إسرائيل تُغرق غزة بالدماء ... والجهاد تستعد للرد في العمق

19-12-2007

إسرائيل تُغرق غزة بالدماء ... والجهاد تستعد للرد في العمق

أشبع الجيش نهم القيادة السياسية والمجتمع الإسرائيليين، بإغراق قطاع غزة في بحر من دماء أبنائه، لتغطية العجز عن وقف إطلاق الصواريخ أو إيجاد حل سياسي للصراع. وبدا المشهد الدموي في غزة، وكأنه انعكاس للمشهد السياسي في باريس، حيث تمت تغطية الدماء في غزة بوعود مساعدات الـ4,7 مليارات دولار، وذلك لتأكيد منطق العصا والجزرة في التعامل مع الفلسطينيين.
واستُشهِد امس المقاومون في «سرايا القدس» الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي حسام أبو حبل ومحمد الترامسي وأسامة ياسين وسمير بكر واصيب خمسة آخرون، في غارةٍ جوية إسرائيليّة عقب خروجهم من مسجد التوبة في مخيّم جباليا شمالي القطاع بعد أدائهم صلاة الفجر.
كذلك سقط العنصران في الشرطة التابعة لحركة حماس محمد الشريف وهاني برهوم، في غارة جوية إسرائيلية على موقعهما في رفح جنوبي غزة.
وشيع اكثر من عشرة آلاف فلسطيني في غزة، الشهداء الاربعة من الجهاد، اضافة الى القائد العام لـ«سرايا القدس» في القطاع ماجد الحرازين وخمسة عناصر من السرايا، استشهدوا ليل الاثنين الثلاثاء في غارتين إسرائيليتين على شمالي القطاع وجنوبه، هم جهاد ضاهر ونائل طافش وكريم الدحدوح وعمار أبو السعيد وأيمن العيلة.
وفي جنين شمالي الضفة الغربية، قتلت وحدة خاصة في الجيش الإسرائيلي قائد «سرايا القدس» في شمالي الضفة طارق ابو غالي (25 عاما).
وقد هنأ وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك جيشه على الإنجاز الكبير بتصفية 13 من أبرز المقاومين الفلسطينيين، غالبيتهم من قادة الجهاد وكوادرها. كما حظي رئيس الحكومة إيهود أولمرت بتصفيق حاد من كتلته البرلمانية، عندما تحدث عن أن هذا هو الرد الإسرائيلي على دعوات الهدنة من القطاع، مؤكدا على البعد الثأري في السياسة التصعيدية.
وقال باراك لدى لقائه الموفد الامني الاميركي الجديد الى الشرق الاوسط الجنرال السابق جيمس جونز «أود أن أهنئ الجيش وقوات الأمن على العمليات الناجحة جدا ضد مطلقي الصواريخ وقذائف المورتر، ويحدوني أمل ان تتواصل هذه النجاحات. الى جانب ذلك، يتعين علينا أن نتخذ جميع الاحتياطات ضد عمليات انتقامية محتملة من الجانب الآخر التي يمكن أن تحدث».
ورد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان شلح على التصعيد الإسرائيلي، في كلمة ألقاها عبر الهاتف خلال تشييع الحرازين، مشددا على أن «هذه الجرائم لن تثنينا عن مواصلة طريق الجهاد والمقاومة، والمؤتمرات التصفوية في أنابوليس وباريس لن يكتب لها النجاح». واعتبر أن اسرائيل تستهدف مقاتلي الجهاد لأنهم «الرقم الصعب»، مؤكدا أن الرد «سيكون مدويا ومزلزلا في العمق الإسرائيلي».
وخاطب شلح وزير الدفاع الاسرائيلي قائلاً «أقول لباراك افتح ملفاتك التي وضعت اسم ماجد وإخوانه فيها على قائمة الاستهداف، لكن عليك أن تعلم أن حركة الجهاد الإسلامي وجناحها العسكري لن تترك دماء أبنائها تذهب سدى وسترد الصاع صاعين».
اما الرئيس محمود عباس، فقال «ندين الاعمال الهمجية والبربرية التي تطال الشعب الفلسطيني» مضيفا ان «ماجد الحرازين مواطن فلسطيني وندين اغتياله وندين ايضا اطلاق الصواريخ من غزة. هذا عمل عبثي يجب ان يتوقف».
ويبدو أن القيادة السياسية الإسرائيلية فوجئت من حجم النجاح الميداني الذي حققته في اليومين الأخيرين، باصطياد هذا العدد من المقاومين، مما يضعف المطالبة المتصاعدة بالحاجة إلى شن اجتياح واسع. فدماء المقاومين لم تستثر ردود فعل منددة من الأسرة الدولية ولا حتى من النظام العربي الرسمي.
ورأى عدد من المعلقين الإسرائيليين أن النجاح الإسرائيلي في اصطياد عدد كبير من المقاومين دفعة واحدة، يرجع إلى أسباب عديدة بينها اجتماع مصادفات. ومع ذلك، من الجلي أن استمرار إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية والعجز عن إيجاد حل ناجع لها، دفعا القيادة السياسية إلى مطالبة الجيش بمزيد من تكثيف العمل. وبدا واضحا أن التصعيد الشامل لم يكن خيارا سياسيا مريحا لإسرائيل، خاصة وأنه يدفع إلى زج حماس في الصراع العسكري مما يزيد الأمور تعقيدا.
ومن الجائز أن هذا السبب دفع للتركيز على حركة الجهاد الإسلامي، التي تحدثت الصحف الإسرائيلية عن أنها باتت تؤدي، منذ فوز حماس في الانتخابات قبل حوالي عامين، الدور الأبرز في العمليات ضد الإسرائيليين. وبرغم محاولات إسرائيل تحييد حماس أو القوة المركزية فيها عن الصراع الدائر في غزة، فإن أصحاب القرار يتوقعون انخراط المزيد من القوى في الصراع، على الأقل في الفترة القريبة. غير أن التصعيد الإسرائيلي المدروس هذا، يأتي على قاعدة توفر تأييد دولي لأي عمل ضد المقاومة في القطاع، والاعتقاد بأن سياسة الحصار والتشديد العسكري أثمرت حتى الآن.
وفي كل الأحوال وبرغم الفرحة الإسرائيلية بالإنجاز، فإن غالبية القادة الإسرائيليين يحاولون عدم الذهاب بعيدا في التفاؤل والتأكيد على أن ما يجري ليس سوى حلقة واحدة في سلسلة طويلة. وبدا أمس التشاؤم حتى على وزير البنى التحتية بنيامين بن أليعزر، الذي اعتبر أن ما يجري من تصعيد في القطاع ليس أكثر من «فشة خلق» وانتقام ولكن ليس هناك من يضمن وقف العمليات الفلسطينية.
واعتبر المعلق العسكري لموقع «يديعوت» الألكتروني رون بن يشاي أن تصفية قادة الجهاد الاسلامي تعتبر الدرجة قبل الاخيرة في سلم الضغط العسكري الاسرائيلي لوقف اطلاق الصواريخ او تقليصه. وأشار إلى أن الاغتيالات هي السلاح الوحيد في يد اســرائيل قبل العملية الكبيرة، خاصة في ظل عدم امتلاك الجيش منظومة دفاعية ضد الصواريخ.
ويتفق المعلق الإسرائيلي هذا مع أقرانه ممن يرون أن في استهداف الجيش الإسرائيلي للجهاد الإسلامي إشارة قوية إلى ما ينتظر حماس، إن هي قررت الزج بقوتها في المعركة. ويؤكد هؤلاء أن لدى حماس ما تخسره في المواجهة العسكرية، أكثر من الجهاد الإسلامي، بسبب مسؤولياتها المدنية والحكومية أولا وبسبب مأسسة وحداتها العسكرية. ولذا فإن التصعيد ضد الجهاد يرمي إلى ردع حماس أيضا.

حلمي موسى

المصدر: السفير


  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...