن يلعب دوراً كبيراً ليس في تماسك المنطقة وحسب وإنما في إكساب القوام الإستراتيجي الشرق أوسطي مناعة غير مسبوقة تحميه من مخاطر عمليات التغلغل والاستهداف بواسطة الأطراف الخارجية الأجنبية.
التحديث السياسي لعلاقات وروابط التعامل الإقليمي سوف يؤدي بلا شك إلى الآتي:
• زيادة قدرة دول المنطقة على استغلال الموارد، وكما هو معروف فإن الموارد السورية والإيرانية تتضمن معيناً لا ينضب من القدرات، وهي قدرات سوف تزداد أكثر فأكثر بإدخال تركيا والعراق.
• إلغاء الفوارق الكبيرة بين جدول أعمال السياسة الخارجية وجدول أعمال السياسة الداخلية، وبكلمات أخرى، لن تحتاج الأطراف إلى تحديد أولويات السياسة الخارجية على حساب أولويات السياسة الداخلية، ولا أولويات السياسة الداخلية على حساب أولويات السياسة الخارجية، وإنما سوف تكون كل هذه الأولويات متوازنة ومتكاملة ضمن نسق سياسي أكثر انسجاماً لجهة تعزيز المصالح الداخلية والخارجية.
تشير المعطيات الجارية إلى أن سيناريو العلاقات السورية-الإيرانية القادم سوف يتميز على خلفية نتائج قمة طهران السورية-الإيرانية بالمزيد من ترابط وتماسك البنيان الإقليمي، وعلى وجه الخصوص لجهة المؤشرات الآتية:
• مؤشر المعاملات: الأصل في المعاملات هو كلما ازدادت المعاملات، كلما ازدادت علاقات الأطراف، وكلما ازدادت وتائر التماسك والترابط الإقليمي. وفي هذا الخصوص، فإن الاتفاقيات الثنائية التي أسفرت عنها قمة طهران سوف تساعد بقدر كبير في رفع وتائر مؤشر المعاملات.
• مؤشر المخاطر: الحقيقة السائدة هي أنه كلما تزايدت المهددات، كلما تزايدت مخاطر احتمالات اصطفاف وتفكك الترابط والتماسك الإقليمي في المنطقة، ولكن على خلفية المعطيات السابقة، فهناك خبرة سورية-إيرانية غير مسبوقة لجهة مقاومة كل محاولات الأطراف الخارجية لاستهداف العلاقات السورية-الإيرانية، فقد قاومت دمشق كل الضغوط والإغراءات التي سعت لإبعادها عن طهران، ونفس الشيء بالنسبة لطهران، وتأسيساً على ذلك، فإن مؤشر المخاطر قد وصل إلى أدنى صوره بفعل الإدراك المتبادل على خط دمشق-طهران والقائم على أساس إرادة القيادة ومصداقية الأداء السلوكي الدبلوماسي.
تشير القراءة في معطيات الأحداث والوقائع الجارية، بأن منطقة الشرق الأوسط والأدنى سوف تتعرض خلال الفترة القادمة إلى العديد من المنعطفات الحرجة الفائقة الحساسية والتي من أبرزها:
- ملف الانسحاب الأمريكي من العراق.
- ملف محكمة الحريري الدولية.
- ملف محاولات تصفية القضية الفلسطينية.
- ملف الصراع اليمني-اليمني.
- ملف الصراع الرئاسي المصري-المصري.
- ملف تقسيم السودان.
- ملف الحرب الصومالية.
- ملف الحرب الأفغانية.
بسبب ترابط هذه الملفات وتداعيتها، فإن أبرز ما قامت به قمة طهران السورية-الإيرانية هو السعي من أجل تعزيز تماسك مكونات منطقة شرق المتوسط، باعتبارها تمثل منطقة القلب الحيوي الذي سوف تسعى أمريكا وإسرائيل إلى توظيف تداعيات هذه الملفات من أجل استهدافه في نهاية الأمر. وتأسيساً على ذلك فإن المطلوب في المرحلة القادمة هو تفعيل جهود دبلوماسية محور دمشق-طهران الوقائية بما يؤدي إلى إطلاق طاقة هائلة من علاقات التعاون والاستقرار في المنطقة الأكثر خطورة في العالم.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد