رغدة الشعراني والعمل على تجديد شباب المسرح السوري
الجمل - أيهم ديب: إن أعجبتك لوحة تقتنيها, وإن أعجبك فيلم تشتريه و إن أعجبتك أغنية تحمل نسخة منها في هاتفك الخلوي و اخرى في مسجل السيارة و ثالثة في مشغل ال mp3. ما الذي يمكن أن تفعله عندما تحب مسرحية رغدة الشعراني؟ تعود لتحضرها في العرض الثاني و الثالث؟ و قد تنتهي الى طلب يدها للزواج؟ هذه الثيمة كانت تبدو عبثاً في الأفلام المصرية والاذاعة السورية:عندما يتعلق الزبون بهوى راقصة او أرتيست! اليوم تمنح رغدة الشعراني فرصة لجمهور المسرح للتعلق بنجوم الخشبة و لبيس فقط احترامهم -من باب الشعور بالامتنان للشهادة و الشهداء.-
ما الذي يجري في كواليس المسرح السوري و لا يدركه الأساتذة؟ إنه التواصل : الجنس و الكحول و السجائر. ثورة الاتصالات و تغلب السياحة على تجارة السلاح. السفر و تأشيرات الدخول و الخروج . السيارات السريعة و الأجهزة النقالة. الانترنيت الذي وضع أمام العشاق سؤالاً ملحاً : ماذا بعد ؟ أو حتى على طريقة وليد بيك: الى أين !!
البريد الالكتروني أسرع من الفكرة و من نبض القلب.و الطرقات لم تعد تؤدي بالضرورة الى روما. فالبعض يتسوق في دبي و الآخر يطلب الراحة في جزر المالديف و غيرهم يبحث عن الحقيقة في قفار أفغانستان أو في ملفات الحرب على الارهاب. و الأفلام الوثائقية زادت الحقائق غموضاً و فيصل القاسم جعل من الصعب اختيار أي الاتجاهين.
دخول صدام الى الكويت و ردح الأشقاء اللبنانيين و انقسام الأخوة الفلسطينيين على بعضهم البعض و ابتسامات ليفني من القاهرة و الحديث عن التاريخ العربي -عندما يكون ثلاثة خلفاء راشديين من أصل اربعة قد قتلوا -. من يجب أن يتنظر هذا الجيل؟ و الى من يجب أن يستمع ؟ من يجرؤ أصلاً على الوعظ اليوم؟ من يجرؤ ان يقف ويقول: أنا كصالح في ثمود؟
لا يبدو الجيل الجديد معنياً جداً بالاستمرار بلعبة العائلة السعيدة و الوطن السعيد. فكم تستطيع القيم أن تتحمل مبضع الفلسفة؟ في المكتبة تباع كتب البنائية الى جانب التفكييكية الى جانب كتاب رأس المال و و احياناً الى جانب الكتاب الأخضر. و محطة الجنس مباشرة بجانب التلفزيون الوطني . السرعة التي تنعطف بها سيارة المجتمع تلقي بنصف حمولتها على المنعطف الأول و تلقي بما تبقى على منعطف آخر. و سفينة نوح عليها ان تختزل حمولتها مع كل فيضان يهز القبيلة.
ما هي العناصر التي يثبتها مسرح الشباب السوري؟ الموسيقا الحية, الإستعراض و الموقف.
ليس مسرح وعظي
تبدو هذه الكلمة غاية في القسوة . فهل وصلنا اليوم الذي نصلب فيه الأنبياء مثل فعل الجاهلية على مر العصور؟ و هل بات الغرباء القادمون ليلاً من الشرق عبئاً على أورشليم الانسان المعاصر؟
هل هو إحباط أم تكسير للكذب المتراكم في قاموس حكمتنا؟
الشاب السوري اليوم لا يرغب بانقاذ الصورة المثال بقدر ما هو معني بمعرفة مساحته , نطاقه الحيوي و موجته الخصوصية. قد لا يكون حضور الموسيقيين على المسرح مرده الحاجة التقنية للمسرحية بقدر ما هو حضور حقيقي في الحياة الواقعية للشباب الفنان . هذا يجعل المسرحية مرتبطة عضوياً بالحياة المعاصرة أكثر منها تشخيص كلينيكي لصورة المجتمع.
الأبطال موزعون بالتساوي على الخشبة فهملت مثل هوراشيو , و روميو ليس أكثر استحواذاً على المناخ من الحكيم. هذا التوزيع التلقائي يعكس الطبيعة الاقتصادية –المادية- للمجتمع الحديث حيث مفهوم الاختصاص يلغي مفهوم الاقطاعية. أي أن لكل شخص مساحته التي يحكمها كملك. والممتع هو أنهم لا يرسمون شخصيات بقدر ما يعيشون هذه الشخصيات. إنه تمثل أكثر منه تمثيل . و هذا سوف سيفتح المجال أمام تجارب مضادة في المسرح –لاحقاً- قد تقترب من الأشكال المسرحية الأكثر كلاسيكية و ذلك سيفرضه الوعي و الضمير الانساني الذي دائماً يخضع لظهورات و غيابات تترافق مع تطور الشعوب و انحطاكها.
ما هو حجم الفن- الثقافة- في هذا العمل؟ ثمة فرضيات أن الفن يبني الانسان او أن للثقافة غاية نهائية هي انقاذ العالم. جورج بوش أطلق النار على السياسة و من غير قصده أنقذ العالم من 100 سنة قادمة من الكذب و التلفيق. المسرحية وضعت عالمنا و قيمنا في ميزان الواقع . إن الازدراء الفاشستي لطببيعة الانسان و حاجاته جعلته عبداً للسلطة الأبوية في رحلته القاسية على سلم الكمال. إن المسرح لا ينوب عن المجتمع و لا يختزل دوره. و ليس من واجب مجموعة شباب سوريين ان يعوضوا عن هوليوود سوريا او لاس فيغاس سورية او عن غياب شوماخر سوري..... إنهم يرسمون صورة للعالم الداخلي للشاب السوري و ينتجون مسرحاً في النهاية. و بالتالي فإن الحديث عن عرض اكثر حنكة و أكثر تفوقاً هو تحد يجرى إحالته الى كامل المجتمع و ليس الى كامل نجمة .
لا أرغب بإعادة ما كتبت سابقاً في مساحات تتقارب فيما نراه اليوم كسمة عامة في عمل رغدة شعراني و بعض الأعمال الشابة . و لكن يمكن أن أنتبه الى موضوع الجنسية – ففي أكثر من عرض مسرحي يبدو موضوع الجنسية حاضراً بطريقة تسجل لصالح هوية العمل المسرحي السوري المعاصر . فدون ان تكون خطاً درامياً- بحد ذاتها - تعكس الثنائية الجنسية لشخصيات الأعمال المسرحية الكثير من التركيبة الاجتماعية المحلية. و يمكن قراءتها كمؤشر ايجابي فيما يخص بعض القضايا المعاصرة من قبيل فعالية المرأة و التكيف الاقتصادي. ...
الينغ و اليانغ في الشخصيات المسرحية في تحول مستمر بطريقة تكشف الطبيعة الموشورية للنفس الانسانية خارج إطار المثال: مرأة مثالية-رجل مثالي.
إذا وضعنا موضوع الجنسية الى جانب المساواة الجغرافية-الحيز- للشخصيات فإننا نقف على عمل مسرحي متسق عضوياً بين ما يقدمه و بين شكله. و بالتالي يمكن القول انه غير مدعي أو غير متكلف. فإذا أضفنا الى هذا المهارات التي تبلورت في عروض سابقة فإننا أمام عمل يجعل الفنان على الخشبة نجماً أكثر منه ممثلاً.
تيامو : تأليف و اخراج :رغدة شعراني
العرض على مسرح الحمراء-دمشق- يبدأ في الساعة الثامنة و النصف.
مروان أبو شاهين- علاء الزعبي- جابر جوخدار- الوليد عبود – شادي مقرش – كامل نجمة – لورا أبو أسعد – نسرين الحكيم – هنوف خربوطلي – شادي الصفدي – فرزدق ديوب – كفاح الخوص
انطباعات شخصية :
أداء لورا أبو أسعد دور شانتال ,اقتصادها في الحركة, الإيماءات المتكسرة و –الميكانيكية قليلاً- عززت في خلق شخصية غاية في الغنى على طول الخط. رغم محدودية الدراما المنوطة بها. استطاعت ان تشحن الشخصية بحضور يمتلكني !!! لا استطيع أن أقدم استبيان بآراء الجميع لهذا اتحاشى التحدث بصيغة الجمهور او المشاهد.
الفرزدق ديوب يثبت أن الممثل ضحية خيارات المنتج او المخرج او الصدفة الى أن يعطى المساحة المناسبة و هذا من أسوأ موروثات العمل التجاري. فمفهوم النجم الذي يبيع يحرم المسرح و السينما و حتى الجمهور من حق التعرف بفنانين موهوبين.
سأتعلم ان احفظ الأسماء لأشكر كل الشباب الذين أمتعوني- نا- بالعرض.
إضافة تعليق جديد