الإرهاب اللبناني: التقنية والتوقيت والتصعيد

18-06-2007

الإرهاب اللبناني: التقنية والتوقيت والتصعيد

الجمل:    يرتبط الإرهاب بالمجتمع الذي ينشأ فيه، وذلك شأنه شأن كل الظواهر الاجتماعية المساندة، وبرغم الأحاديث والمزاعم التي تحاول إسناد الأحداث الإرهابية التي حدثت في لبنان خلال الفترة الماضية، إلى الأطراف الخارجية، إلا أن كل المعطيات المتعلقة بخبرة البحث والدراسة والتحليل في ظاهرة الإرهاب تقول بأن المصدر الأساسي، هو لبنان، وإن تضافرت بعض الظروف الخارجية المساندة لذلك.
• مؤشرات الاختلالات والمشاكل اللبنانية الداخلية:
بغض النظر عن الإشكالية المتعلقة بالاتفاق على وضع مفهوم محدد لظاهرة الإرهاب، فإن ما هو مشترك بين أطراف الظاهرة يتمثل في أنها تعبر عن فعل غير قانوني، وغير مرغوب، ويتم تنفيذه بشكل عشوائي، بما يترتب عليه وقوع ضحايا عادة وفي معظم الأحيان يكونون من الأبرياء الذين لا علاقة لهم بالمشكلة.
الاختلالات القائمة حالياً في لبنان هي اختلالات متعددة ومتزايدة، وتعبّر بالمقابل عن محصلة لاختلالات نوعية فرعية، أبرزها:
- عدم كفاءة النظام السياسي اللبناني في تحقيق التوزيع العادل للموارد السياسية فنظام المحاصصة الذي هدف منذ منتصف القرن الماضي إلى حفظ توازن القوى عن طريق معايرة التوازن السياسي بالتوازن الطائفي، أصبح أكثر الأنظمة تخلفاً في منطقة الشرق الأوسط وإن ادعى زعماؤه الديمقراطية والحرية.. والدليل على تخلفه وعدم كفاءته هو توليد حربين داخليتين في لبنان. إضافة إلى عدم نجاح هذا النظام في توليد وإنتاج حكومة وطنية لبنانية –ولو واحدة في كل تاريخ لبنان- اثبتت القدرة والجدارة في التصدي لحماية التراب الوطني اللبناني، وسعت من أجل تحقيق الاستقلال الوطني.
- عدم كفاءة النظام الاقتصادي اللبناني في تحقيق التوزيع العادل للموارد الاقتصادية، وفي هذا الجانب منذ استقلال لبنان وحتى الآن ظلت مؤشرات الأداء الكلي للاقتصاد اللبناني تؤكد: تزايد البطالة، تزايد التضخم، تزايد الإنفاق بالعجز، الواردات أكبر من الصادرات، الاستهلاك أكبر من الإنتاج، تزايد المديونية الخارجية، تزايد الدين العام.. وغير ذلك من المؤشرات التي تكفي لتدمير اقتصاد مجموعة من الدول وليس دولة واحدة، وذلك إضافة إلى الفساد، وتفشي الأنشطة الهامشية التي لا تضيف شيئاً سوى أنها –وفقاً لتأكيدات خبراء الاقتصاد- تدر الأرباح الطفيلية لأصحابها..
- عدم كفاءة النظام الاجتماعي اللبناني في تحقيق التكامل الوطني الاندماجي: وهي أيضاً مشكلة تضيف إلى المشكلتين السابقتين المزيد من الضغوط، والاختلالات، وفي كل دول العالم غير المتجانسة نجد أن الولاء الطائفي او الاثني، وفي لبنان، وتحديداً خلال فترات الحروب والصراعات الأهلية، برزت الى الوجود عمليات القتل على الهوية والتطهير العرقي، وحتى في فترات الانتخابات السياسية الرئاسية والتشريعية اللبنانية، فإن عمليات التسويق السياسي الانتخابي، تركز فقط على التعبئة الفاعلة التي تؤدي إلى التسييس الطائفي المولد للعنف السياسي.
• العنف السياسي اللبناني كمؤشر للإرهاب:
لم يعد العنف السياسي يتمثل في عملية اللجوء لاستخدام القوة أو التهديد باستخدامها، وإنما أصبح العنف السياسي حالة هيكلية بنيوياً، تأخذ طابعاً سلوكياً عندما يكون العنف ظاهرياً، وتأخذ طابعاً كامناً عندما يكون العنف من نوع العنف الذي يختفي داخل البنى الاجتماعية.
وعلى هذه الخلفية فقد ظل الإرهاب المتفجر في لبنان يرتبط بمخزونات واحتقانات العنف السياسي الهيكلي البنائي المستشري في لبنان، ولم يقتصر ذلك على توليد عنف ظاهرة عنف اللبناني ضد اللبناني، بل أدى إلى توليد المزيد من أشكال العنف الرمزي الأخرى، مثل عنف اللبناني ضد الفلسطيني وعنف اللبناني ضد السوري.. وهكذا دواليك، وذلك على أساس اعتبارات أن سلسلة العنف التي بدأت بعنف الماروني ضد الشيعي، وضد السني، والدرزي.. وغير ذلك، لم تتوقف ضمن محتوى المجتمع اللبناني بل صاعدة لتشمل من هم غير لبنانيين.
• أمريكا- إسرائيل.. واستثمار بيئة العنف السياسي:
لن نلجأ لسرد وقائع وأحداث عمليات العنف السياسي التي وقعت خلال الأعوام الماضية، وقد تميزت هذه الاغتيالات بطابعها السياسي الصرف، والبحت، وذلك لانها كانت (اغتيالات وظيفية) من الدرجة الأولى، والدليل على وظيفيتها يتمثل في الآتي:
- التوقيت: كل الاغتيالات تمت في توقيت يتزامن ويترافق مع بعض التحولات السياسية الهامة في الساحة اللبنانية.
- التقنية: تم استخدام التقنيات الفائقة التطور في تنفيذ الاغتيالات الأمر الذي يؤكد وجود  أطراف تمتلك القدرات التكنولوجية المتطورة في تنفيذها.
- التصعيد الوحيد الاتجاه: بعد كل عملية اغتيال تبدأ الأطراف اللبنانية المسيطرة على الحكومة في توجيه الاتهامات الوحيدة الاتجاه، (ضد سوريا) وتجدر الإشارة إلى أن هؤلاء الزعماء اللبنانيين بما فيهم رئيس الوزراء اللبناني يوجهون هذه الاتهامات قبل أن تباشر أجهزة الحكومة اللبنانية التابعة لهم البدء في عملية التحقيق..
درجت الأطراف اللبنانية على الاستقواء بالأطراف الخارجية في حل خلافاتها وأزماتها الداخلية، وظلت هذه الأطراف تمارس لعبة توزيع الأدوار في التفاعلات مع الخارج، وذلك على أساس اعتبارات أن يكون هناك على الأقل طرف لبناني واحد يعمل بالوكالة عن أحد القوى الخارجية، وظل يوجد في لبنان (وكيل) سعودي، و(وكيل) عراقي، و(وكيل) فرنسي، و(وكيل) إسرائيلي... وغير ذلك، ولكن بعد تغير وتبدل النظام الدولي الثنائي القطبية إلى النظام الدولي الأحادي القطبية، تغيرت الموازين الإقليمية، ولم يدرك بعض السياسيين اللبنانيين بكل أسف أن قواعد اللعبة السياسية قد تغيرت دولياً وإقليمياً، بحيث أصبحت كل دول العالم تركز على التحالفات والتكتلات الإقليمية مع دول الجوار، وحالياً حتى تركيا التي ظلت طوال تاريخها المعاصر ترتبط نخبها الحاكمة بالماسونية والولاء للغرب وإسرائيل، بدأت حالياً عملية التحول والتمهيد للاندماج ضمن بيئتها الإقليمية الشرق أوسطية بقيادة حزب العدالة والتنمية، حتى لو أدى الأمر إلى التخلي عن مشروع الانضمام للاتحاد الأوروبي، (وفي هذا الصدد نشير إلى أن آخر الإحصاءات التركية يقول بأن نسبة المؤيدين لمسيرة الانضمام للاتحاد الأوروبي أصبحت 20% بعد أن كانت 30%، ونسبة المؤيدين لاندماج تركيا في بيئتها الإقليمية الشرق أوسطية أصبحت 70% بعد أن كان 20%).
وحتى إسرائيل أصبحت تشترط أن يكون (تطبيع العلاقات) بنداً رئيسياً في أي مفاوضات إسرائيلية- عربية، وذلك لإدراك القادة الإسرائيليين إلى خطورة تداعيات العزلة الإقليمية على الدولة والمجتمع.
يدرك الجميع ذلك إلا السياسيين اللبنانيين من زعماء قوى 14 آذار، وحكومة السنيورة، والذين مازالوا يسبحون ضد تيار التاريخ ويعملون على الانفصال من البيئة الإقليمية، فما السبب الرئيسي وراء ذلك يا ترى، هل هي المصالح الشخصية؟ هل هي في عدم الإدراك السليم لطبيعة الأحداث التي شهدها لبنان؟.. ام لموقف نفسي؟
الإرهاب اللبناني أصبح ينبع من داخل لبنان، والأطراف الخارجية أصبحت توظف مخزونات العنف الاجتماعي الكامن من أجل تفكيك وتقويض النسيج الاجتماعي اللبناني، ثم بعد ذلك إعطاء هذا العنف السياسي المتولد طابعاً سياسياً دولياً عابراً للحدود اللبنانية عن طريق القرارات الدولية، على النحو الذي يؤدي إلى تقويض استقرار دول الجوار وعلى وجه الخصوص سورية.
التوقعات تقول بأن بؤرة الخطر الإرهابي في منطقة الشرق الأوسط، قد أصبح مركزها لبنان، والذي سوف تنطلق منه عملية تنفيذ كل مخططات العمليات السرية الأمريكية والإسرائيلية ضد دول منطقة الشرق الأوسط والشرق الأدنى.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...