تفاوض على «فلسطين» في الزمن العربي الهش

20-07-2013

تفاوض على «فلسطين» في الزمن العربي الهش

في ظلّ انشغال الدول العربية بأزماتها المستعصية وأوضاعها المضطربة، خرج وزير الخارجية الاميركي جون كيري ليعلن التوصل لاتفاق باستئناف مفاوضات التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الاسبوع المقبل، وذلك للمرة الأولى خلال ست جولات قام بها إلى المنطقة، وبغطاء عربي وإقليمي، ما يثير تساؤلات جدية بشأن امكانية ضمان حقوق الفلسطينيين، ولو بحدودها الدنيا، في ظل الموقف الفلسطيني والعربي الهش.
وبعد تأخير لأربع ساعات عن الموعد المرتقب، حط كيري رحاله في مدينة رام الله في الضفة الغربية أمس، على متن مروحية أردنية قادمة من عمان، للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في إطار الجهود الرامية لاستئناف مباحثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث كان في استقباله كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، الذي كان التقاه صباح أمس في العاصمة الأردنية. عباس مستقبلاً كيري في رام الله أمس (رويترز)
وبعد اجتماعه بعباس، طار كيري إلى الأردن مجدداً، عائداً إلى واشنطن بعد انتهاء مهمته، معلناً التوصل إلى اتفاق على أسس استئناف مفاوضات السلام، قائلاً في مؤتمر صحافي عقده في مطار «الملكة علياء» الدولي قبيل مغادرته عمّان إلى واشنطن، «لقد توصلنا إلى اتفاق يضع الأسس المبدئية لاستئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية».
وقال كيري «يسرني أن أعلن أننا توصلنا إلى اتفاق يحدد قاعدة لاستئناف مفاوضات الوضع النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين»، مضيفاً «إنها خطوة كبيرة ومرحب بها. الاتفاق هو في طور الإنجاز ولن نتحدث تالياً عن عناصره الآن».
وأكد الوزير الأميركي، الذي أنهى جولته السادسة في المنطقة، أنه سيجتمع مع عريقات ونظيرته الإسرائيلية تسيبي ليفني في واشنطن «للبدء بالمحادثات خلال الأسبوع المقبل».
وأشاد كيري بـ«شجاعة» عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مضيفاُ «لا أحد يعتقد أن الخلافات القائمة منذ وقت طويل بين الجانبين ستحل بين ليلة وضحاها أو ستزول هكذا. نحن ندرك أنه في مواجهة التحديات ينبغي القيام بخيارات صعبة جداً».
لكن كيري أكد أنه «بالرغم من ذلك، أنا مفعم بالأمل اليوم، بسبب القيادة الشجاعة للرئيس عباس ورئيس الوزراء نتنياهو. لقد اختار الإثنان القيام بخيارات صعبة وقد أديا دوراً محورياً».
وأضاف «إن المباحثات الصريحة والمغلقة تمثل أفضل سبيل لتحقيق التقدم عندما نواجه قضايا صعبة مثل السلام في الشرق الأوسط»، معبراً عن شكره لكل من ساهم في نجاح مساعيه، مثل الحكومة الأردنية و«جامعة الدول العربية» ممثلة في «لجنة مبادرة السلام العربية».
وتابع «إن الطريق المقبلة تشمل العديد من العقبات، لكن لا بد من الجلوس إلى طاولة المفاوضات حتى يعيش الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي بأمن وسلام، وأتطلع إلى رؤية أصدقائي الفلسطينيين والإسرائيليين الأسبوع المقبل في واشنطن».
وكانت تقارير سابقة أشارت إلى أن خطة كيري هي نوع من الصياغات المرضية جزئياً للطرفين، ولكن من دون التزامات تخلق لقادة الطرفين إشكاليات. فالطرف الملتزم وحده هو الطرف الأميركي أمام الجانبين. وهكذا ليس مطلوباً من نتنياهو الالتزام بالتفاوض على أساس حدود الـ67، ولكن أميركا تلتزم للفلسطينيين بدلاً عنه. كما أن الرئيس الفلسطيني لن يلتزم بقبول إسرائيل كـ«دولة يهودية»، ولكن أميركا ستلتزم بدلاً منه. ومن الجائز أن الخلاف الجوهري الآن هو على الصيغة التي سيعلن فيها كيري الاتفاق على العودة إلى طاولة المفاوضات.
وشرح مسؤول إسرائيلي خطة كيري بأنها تسمح لكل من عباس ونتنياهو إبداء تحفظات علنية على ما يرد فيها، بحيث يعلن الفلسطينيون رفضهم لـ«يهودية الدولة» ويعلن نتنياهو رفضه لخطوط 1967. ولكن رفض الجانبين لا يمنع استئناف المفاوضات بينهما.
من جهته، أوضح المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة في بيان مساء أمس، أنه «نتيجة اللقاءات والمحادثات المطولة التي جرت بين الرئيس عباس والوزير كيري خلال الأيام الأخيرة، فلقد تحقق تقدم، الأمر الذي يمَكن من الموافقة على المبادئ التي تسمح باستئناف المفاوضات».
إلا أن أبو ردينة لفت إلى أنه «يوجد تفاصيل معينة ما زالت بحاجة إلى إيجاد حل لها، وإذا ما سارت الأمور على ما يرام فإن الوزير كيري سيوجه الدعوة إلى صائب عريقات وممثل عن الجانب الإسرائيلي للقائه في واشنطن لإجراء محادثات أولية في الأيام القريبة المقبلة».
وقالت مصادر فلسطينية مطلعة إنه من المتوقع أن يوجه وزير الخارجية الأميركي الدعوة إلى عريقات، وممثل عن الجانب الإسرائيلي للقائه في واشنطن لإجراء محادثات أولية الأسبوع المقبل.
ومباشرة، رفضت حركة حماس إعلان كيري التوصل إلى اتفاق لاستئناف مفاوضات السلام، معتبرة أن الرئيس الفلسطيني «لا يمثل إلا نفسه».
وقال المتحدث باسم حماس في غزة سامي أبو زهري إن «حركة حماس ترفض إعلان كيري العودة إلى المفاوضات وتعتبر أن عودة السلطة للتفاوض مع الاحتلال هو خارج عن الإجماع الوطني».
كما اعتبر المتحدث باسم حكومة حماس إيهاب الغصين أن «من يفاوض غير مفوض من الشعب ولا يمثل إلا نفسه، والشعب الفلسطيني لن يقبل بما يقومون به».
من جهتها، رحبت وزيرة العدل الإسرائيلية تسيبي ليفني بالإعلان، مشيرة في بيان إلى «أشهر طويلة من الشكوك والتشاؤم»، ومتداركة «لكن اليوم، فإن أربعة أعوام من المراوحة الديبلوماسية توشك أن تنتهي».
وأضافت ليفني «أعلم أنه ما أن تبدأ المفاوضات فستكون معقدة وغير سهلة، لكنني واثقة بأنه الأمر الأفضل من أجل مستقبلنا، أمننا، اقتصادنا وقيمنا». وأشادت بنتنياهو «الذي اتخذ قرارات تمثل المصالح المهمة لإسرائيل»، وبـ«تصميم» وزير الخارجية الأميركي، مؤكدة أن كل ذلك «قاد الفلسطينيين وقادنا نحن أيضا إلى قاعة المفاوضات».
من جهة أخرى، أبدت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون «ترحيبها الحار» بالاتفاق المبدئي على استئناف المفاوضات، مشيدة بـ«شجاعة» الطرفين وعمل كيري.
وأعربت آشتون عن «أملها» في «أن نتمكن أخيراً من تسجيل تقدم على صعيد الأهداف التي يتشاركانها مع أصدقائهما في العالم: السلام، الأمن والكرامة لشعبيهما». وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي يود «بشكل خاص التوجه بالشكر لجون كيري على تصميمه لجمع الطرفين مجددا»، لافتة إلى أن الاتحاد الأوروبي سيبذل كل الجهود اللازمة لتوفير نجاح المفاوضات».
وأجرى كيري في وقت سابق أمس، اتصالات مطولة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للخروج بشيء جديد من شأنه أن يستأنف المفاوضات.
وكان كيري مدد زيارته للأردن بعد يومين من المحادثات المكثفة مع الفلسطينيين والأردنيين ومسؤولين من الجامعة العربية في عمان بهدف تحريك عملية السلام وإطلاق عملية المفاوضات.
وفي وقت سابق أمس، اجتمع كيري مع عريقات في العاصمة الأردنية عمان حيث عرض الأخير مطالب القيادة الفلسطينية واستيضاحاتها على مقترحات كيري.
وكانت القيادة الفلسطينية قررت خلال اجتماع مطول لها أمس الأول، إرجاء اتخاذ موقف بشأن استئناف المفاوضات مع إسرائيل إلى حين توضيح مزيد من النقاط الخاصة بالشروط والمطالب الفلسطينية.
وبحسب عضو المكتب السياسي لـ«الجبهة الديموقراطية» قيس عبد الكريم، فإن القيادة اتفقت خلال اجتماعها على تأجيل اتخاذ قرار حول استئناف التفاوض حتى توضيح مزيد من النقاط التي تعتبر حقاً للفلسطينيين وعلى إسرائيل تنفيذها مسبقاً، أهمها أن تكون مرجعية السلام إقامة دولة فلسطينية على الحدود المحتلة في العام 1967، والقدس الشرقية عاصمتها، وفق إطار زمني محدد.
وأوضح أن مقترحات كيري لا تنص على وقف كامل للاستيطان، وهو ما «ينافي التوجه الفلسطيني الرافض للعودة إلى المفاوضات بدون وقف تام للاستيطان».
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف، في تصريحات سابقة لوكالة «الأناضول»، إن كيري أطلع عباس على مقترح يتضمن مسارات سياسية واقتصادية وأمنية، أبرزها إقامة دولة فلسطينية على الحدود المحتلة في العام 1967، عن طريق المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني والإفراج عن معتقلين، من دون الإشارة بشكل صريح إلى وقف الاستيطان أو إلى أن القدس الشرقية التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967 وضمتها إلى القدس الغربية في العام 1981، ستكون عاصمة هذه الدولة.

المصدر: السفير+ وكالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...