هيرتاموللرفي طبعتها العربية:تعيد اكتشاف شعريةالنص وجماليات اللغة

13-01-2010

هيرتاموللرفي طبعتها العربية:تعيد اكتشاف شعريةالنص وجماليات اللغة

 ربما شكل فوز رواية 'أرجوحة النفس' للكاتبة الألمانية هيرتا موللر بجائزة نوبل للآداب أهم مفاجآت المشهد الثقافي للعام المنصرم، لكن أن تصدر طبعتها العربية بالتزامن مع الطبعة الألمانية فهي مفاجأة لا تقل أهمية عن سابقتها وإن كانت محكومة بعامل الصدفة ليس إلا.
فالحكاية، كما يقول، مترجم الرواية وحيد نادر: ' تعود لربيع عام 2009 عندما اتصلت بي إدارة مشروع (كلمة) للترجمة التابع لهيئة الثقافة والتراث في أبو ظبي، وعرضت عليّ يومها ثلاث روايات، روايتين لكاتبين نمساويين ورواية الكاتبة الألمانية من أصل روماني هيرتا موللر (أرجوحة النَّفَس) وكانت لا تزال مخطوطة معدة للنشر في دار كارل هانزر في نيسان (إبريل) 2009.
وقد اخترت ترجمة رواية هيرتا موللر لأنهاّ الوحيدة التي كانت تكتب بلغة شعرية متميزة بين الأدباء الثلاثة. كما أنّ وجود هيرتا موللر غير بعيدة عنيّ في برلين شجعني على ترجمة روايتها، فأنا أستطيع الاتصال بها والكتابة لها، بل وربما السفر إليها إذا دعت الضرورة وتعثرتُ في مواقع أحتاج فيها لمساعدة الكاتبة. وهذا ما حدث فعلاً فيما بعد، إذ اضطررت لتبادل الرسائل الإلكترونية معها عبر الانترنت، وأجابتني مشكورة على كلّ تساؤلاتي التي طرحتها عليها بخصوص بعض التعابير أو التوظيفات اللغوية الخاصة بها، والتي لا يعينك في فكّ معانيها لا قاموس ولا موسوعة ولا ثقافة.
وبذلك كانت اللغة العربية هي اللغة الأجنبية الأولى التي تُرجمت إليها الرواية. فقد كان عليّ وبتكليف من هيئة ثقافة أبو ظبي أن أنجز الترجمة في بدايات شهر أيلول (سبتمبر) 2009 لتصدر الرواية بنسختيها الألمانية والعربية في وقت واحد، بمناسبة انعقاد معرض فرانكفورت للكتاب. وكان ذلك فعلاً، إذ استطاعت المطبعة أن تورّد الكتاب قبل تاريخ 14/10/2009 ليعرض في جناح ( كلمة) في معرض فرانكفورت للكتاب، حيث استطعت تلمّس وليدي أمام كاميرا الصحافيين هناك. وكانت هيرتا موللر قد أخذت الترجمة العربية بيديها وأثنت عليها قائلةً: ( أعرف أن روايتي هذه ليست من الأعمال التي تسهل ترجمتها وهذا يزيدني شعوراً بالامتنان، إذ لم أكن أتوقع بصراحة هذه الالتفاتة من اللغة العربية، وبمثل هذه السرعة لعملي الأخير)'.
لهذه الأسباب أحببت أن نتوقف قليلا مع الشاعر والصديق المهاجر وحيد نادر، شاكرا هذه الصدفة التي أعادته إلينا أديبا ومترجما من الطراز الرفيع، فهو وإن درس هندسة البتروكيمياء في الجامعات السورية والألمانية حتى حصل على درجة الدكتوراه، إلا أنه كان قبل ذلك وأثناءه شاعر من طراز خاص، ربما يكون أقرب إلى الشاعر الأمريكي وولت ويتمان في علاقته باللغة وقدرته على اكتشاف الأشياء، وليست مصادفة أنه حاز على جائزة الشعر الأولى على الجامعات والمعاهد السورية عام 1978. وقد صدر له ديوانا شعر: الأول بعنوان ' كيف سأنفق هذا الجوع' بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب في دمشق سنة 1984. والثاني بعنوان 'الحمد للربّ لم يلد وخلّف لي حبيبي' عن دار التوحيدي في حمص عام 2000.
ومن الواضح أنه، رغم تميزه، شاعر مقل نسبيا، بل هو شاعر سرقته هموم الحياة مبكرا، لكنه حتى في هجرته لم يبتعد عن الشعر والأدب، فكان وحيد نادر منذ عام 1987 يشارك بفعالية في الورشة الأدبية لاتحاد الكتاب الألمان في مجديبورغ، الذي نال عضويته في عام 2006 ، بعد أن أقام الكثير من الأمسيات الشعرية ونشر قصائده في الدوريات الأدبية الألمانية وتُرجم بعضٌ منها إلى لغات أوروبية أخرى.
حصل الدكتور نادر على المنحة الأدبية لعام 2008 من وزارة الثقافة في مقاطعة 'ساكسونيا أنهالت' الألمانية لينهي بذلك كتابة باكورته الشعرية باللغة الألمانية وهي ديوان قيد الطبع بدعم من حكومة المقاطعة نفسها بعنوان 'أرعى النجوم على ليلٍ سكران'، إضافة لترجمته ونشره العديد من المقالات والأبحاث الأدبية من الألمانية إلى العربية.
'* ما هي أهمية هذه الروائية في ألمانيا وأهمية روايتها قبل إعلان حصولها على جائزة نوبل؟
** يمكن أن نضيف إلى شعرية نص 'أرجوحة النفس' التي حسمت اختياري لترجمتها، ما كنت قد قرأته عن لغتها الجميلة وموضوعها الجديد المثير للنقاش، إذ لم يكن أحد يدري في نيسان (ابريل) 2009 أن موللر ستحصل على جائزة نوبل عن هذا الكتاب، والذي كان يومها ما زال مخطوطاً لم يطبع بعد. لكن كلّ متتبع كان يحسّ بأهميّة ذلك الكتاب والوقع الذي سيحدثه حين صدوره.
إذ كانت الأمسيات الأدبية لهيرتا موللر التي تلقيها بوجود صديقها الكاتب 'أوسكار باستيور' تثير نقاشاً كبيراً في أوساط الصحافة والمثقفين، فكلاهما ألماني من أصل روماني، أو ربما يكون الأصح أنهما حملا الجنسية الرومانية لكنهما حافظا على قوميتهما الألمانية، من هنا تبدو أهمية وحداثة الموضوع، فطرح الألماني كضحيّة هي مسألة جديدة على الساحة الألمانية، إذ اعتادت أدبيات وسياسات ما بعد الحرب العالمية الثانية على ابتزاز الألمان واعتبارهم المذنبين في كلّ ما حصل لأوروبا والعالم من ويلات، حتى تحوّلت مسألةٌ مثل 'الهولوكوست' لأداةٍ للابتزاز الصهيوني وكسب المال، وصار اتهام الألماني بالفاشيّة مسألة عقدة عند الأجيال الجديدة، أثرت حسب رأيي في نشوء أحزاب النازية الجديدة قبل الوحدة وبعدها كشكل من أشكال ردة الفعل، وليس بالضرورة إيماناً بالفكرة لدى بعض الشباب الألمان.
تطرح موللر في روايتها بقوّة وبجمالية لغوية وتعبيرية كبيرة كيف رُحّل آلاف الشباب والشابات الألمان للعمل القسري في معسكراتٍ أطلقوا عليها اسم 'معسكرات إعادة بناء ما دمرته الحرب العالمية الثانية'، وكأنهم يحملون وزر ما ارتكبه هتلر من آثام وفظائع، وكيف عاش هؤلاء وماتوا أحياناً في تلك المعسكرات. تصف لباسهم وأكلهم ومشيتهم وتتقرى أحاديثهم ومشاعرهم وحنينهم، وتصل إلى وصف القمل والبقّ الذي يمصّ دمهم في الليل حين يحاولون النوم وعذاباتهم في التخلّص منه. تصف الجوع وتحوّله لشخص أو ملاك يلاحقك في كل حركة من جسدك وفي كل هنيهة من وقتك ويراودك عن نفسك ويلهيك عن التفكير في الوطن والأهل ليصبح رفيقاً لا تستطيع العيش من دونه حتى بعد أن سُرّحت من المعسكر. هيرتا موللر تسميه ملاك الجوع، وهو ملاك يلاحق بطل الرواية 'ليو أوبيرغ' حتى مماته. وليو أوبيرغ هو الراوي نفسه 'أوسكار باستيور'، الذي كان يسرد الوقائع التي عاشها في المعسكر، وسجلتها الكاتبة في ثلاثة دفاتر كبيرة، دفاتر مليئة بالمعلومات والملاحظات التي نقلتها عن لسان من عاشوها مثل أوسكار باستيور وأمّها التي خدمت أيضاً في تلك المعسكرات، وكذلك مشاهداتها التي سجلتها حين زارت أماكن تلك المعسكرات فيما بعد في أوكرانيا مع صديقها الكاتب باستيور نفسه الذي خاض تجربة معسكرات العمل القسري السوفييتية، وخدم فيها لمدة خمس سنوات.. وكانت وسائل الإعلام تتحدث عن كتاب هيرتا موللر، الذي كانت تريد أن تنجزه مع أوسكار باستيور.
لكن دعنا نقول أنه وبالرغم من أهميّة الكاتبة، وشعرية لغتها وجدية موضوعها وأهميته فقد فوجئت ألمانيا على كلّ المستويات بنيل جائزة نوبل، حتى الكاتبة نفسها التي بدت أمام عدسات الكاميرا بعد سماعها بالجائزة مرتبكةً غير مصدقة، ولم تستطع الكلام ولا الرّد على أسئلة الصحافة.
بعد إعلان نبأ فوزها بدأ الإعلام الألماني الرسمي والخاص بتهنئتها وبثّ البرامج الخاصة بها وبأدبها وتعريف الشارع بكل مستوياته بحاملة نوبل الجديدة والدعاية لكتبها وموضوعات هذه الكتب.
وماذا عن علاقتك بالشعر؟
أنت تعتبرني مقلا في كتابتي للشعر، إذ أن عملي الأكاديمي ألهاني طويلاً عن الالتفات بشكلٍ جديّ إلى الأدب الذي أعشقه ولا أستطيع الإفلات من صراخه الذي يعبث في كلّ كياني ويتعبني. فأنا أكتب كثيراً، لكني لا أملك الوقت لإعادة قراءة ما أكتبه ثم توضيبه بين دفتي ديوانٍ شعري ثالث في العربية، وكلّ ما أرجوه أن أستطيع في القريب العاجل إنجاز هذا المشروع الذي طال انتظاره. كما انشغلت في السنتين الأخيرتين بأوّل ديوان لي باللغة الألمانية، وهو الآن في طريقه للطباعة، التي أرجو أن تتم حسب الخطة المقررة، أي في النصف الأوّل من العام 2010، بعد أن يصل التمويل من وزارة الثقافة الألمانية التي رعت العمل منذ الإعلان عنه بمساعدة اتحاد كتّابنا في الولاية.. وهذه قصيدة من الديوان، كانت ترجمت لبعض اللغات الأوروبية الأخرى واسمها 'أمريكيون':
أمريكيون
في الإنجيل لا يوجد أمريكيون
في الإنجيل يغنّي الربّ أناشيده
حول بلاد ما بين النهرين.

في القرآن لا يوجد أمريكيون
في القرآن يزرع الله نخيلاً
في بلاد ما بين النهرين.

في قلبي يعيش الكثير من الأمريكيين
وفي بلاد ما بين النهرين
يموت هذا الكثير.
ما هي انشغالاتك الأدبية الأخرى؟
كتبت الكثير من المقالات الأدبية عن شعر الدكتور عادل قرشولي وعن حياته وأدبه بشكل عام، وقد نشرت تلك المقالات المطولة في دمشق والقاهرة وفي صحيفة 'القدس العربي' في لندن. كما ترجمت حتى الآن ثلاثة عشر شاعراً وشاعرةً من اللغة الألمانية في مشروع كبير أحاول تحقيقه، وهو إنجاز انطولوجيا للشعر الألماني المعاصر، سيما ما كتب منه بعد الوحدة الألمانية الحديثة. وقد نشرت مجلّة ' الآداب الأجنبية' في دمشق ومجلة ' نزوى' العمانية مشكورتين بعض تلك الترجمات. كما أنجزتُ بتكليف من هيئة ثقافة أبو ظبي ترجمة لشاعرةٍ ألمانية شابّة موهوبة اسمها دانييلا دانتس وسينشر الكتاب في الربيع المقبل حسب الخطة الموضوعة من مشروع (كلمة) للترجمة. والشاعرة دانييلا دانتس تكتب عن البحر الأسود كجسرٍ يربط آسيا بأوروبا مستخدمةً لغة الأسطورة في التعبير عن نفسها ورحلاتها في هذا الجزء من العالم.
بين يديّ الآن ديوان شعرٍ لواحد من أهم شعراء ألمانيا بل وأوروبا هو إيريش فْريد، وهو نمساوي ولد عام 1921 في فيينا من عائلة يهودية. هرب إلى لندن عام 1938 حيث عاش فيها حتى مماته في العام 1988. وقد أثار كتابه 'وماذا بعد فيتنام' الصادر عام 1966 جدلاً كبيراً في ألمانيا. لكنه بعد أن نشر كتابه الشعري 'قصائد حب' عام 1979 أصبح أكثر شاعر مقروء في ألمانيا بعد برتولت بريشت. وقد أثارت قصيدته المشهورة 'اسمعي يا إسرائيل' غضب الصهاينة في كلّ مكان في العالم، إذ تقول تلك القصيدة:
'حين كنّا مُلاحَقين، كنتُ واحداً منكم.
كيف يمكنني أن أبقى منكم
بعد أن صرتم مُلاحِقين'.
إلى جانب هذا العمل الجميل والهام لإيريش فْريد والذي أترجمه ضمن مشروع (كلمة) الإماراتي، أعمل على ترجمة ستة شعراء ألمان جدد، لأضيفهم إلى الأنطولوجيا التي بدأتها وتحدثت عنها سابقاً. وأنا في انتقائي لشعرائي أبحث عن الموهبة والمواضيع الجديدة، وليس بالضرورة عن الأسماء المعروفة إعلامياً.

أنور بدر

المصدر: القدس العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...