%10 من أهالي قرية «سطح العفريت» مطلوبون للقضاءبتهمة الاستثمار!
اعتقد أبو علي، أحد وجهاء قرية «سطح العفريت»، لدى سماعه بكلمة التنمية أنّها تعني أحد أنواع الحلاوة، فيصحح له جاره بالقول: نمّورة حتماً!! ويتوضّح أنّ الهمّ المعيشي يرعب أهالي هذه القرية المنسية في طبيعة جميلة من ريف حمص الغربي (60كم عن مدينة حمص)، إذ سرعان ما سألوا:
صحيح سيرتفع ثمن المازوت؟ أتاهم الجواب: « حتماً بعد رفع ثمن المازوت ستصل التنمية إلى قريتكم وباقي القرى من بابها العريض، وستكون تنمية مستدامة..»، فأصدر الأهالي المجتمعون قنبلة من الضحك لدى تعليق أحدهم إذ قال: الحمد لله سنشبع نمّورة!!
هكذا يفهم أهالي تلك القرية التنمية مع أنّهم من الجمهور القسري للتلفزيون السوري ببرامجه التنموية التوعوية الحكومية، إذ لم تصلهم بعد حضارة «الدشّات»، كذلك لم يصلهم من التنمية شيئاً سوى بعض الخدمات (ماء وكهرباء وصرف صحي)، والقرية بدون أيّ موظّف لدى جهة حكومية، وبدون أيّ عامل لدى قطاع اقتصادي منظّم، ويعمل الأهالي في أراضيهم الزراعية وبإنتاج فقير من محاصيل (الزيتون، وبعض الخضراوات، والفريز) والقليل منهم يملك بيتاً بلاستيكياً، ويعمل قسم من الشباب في دولة مجاورة، أمّا الوضع التعليمي فتعكسه حقيقة عدم وجود أيّ حامل لشهادة البكالوريا منذ نشأة القرية، ودخلت هذه القرية في اهتمام الدولة عبر سلطاتها فقط، حيث يبلغ عدد المطلوبين من الأهالي للقضاء أربعين شخصاً، وهو ما يشكّل 10%من سكان الضيعة، بسبب ما اعتبر اعتداء على عقار للحراج، والتهمة قيام الأهالي بزراعته زيتوناً للاستثمار الشخصي؟!
اسم هذه القرية غريب ويجهل السكّان سرّ هذه التسمية، إنّما من يعاين الطريق الواصل إليها، بدءاً من مفرق نعرة على استراد حمص طرطوس، مروراً بقريتي المصيدة والورديات سيعتقد بأنّ هذا الطريق المتقادم والوعر والشديد الترقيع مخصص لتسلكه العفاريت فقط، فكيف يمكن لتنمية مستدامة أو غير مستدامة أن تعبر طريقاً لم يتمّ استبداله منذ عشرين عاماً؟! أمّا الشوارع داخل القرية فهي بلا تعبيد ولا زفت وشديدة السوء..
وتبعد «سطح العفريت» عن مدينة تلكلخ عشرين كيلومتراً، ولكن يمكن الوصول إلى القرية عبر الطلبات الخاصة حصراً، وبأجرة 150ل.س فقط، ومثلها للعودة؟! ولولا أنّ بعض شباب القرية اشتروا الخليوي، لأمكن تسجيل هذه القرية ضمن القرى المعزولة، فالهاتف الثابت لم يصلها، ولا حتّى ذلك الخط الوحيد للعموم الذي عادة تخدّم به القرى غير المخدّمة بالهاتف..، وتأتي مسألة تأمين مدرسة ولو صغيرة بما يستوعب طلبة القرية (حوالي75 تلميذاً حالياً) في أولوية الأولويات ضمن مطالب الأهالي ومعاناتهم، لأنّ تلاميذ الضيعة يدرسون في منزل عادي..
لا يعرف سكان قرية «سطح العفريت» من الخطة الخمسية العاشرة، سوى ما يوجد في اسمها (خمسة من خمسية)، و(عشرة من العاشرة)..، وكذلك حال الأهالي في القريتين المجاورتين (الورديات ـ المصيدة)، ومن هذا الجانب تكون قرية واحدة نموذجاً من عشرات القرى المهملة والتي لا يتمّ استهدافها ببرامج تعليمية وببرامج للعمل، ويجوز المطالبة ببرنامج حكومي مفاده (فرصة عمل لكلّ قرية) أسوة ببرنامج ورد ذكره في نصّ الخطة الخمسية هو (فرصة عمل واحدة لكلّ أسرة)، إذ قبل وضع برنامج كهذا ـ الأخير ـ يجب التأكّد أولاً من قرى بالجملة لا تملك أيّة فرصة عمل نظامية لدى الدولة والقطاع الخاصّ!!
ويمكن الإشارة إلى أنّ الزّائر لتجمّع قرى المصيدة والورديات وسطح العفريت لا بدّ له أن يتذكّر طقوس النّاس وبساطتهم وحاجتهم على الأقل إلى مسؤولين من الصف الرابع والخامس لزيارتهم ومعرفة مطالبهم وهمومهم، ولكن يبقى المشهد الأكثر تأثيراً في الذاكرة طريق المصيدة الذي يعبره بضعة مهرّبي مازوت على الدرّاجات النارية بين الحين والحين، وتحمل كل دراجة ثلاثة بوادين بلاستيكية كبيرة مجموعها 200ليتر، وبهذا يتجسّد شكل من أشكال فرص العمل التي يمتهنها قسم من الشباب في منطقة تلكلخ، وشاءت المصادفة أن يشير أحد المهربين للسيارة على طريق العودة من الجولة الصحفية، ويتوقف ليسأل: هل يوجد "دوريات مكافحة" على الطريق..؟!
فأتاه الجواب رغم رائحة المازوت التي يوزّعها: لم ننتبه، ولكن لماذا تسأل؟ هل بوادين المياه التي تحملها تخالفها الدوريات؟! فكان جواب المهرب الذي توتّر: طرطرطرطر..!! وهذه الطرطرة تعني أنّ المهرّب انزعج وأقلع بدراجته النّارية، قبل التمكّن من سؤاله عن مفهومه للتنمية؟!
ظافر أحمد
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد