الترجمة في سورية: نترجم ما يشبههنا لا ما نحتاجه
تحقيق ـ سعاد جروس : غير صحيح ان العرب لا يترجمون، بل على العكس انهم يسبقون الأوروبيين أحياناً في ترجمة بعض الإصدارات الحديثة. والمترجمون ناشطون على قدم وساق، وثمة دور نشر تباهي بإنجازاتها. وهناك من يعتقد ان هذه الانجازات باتت كبيرة، وإن خالفهم البعض الآخر الرأي. لكن ما أصبح أكيداً وموثوقاً هو ان الترجمة إلى العربية لا تعاني من الكسل وإنما من فوضى عارمة كي لا نقول مجهضة لكثير من الجهود الجبارة التي تُبذل. كل الذين سألناهم يبدو ان ما يعرفونه عن الترجمة في بلدانهم، هو ما يرونه من زاويتهم الصغيرة. لا خطط رسمية ولا استراتيجيات كبيرة أو حتى متوسطة المدى. كل يترجم على هواه، وأحياناً تبعاً لمدى جاذبية العنوان أو طلب السوق. نعم الترجمة ناشطة وثمة دور نشر تترجم مئات العناوين في السنة الواحدة، على عكس ما يدّعي تقرير التنمية عام 2002 الذي هزّ العرب بأرقامه المفزعة، والعمل يسير بوتيرة قوية وسريعة، لكن فيروس الفوضى يصيبه في مقتل، وهذا هو بيت الداء الذي يكشفه هذا الملف.
رغم ما يقال عن حركة الترجمة في العالم العربي بأنها ضعيفة، بالقياس إلى حركة النشر عموماً، يلاحظ مع ذلك أن نصيب الترجمة ليس متواضعاً، بل هناك اهتمام من قبل المؤسسات الرسمية ودور النشر والمترجمين، بنقل الكتب الصادرة حديثاً إلى العربية بسرعة تواكب ما يجري في العالم إلى حد بات لافتاً للانتباه. ففي مصر تقوم أهم مؤسستين في مجال النشر وهما "الهيئة العامة للكتاب" و"المجلس الأعلى للثقافة" بأعباء الترجمة، وتتفوقان من حيث الكم على بقية الدول في العالم العربي.
المترجم والباحث ثائر ديب يستدرك جازماً، لكن الصدارة في مستوى الترجمة لسورية. مؤكداً، أن ما تنتجه سورية لا يقارن بما ينتج في مصر من حيث الكمية، لكن نوعية الترجمة في سورية هي الأفضل. كذلك كان رأي مجد حيدر صاحب "دار ورد"، الذي يرى أن لدى سورية أفضل المترجمين من حيث الدقة والنوعية، وبالأخص عن اللغات الفرنسية والانجليزية والاسبانية والتركية.
في الفترة الأخيرة، لوحظ أن نشاط الأفراد في الترجمة، تفوق على نشاط وزارة الثقافة في سورية التي كان لها دور كبير في نقل أمهات الكتب الفكرية والفلسفية والإبداعية الأدبية العالمية إلى العربية منذ عام 1960 ولغاية الآن. وإن شهدت مديرية التأليف والترجمة في الوزارة تجميداً، يقول ثائر ديب بأنه طارئ، حصل منذ ستة أشهر نتيجة عملية الانتقال من مديرية التأليف والترجمة إلى الهيئة العامة للكتاب المنشأة حديثاً، بالإضافة إلى تغير الطاقم المشرف على متابعة وتنفيذ خطط الوزارة في الترجمة، حيث توقف العديد من السلاسل. ويبدو أن استئناف هذه الخطط سيتأخر، خاصة وأن الهيئة الجديدة لم تلحظ أن غالبية نشاط مديرية التأليف والترجمة في الوزارة يتركز على الترجمة، بمعدل 120 عنواناً سنوياً في مختلف المجالات الإبداعية. وهناك العديد من المخطوطات المتأخرة جراء الإرباك الحاصل حالياً في الوزارة.
وزارات الثقافة تنقذنا من قانون الاستهلاك
د. زياد منى، مدير "دار قدمس" المتخصصة في ترجمة كتب الدراسات الأكاديمية التاريخية، نوَّه بدور وزارة الثقافة السورية، و"المجلس الأعلى للثقافة" في مصر، و"المجلس الثقافي الوطني" في الكويت، في تفعيل حركة الترجمة إلى العربية، من حيث النوع والكم، وبأن هذه المؤسسات ترجمت الكثير من الكتب الهامة، التي لا يمكن لدور النشر الخاصة أن تأخذ على عاتقها مهمة نشرها، لعدم رواجها تجارياً.
ويشير زياد منى إلى أن "سياسة الانفتاح ورواج ثقافة الاستهلاك في عصر الانحدار أثرا على حركة الترجمة، وجعلاها تتجه نحو تلبية متطلبات السوق الآنية والعابرة، لذا تلعب المؤسسات الحكومية دوراً جيداً في استدراك حاجات السوق الأساسية، كونها لا تخضع لشروط الربح والخسارة". ويضيف قائلاً بأن "حركة الترجمة تبدو ضعيفة إلى حد ما خارج هذه المؤسسات، لأن دور النشر التي تعنى بالترجمة قليلة.
ويضرب مثالاً دار قدمس التي يعتبر مشروعها خاسراً تجارياً كونها متخصصة في ترجمة كتب التاريخ القديم والدراسات الأكاديمية". وهي كتب بحثية تفتقر إليها المكتبة العربية، مثل: "الكتاب المقدس والاستعمار الاستيطاني" و"الموارنة في التاريخ" و"داود ويسوع بين التاريخ والتراث المشرقي" وغيرها، والتي نادراً ما تفكر دور نشر أخرى بترجمتها خلا الكتب التاريخية ذات البعد السياسي. وتعمل الدار على تقليل خسائرها من خلال نشر كتب بالشراكة مع مؤسسات أخرى كنوع من الحصول على دعم يساعد على تحمل أعباء الترجمة.
العرب يسبقون الأوروبيين
وبحسب السوق يلاحظ أن الأكثر حركة هو ترجمة الروايات، وما يميز المترجمين في سوريا خصوصاً والعالم العربي عموماً، ترجمتهم لما يشعرون بأهميته من الروايات، ولا تنحصر خياراتهم ضمن مجموعة الأسماء الشهيرة، كما هو الحال بالنسبة لدور النشر الغربية، بحسب رأي زياد منى، الذي لفت إلى أنه تمت ترجمة رواية سلمان رشدي "العار" إلى الإيرانية والعربية، وقامت بها وزارة الثقافة السورية، قبل فترة طويلة من روايته "آيات شيطانية" التي أطلقته في الغرب. كما أن هناك رواية صادرة حديثاً بالانجليزية للكاتب هاشم مطر "بلاد الرجال"، وهي الأولى له، ومن المتوقع أن تنال اهتماماً كبيراً، تم نقلها إلى العربية في السويد، قبل أن تنقل إلى أي لغة أوروبية أخرى. كما ترجمت "دار قدمس" عن الفرنسية للكاتبة آنا غفالدا مجموعتها القصصية "أود لو أن أحداً ينتظرني في مكان ما"، ونشرت قبل نشر ترجمتها الألمانية التي تأخرت عنها عاما ونصف. وكذلك روايات التركي أورهان باموك، بدأت ترجمتها ونشرها في سوريا قبل أكثر من عشر سنوات، أي قبل أن ينال جائزة نوبل ويشتهر في الغرب.
ويقول د. منى، إن الذي ساهم في تعريف القارئ العربي بباموك هو المترجم والكاتب عبد القادر عبد اللي. ومن خلال تلك الأمثلة يؤكد منى على أن غالبية ما يترجم هي إصدارات حديثة. ويشير إلى أن الأوروبيين يستغربون سرعة الترجمة إلى العربية قبل أي لغة أوروبية، من خلال ما ذكرته مجلة ألمانية أسبوعية على هامش لقائها مع الكاتب توماس طومسون الذي تنبه إليه الألمان بعد إثارة قضية اكتشاف قبر يسوع، فنوهت المجلة باستغراب إلى أن كتاب طومسون "داود ويسوع" ترجمته "دار قدمس" من الانجليزية إلى العربية قبل ترجمته إلى اللغة الألمانية!!
ثمة روائيون عرفهم القارئ العربي قبل أن تذيع شهرتهم، كالكاتب الجنوب إفريقي جون ماكسويل كوتيزي الذي ترجمت رواياته "دار الجندي" و"دار ورد" في سورية قبل نيله جائزة نوبل عام 2003. وكذلك روايات التركي اورهان باموك، وأشعار أورهان ولي، وغيرها الكثير من الكتب والمؤلفات الإبداعية في حركة ترجمة تحكمها أهواء وميول واهتمامات المترجمين، بالتآزر مع توجه حركة السوق التي تركز على رواية أمريكا اللاتينية والكتاب السياسي الراهن، ككتب نعوم تشومسكي، ومذكرات بيل كلنتون وكتب روبرت فيسك التي تلقى اقبالاً من القارئ العربي.
الكلاسيكيات مخرجاً
لكن سمر حداد، صاحبة "دار أطلس" التي تعتمد في غالبية منشوراتها على الترجمة، تقول إنها لا تتعامل مع الكتب الصادرة حديثاً، والرائجة من الأنواع الموسمية التي تبيع في فترة معينة ثم تتراجع أو تجمد. فهي تفضل نشر وتوزيع الكتب الفكرية والفلسفية والتنظير السياسي التي لا ترتبط بحدث راهن، مثل كتاب بول ريكور "في التفسير، محاولة في فرويد" وكتاب جيل دولوز "سبينوزا ومشكلة التعبير". فهذا النوع من الكتب لا يتوقف الطلب عليه، وإن كان بوتيرة بطيئة. وتبرر سمر اعتمادها على الترجمة، لأن المؤلفين العرب الكبار، تحتكرهم دور النشر الكبيرة، إذ لا قدرة مالية لـ"دار أطلس" على دعم الكتاب الجدد ولا المغامرة في ترجمة الروايات والكتب الجديدة، بسبب كلفتها العالية وعدم ضمان المردود، لذا تفضل ترجمة الكلاسيكيات والكتب الأساسية وطباعتها أكثر من مرة.
المترجم والكاتب عبد القادر عبد اللي، شارك الشهر الماضي في ندوة أقيمت في تركيا، لمترجمين عن التركية من 22 دولة. يقول عبد اللي، انه "في الجلسة التي خصصت للحديث عن ترجمة أعمال أورهان باموك كان هناك 12 دولة، وكنت الوحيد من بينهم الذي ترجم أعمال باموك كاملة". يتابع قائلاً، بأنه لا يستطيع أن يكون جازماً، لعدم وجود إحصائيات دقيقة، لكنه يعتقد أن نسبة 85 % مما ترجم من التركية إلى العربية قام به سوريون. وهو وحده يترجم من أربعة إلى ستة كتب كل عام . وهذا العام ستصدر له خمسة كتب. وينقل عبد اللي عن لسان مدير الكتاب والنشر في وزارة السياحة والثقافة في تركيا قوله في تلك الندوة: "نحن سعداء بأن يكون مدخل الكتاب التركي إلى الوطن العربي عبر سورية. معبراً عن رضاه عن وضع الترجمة من التركية إلى العربية، وأشار إلى أن رواية "اسمي احمر" ترجمت في سورية، قبل عام ونصف العام من قيام "دار كاليمار" بترجمتها، فسبق نقلها إلى العربية واللغات الأخرى".
كما لاقت ولا تزال أعمال عزيز نسين الساخرة إقبالاً كبيراً من القراء العرب، وثمة كتب لها أكثر من ترجمة واحدة. إلا أن عبد اللي يرى أن الإقبال على كتابات نسين، تراجعت بعض الشيء، لأن كتاباته التي سدت ثغرة كبيرة سابقاً في مجال الزاوية والأدب الساخر، لا سيما قبل التطورات التي شهدها قطاع الإعلام المحلي والدراما الكوميدية الساخرة في السنوات الأخيرة، لم تعد كالسابق مع نشاط الكتابة الساخرة في سورية. حالياً يتصدر المبيعات أورهان باموك. ويستدرك عبد اللي: "طبعاً الأمور هنا نسبية، فعندنا طبع من رواية "اسمي أحمر" 2000 نسخة، بينما وحسب ما علمت من المترجمة التي نقلت الرواية إلى اللغة الكورية أنه تم طبع 70 ألف نسخة في كوريا".
المؤلفون يستغنون عن حقوقهم الهزيلة
وهنا ننتقل إلى مشكلة أساسية يعاني منها المترجم السوري وربما العربي، وهي تقاضيه أتعاب الترجمة مبلغاً مقطوعاً، وليس على عدد النسخ المباعة. لأنه لو تم حساب الأتعاب وفق نسبة المترجم التي يتقاسمها مع المؤلف والتي هي حسب السعر 12 ـ 16% من سعر الغلاف. أي لا تتجاوز حصة المترجم نسبة 6 إلى 8% من سعر الغلاف، وقياساً لأرقام النسخ المطبوعة عربياً التي لا تتجاوز الـ 2000 نسخة وفي أحسن الحالات 5000 نسخة، فإن ما يمكن أن يناله المترجم والمؤلف هي مبالغ هزيلة تتراوح بين 400 ـ 600 دولار. لذلك اعتمدت دور النشر سياسة تسعير الترجمة بشكل قطعي، بمعدل يتراوح بين 4 ـ 8 دولارات للصفحة الواحدة. أما حقوق المؤلف، فغالبية المؤلفين الأجانب يرفضون تقاضي هكذا مبالغ ضئيلة، ما يجعل أمر الحصول على حقوق الترجمة أمرا بالغ الصعوبة، فتطبع كثير من الكتب من دون حقوق، أو يتبرع المؤلف بحقوقه بعد اطلاعه على أرقام النسخ المطبوعة، ومنهم من يعبر عن سعادته لمجرد نقلها إلى العربية. وهذا يقودنا إلى تكاليف الكتاب المترجم، الذي لا يقتصر على أتعاب المترجم فقط، بل تضاف إليها كلفة المراجعة والتدقيق اللغوي. إنها عملية مكلفة ومرهقة بحسب ما قاله صاحب "دار ورد" مجد حيدر، الذي يرى أن عملية مراجعة الترجمة مهمة جداً. ففي بداية انطلاقة الدار، حسب قوله، تورطنا في ترجمات كانت بمستوى متدن لم ننشرها، لكن جرى نشرها في دور أخرى. إلا أن حيدر الآن يقوم بعد الترجمة بعمليات مراجعة عديدة وتدقيق لغوي، كان لها دور هام في ترويج سمعة الدار عربياً.
ومع أن الاهتمام بالترجمة في سورية يعتبر إلى حد كبير نتيجة جهود فردية يقوم عليها المهتمون والمتابعون للشأن الثقافي والإبداعي من المترجمين وبعض دور النشر، إلا أنها حصدت سمعة جيدة للمترجم السوري. وتقول سمر حداد، إنه من خلال عملها في التوزيع والنشر واشتراكها في معارض الكتاب العربية، لاحظت إقبالاً على الكتب المترجمة في سورية، فحركة الترجمة ناشطة بشكل جيد قياساً إلى البلاد العربية. وأفضل المترجمين وبأرخص الأسعار موجودون في سورية، بسبب تفاوت مستوى الدخل. فما هو مقبول للسوري، يبدو بخساً جداً بالنسبة للخليجي، وهذا سبب رواج الترجمات السورية. وحسب علم حداد، هناك كثير من المترجمين يتعاقدون مع دور نشر كبرى ومؤسسات ثقافية في الخليج والسعودية وليبيا.
نحن داخل الحركة العالمية لا خارجها
نشاط سوق الكتب المترجمة ومواكبتها للصادر حديثاً في الغرب، يدعو للتفاؤل، لكنه لا يمنع من النظر إلى حالة الفوضى التي تحكم حركة الترجمة في البلاد العربية، حيث تصدر أكثر من ترجمة للكتاب الواحد في البلد ذاته، أو أكثر من بلد، ما يهدر الكثير من الطاقات والأموال، ناهيك عن غياب استراتيجية واضحة وشاملة تنسق عملية الترجمة بين البلدان العربية. وتعد حركة النقل والترجمة التي ازدهرت إبان العصر العباسي، أول حركة مكرسة ومنظمة في التاريخ، لتعدد مصادرها وفعالياتها. فقد ترجم العرب عن اليونانية والفارسية والهندية والسريانية والقبطية، وتميزت بتنوعها، إذ عملت على تغطية العلوم على اختلافها من الفلسفة والمنطق والطب والفلك والرياضيات والكيمياء والعلوم الطبيعية والأدب، ناهيك عن رعايتها من قبل الحكام. فتم إنشاء ديوان الترجمة في عهد المنصور، تطور بدوره في عهد المأمون ليصبح "دار الحكمة". ولم يبخل الحكام على المترجمين حتى يجدّوا في عملهم. حينها يقول زياد منى، كان العرب يحكمون العالم، كذلك في عصر النهضة ترجمت الكتب التي تساعد على نشر الوعي النهضوي، أما الآن فنحن نعيش عصر تفكك في ظل انتشار ثقافة هشة، تجعل الترجمة تأخذ اتجاه حركة السوق، لتلبية حاجة الاستهلاك، لا الضرورة الفعلية، ومع ذلك نقول ان حركة الترجمة جيدة...
