«وادي الذئاب» في قلب التجاذب التركي الإسرائيلي أم مجرد واجهة؟
لم يعد خافياً أن مسلسل «وادي الذئاب» يحمل رسالة قوية منتقدة لإسرائيل عبر حبكته الدرامية التي تتناول عالماً مخفياً يحاول التحكم بمجرى الأمور في تركيا. حقق المسلسل نجاحات كبيرة جعلت له أكثر من جزء مثير للجدل، وتُوجت مؤخراً بعدما صارت حبكة المسلسل (أو هكذا صُِّور الأمر) واحدة من موضوعات الكباش الديبلوماسي بين تركيا وإسرائيل. علماً ان انتقاد اسرائيل لم يكن النقطة الوحيدة المثيرة للجدل التي فعلها المسلسل، إذ لم يتردد السيناريو سابقاً بالدخول إلى أكثر من حدث متفجر على الساحة الاقليمية (واللبنانية الداخلية تحديداً)، خصوصاً عندما تناول قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عبر التشديد «اتهموا سوريا وهي منه بريئة»، وكان لافتاً في إحدى الحلقات حديث البطل ولو سريعاً عن مؤامرة فاشلة كان هدفها «التخطيط لقتل رئيس الوزراء اللبنانيّ (السابق) فؤاد السنيورة»، وهي جمل كانت مرشحة للكثير من التفاعل خصوصاً في ظل فترة التوتر السياسي التي كانت سائدة في لبنان. كما دخل المسلسل إلى سوريا أيضاً ولمّح أحياناً إلى خروقات أمنية، وكانت له مواقف حادة من حزب العمال الكردستاني ،لكن النقطة التي أتاحت للدراما هذه أن تخرج إلى التداول السياسي المباشر فقد جاءت من وزارة الخارجية الإسرائيلية، التي باتت تركز فجأة على مسلسل تلفزيوني في بيان رسمي لها، لا بل وتتهمه بـ«معاداة السامية». فهل أزعج المسلسل حقاً المسؤولين الإسرائيليين، أم ان مشاهد «وادي الذئاب» لم تكن سوى الشعرة التي قصمت ظهر البعير؟
لا يخجل المسلسل التركي بموقفه الصريح تجاه اسرائيل، لا بل يؤكد انه يقدّم اسقاطات على الواقع، وهو ما أكده بيان شركة انتاج المسلسل «بانا فيلم» التي قالت بلهجة - لم تستعملها الديبلوماسية التركية في الرد للمناسبة - ان «»وادي الذئاب» سيستمر في قول الحقائق والتعرض للمذنبين». متسائلة: «لماذا تشعر السلطات الإسرائيلية التي لا تتردد في قصف الأطفال اللاجئين تحت علم الأمم المتحدة (في غزة) بانزعاج من وقائع حقيقية؟».
يقدم المسلسل صيغته على أنها مستندة إلى أحداث حقيقية، ما يجعل كماً كبيراً من الاثارة يكتنف حبكات أخرى فيه: مثلاً يعرض المسلسل مشهداً يخطط فيه مجرمون لاغتيال رئيس الوزراء التركيّ رجب طيب أردوغان، قبل ان يسارع البطل «مراد علمدار» (يجسده الممثل نشأت شاشماظ) إلى إفشال المخطّط، والقضاء على المنفّذين. ويكمل المشهد ليظهر «مراد» وقد عثر بحوزتهم على أسلحة إسرائيليّة، ما يعني ضلوع اسرائيل بالجريمة. لا يبقى ضلوع إسرائيل تلميحاً بل يظهر الشخص المجيَّر من قبل الموساد والأميركيّين، وهو يتحدّث عن تلبيته لطلب الاغتيال وتنفيذه إياه.
