فلسفة كانط

محمد شوقي الزين:

أسس فلسفة كانط:
- قام إيمانويل كانط، وهو شخصية مؤثرة في الفلسفة الحديثة، بتطوير نظام فلسفي فريد من نوعه أحدث ثورة في الطريقة التي ننظر بها إلى العقل والأخلاق. إن فلسفة كانط متجذرة بعمق في العقلانية والفلسفة الأخلاقية، وتتحدى وجهات النظر التقليدية وتقترح إطارًا جديدًا لفهم العالم ومكانتنا فيه. سوف يتعمق هذا المقال في أسس فلسفة كانط، مع التركيز على أساسها في العقلانية والفلسفة الأخلاقية، واستكشاف المبادئ الأساسية لمعتقداته، مثل الحتمية والواجب القاطعين، ودراسة الانتقادات والآثار التي تنشأ من إطاره الفلسفي.
- تعتمد فلسفة كانط بشكل أساسي على العقلانية والفلسفة الأخلاقية، مما يميزها عن وجهات النظر العقلانية والتجريبية التقليدية. يرفض كانط فكرة الميتافيزيقا العقلانية التي تدعي قوة العقل غير المحدودة. ويجادل بأن العقل له حدوده ولا يمكنه أن يزودنا بمعرفة كيانات مثل الله أو عالم متعال. بدلا من ذلك، يقدم كانط مفهوم الحتمية المطلقة (CI) كقانون أخلاقي عالمي يتجاوز الرغبات والتفضيلات الفردية. على عكس وجهات النظر التجريبية التي تربط الدافع والأخلاق بالتجارب والعواطف الشخصية، يؤكد كانط على دور العقل كقوة توجيهية لصنع القرار الأخلاقي. وفقا لكانط، العقل يمكّننا من التصرف وفقا لمبادئ ضرورية موضوعيا وعقلانيا، بغض النظر عن ميولنا الطبيعية.
 مفهوم الحتمية المطلقة في فلسفة كانط:
- تدور أساسيات فلسفة كانط حول مفهوم الحتمية المطلقة ومفهوم الواجب كأساس للأخلاق. يفترض كانط أن الواجبات الأخلاقية ترتكز على الحتمية المطلقة، وهي أمر غير مشروط ينطبق على جميع الكائنات العقلانية. ولا تتوقف هذه الحتمية على الرغبات أو النتائج الشخصية، ولكنها متجذرة في العقلانية المتأصلة في البشر. تؤكد أخلاقيات كانط الأخلاقية على أهمية التصرف من منطلق الواجب بدلاً من التركيز على العواقب مثل المتعة أو الألم. ويؤكد أن الأخلاق يجب أن تقوم على واجبات تنبع من مبادئ عقلانية، بعيدا عن الميول الذاتية والمكاسب الشخصية. ومن خلال إعطاء الأولوية للواجب على العواقب، يؤسس كانط إطارًا أخلاقيًا قابلاً للتطبيق عالميًا ومستقلًا عن الظروف الفردية.
 المعرفة لدى كانط:
- إن تمييز كانط بين المعرفة القبلية والمعرفة البعدية أمر ضروري لفهم نظريته في المعرفة. تشير المعرفة المسبقة إلى المعرفة التي يمتلكها الفرد دون الاعتماد على الأدلة التجريبية أو الخبرة. هذا النوع من المعرفة مستقل عن الإدراك الحسي ومشتق من العقل أو الحدس المحض. ومن ناحية أخرى، يتم اكتساب المعرفة البعدية من خلال الخبرة والملاحظة التجريبية. إن التمييز بين هذين الشكلين من المعرفة يظهر بشكل بارز في أعمال الفلاسفة مثل ديفيد هيوم وإيمانويل كانط. إن تركيز كانط على المعرفة المسبقة يسلط الضوء على القدرات الفطرية للإدراك البشري لفهم بعض الحقائق دون الحاجة إلى التحقق الحسي. من خلال الاعتراف بأهمية المعرفة القبلية، يتحدى كانط وجهات النظر التجريبية التقليدية ويؤكد على دور العقل في تشكيل فهمنا للعالم. يعد هذا التمييز بمثابة حجر الزاوية في الإطار المعرفي لكانط، ويضع الأساس لمزيد من الاستكشاف في طبيعة المعرفة والعقلانية.
 نقد فلسفة كانط:
- وعلى الرغم من التأثير العميق لفلسفة كانط، إلا أنها واجهت انتقادات وأثارت دلالات لا تزال تثير الجدل بين الفلاسفة. أحد الانتقادات الشائعة هو أن نظرية كانط الأخلاقية، التي تركز على المبادئ والواجبات، قد تبدو جامدة وخالية من التطبيق العملي. يجادل النقاد بأن الأخلاق التي تعتمد فقط على الالتزامات قد تتجاهل تعقيدات مواقف الحياة الواقعية والفروق الدقيقة في السلوك البشري. بالإضافة إلى ذلك، تم تحدي تركيز كانط على القوانين العالمية والواجبات الأخلاقية على أساس أنها تقيد الحرية الفردية والاستقلالية. يقترح بعض النقاد أيضًا أن إطار كانط الفلسفي يتوافق عن غير قصد مع بعض النظريات العلمية، مثل وحدة الوجود أو المذهب الطبيعي، مما يثير تساؤلات حول مدى توافق مبادئه الأخلاقية مع المعرفة المعاصرة. تسلط هذه الانتقادات والتداعيات الضوء على الأهمية والتعقيد المستمرين لفلسفة كانط في الخطاب الفلسفي الحديث.
- في الختام، تقدم فلسفة إيمانويل كانط، المرتكزة على العقلانية والفلسفة الأخلاقية، منظورًا مثيرًا للتفكير حول العقل والأخلاق. من خلال تقديم الضرورة المطلقة كقانون أخلاقي عالمي والتأكيد على أولوية الواجب في صنع القرار الأخلاقي، يقدم كانط إطارًا مقنعًا لفهم أفعال الإنسان ومسؤولياته. في حين واجهت فلسفته انتقادات فيما يتعلق بطابعها العملي وآثارها على الحرية الفردية، استمرت أفكار كانط في تشكيل المناقشات المعاصرة في الفلسفة والأخلاق، مما يؤكد الأهمية الدائمة لمساهماته في مجال الفلسفة الأخلاقية.

 *أستاذ الفلسفة الغربية المعاصرة بجامعة تلمسان