مجد حيدر يقول، لسنا خارج ما يحدث في العالم، بل نحن داخله ونتابعه بشكل جيد. ما ينقصنا هو المنهجية في العمل والتخطيط، والترجمة أكثر. فجهود الأفراد لا تغني ولا تثمر، وبدل أن تكون "دار ورد" واحدة من عشر دور تقريباً تعمل على الترجمة، يجب أن تكون واحدة من عشرات في المحيط العربي.
غياب الاستراتيجيات
الباحث والمترجم ثائر ديب، يدعو إلى ضرورة وضع خطة استراتيجية للترجمة وفق التقسيم العشري، ويقول: مع أن وزارة الثقافة كانت تضطلع بدور كبير في الترجمة، إلا أن الاختيار كان يتم بناء على اقتراحات أشخاص في الوزارة أو مترجمين، وحينما كان هؤلاء على سوية مهنية عالية كانت اختياراتهم جيدة، ومع غياب هؤلاء تراجعت الترجمة، والسبب غياب خطة منهجية واضحة، كما هو الحال في المؤسسات الكبرى في العالم.
عبد القادر عبد اللي تحدث أيضا عن الطابع الشخصي للمترجم والذي يميزه عن غيره. فكما هناك أشخاص مميزون في كل مجال كذلك الأمر بالنسبة للترجمة. والمترجم المتميز هو المتابع الذي يمتلك حساسية اختيار الكتاب المهم والصالح للترجمة في ظل غياب مؤسسات كبيرة لديها جهاز استشاري ولجان قراءة. وبالنسبة لاختياراته يقول إنه أحياناً ينتقي ما يترجمه من كتب على العنوان، وما يكتب في تقديم الكتاب، مما يساعده على تقدير أهميته. ومنذ فترة أعجب بعنوان "عروس بلا طرحة للقصر الرئاسي". وهي رواية تاريخية عن علاقة غرامية لأتاتورك. ومع أنها ليست العمل الأول للكاتب التركي إبراهيم خليل أزوجان، إلا أنها كانت سبباً في شهرته، وحين وقع معه عقد ترجمتها، لم يكن قد طبع منها سوى 2000 نسخة، وخلال ثلاثة أشهر تجاوزت مبيعاتها الـ 15 ألف نسخة. ويوضح عبد اللي أنه ورغم معرفته الشخصية السابقة بالكاتب، لم يفكر بالترجمة له من قبل، إلى أن لفت نظره عنوان الرواية.
غالبية دور النشر تعتمد على المترجمين في تقديم الاقتراحات والمخطوطات، وثمة معايير أخرى في الاختيار. فمثلاً الشعر والمسرح يبدوان مستبعدين من الترجمة لعدم رواجهما، في حين تمت ترجمة الكثير من كتب الشعر والمسرح في الستينات والخمسينات، بينما اليوم الصدارة للرواية. وترجمت "دار المدى" في السنوات الأخيرة، العديد من دواوين الشعر العالمي، بعكس الروايات التي لاقت إقبالاً كبيراً كترجمات غارسيا ماركيز، ماريو فارغاس يوسا، إيزابيل الليندي، جورج أمادو ، أليخو كاربانتيير، وخوان رولفو.
لا شك أن المترجم العربي كفرد متابع لما يجري في العالم لديه ما يكفي لتحديد الكتاب الذي تفتقد إليه المكتبة العربية، ويحتاجه القارئ العربي، لكن عموماً لا يبدو أننا كعرب نعرف ما نحتاجه للتمكن من الاندماج في حركة التطور العالمية في ظل فوضى تحكم بقعتنا الجغرافية منذ عقود. وبقليل من التدقيق في ما يترجم من روايات وينشر على نحو لافت، سنلاحظ أن القارئ العربي يقبل على ما يشبهه، يدل على ذلك رواج كتب عزيز نيسن وروايات أميركا اللاتينية والتي راحت تصدر بطبعات ثامنة وتاسعة.
المصدر: الشرق الأوسط
إضافة تعليق جديد