موسكو لا تواكب طلبات التسليح السوري المتزايدة وتردد روسي ودمشق تنتظر «الصياد الليلي»
لم يجر أي تعديل جوهري على القوات الروسية التي تعمل على الأرض السورية، حتى الآن، وهي لا تزال تعمل في إطار الخبراء والمستشارين والمدربين على ما قاله مصدر سوري.
كل ما تغير في العلاقات التسلحية الروسية ـ السورية، يعكس حقيقة أن الحليف الروسي لا يزال يضبط دعمه التسلحي لدمشق، في إطار الحفاظ على توازن القوى، وعدم وجود قرار روسي كبير بكسر المعادلة القائمة، والذهاب نحو حسم عسكري، في المدى المنظور على الأقل.
وبرغم أن موسكو تعمل على تحصين الموقع الرئاسي السوري من أي صفقات مقبلة، إذ لا تزال تمنع حصول الغرب والمعارضة السورية بالسياسة ما لم تستطع الحصول عليه بالحرب، إلا أن رفع وتيرة التسليح لا يعد جزءاً من الإستراتيجية الروسية في سوريا، وقد يكون بديلاً عن تحالف الإرهاب الذي لم يتبلور حتى الآن ولم يتقدم خطوة واحدة، خصوصاً أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد قال إن الجيش السوري هو القوة الوحيدة الفاعلة على الأرض ضد «داعش».
ويقول مصدر سوري، إن الروس قد بدأوا التقدم نحو مبادرة نوعية في العلاقات التسلحية، للمرة الأولى منذ بدء الحرب على سوريا، إذ بدأت فرق من الخبراء الروس استطلاع مطارات حربية سورية، قبل أسابيع، وهي تعمل على توسيع مدارج بعضها، لا سيما في الشمال السوري.
ويقول المصدر السوري إنه لم يتقرر شيء حاسم في طبيعة الأسلحة التي قد تتلقاها دمشق، لكن السوريين طلبوا تزويدهم بأكثر من 20 طوافة روسية مقاتلة، من طراز «مي 28»، التي تعرف باسم «الصياد الليلي». ويقول المصدر إن الجواب الروسي كان بإرسال الخبراء الجدد إلى سوريا، قبل إعطاء جواب نهائي.
ويحتاج الجيش السوري إلى الطوافة «مي 28» لتطوير عملياته وقدرته على المناورة خلال الليل، إذ لا تزال العمليات الجوية الليلية السورية تتم عبر معدات الرؤية الليلية التقليدية التي يستخدمها الطيارون، وليس عبر خوذات الملاحة الليلية المدمجة، مع محدِّد المدى العامل بالليزر لضرب الأهداف. ويحمل «الصياد الليلي» 16 صاروخاً مضاداً للدبابات، من طراز «شتروم واتاكا»، مدى كل منها ثمانية كيلومترات، وبوسع سرب من ثلاث طوافات إيقاف تقدم سرية دبابات.
وكان الجيش السوري قد تقدم بطلب للحصول عليها منذ عشرة أعوام تقريباً، إلا أن تعقيدات بيروقراطية وإنتاجية حالت دون ذلك.
ويتقدم الروس بسرعة أقل مما يتمناه السوريون، نحو الوفاء بمجموعة كبيرة من الاتفاقات التي عُقدت معهم خلال السنوات العشر الماضية. ويبدو الانقلاب على التحفظات القديمة لمنح سوريا المزيد من الأسلحة النوعية، بطيئاً نسبياً، بالمقارنة مع الحاجات التي فرضتها الحرب التي يخوضها الجيش السوري، على أكثر من 450 جبهة داخلية، فضلاً عن بطء تأقلم الجانب الروسي مع الحاجات الجديدة في حرب العصابات التي يخوضها الجيش السوري، خصوصاً أنه لم يتلق تعويضاً عن دباباته التي خسرها في المعارك.
وفي خانة التقدم يمكن تسجيل أن أفضل مدرعات الروس المدولبة «ب ت ر 82»، بدأت بالظهور على جبهات القتال، لتعويض الجيش السوري عن خسائره في المدرعات، وتقديم تدريع أفضل في مواجهة انتشار صواريخ «تاو» الأميركية في أيدي المجموعات المسلحة.
وقدم الروس مؤخراً الجيل الأفضل من راجمات «سميرتش بي ام 30»، التي تقدم تغطية نارية عالية للقوات البرية. وبوسع الراجمات الجديدة، التي لم يُنزع شعار قوات الإنزال المظلية الروسية عنها حتى الآن، أن تقدم دعماً نارياً واسعاً للقوات البرية، حيث أنها تطلق 12 صاروخاً لمدى يتراوح بين 70 إلى 90 كيلومتراً، مع رؤوس متفجرة تتراوح ما بين 600 إلى 900 كيلوغرام، تغطي مساحة 640 ألف متر مربع. إلا أن صفقة صواريخ «اسكندر»، التي يصل مداها الى 280 كيلومتراً، لم ترَ النور أيضاً، برغم أن دمشق طلبتها منذ العام 2004.
