ما الذي يريده المالكي من زيارته لدمشق وماذا سيقول بعد عودته لبغداد
الجمل: يبدأ اليوم نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي زيارة رسمية إلى العاصمة السورية دمشق تستغرق يومين، بهدف التباحث مع المسؤولين السوريين حول القضايا الثنائية:
• (الحكومة العراقية) الحالية.. قراءة في الوجه الآخر:
تتحدث الكثير من أجهزة الإعلام العربية، وهي تستخدم مصطلح (الحكومة العراقية)، و(رئيس الوزراء العراقي)، و(البرلمان العراقي)، وذلك على النحو الذي يوحي للأذهان بأن هناك وجوداً مؤسسياً حقيقياً لجهاز الحكم والدولة في العراق.
عند احتلال قوات هتلر لفرنسا في الحرب العالمية الثانية، تمكن النازيون، بمساعدة بعض (المتعاملين) الفرنسيين من انتخاب حكومة فرنسية، حاولوا من خلالها إيهام أوروبا والعالم بأن فرنسا قد تم تحريرها وبأنها أصبحت تنعم بالديمقراطية، وأصبحت الصحف النازية الألمانية تتحدث عن الحكومة الفرنسية، رئيس الوزراء الفرنسي، وزير الخارجية الفرنسي.. وغير ذلك من المفردات التي تتماهى وتتطابق تماماً مع المفردات المستخدمة اليوم بواسطة الإعلام العربي مثل (الحكومة العراقية)، (رئيس الوزراء العراقي).. وغيرها.
ومن سخرية القدر أن الأمريكيين والبريطانيين الذين وقفوا بشدة ضد هذا الأمر، ولم يعترفوا مطلقاً بـ(الحكومة الفرنسية) التي تم انتخابها وتعيينها تحت ظل الاحتلال العسكري النازي الألماني، أن يقوموا بتكرار الصورة في العراق الذي احتلوه بالقوة العسكرية، بانتخاب حكومة تحت ظل الاحتلال ومن ثم يطالبون العالم بالاعتراف بها باعتبارها حكومة ديمقراطية حرة عراقية ديمقراطية.
• كيف تعمل الـ(حكومة العراقية):
تقوم سلطات الاحتلال الأمريكي باستخدام (آلية) الخبراء الأمريكيين الذين يعملون كـ(مستشارين) للمسؤولين العراقيين، والذين بدورهم يقومون بالإشراف على كل (كبيرة وصغيرة) في المرافق الحكومية العراقية، وهؤلاء الخبراء والمستشارين يتبعون للسفارة الأمريكية في بغداد، والتي تعتبر أكبر سفارة خارج الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى هذا النحو يمكن القول بأن وجود هؤلاء الخبراء المستشارين قد أدى إلى نشوء نوع من القسمة في عملية (صنع واتخاذا لقرار) بحيث يسيطر الأمريكيون على آلية صنع القرار، بينما يقوم (المسؤولون) العراقيون بعملية اتخاذ القرار.
• الـ(حكومة العراقية) الحالية وإشكالية الاعتراف الإقليمي والدولي:
بعد رفض مجلس الأمن الدولي في مطلع عام 2003م المشاركة في التدخل العسكري ضد العراق، قامت إدارة بوش ببناء تحالف دولي يضم حلفاءها المقربين، وبتنفيذ عملية غزو واحتلال العراق، ولاحقاً بعد ذلك، قرر مجلس الأمن الدولي الاعتراف ليس بشرعية الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، وإنما الاعتراف بالأمر الواقع القائم على أساس أن هناك دولة في منطقة الشرق الأوسط أصبحت تحت الاحتلال العسكري الأمريكي، ولما كان القانون يشير إلى مسؤولية الدولة التي قامت بعملية الاحتلال عن كل ما يوجد في الدولة التي تم احتلالها من سكان وموارد وخلافه، فقد قبلت الإدارة الأمريكية بقرار مجلس الأمن الدولي الذي أعلن رسمياً العراق بأنه دولة واقعة تحت الاحتلال وبأن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن العراق والعراقيين.
عندما تقع دولة تحت الاحتلال تقوم دول العالم بإعادة النظر في الجوانب المتعلقة بموضوع (السيادة)، وتبعاً لذلك تتم كافة المعاملات عن طريق المحتل والذي هو الولايات المتحدة، ولكن برغم ذلك ماتزال السفارات التابعة لـ(الحكومة العراقية) تعمل، ومايزال (الدبلوماسيون) العراقيون يعملون في كافة المنظمات الدولية والإقليمية.. وتشير كل هذه الظواهر إلى مدى قدرة الولايات المتحدة في تجاوز وتخطي كل تقاليد النظام الدولي. ومن سخرية القدر أن الجامعة العربية لم تقم حتى الآن بتجميد عضوية العراق، باعتباره دولة فقدت سيادتها بسبب الاحتلال الأمريكي، وهناك ذريعة قانونية يمكن للجامعة العربية الاستناد إليها تتمثل في أن قرار مجلس الأمن الذي اعترف بأن العراق هو دولة تحت الاحتلال.. إضافة إلى أن مجلس الأمن الدولي لم يقم حتى الآن بإصدار قرار يقول بأن الاحتلال قد انتهى وبأن العراق أصبح دولة مستقلة تتمتع بالاستقلال والسيادة الكاملة مثلها مثل دول العالم الأخرى مثل جيبوتي، وتشاد، وجزر القمر...
• بين (رئيس الوزراء العراقي) وسورية:
ظل نوري المالكي موجوداً في سورية لسنوات طويلة خلال فترة حكم الرئيس الراحل صدام حسين، ولكنه بعد توليه منصب (رئيس الوزراء العراقي) في ظل الاحتلال الأمريكي، أصبح هو و(الرئيس العراقي) جلال الطالباني، وغيرهما جزءاً من حملة الهجوم على سورية، والتي هي حملة تقوم بتنظيمها الإدارة الأمريكية في المقام الأول.. ويتردد صداها بعد ذلك في (الحكومة العراقية)، وكثيراً ما ردد نوري المالكي، وجلال الطالباني، وموفق الربيعي، والبولاني، وعبد الأمير، وغيرهم الاتهامات القائلة بأن سورية تقوم بمساعدة المسلحين الذين يدخلون عبر الأراضي السورية إلى العراق من أجل محاربة القوات الأمريكية التي تحتل العراق، وبالتالي فإن سورية هي المسؤولة في هذه الحالة عن زعزعة استقرار العراق.
• جولات نوري المالكي وثنائية (الظاهر) و(الباطن):
خلال الفترة القليلة ا لماضية، وعلى خلفية (ارتفاع درجات الحرارة) في الكونغرس، والبيت الأبيض، وبغداد، والرياض، وأنقرا، وباكستان، وشمال العراق، وجنوب العراق، والمناطق الكردية الموجودة في شمال غرب إيران، وذلك بفعل (موجات الاحتباس الحراري) التي أثرت على أوضاع البيئة وعلى وجه الخصوص في منطقة الشرق الأوسط، قام نوري المالكي بعدة زيارات، بدأت بـ(أنقرا)، ثم (طهران)، والآن (دمشق).. ولم تكن (الرياض) هذه المرة –لأسباب يعرفها الملاكي جيداً- ضمن جولة نوري المالكي التي تهدف إلى التحرك ميدانياً على غرار جولات كوندوليزا رايس وروبرت غاتز.. ما الذي يريد المالكي تحقيقه من هذه الجولات، وهل فعلاً يستطيع نوري المالكي التصرف باعتباره ممثلاً للإدارة الحرة العراقية كما يقول، أم باعتباره ممثلاً لإرادة أخرى كما تقول المعلومات والدلائل؟.. وبماذا أوصاه المستشارون والخبراء الأمريكيون الموجودون في (المنطقة الخضراء) بأن يفعل في أنقرا وطهران ودمشق؟ وما هي حدود التفويض المسموح له من أجل توقيع الاتفاقيات الثنائية مع قادة وزعماء هذه البلدان الذين يعبرون عن سلطة وإرادة شعوبهم الوطنية الحرة.
لقد جاء إلى دمشق سابقاً الكثير من (المسؤولين) العراقيين العاملين تحت (الحكومة العراقية) الموجودة في ظل الاحتلال، وقالوا كلاماً كثيراً أمام الصحافة والملأ والعالم، ولكنهم عندما عادوا إلى بغداد التي ترزح تحت نير الاحتلال قالوا كلاماً آخر، وأدلوا بالكثير من التصريحات المختلفة تماماً عن تصريحاتهم التي أدلوا بها في سورية، وتشهد على ذلك شاشات الجزيرة، والعربية، وتلفزيون المستقبل، وقناة العراقية.
الآن تقول سورية مرحباً بنوري المالكي لأنها ظلت تقول دائماً مرحباً لكل عراقي يقف على بوابات حدودها مع العراق، ومع كل البلدان العربية الأخرى.. وسوف يجد نوري المالكي الترحيب والتقدير والحفاوة العربية من كافة العرب السوريين.. وسوف يقول كلاماً كثيراً أمامهم حول قضايا الأمن والتعاون والسلام والاستقرار وهلم جرا... وبعد ذلك يبقى ما هو أهم، وهو: ماذا سوف يقول الملاكي عندما يرجع إلى بغداد؟ هل سيقول ما وجده وسمعه من المسؤولين السوريين.. أم أنه سيقول في حق سورية والسوريين ما تطلبه منه سلطات الاحتلال الأمريكي ضد سورية والسوريين؟.. وعلى غرار المثل الانكليزي: دعنا ننتظر ونرى.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد