إعلامٌ يدين الإرهاب... في باريس فقط
أن يهتم الإعلام الغربي بالإرهاب الذي ضرب باريس مساء الجمعة الماضي، مستحضراً صور اعتداء 9/11 أمرٌ مفهومٌ، ولو أنه يحمل شيئا من التحيز تجاه الموت السائد في المشرق. لكن أن يفرد الإعلام العربي تغطية خاصة للحدث على مدار الأربع والعشرين ساعة، وأن تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي هستيريا التعاطف مع الفرنسيين بين المتصفحين العرب، في أوطانهم المنهكة أو في شتاتهم الرهيب، فهو ما لم يستطع الكثيرون فهمه أو تقبله.
أتت الاعتداءات الإرهابية في باريس في وقت تسود فيه الحروب العبثية والعمليات الإرهابية المنطقة من سوريا إلى العراق فمصر واليمن وليبيا. وقبل يوم واحد فقط من الهجوم على باريس، تعرضت بيروت لتفجيرات إرهابية ضربت ضاحيتها الجنوبية موقعة عشرات الشهداء والجرحى. أمرٌ لم ترَ فيه صحيفة «نيويورك تايمز» سوى «تفجيرات استهدفت ضاحية شيعية في بيروت يسيطر عليها حزب الله، حليف إيران». وتنظيم «داعش» الذي تبنى عملية باريس الإرهابية هو ذاته من تبنى تفجيرات بيروت، وهو أيضاً الذي يشن إرهاباً مستمراً ووحشياً في كل من سوريا والعراق وليبيا منذ سنوات، وهو المتهم ــ وفق العديد من التقارير والإشارات ــ بالتخطيط لحادثة انفجار الطائرة الروسية في شرم الشيخ وتنفيذها. جسامة تلك الأحداث لم تزلزل محطات التلفزيون والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي كما حصل عندما وصل إرهاب «داعش» إلى باريس.
منذ اللحظات الأولى لانتشار أخبار الاعتداءات الإرهابية بدا لافتاً اهتمام وسائل الإعلام العربية بمختلف أنواعها بالحدث ومتابعته. أفردت «الجزيرة» و «العربية» مساحات واسعة من ساعات البث التلفزيوني لتغطية الأخبار المتواترة من باريس، فيما غصت الصفحات الرئيسية لموقعَي القناتَين على الانترنت بالمقالات والتحليلات والمتابعات الإخبارية حولها، وأزاحت تقريباً كل خبر آخر.
أبدى موقع «الجزيرة» حماسته لمليون تغريدة عربية تندد بهجمات باريس، فيما سبقت محطة «العربية» محطات «بي بي سي» و «سي أن أن» و «فرانس 24» في خبر عاجل احتل شاشتها يقول لنا إن الشرطة الفرنسية عثرت على جواز سفر سوري بجانب أحد منفذي الاعتداءات. ولكن لم ينجح «الإعلام» العربي في «إعلامنا» كيف نجا جواز السفر هذا وبقي سليماً فيما تفجر صاحبه المفترض. ولم ينجح ذلك الإرهابي، الحريص على اصطحاب جواز سفره معه عند قيامه بعملية إرهابية، في إثارة أي تساؤل أو استغراب على الشاشات العربية، التي بدت أخبارها متضاربة وفق المصادر ووكالات الأنباء. واضطرت «العربية» مساء الأحد لمناقشة احتمالات أن يكون الجواز مزوراً أو مسروقاً وقد تم دسه في الموقع قصداً، حيث انتشرت هذه الأخبار على الشاشات والمواقع العالمية التي تتعامل مع هذا الموضوع بالذات بحذر شديد ومن دون أي تسرع قد يتسبب بكارثة مجتمعية، مثل الاعتداءات على مخيّمات اللاجئين.
ولم تسعَ «الجزيرة» و «العربية» لإبعاد التهمة عن اللاجئين السوريين. لكنّهما بثّتا تقارير حول الجاليات المسلمة في أوروبا وتصاريح للمسؤولين السعوديين مندّدة بالإرهاب، في ظل تجاهل للأصوات التي انتقدت الحكومات الأوروبيّة لعلاقتها بالسعوديّة. لا يمكن لعنوان أن يكون أكثر وضوحاً من ذلك الذي وضعه أوين جيمس أحد أبرز كُتَّاب مقالات الرأي على صفحات «ذا غارديان» إذ كتب صباح الأحد «إذا كنتم بالفعل تريدون مكافحة الإرهاب، أوقفوا دعمكم للسعودية».
سادت عناوين الحرب والحداد على الصفحات الأولى في الصحف الفرنسية، فيما كانت وسائل الإعلام الفرنسية تتابع تطور التحقيقات محاوِلة قدر الإمكان الابتعاد عن الشائعات والتحريض، مع التركيز على الصدمة التي سيطرت على الباريسيين وهم يشهدون برج إيفل يظلم تماماً حداداً على أرواح الضحايا، في ظل تفعيل لقوانين الطوارئ وحظر التجول. هذا كان في وقت تشهد فيه دمشق زيارة وفد من البرلمانيين والإعلاميين الفرنسيين ولقاءه الرئيس بشار الأسد الذي أكد في ظهوره أمام عدسات التلفزيونات الفرنسية أن الإرهاب الذي ضرب باريس هو ذاته الذي استهدف بيروت ويستهدف سوريا والعالم بأسره.
من جهتها، منحت وسائل الإعلام البريطانية اهتمامها لمتابعة أخبار اعتداءات باريس وتحليلها، خاصة أن بريطانيا تؤوي جالية كبيرة من المسلمين والعرب، ولديها همومها الخاصة في ما يتعلق بتنظيم دخول اللاجئين إليها وإجراءات مكافحة الإرهاب على أراضيها، خاصة مع معلومات نقلتها صحيفة «ذا تلغراف» حول عودة حوالي 450 بريطانيا راديكاليا إلى بريطانيا. لجأت «بي بي سي» إلى شبكة من المراسلين والمعلقين من مواقع الاعتداءات في باريس ومن أمام قصر «الإليزيه» و»10 داوننغ ستريت» كي تتابع عن كثب مجريات الأحداث. أما «بي بي سي عربي» فقد بثت حوارات حول العلاقات البريطانية العربية والجاليات الإسلامية والعربية في بريطانيا وأوروبا.
لاقت وسائل الإعلام الأميركية بحسب صحيفة «ذا نيويورك تايمز» بعض الصعوبة في التغطية المباشرة مقارنة بأحداث جرت على أراضيها، إلا أن شبكات مثل «سي أن أن» و «فوكس نيوز» ومحطات أخرى عملت جهدها على متابعة المستجدات أولاً بأول، فيما استخدم مرشحو الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة الاعتداءات للترويج لبرامجهم؛ فقد طالعنا دونالد ترامب، كما هي العادة، بأحد آرائه الشاذة، في سياق دعمه لتشريع شراء الأسلحة وترخيصها للمواطنين، مقترحاً أنَّه لو كان الضحايا يملكون أسلحة لما جرى ما جرى! ومن جهته، دعم نيوت غينغرتش، الناطق السابق باسم البيت الأبيض والمرشح أيضاً في الانتخابات الأميركية، توجه ترامب بتغريدة سببت الكثير من الغضب وردود الفعل قال فيها إننا نعيش في زمن حيث على الأخيار الذين يحملون سلاحاً مرخّصاً، قتل الأشرار.
يامن صابور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد