دي ميستورا: يمكنهم إنهاء الحرب في شهر..لكنهم مستعدون للقتال حتى آخر سوري

11-09-2015

دي ميستورا: يمكنهم إنهاء الحرب في شهر..لكنهم مستعدون للقتال حتى آخر سوري

وسط حراك ينشط على مستويات مختلفة، تستشعر الأمم المتحدة وجود إمكانية لملء محرك التسوية السورية بوقود جديد. الملف السوري عاد لتصدر الأجندة الدولية بعدما تم إنجاز تسوية الملف الإيراني. المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا يشيع أن لحظة إطلاق عملية التسوية حانت، أو هكذا يتوجب.
الصراع الإقليمي والدولي، على الأرض السورية، لم يعد لديه تلك الهوامش برأيه. يشيع أن تمدد «داعش» سبب أكثر من كاف لجمع الفعالين الإقليميين والدوليين. صدى محادثاته في بروكسل أظهر تعويله الكبير على خلق مجموعة اتصال دولية، خصوصاً مع تأكيده أن جمع إيران والسعودية يمكنه حسم الصراع في وقت قياسي.
دي ميستورا التقى في بروكسل، أمس، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فدريكا موغيريني. أصدرت بروكسل بعدها بيانا قالت فيه إن الجانبين تبادلا وجهات النظر حول «كيفية تسريع العملية لإيجاد حل سياسي». في هذا السياق، يريد المبعوث الدولي مساهمة أوروبية «نشطة» على صعيد خطته لإنشاء مجموعة اتصال دولية، وكذلك مجموعات العمل السورية. البحث تناول أيضا «الآفاق الإقليمية الجديدة» بعد الاتفاق حول برنامج إيران النووي، وكذلك بيان مجلس الأمن حول ضرورة «التصدي بفعالية للتهديد الإرهابي الذي يشكله داعش على المنطقة».
مسؤول ديبلوماسي أوروبي، واكب الاجتماع، قال إن دي ميستورا سمع كلاماً واضحاً بأن الاتحاد الأوروبي جاهز لفعل كل ما يلزم لدعم خطته الجديدة. وأضاف ان إطلاق التسوية السورية «صار أمرا ملحا»، موضحا أن الدعم الأوروبي الأولي سيكون شبيها بما حصل في الملف الليبي: تسهيل عقد مؤتمرات لأطراف الصراع، من المستويات السياسية والمحلية كافة، إضافة إلى التمويل وتقديم التسهيلات اللوجستية.
خلال لقاء مع الصحافيين كان دي ميستورا واضحاً تماماً حول الإمكانيات وأبعادها. العامل الإقليمي المغذّي للحرب السورية، برأيه، يلعب الدور الحاسم، حتى أنه وضع مدى تأثيره خلف تأثير موسكو وواشنطن. وشدد على وجوب جمع السعودية وإيران في «أي مجموعة اتصال دولية كانت، لكي لا يكونا وحدهما»، معتبرا أنه إذا تم إنجاز ذلك بطريقة فعالة «سيستمر الصراع حينها شهرا آخر، ليس سنة ولا عشر سنوات، لأن الأوكسجين حينها سيختفي من الصراع».
سياسي أوروبي رفيع المستوى قال إن العامل الإقليمي هو «الأرضية الجديدة» الممكنة لإحداث «نتائج ملموسة». معلقا على مجمل ما يحدث، قال  إنه «علينا دفع السعوديين والإيرانيين لينخرطوا في مسار بناء أكثر، تماما كما فعلنا بالنسبة للملف النووي الإيراني».
في السياق ذاته، الفرصة ملائمة برأي المبعوث الأممي لخلق «تحالف التسوية»، بناء على مصلحة مشتركة، هي مواجهة الإرهاب. بكلماته، هو يقول: إن «ما يدفع لتسوية الصراع كلمة واحدة، إنه داعش، لقد باتوا على بعد بضعة كيلومترات من دمشق».
أما لجهة حراك واشنطن وموسكو، فقد بين دي ميستورا أن الخلاف الجوهري لا يزال على حاله: «لم يصلا إلى نتيجة ملموسة حول القضية الرئيسية التي نعرفها جميعاً، وهي مستقبل حاكم سوريا»، في إشارة للرئيس بشار الأسد.
مسؤول في خارجية دولة أوروبية، مطلع على أجواء هذه الخلافات، قال إن الأوروبيين لا يزالون يدورون في فلكها أيضاً. وأوضح أن «المسألة لم تعد الآن الحديث عن رحيل مسبق للأسد، في الحقيقة لم يعد أحد يتحدث عن ذلك»، قبل أن يضيف: «لكن القضية الآن هي الاتفاق حول الجدول الزمني للدور الذي سيلعبه الأسد».
هذه الخلاصة وردت، بكلمات أخرى، على لسان وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي. قالت قبل أيام خلال مقابلة تلفزيونية: «من الواضح للجميع، كما أعتقد، أنه لا مستقبل للأسد في بلاده»، قبل أن تستدرك «لكن من جانب آخر ينبغي على كل الأطراف (السورية) الأخرى أن تجد الطريق لتحديد مستقبل بلدهم».
عبر هذا الموقف، يقترب الأوروبيون أكثر مما كانت تطرحه موسكو: يجب أولاً الاتفاق على طبيعة وتكوين الحكم الجديد، توزيع الأدوار فيه، أما مصير الرئاسة السورية فيأتي في نهاية سلم خطوات التسوية.
إمكانية العمل على مسارَي مكافحة الإرهاب والحل السياسي، لا يزالان الآلية التي تعتمدها واشنطن وموسكو رغم خلافهما حول سرعة التحرك على كل مسار. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كشف قبل أيام أن فكرة «الانتخابات المبكرة» مطروحة جدياً لتحريك المسار السياسي. خلال حديثه أمام منتدى اقتصادي، قال بوتين إن «الرئيس السوري، في واقع الأمر، يتفق مع ذلك (العمل على المسارين)، بما فيه إجراء انتخابات مبكرة، انتخابات برلمانية، وإقامة اتصالات مع ما تسمى المعارضة الصحية بشكل يجلبها إلى الحكم».
مع ذلك، الحيرة الغربية مستمرة حيال الأنباء عن جسر جوي أقامته روسيا لنقل معدات عسكرية وأفراد. واشنطن تؤكد أن لديها معلومات استخباراتية، على الأقل بالنسبة لإرسال طائرتي شحن عملاقتين قامتا بنقل معدات عسكرية من قاعدة جنوب روسيا إلى اللاذقية عبر الأجواء الإيرانية والعراقية. «المراكمة العسكرية» اعتبرها مسؤولون أميركيون محاولة لبناء «قاعدة عمليات متقدمة» جنوب اللاذقية. تحدثوا أيضا عن نقل سابق للمعدات عبر الأجواء البلغارية واليونانية. حكومة بلغاريا استجابت لواشنطن، رافضة عبور طائرات روسية من دون تفتيشها، في حين لم تستجب اليونان لطلب أميركي مشابه.
روسيا تقول إنها نقلت مساعدات إنسانية. الغرب يعرف تماما ماذا يعني أن ترسل موسكو إمدادا كهذا. حين عبرت قوافل مشابهة الحدود الروسية إلى أوكرانيا، على اختلاف طبيعة الصراعين، عبرت في لحظة دفاعية قصوى. كانت ترسّم حينها حدود ما تعتبره مصلحة قومية، لتسيّجه بخط أحمر أكيد. هزيمة الانفصاليين الأوكرانيين ممنوعة، خط أحمر، وهذا ما كان فعلا رغم استماتة الحكومة الأوكرانية.
بالنسبة لسوريا، بات واضحا أن الحفاظ على النظام خط أحمر روسي، محسوم أيضا بالنسبة لإيران، يسيجه الآن حضور عسكري متقدم تحت أعين واشنطن. التقديرات الغربية تراوح بين فرضيتين: الأولى اعتبار الخطوة الروسية تأسيسا لممارسة نفوذ قوي لصياغة الحكم الجديد، في حال تم الاتفاق على تنحي الرئيس السوري في إطار التسوية، والثانية التحضير لأسوأ الاحتمالات المتمثلة بانهيار السلطة في دمشق وانتقال مركز الحكم إلى الساحل السوري.
ترتيب أهمية العوامل المؤثرة في التسوية، أمر تتفاوت حوله الآراء. وزير الخارجية البلجيكي ديديه ريندرز قال، قبل أيام، إنه «للحصول على حل سياسي حقيقي علينا الحصول على تغيير في موقف روسيا، وربما أن نتلقى في وقت ما الدعم من إيران».
بدورها، قالت وزيرة خارجية السويد مارغوت مالستروم، رداً على سؤال  إن المحاولات الغربية تتركز الآن على «الضغط على روسيا كي تتصرف بمسؤولية في مجلس الأمن، والصين أيضا، لكي يمكن إيجاد الحل السياسي»، قبل أن تضيف: «وبالطبع سيكون مصير الأسد بالتأكيد جزءا من النقاش رغم صعوبته وكونه موضع خلاف».
موجة اللجوء إلى أوروبا يقدمها مسؤولون عديدون على أنها عامل تحفيز أيضاً، بعدما صارت العواصم الغربية تحت تأثير مباشر لحرب السوريين. هذه الأزمة يمكن أن تتضاعف تبعاً لمسارات الصراع القائم. وزير خارجية لوكسمبورغ جون أسلبورن قال، إنه «يجب أن نكون حذرين، أظن أننا اصبحنا أمام ظرف يمكن فيه، إلى حد ما، أن ينهار كل شيء في سوريا»، قبل أن يلفت إلى أن «ما يمكننا فعله هو محاولة تطويق ذلك، وعدم تسليم سوريا لأيدي ستجعلها أسوأ مما هي عليه الآن».
حالة العجالة شدد عليها أيضا المبعوث الدولي، بكلمات تشير بوضوح إلى استهتار اللاعبين الخارجيين، والهامش الكبير الذي يضعونه للتنافس وإطالة الحرب. قال: «ليس هناك وقت لمؤتمرات طويلة الأجل ونقاشاتها»، قبل أن يعتبر أن «الخاسر الوحيد هم السوريون، فالجميع يبدو مستعدا للقتال حتى آخر سوري».

وسيم إبراهيم

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...