المراحل الأربعة للحدث الاحتجاجي السوري وما سيليها
الجمل: سعى خصوم دمشق لجهة القيام بإنفاذ مخطط إسقاط النظام، وعند بدء انطلاق فعاليات الحدث الاحتجاجي السياسي السوري، تحدث هؤلاء الخصوم قائلين بأن السيناريو سوف يكتمل خلال بضعة أسابيع، والآن وبعد مرور أكثر من عشرة أشهر، بدا واضحاً أن الأمر من غير الممكن إنجازه، وهنا يبرز السؤال القائل: ما الذي سوف يفعله خصوم دمشق بعد فشل سيناريو إسقاط النظام؟
* مسرح الحدث السوري: اللحظات الانتقالية الحاسمة
أخذت فعاليات الحدث الاحتجاجي السياسي السوري طابعاً تحوّلياً انتقالياً مثيراً للاهتمام مع بدء وصول فريق المراقبين العرب، وفي هذا الخصوص نشير إلى الأحداث والوقائع الآتية:
• شهدت العاصمة السورية دمشق، وتحديداً منطقة كفرسوسة، ومنطقة الجمارك، تفجيران انتحاريان أسفرا عن وقوع أكثر من 150 جريحاً وحوالي 50 قتيلاً، بفعل قيام عناصر معارضة انتحارية باستهداف مبنيين رسميين.
• شهدت جامعة دمشق حدثاً مأساوياً، عند قيام أحد الطلاب المعارضين بالدخول إلى قاعة الدراسة واستخدام مسدس في إطلاق النار ضد خمسة من زملاءه في قسم الهندسة الطبية.
هذا، وتحدثت التقارير بشكل مستفيض عن قيام المجموعات المعارضة المسلحة باستهداف العديد من المدنيين في المناطق الشمالية، مثل جبل الزاوية وإدلب إضافة إلى مدينة حمص برغم وجود فريق المراقبين العرب فيها.
تأسيساً على هذه الوقائع وغيرها، فقد أصبح من الواضح أن فعاليات المعارضة السورية قد بدأت في التحول باتجاه المزيد من استخدام أعمال العنف والقتل، الأمر الذي أصبح يتنافى ويتعاكس بشكل تام مع مزاعم العديد من خصوم دمشق الداخليين والخارجيين، وما هو مثير للانتباه في هذه النقطة يتمثل في الحقيقة القائلة بأن المزيد من العنف بواسطة المعارضة سوف يؤدي بالضرورة إلى المزيد من الانقسامات والانشقاقات في صفوف المعارضة. إضافة إلى المزيد من الانسحابات في صفوف الداعمين للمعارضة، الأمر الذي سوف يسفر في نهاية الأمر عن المزيد من عزلة هذه المعارضة.
* المسرح الإقليمي الموازي: ما الذي يجري وراء كواليس الدبلوماسية؟
سعت التحليلات السياسية والتسريبات لجهة الإشارة إلى موقف واشنطن المثير للاهتمام، وبالذات فيما يتعلق بموقف واشنطن المتباطئ لجهة التشدد في مواجهة دمشق، وبكلمات أخرى فقد لاحظ العديد من المحللين والمراقبين والخبراء بأن واشنطن لم تسع لجهة التصعيد والقيام بعمليات التعبئة المتطرفة من أجل القيام بالتدخل في سوريا، بعكس ما حدث في الحالات الأخرى عندما تدخلت واشنطن في العراق وأفغانستان وليبيا. وفي هذا الخصوص فقد برزت تسريبات تقول بأن واشنطن تفضل حالياً التريث ومتابعة الموقف عن كثب إلى حين اكتمال التفاهمات السرية الجارية على خط طهران ـ الرياض.
أضافت التسريبات بأن تفاهمات طهران ـ الرياض السرية الجارية حالياً، تتعلق بالعمل من أجل التوصل إلى تسوية مقبولة للطرفين حول النقاط الآتية:
• موقف طهران: إن دمشق هي خط أحمر لن تسمح طهران لأي طرف بتجاوزه.
• موقف الرياض: إن البحرين وشرق المملكة العربية السعودية هما خطر أحمر لن تسمح الرياض لأي طرف بتجاوزه.
أشارت التسريبات بأن صفقة طهران ـ الرياض، سوف تواجه المزيد من المصاعب والعراقيل، ومن أبرزها:
• إن فعاليات استهداف دمشق هي بفعل تورط الأطراف الثالثة الخارجية، والتي ظلت تقدم المال والسلاح والمسلحين وحشد الدعم الدبلوماسي الخارجي الدولي والإقليمي.
• إن فعاليات استهداف البحرين وشرق المملكة العربية السعودية هي بفعل المواطنين البحرينيين ومواطني شرق المملكة العربية السعودية، وليست بفعل تورط الأطراف الثالثة الخارجية.