كما اتسعت تقديمات الروس في مجال الطيران من دون طيار، حيث حصلت دمشق على المزيد من هذا النوع من طراز «أورلان»، إلا أن الجانب الآخر من العلاقات التسلحية يقع تحت عنوان تأجيل الاتفاقات، أو إلغاء بعضها. وهكذا تخلت دمشق عن صفقة صواريخ «أس 300» التي يتراوح مداها ما بين 150 إلى 200 كيلومتر، وأعادت موسكو مبلغ 430 مليون دولار لدمشق من ثمنها، بعد ضغوط إسرائيلية، وزيارتين لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لموسكو كي تلغي الصفقة.
وبخلاف كل ما أشيع عن تسليم موسكو لدمشق طائرات «ميغ 31»، فهذا ما لم يحصل، لأن دمشق كانت قد بدأت بالحديث عن هذه الصفقة مع موسكو للحصول على 6 طائرات من هذا النوع بقيمة 500 مليون دولار، الا ان موسكو لم تف بها حتى الآن. وفي الأصل لا تحتاج سوريا في الوقت الحاضر إلى هذا النوع من الطائرات الاعتراضية ذات الكلفة العالية، في حرب تحولت الأولوية فيها للوفاء باتفاق آخر، يجرجر الروس أرجلهم لتنفيذه، إذ لا تزال صفقة تزويد دمشق بـ36 طائرة من طراز «ياك 130»، بقيمة 550 مليون دولار، عالقة في موسكو منذ ثلاثة أعوام على الأقل.
وخلال العامين الماضيين جرى الإعلان مراراً عن قرب تسليمها، فيما كان الاتفاق الأولي قد نص على البدء بذلك في العام 2012 للانتهاء في العام 2014. ويُعدّ تنفيذ هذه الصفقة حيوياً بالنسبة للجيش السوري، إذ تُعدّ الطائرة زهيدة الثمن نسبياً مقارنة بمثيلاتها من الطائرات المتعددة الاستخدام، إذ لا يتجاوز سعرها 15 مليون دولار، كما أنها قادرة على لعب دور طائرة التدريب المتقدم، بالإضافة إلى القتال والاستطلاع والإسناد، وتقديم دعم ارضي للقوات البرية، مع حمولتها التي تصل إلى ثلاثة أطنان من القنابل. كما أن صفقة 24 طائرة «ميغ 29» اعتراضية، لا تزال مؤجلة التنفيذ منذ العام 2010، برغم ان التوقيع عليها تم في العام 2007 وكانت آخر مرة تعلن فيها روسيا أنها ستسلم طائرات لسوريا كانت في العام 2013، إلا أن الجيش السوري يملك ما بين 60 الى 80 طائرة «ميغ 29»، يحتفظ بنماذج قريبة منها قادرة على القيام بمهام مماثلة، خصوصا من طراز «سوخوي 28» التي يملك الجيش السوري 20 طائرة منها.
وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري اتصل بنظيره الروسي سيرغي لافروف، أمس الأول، وأبلغه «قلق الولايات المتحدة» حيال تعزيزات عسكرية روسية محتملة في سوريا.
وذكرت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، أن «وزير الخارجية قال بوضوح إنه إذا صحَّت هذه المعلومات فإن هذه التحركات يمكن أن تؤدي إلى تصعيد النزاع». وأضافت أن كيري تحدث إلى لافروف تحديداً عن «معلومات تتحدث عن تعزيزات روسية عسكرية وشيكة» في سوريا. وتابعت أنه إذا كان الوضع على هذا النحو «فقد يؤدي إلى مزيد من الضحايا البشرية البريئة، وإلى زيادة تدفق اللاجئين والى خطر مواجهة مع التحالف الذي يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية الناشط في سوريا».
وذكرت الخارجية الروسية بدورها أن مشاورات هاتفية جرت بين كيري ولافروف بحثت خصوصاً «الجوانب المختلفة للوضع في سوريا وحول هذا البلد، إضافة إلى أهداف التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية ومجموعات إرهابية أخرى». وتطرقا إلى «التعاون» بين موسكو وواشنطن «دعماً لجهود الأمم المتحدة الهادفة إلى إطلاق عملية سياسية في سوريا».
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» نقلت عن مسؤولين اميركيين أن روسيا أرسلت فريقاً عسكرياً الى سوريا، ووحدات إسكان سابقة التجهيز تكفي لإيواء مئات الأشخاص الى مطار سوري وسلَّمت محطة متنقلة للمراقبة الجوية هناك.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد