«معهد واشنطن»: مهمات لقوات دولية في مرحلة ما بعد حرب غزة

19-01-2009

«معهد واشنطن»: مهمات لقوات دولية في مرحلة ما بعد حرب غزة

نشر »مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحافية« ترجمة لتقرير صادر عن »معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى« تحت عنوان »استدعاء طرف ثالث إلى قطاع غزة«، أعده الباحث مونتغمري ميغز في الآتي نصه: يد طفلة فلسطينية من عائلة السموني استشهدت قبل ١٣ يوماً، بين أنقاض منزلها في مدينة غزة أمس.
مع احتدام القتال في قطاع غزة، طالبت عدة جهات دولية أن يتم نشر قوى من طرف ثالث على معبر رفح على الحدود المصرية مع القطاع. تتراوح الدعوات بين حصر مهمة الطرف الثالث بمراقبة الحدود وبين تولي مسؤولية حفظ السلام بكل ما تتطلبه العملية من إجراءات؛ ومن المفترض أن تكون هذه القوة لصالح جميع الأطراف في حال إقرار وتنسيق غايتها ومهمتها بشكل صحيح. لكن لم تتجل حتى الآن الغاية من وجود الطرف الثالث، ولم يتم تحديد قواعد التدخل في الصراع أو حصر العدد الكافي من الخبراء والمدربين، هذا ما قد يجعل وجود قوة جديدة خطراً قد يزيد من سوء الوضع في القطاع. وبغض النظر عن مهمة هذه القوة أو تركيبتها، إن نجاحها يتعلق بقبول الأطراف المعنية بتنفيذ القوة لما تمليه إجراءات حفظ السلام على أراضيها. هذه هي العقبة التي قد لا يتمكن أحد من تجاوزها.
الاتحاد الأوروبي وقطاع غزة
تتضمن اتفاقية الحركة والعبور التي تلت الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام ٢٠٠٥ استدعاء قوة من الاتحاد الأوروبي لمراقبة معبر رفح الحدودي بين مصر والقطاع. أثناء عمل هذه القوة بين تشرين الثاني ٢٠٠٥ وحزيران ،٢٠٠٦ تم دخول حوالى ٢٨٠ ألف شخص إلى القطاع عبر معبر رفح. ثم خلال العام التالي، لم يفتح معبر رفح إلا لثلاثة وثمانين يوماً نتيجة الإغلاقات المتكررة له عقب اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في حزيران .٢٠٠٦ إلا أن ١٦٥ ألف شخص عبروا إلى القطاع خلال هذه الأيام الثلاثة وثمانين. لقد باتت عمليات التسرب والتهريب التي تكثر على معبر رفح عاملاً رئيسياً في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
على الرغم من اقتصار مهمتها على المراقبة، واجه المراقبون الأوروبيون مصاعب لا تقارن مع المشاكل التي من المتوقع أن تتعرض لها القوة الدولية التي ستحضر بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار في المعركة الحالية. أولاً، إن مهمة المراقبين الأوروبيين اقتصرت على المراقبة، فلم يكن المراقبون مسؤولون عن ضبط البضائع الداخلة عبر الحدود ولم تتعد سلطتهم حواجز المرور على المعبر. فقاموا بالتحقق من عمل مسؤولي الحدود التابعين للسلطة الفلسطينية ولعبوا دور قناة التواصل مع جيش الدفاع الإسرائيلي. أما في حال الاتفاق على إنهاء الحصار عن القطاع، فيجب وضع ترتيبات لمعالجة عمليات مرور البضائع والأشخاص أي العمل على فتح معبري الأفراد والآليات لمرور الشاحنات التجارية.
متطلبات القوة الدولية في القطاع
بغض النظر عن ماهية مهمتها ومسؤولياتها، على القوة الدولية أن تكون مفوضة لوقف عمليات التهريب من معبر كرم أبو سالم إلى البحر منعاً لإعادة تسليح حماس. وللتمكن من إثبات فعاليتها إلى القطاع، على القوة الدولية أن توسع جهودها في مكافحة عمليات التهريب إلى داخل الأراضي المصرية أو غزة أو كليهما، ما يتوقع أن يزيد من تعقيد علاقة القوة مع هذين الطرفين وبالتالي يرتد سلباً على عمل القوة. في النهاية، ربما تجد إسرائيل أنه من الأسهل لها أن تعمل على التوصل إلى اتفاقية ثنائية مع مصر، حيث من الأكثر تحدياً وتعقيداً أن يتم استدعاء طرف ثالث للقيام بما هو أكثر من وقف عمليات التهريب وإطلاق الصواريخ. إن نجاح القوة الدولية في وقف عمليات التهريب منوط بالمتطلبات التالية:
÷ أولاً، تخول القوة الجديدة السلطة الكاملة على كامل المساحة البرية والبحرية التي تلزمها لإقامة منشآتها ومزاولة عملياتها. وقد تمتد هذه المساحة لعمق معين على جانبي الحدود بشكل يضمن فعالية العمليات الحدودية.
÷ ثانياً، يجب أن تتضمن قواعد التدخل في الصراع شروطاً ملائمة لاستعمال السلاح إما لمكافحة ما يهدد الأمن والسلام أو للدفاع عن النفس. كما يحق لقائد القوة الدولية التصرف بحرية حيال ما يهدد الأمن والسلام وتحديد التوقيت المناسبة لاستخدام السلاح والعنف.
نظراً إلى حتمية الطابع الدولي للقوة الائتلافية التي سيتم وضعها، من غير المرجح أن تتمتع كل الأطراف المشاركة في القوة بالحزم السياسي والخبرة العسكرية اللازمة لهذا النوع من العمليات. ونظراً إلى الالتزامات العسكرية الأخرى حول العالم للدول المساهمة مثل وجود قوى دولية في أفغانستان، سيكون من الصعب تأمين الكم والنوع الملائم للقوة المطلوبة في قطاع غزة. إلا أن الدول التي لا يمكنها توفير جنود يتمتعون بالكفاءة المطلوبة يجب أن لا يتم إشراكهم في تشكيل القوة الدولية. حيث ينبغي أن يكون قائد الفريق وطاقمه ضليعين بعمليات حفظ السلام وأن يضم الفريق مستشارين سياسيين رفيعي المستوى من كل من الولايات المتحدة وحلف الناتو. كما من الواجب دعم الفريق الدولي بالسلطة اللازمة للتمكن من التعامل سياسياً مع المسؤولين البارزين إقليمياً في إسرائيل وفلسطين ومصر وربما مع مسؤولين في هيئات عالمية كالناتو.
أيضا تحتاج قوة حفظ السلام الدولية إلى:
÷ قدرات استخباراتية هائلة مع التقرب من كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر، ومع أولوية الحصول على الدعم الاستخباراتي من الولايات المتحدة الأميركية والعواصم العالمية المساهمة.
÷ قسم كبير من قوات العمليات الخاصة (مع قائد احتياطي نائب) في حال تضمن مشروع التسوية بند إرسال فرق من القوات التابعة للسلطة الفلسطينية من الضفة الغربية إلى القطاع لتولي مهمات التفتيش والتحقيق الدورية أو لتدريب عناصر فلسطينية أمنية.
÷ مهارات هندسية وخبرات تكنولوجية اختصاصية لوقف عمليات التهريب عبر معبر رفح.
÷ الوعي الثقافي واللغوي ومهارات التفاوض، لأن الاعتماد على المترجمين المحليين سيفتح الباب أمام العملاء. كما ينبغي أن تضم قوة حفظ السلام خبراء من العراق وممن شاركوا في عمليات حفظ السلام حول العالم مؤخراً، مع التركيز على من يتقن تحدث اللغة العربية.
النتائج المتوقعة
[ من الممكن أن تنجح القوة الدولية في ضبط الحدود شرط أن تتمتع بقيادة جيدة وطاقم مناسب وتجهيزات متطورة وصلاحيات واسعة، أي بكلفة وجهد لافتين.
[ من وجهة نظر فلسطينية، تشكل القوة الدولية حائلاً من دون أي عملية إسرائيلية عسكرية مستقبلية على محور معبر رفح.
[ كما أنها ستعيد وجود القوات التابعة لمحمود عباس إلى قطاع غزة، أو على الأقل على المعابر الأساسية على حدود القطاع.
[ أما بالنسبة للإسرائيليين، فإن القوة المجهزة بدقة قد تنجح في وقف عمليات تهريب السلاح وبالتالي القضاء على أي سبب يبرر الاعتداءات الإسرائيلية المستقبلية على قطاع غزة.
[ ومع حفظ الأمن والسلام لفترة لا بأس بها قد تتمكن قوة حفظ السلام من إيصال المساعدات الإنسانية إلى أهالي قطاع غزة عاجلاً ومن تنفيذ مشاريع التنمية وإعادة الإعمار فيما بعد.
[ أخيراً ان القوة الدولية بعلاقتها الدبلوماسية والسياسية مع الجانبين قد تمنح الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها نوعاً من السيطرة على الأحداث وربما القدرة على التحكم بالوقائع على الأرض.
انعكاسات وجود قوات دولية بغزة
إن سعي أي طرف خارجي لإرساء الأمن في قطاع غزة سيجد الكثير من المصاعب، حتى لو كان بقبول من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. فجراح القتال العنيف الحالي وكل الأحداث السابقة في القطاع تتخلل أي تواصل مع الأطراف المحليين، خاصة عندما ترتكب القوة الدولية خطأ ما؛ عندها سرعان ما يتم بث الخبر على صعيد الدول العربية والإسلامية كافة. لذلك أن تقبل وجود القوة الدولية مرتبط بنجاح القوة وعدم إخفاقها في عدد لا بأس به من العمليات المتتالية التي تظهر فعاليتها وتتجلى في حفظ الأمن والسلام. هذه العوامل تلعب الدور نفسه سواء لدى جانب الشعب الفلسطيني أو جيش الدفاع »الإسرائيلي«. علماً أن سجل المراقبين الدوليين حتى الآن ليس فيه ما يدعو »إسرائيل« إلى تسليم مهام الأمن إلى أطراف خارجية.
الأخطر من ذلك أن القوة قد تصبح هدفاً للرافضة والجماعات المتطرفة سواء كانوا من أتباع حماس أو من الفصائل الفلسطينية الخارجة عن محور حماس. على القوة الدولية إذن أن تكون مستعدة لاستباق أو مكافحة سلسلة من الهجمات المدروسة. وتمثل قوات حفظ السلام في سيناء ومرتفعات الجولان مؤشراً للدول المساهمة لتقبل فكرة وإدراك ضرورة بقاء قوة حفظ السلام الدولية في قطاع غزة لمدة عقود.
باختصار، قبل اتخاذ أي قرار استدعاء قوة دولية لحفظ السلام ومكافحة عمليات تهريب السلاح إلى القطاع، على زعماء الدول المعنية أن يدرسوا الأمر بواقعية، نظراً للمصاعب التي ستواجهها القوة الدولية في قطاع غزة ولخيبات الأمل المستمرة التي قد تصطدم بها. ولنجاح مهمتها، تحتاج القوة الدولية المنتدبة إلى صلاحية استخدام السلاح القاتل لوقف عمليات التهريب، أي لا تقتصر مهمتها على المراقبة والتقرير. هناك أمل في نجاح مهمة قوة دولية لحفظ السلام شرط أن يتم دعمها جيداً، وتحديد جدول صلاحيتها وأهدافها، مع تجهيزها كماً ونوعاً وإلا فإنها ستجد نفسها خائبة وبكلفة سياسية إقليمية باهظة.

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...