وتأسيساً على ذلك، تبدو عناصر الصفقة غير متكافئة، طالما أن التزام الرياض وحلفاءها في مجلس التعاون الخليجي بالكف عن تقديم المال والسلاح والمسلحين والدعم الدبلوماسي الإقليمي والدولي سوف يؤدي بالضرورة إلى إبطال فعاليات استهداف دمشق. أما طهران، فهي لا تملك السيطرة المباشرة على فعاليات البحرين وشرق المملكة العربية السعودية، ولا حتى أي دولة أخرى بما في ذلك أمريكا وفرنسا وبريطانيا، وطالما أن الأمر يتعلق بالمواطنين والسكان المحليين في البحرين ومناطق شرق المملكة العربية السعودية، فإن إبطال الفعاليات هو حصراً في يد الرياض وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، وبكلمات أخرى، إذا سارعت الرياض والأطراف الخليجية لجهة الحوار وبناء الثقة والاستجابة لحقوق مواطنيها، فإن فعاليات الاستهداف سوف تنتهي، وفي هذا الخصوص تجدر الإشارة إلى أن استمرار التصعيدات في البحرين ومناطق شرق المملكة العربية السعودية سوف يسفر عن صعود جملة من المخاطر والتي سوف يكون من أبرزها:
• تزايد نزعة العداء الداخلي، بما سوف يؤدي بالضرورة إلى إلحاق الأضرار بالنسيج الاجتماعي السعودي والخليجي.
• تزايد الأيادي الخفية الخارجية التي سوف تسعى للتدخل.
• تزايد انتقادات المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان.
وتأسيساً على ذلك، فإن تدهور أوضاع البحرين وشرق المملكة سوف يؤدي بالضرورة إلى إشعال الصراعات المسلحة الداخلية ضمن النموذج الذي أطلقت عليه مراكز دراسات جماعة المحافظين تسمية الحرب السنية ـ الشيعية.
* التطورات الانتقالية الجديدة في ملف الحدث الاحتجاجي السوري: إلى أين؟
شهدت تطورات ملف الحدث الاحتجاجي السوري العديد من المنعطفات واللحظات الحاسمة، وفي هذا الخصوص نشير إلى المراحل الآتية:
• المرحلة الأولى: بدأت باحتجاجات درعا، ووصلت إلى ذروتها في شهر رمضان الماضي الذي شهد لحظة صدام قاطرة دمشق ـ المعارضة، وكان واضحاً أن فعاليات المعارضة لم تجد الاستجابة الواسعة بل ظلت محدودة النطاق.
• المرحلة الثانية: بدأت بالحراك الخارجي الساعي لتدويل ملف الاحتجاجات بواسطة مجلس الأمن الدولي. وبرغم نجاح خصوم دمشق في توصيل الملف إلى مجلس الأمن الدولي، فقد أنهى الفيتو الروسي ـ الصيني المشترك العملية.
• المرحلة الثالثة: بدأت بإجراءات جامعة الدول العربية، وتحديداً مجلس وزراء الخارجية العرب، وأمانة الجامعة العربية، وصولاً إلى مرحلة التوافق على المبادرة العربية والتوقيع على البروتوكول ثم وصول المراقبين العرب. وتنظر جميع الأطراف بقلق بالغ إلى التطورات الجارية في هذه المرحلة.
• المرحلة الرابعة: بدأت بالتفجيران الانتحاريان اللذان استهدفا المباني الرسمية في منطقة كفرسوسة ومنطقة الجمارك، إضافة إلى اغتيال الطلاب في جامعة دمشق، ونلاحظ هنا أن هذه المرحلة قد بدأت فعالياتها قبل اكتمال فعاليات المرحلة الثالثة.
إن تداخل فعاليات المرحلة الرابعة مع فعاليات المرحلة الثالثة، معناه، أن الطرف الذي يقوم بإدارة دولاب فعاليات المرحلة الرابعة، يحاول أولاً التأثير سلباً على فعاليات المرحلة الثالثة، وبالذات على الجانب المتعلق بعمل فريق المراقبين العرب، وثانياً يحاول نقل الفعاليات إلى مستوى المواجهات الدامية المرتفعة الشدة، فهل يا ترى، وعلى خلفية التصريحات الفرنسية والأمريكية الأخيرة سوف تسعى أمانة الجامعة العربية إلى سحب خبراءها بما يفسح المجال أمام محاولات التدويل الجارية في الخفاء، خاصة وأنها لم تعد سراً. وفي هذا الخصوص فقد نقلت بعض التسريبات بأن الرياض قد أبلغت "سمير جعجع" خلال زيارته الأخيرة بأن يستعد ويرتب الأمور، وذلك لأن محور الرياض ـ الدوحة السلفي الوهابي قد عقد العزم على حسم "غزوة" دمشق خلال ثلاثة أشهر كحد أقصى!
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
امريكا
إضافة تعليق جديد