يتكرر سيناريو مشابه في مشاهد جريئة أخرى تتناول لاعبين أساسيين على الساحة الاقليمية: يركز المسلسل على دور شريك «ميماتي» في تحذيره وتنبيهه من ضرر قد يلحقه جراء دعم العرب.. و«ميماتي باش» هو اليد اليمنى لـ«مراد علمدار» في المسلسل، والذي يتحكّم بالمرفأ، يُسيِّر البواخر، يأخذ عمولاته، يهرّب المازوت، يقوم بتمرير شحنة أسلحة إلى المقاومة في لبنان حسب سيناريو المسلسل، فيستجرّ غضب الإسرائيليّين الذين يسعون إلى اغتياله، فيبدو في تأنيب شريكه له بوجوب الابتعاد عمّا يغضب الإسرائيليّين وعدم تقديم أيّة مساعدة للعرب، تأكيداً على الضغط الإسرائيليّ على الأتراك الذي يجدي ثماره أحياناً.
نتابع أبرز ما يقوله «وادي الذئاب» عن إسرائيل، فينكشف الموساد بصفته الشبح الذي يقف وراء الكثير من عمليّات الاغتيال والتحكّم بالمافيات التي تخترق جسد الدولة التركية وتتغلغل في أجهزتها. يكون «إسكندر الكبير» المرتبط بخطوط وثيقة، لكن غير مرئيّة أو ظاهرة، مع الإسرائيليّين والأميركيّين، لاهثاً للسيطرة على الدولة وقيادتها وفقاً للسياسات الملائمة له ولأصدقائه، كما تبرز شخصيّة «جاويد» الذي يقوم بدور المُنسِّق بين الإسرائيليّين ومُنظّمات إرهابيّة تابعة لها في تركيا. أما الفكرة الأكثر إثارة لحنق الإسرائيليّين أي تلك التي أبرزتهم كخاطفي أطفال ومجرمي حرب فسبق أن أثارت حفيظة الديبلوماسية الإسرائيلية أكثر من مرة، فها هو «مراد علمدار» يتقدم باتجاه عميل للإسرائيليّين، ويكون هذا الأخير ممسكاً بامرأة وطفلٍ، مهددّاً بقتلهما لكن «مراد» لا يستسلم، يصوّب مسدّسه في لقطة مشوقة ويفجّر جمجمة المتورّط بالإرهاب، فتتناثر دماء الأخير على نجمة داوود التي تتوسّط العلم الإسرائيليّ، الذي يكون معلَّقاً على الجدار الذي يحتمي به الرجل المتواطئ. يلخص المشهد القوي (الذي اختاره بالمناسبة الزميل عباس ناصر في تقرير موفق على «الجزيرة» حول الموضوع)، نبرة السيناريو والإخراج العاليتين للمسلسل ككل بما فيها من وضوح ورمزية في آن.
تجدر الإشارة هنا إلى ان هذه النبرة بدت واضحة أيضاً في فيلم «وادي الذئاب – العراق» 2005 الذي صوّر، بين ما صوّر، شخصية طبيب يهوديّ إسرائيلي في سجن «أبو غريب» متورطاً في الاتجار بالأعضاء البشريّة السليمة التي ينتزعها من أجسام المساجين، يظهر في لقطة يؤنّب فيها الجنديَّ الأميركيَّ الذي يطلق النار بشكل عشوائيّ على المساجين، لا اعتراضاً، بل ليذكّره بوجوب إيصالهم إليه سليمين لأنّه يحتاجهم كذلك.
كل هذا يؤكد أن في المسلسل والفيلم ما يزعج الاسرائيليين الحريصين على صورتهم في الإعلام والذين سبقوا ومارسوا ضغوطاً على الصناعة الهوليودية لضمان حضور نظيف لهم، لكن إذا ما استعرضنا الدور التركي البارز في المنطقة وموقف تركيا من الحرب على غزة وتصريحات أردوغان الشهيرة في دافوس ثم لقاء رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ورئيس الوزراء التركي أردوغان الأخير وما تبعه من تصريحات، ثم منع إسرائيل قبل أيّام من المشاركة في مناورات عسكريّة مشتركة مع تركيا معدّة سلفاً، يصبح أكيداً ان وراء الأكمة ما وراءها، ولو ان مسلسل «وادي الذئاب» يبدو حالياً في واجهة الخلاف على هامشه.
تعرض قناة «ابو ظبي» الجزء الثالث من «وادي الذئاب» يومياً الخامسة عصراً بتوقيت دمشق
هيثم حسين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد