في زحمة التكهنات السورية : أسئلة تبحث عن أجوبة
الجمل ـ بسام حكيم: كثيرة هي التساؤلات التي مازال العديد من السوريين يطرحونها بينهم وبين أنفسهم منذ بداية الأزمة وحتى اليوم دون أن يحصلوا على أجوبة شافية وافية تطمئن لها قلوبهم، هذه التساؤلات تتمحور بمعظمها حول مالذي كان بإمكاننا فعله لتجنب الحال الذي وصلنا إليه وهل ما حدث فعلاً كان إنتفاضة شعبية ذات مطالب إصلاحية بريئة أم كان تآمراً خارجياً خُطّط ودبّر له بهدف التخريب في منطقتنا ونجح فيما سعى إليه!؟ الضبابية والغموض التي تلُف النقاش مع أنصار هاتين النظريتين مردّها التناقض في موقف السوريين من نظامهم السياسي فيما قبل الأزمة بين ضيقٍ وتذمّر من خلل في السياسات الداخلية ووعود بإصلاحات طال إنتظارها وبين فخر واعتزاز بسياسات خارجية جعلت بلدهم هدف دائم لتآمر خارجي يسعى لتقويض استقراره والنيل من استقلاله، ولذلك كانت معظم النقاشات في هذا الموضرع تصل غالباً إلى طريق مسدود فلكل رأي حججه وبراهينه التي تسانده.
لن أناقش في هذه المقالة في احتمال كون ما حصل في سوريا هو مؤامرة خارجية نجحت في تخريب وتدمير هذا البلد لأن الجميع نظاماً ومعارضين متفقين اليوم على وجود هذه المؤامرة بصرف النظر عن ادعاءات كل منهم بأنه وحده المستهدف من هذا التآمر، ما سأناقشه هنا هو هل فعلاً ما حدث كان حراكاً شعبياً عفوياً غايته تحقيق مطالب إصلاحية سياسية بسيطة ومحّقة واجهها النظام بالقمع والتنكيل والقتل فتحولت إلى ثورة مسلحة، أم أن ما حدث كان حراكاً موّجهاً وبأهداف محدّدة مطلوب تحقيقها وبأي ثمن؟ تُجمع الروايات المتداولة التي تتحدث عن بداية الأزمة أن شرارتها انطلقت من درعا في ١٨ آذار ٢٠١١ بسبب اعتقال الأمن لبضعة أطفال وتعذيبهم بعد كتابتهم لشعارات مناهضة للنظام على جدران مدرستهم وتتحدث هذه الروايات أن الاعتقال كان بتاريخ ٢٧ شباط، وعلى الرغم من أن الثورجية استحضروا أسماء أبطالهم وأبطال الإسلام منذ ما قبل الهجرة وحتى اليوم فأطلقوها على جُمعهم ومساجدهم وحاراتهم وألويتهم وكتائبهم، إلا أنهم ضنّوا علينا ولازالوا باسم ولو طفل واحد من أسماء هؤلاء الأطفال!!! كنت سأصدق أن البداية كانت بسبب أطفال درعا لولا أن البروفة الأولية لهذا الحراك انطلقت من سوق الحميدية بدمشق بتاريخ ١٥ آذار وبواسطة بضعة شباب فشلوا في جمع الناس للتظاهر معهم، وبالتأكيد لم يكن هؤلاء قد خرجوا لا من أجل درعا ولا أطفالها فلم يكن أحد قد سمع بقصتهم بعد خصوصاً وأن هتاف هؤلاء اقتصر على كليشة واحدة هي قوموا يا شوام قوموا طالبوا بالحرية..
المتتبع لمسار هذا الحراك يُدرك جيداً أن المرجعية التنظيمية الرئيسية له كانت دوماً هي صفحة الثورة السورية على الفيس بوك وهذه الصفحة تم تأسيسها بتاريخ ١٨ كانون الثاني ٢٠١١ أي قبل شهرين تماماً من انطلاق الحراك بدرعا وقبل قصة الأطفال بشهر ونصف تقريباً، الغريب في أمر هذه الصفحة أنها لم تتحدث أبداً لا عن إصلاح ولا من يصلحون بل أطلقت على نفسها منذ البداية اسم صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد وطالبت بإعدام الرئيس في أول بوست لها! وشنت حملة شعواء ضد الجيش العربي السوري وكانت تصفه بالجيش المهترئ! ووضعت روابط لمواقع وأفلام تعليمية كثيرة تشرح كيفية التواصل مع القنوات الاخبارية الفضائية وتطلب من الجميع التركيز على محطتي الجزيرة والعربية!!! كل هذا حدث قبل حكاية أطفال درعا وقبل تظاهرة الحميدية وقبل بدء ما سُمي بالربيع العربي حتى في مصر...
ما كان يُنكره الكثيرون من طابع إسلاموي طائفي للحراك بات جلياً اليوم لكل ذي نظر فكل ما في الحراك من ألفه إلى ياءه كان مؤطراً إسلامياً حتى أني وفي نقاش مع أحد المتثورنين في بداية الأزمة وبينما كان يُحدثني عن مستقبل سوريا المدني والعلماني بعد سقوط النظام، سألته ماذا يبقى من ثورتكم لولا شيوخ الجوامع وخطب الجمعة وحكايا الجهاد والحوريات؟! فأجابني أنهم يحتاجون هؤلاء آنياً فلولاهم لا يمكن الحشد بهذا الكم للثورة! الجدير ذكره حول الحالة الإسلامية التي ارتبطت بالحراك منذ بدايته أنها استقطبت من شيوخ الشام شيوخ النص كم، أو ما كنا نُطلق عليهم تسميات مشايخ أفرع الأمن والمستزلمين لرجال الأعمال ومرشحيّ انتخابات مجلس الشعب (كالرفاعية والنابلسي وراجح والشيخ المودرن محمد حبش) الذين كانوا يسبّحون بحمد النظام بكرة وأصيلا، بينما تبرأ من هذا الحراك علّامة بقامة سعيد رمضان البوطي على الرغم من خلاف علني وعميق مع النظام بدأ مع مسلسل ما ملكت أيمانكم قبل الأزمة بسنين واستشرى كثيراً بعد مشكلة المعلمات المنقبات، والأمر كذلك كان مع تنظيم القبيسيات الذي فاجأ الجميع بوقوفه الحاسم مع النظام...
كنت سأصدق أن من خرج في ١٥ أو ١٨ آذار هم أناس عفويون بسطاء كان جُلّ همهم أن يرفع النظام ظلماً لحق بهم أو يحقق لهم بضعة مطالب إصلاحية لم يكن ليختلف عليها إثنان، كنت سأصدق أن هؤلاء لم يسمعوا بالعرعور ولا عرعروا يوماً على صفا ووصال، كنت سأصدق بأن ثورتهم بدأت إصلاحية وإنما تعنونت بأنها ضد بشار الأسد بمجرد خطأ مطبعي، كنت سأصدق أن شتم حزب الله منذ اليوم الأول واتهامه بقتل المتظاهرين هو تصرف فردي لا علاقة للمتثورنين به أبداً... كنت سأصدق كل هذا وأكثر... لكن أن تُكتب وتُلحن وتُسجّل وتُنشر أغنية ثورية تحريضية بعد ثلاث أو أربع أيام فقط من اندلاع الأحداث (يا حيف) فهذا استعصى قليلاً على فهمي بينما ما استعصى على استيعابي وفهمي تماماً... كان تناغم الحوارنة مع آخر ابداعات التكنولوجيا الحديثة، فقد ثبُت بالحراك العفوي القاطع أن هاتف "الثريا" كالأكل والشرب والمنسف والجميد بالنسبة للحوراني... لا يخلو منه بيت...
.
التعليقات
المؤامرة على سورية
قكرة صغيرة : صفحة الثورة
سوريا ستعود
المؤامرة على سورية
إضافة تعليق جديد