دائرة الصراع السوداني – الليبي – الفرنسي على المسرح التشادي

الجمل: تناقلت وسائل الإعلام الفضائية مشاهد الصراع الدامي في العاصمة التشادية إنجمينا في الساعات الأولى من صباح أمس الأول بين قوات المتمردين التي اجتاحت العاصمة وطوقت القصر الرئاسي، كما ظهر الرئيس التشادي إدريس ديبي وهو يدافع عن نفسه محتمياً بالقصر الرئاسي. وبرغم الطابع الدرامي الذي غلب على المشاهد فإن الفضائيات وأجهزة الإعلام لم تفلح في تقديم خلفيات الصراع التشادي – التشادي بأبعاده الحقيقية.
* ما هي تشاد المحددات العامة:
تمثل تشاد إحدى دول منطقة وسط إفريقيا، تبلغ مساحتها 1.3 مليون كم مربع ويبلغ عدد سكانها حسب تقديرات عام 2007م حوالي 10 ملايين نسمة. ظلت تشاد تحت الحكم الاستعماري الفرنسي ونالت استقلالها من فرنسا يوم 11 آب 1960م، هذا وتجاور تشاد ست دول منها دولتان عربيتان هما السودان وليبيا وأربع دول غير عربية هي إفريقيا الوسطى، نيجيريا، الكاميرون ومالي.
* ديناميكيات الصراع في تشاد:
65% من سكان تشاد هم من العرب البدو الرحل ويقطنون في وسط وشمال تشاد، أما بقية الـ35% فهم من غير العرب ويعملون بالزراعة ويقطنون الثلث الجنوبي من تشاد، وقد ركز الاستعمار الفرنسي على إقصاء وتهميش عرب تشاد وتحالفت فرنسا مع سكان الجنوب، وعندما نالت تشاد استقلالها كانت كل الأجهزة المدنية والقضائية والعسكرية في يد عناصر الثلث غير العربي. وتحت تأثير ضغوط التهميش والإقصاء تبنت الجماعات والقوى العربية مسيرة المعارضة والمقاومة ضد سيطرة الأقلية التشادية المعادية للعرب.
* المسرح التشادي: دائرة الصراع السوداني – الليبي – الفرنسي:
كان يمكن أن يحقق عرب تشاد المزيد من النجاحات خلال فترة سبعينات القرن الماضي، ولكن خلاف نظام النميري السوداني والقذافي الليبي انعكست على القوى العربية التشادية، فقد حاول القذافي ضم شمال تشاد الغني باليورانيوم بالقوة إلى ليبيا تحت ذريعة أن شمال تشاد كان تابعاً لليبيا، وبأن الاتفاق بين إيطاليا التي كانت تستعمر ليبيا وفرنسا التي كانت تستعمر تشاد وبريطانيا التي كانت تستعمر السودان هو اتفاق غير كاف لتحديد خط الحدود، ولإضعاف النظام التشادي عمل القذافي على دعم المتمردين العرب التشاديين الموجودين في الشمال، أما نظام نميري فقد عمل على دعم المتمردين التشاديين المتمركزين في دارفور بغرب السودان وقد كانت قدرته أكبر في التأثير على الأوضاع التشادية الداخلية بسبب القبائل التشادية الكبيرة الثلاث التي توجد امتداداتها الأكبر العابرة للحدود داخل السودان إضافة إلى وجود زعمائها ومراكزها القبلية الإدارية الرئيسية داخل السودان:
• نجح معمر القذافي في دعم قوات الزعيم التشادي جوكي ودّاي في السيطرة على تشاد.
• نجح جعفر نميري في دعم قوات الزعيم التشادي حسين هيري في السيطرة على تشاد.
• نجح نظام الرئيس السوداني عمر البشير في دعم قوات الزعيم التشادي إدريس دبي في السيطرة على تشاد.
ولكن، الرئيس التشادي انقلب على حليفه عمر البشير عندما اتجه إدريس ديبي إلى:
• التحالف مع فرنسا والولايات المتحدة.
• التفاهم مع إسرائيل حول مستقبل دارفور.
• دعم حركات تمرد إقليم دارفور.
• التدخل وإفشال عمليات الوساطة الإفريقية لحل أزمة دارفور.
إضافة لذلك، فقد شكلت عملية اكتشاف مخزونات النفط والغاز في وسط تشاد واليورانيوم في شماله محفزاً قوياً لجعل تشاد ساحة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية. ورداً على انقلاب توجهات إدريس دبي، كما تقول التسريبات، فقد نجح نظام الرئيس البشير في تجميع كل حركات وقوى المعارضة التشادية وتسليحها والانطلاق من إقليم دارفور السوداني من أجل القضاء على نظام الرئيس ديبي الموالي لأمريكا وإسرائيل وفرنسا.
تم توحيد حركات المعارضة المسلحة التشادية الثلاث ضمن قيادة موحدة والحركات الثلاث هي:
• اتحاد القوى من أجل الديمقراطية يقوده محمد نوري.
• تجمع القوى من أجل التغيير ويقوده تيمان إرديمي.
• اتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية يقوده عبد الواحد عبود مكاوي.
الجولة الأولى من الصراع اقتربت فيها قوات المقاومة التشادية من العاصمة واجتاحتها وهاجمت القصر الرئاسي، ولكنها لم تنجح بسبب التدخل الفرنسي حيث قامت الطائرات الفرنسية بضرب قوافل القوات والأسلحة والعتاد القادمة من ناحية الحدود السودانية.
الجولة الثانية من الصراع هاجمت فيها قوات المقاومة التشادية العاصمة ونجحت في محاصرة الرئيس إدريس ديبي داخل قصره، وأعلنت فرنسا هذه المرة بأنها لن تتدخل في الصراع التشادي – التشادي الجاري حالياً، وقامت بالإشراف على حماية وإجلاء الرعايا الفرنسيين الموجودين في تشاد، وتقول المعلومات بأن فرنسا قد عرضت على الرئيس التشادي المحاصر عرضاً بإخراجه من الحصار ونقله خارج البلاد.
* أبرز ردود الأفعال:
اتهمت الحكومة التشادية ورئيسها المحاصر نظام الرئيس السوداني عمر البشير بالمسؤولية عن هجوم المتمردين، وقد نفت الحكومة السودانية ذلك، وأكدت بأن المتمردين التشاديين الموجودون في دارفور لن تستطيع الحكومة السودانية منعهم مثلما لم تستطع حكومة إدريس ديبي التشادية منع متمردي دارفور من التواجد في الأراضي التشادية.. وحالياً هناك المزيد من ردود الأفعال الأكثر خطورة على مستقبل تشاد ومنطقة دارفور وتقول المعلومات بأن:
• الاتحاد الأوروبي بصدد إرسال 35 ألف جندي أوروبي للقيام بعمليات حفظ السلام في تشاد.
• مجلس الأمن الدولي يعقد حالياً جلسة طارئة للنظر في الوضع التشادي المتأزم.
* الحسابات الإستراتيجية للصراع التشادي:
تقول التحليلات بأن اندلاع القتال في تشاد قد أدى إلى عرقلة نشر الـ35 ألف جندي أوروبي إضافة إلى أن الحكومة الفرنسية أصبحت مواجهة باحتمالات ضياع نفوذها على تشاد وذلك لأن سقوط نظام ديبي قد أصبح مسألة وقت لا غير:
• فقد الرئيس ديبي شعبيته في الشارع التشادي.
• أكثر من ثلثي سكان تشاد هم من العرب ويدعمون بقوة حركات التمرد.
• استطاعت الميليشيات العربية التشادية تجنيد عشرات الآلاف من التشاديين والحصول على قدر كبير من الأسلحة والعتاد العسكري.
سقوط نظام الرئيس إدريس ديبي معناه إخراج القاعدة العسكرية الفرنسية الموجودة في تشاد ومعناه أيضاً فشل المشروع الأمريكي – الفرنسي – الإسرائيلي المتعلق بالسيطرة على مخزونات اليورانيوم والنفط والغاز الموجودة في تشاد، وما هو أخطر يتمثل في الاحتمالات الكبيرة بأن تتحول تشاد إلى طلب الانضمام إلى الجامعة العربية وذلك لأنه برغم تحالف الرئيس إدريس ديبي مع أمريكا وإسرائيل وفرنسا إلا أنه لم يستطع إلغاء الهوية الثقافية العربية عن تشاد، فهي الدولة الوحيدة خارج الجامعة العربية التي تعتمد اللغة العربية لغة رسمية. بكلمات أخرى، لغة التعامل اليومي في تشاد هي اللغة العربية أما على مستوى الدولة فتستعمل إلى جانبها الفرنسية، أما التشاديون غير المتحدثين باللغة العربية فيمثلون مجرد أقليات تعيش في المناطق الحدودية. وعلى أساس الاعتبارات الدينية فيمثل المسلمون 90% من إجمالي السكان في تشاد. وحالياً ينظر الكثير من المراقبين إلى مصير الصراع التشادي – التشادي باعتباره سيمثل نقطة تحول جيوبوليتيكية في مستقبل جمهورية تشاد، ويدرك الأوروبيون وإسرائيل وأمريكا مدى خطورة ذلك، وبرغم هذا فإن التطورات التشادية سوف تأخذ مجراها وإذا فشلت محاولة المعارضة المسلحة العربية التشادية الجارية حالياً فهناك محاولات أخرى قادمة.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة