الحرب الأهلية السورية: مرحلة جديدة، لكن هل هي النهاية؟
إعداد: علا منصور
أعد روبرت فورد، سفير الولايات المتحدة السابق في سورية، ورقة سياسات بعنوان: «الحرب الأهلية السورية: مرحلة جديدة، لكن هل هي النهاية؟»، نشرها موقع معهد الشرق الأوسط في 25 نيسان/أبريل 2019.
يقول فورد في مقدمته ما يمكن إيجازه بالآتي:
انتهت الحرب السورية، وفازت حكومة الرئيس بشار الأسد إلى حدٍّ كبير، الذي سيبقى في السلطة في المستقبل المنظور. في هذه الأثناء، تتباهى إدارة ترامب باستيلاء قواتها الخاصة على آخر معاقل تنظيم "داعش" مع حلفائها العرب والأكراد. مع أنَّ سقوط التنظيم لم ينهِ الصراع السوري الأوسع.
رُقَعُ السيطرة المختلطة التي سادت خلال الجزء الأول من الصراع اندمجت اليوم في ثلاث مناطق:
تسيطر الحكومة على الأولى، مع دعم حيوي من إيران وروسيا، التي تشمل معظم البلاد والمراكز السكانية الرئيسة في غرب سورية. كما تهدف إلى إعادة تأكيد سلطتها على الجزأين المتبقيين الذين ما زالت تسيطر عليهما "قوات المعارضة" العاملة بدعم عسكري أجنبي.
في شمال غرب سورية، تشرف القوات التركية على وقف إطلاق نار غير المستقر بين "قوات المعارضة" التي يسيطر عليها المتطرفون الإسلاميون، والحكومة السورية. من المحتمل أن تبدأ القوات السورية (بمساعدة روسية) عملية لاستعادة جيب إدلب، مسببة المزيد من معاناة اللاجئين، على حدِّ تعبير فورد.
في شرق سورية، تُمكِّن القوة البرية الأمريكية مجموعة مختلطة من الأكراد والعرب من إدارة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها من "داعش". الانسحاب الأمريكي المعلّق، الذي أعلن عنه ترامب في نهاية عام 2018، أجبر القيادات الكردية على التفاوض مع دمشق، حول إعادة انتشار القوات السورية في شرق سورية بعد مغادرة القوات الأمريكية. في نهاية المطاف ستنسحب الولايات المتحدة، وستبدأ الحكومة السورية في إعادة تأكيد سيطرتها هناك، بالتعاون مع الأكراد.
لن تقبل الحكومة السورية وحلفاؤها بتقسيم البلاد، وستواصل الضغط لإعادة تأكيد سيطرتها المركزية على المناطق الموجودة الآن بأيدي تركية وأمريكية.
سيتطلب الحل النهائي للنزاع السوري مفاوضات حول مستقبل هذه المناطق، تتضمن شروط تؤكد بموجبها الحكومة السورية سلطتها، وتشمل روسيا وتركيا والحكومة السورية و"المعارضة المسلحة". قد تستغرق هذه العملية سنوات. في غضون ذلك، سيكون هناك قتال وعنف متقطعان، وعلى نطاق أضيق بكثير مما خبرته سورية في السنوات الأولى من الحرب.
في حين أن حكومة دمشق قادرة على استعادة جميع أراضيها ما قبل الحرب، إلا أنها تفتقر إلى الموارد اللازمة لإعادة بناء الاقتصاد المدمر. لسنوات عديدة قادمة، ستواجه البلاد تحديات هائلة متمثلة في إعادة البناء، والتي تفاقمت بسبب العقوبات الغربية وندرة التمويل لإعادة الإعمار، فضلاً عن الهجمات المتطرفة.
انقسمت ورقة فورد إلى أربعة عناوين رئيسة وخاتمة، وفيما يأتي أهم ما جاء فيها:
أولاً: بداية النزاع
يتحدث فورد تحت هذا العنوان عن الشرارة الأولى وعن الاحتجاجات التي بدأت في درعا عام 2011، ولا تختلف رواية فورد عن السردية الغربية-الأمريكية المعتادة، إذ يتحدث عن سلمية الاحتجاجات، ويحمّل الحكومة مسؤولية انحدار البلاد إلى الحرب بسبب ما سماه "ردها العنيف" على المحتجين المطالِبين بوضع حدٍّ لانتهاكات قوات الأمن والفساد الحكومي.
من الأسباب التي صعّدت العنف في سورية بحسب فورد أيضاً، عدوى "ثورات الربيع العربي" وانتقالها إلى سورية، وعدم الرضا عن استجابة الحكومة للجفاف الذي عصف بسورية بين عامي 2006 و2010.
وبحلول خريف عام 2011، يتابع الكاتب، استولى المتمردون على أحياء كاملة من عدة بلدات ومدن. وامتد القتال ليشمل ما يقرب من كامل البلاد. كذلك، تغيرت طبيعة الصراع لتصبح المعركة من أجل السلطة المطلقة، وازدادت طائفيتها بشكل ملحوظ مع وجود متزايد للمتطرفين "السُنَّة".
بعد مكاسب أولية عام 2012، فقدت "المعارضة المسلحة"، نتيجة نقص الإمدادات والدعم، زخمها ووجدت نفسها في مأزق. لم تحقق هذه "المعارضة" سوى مكاسب هامشية بين عامي 2013 و2015.
صُدمت الحكومات الغربية من حجم سفك الدماء وانتشار التطرف في المعارضة، لذا حثَّت على التفاوض. وقدّمت، مع تركيا وبعض دول الخليج، مساعدات مادية "محدودة" لمجموعات مسلحة للضغط على الحكومة السورية من أجل دفعها إلى المفاوضات. وفي الوقت ذاته، حشدت إيران عشرات الآلاف للقتال نيابة عن الحكومة، على حدِّ تعبير فورد. وفي عام 2015، بدأ سلاح الجو الروسي في إرسال مهام الدعم الجوي القتالي لمساعدة الجيش السوري المتعب.
برأي فورد، الاعتقاد الغربي بعدم وجود حل عسكري للحرب السورية خاطئ، والاستراتيجية الأمريكية لحل النزاع من خلال المفاوضات دون ممارسة نوع من الضغط العسكري المقنع على دمشق فشلت فشلاً ذريعاً، واستعادت الحكومة السورية بمساعدة حلفائها تدريجياً غرب البلاد كاملاً. واشنطن لم تهتم؛ ففي أواخر عام 2014، تحول الانتباه الأمريكي عن الحكومة الانتقالية في دمشق إلى تنظيم "داعش"، الذي سيطر على كامل شرق سورية وغرب العراق.
ثانياً: ديناميات الحرب
الحكومة في غرب سورية
تمتعت الحكومة السورية بهيكل قيادة موحد نسبياً ومازالت تعمل حتى يومنا هذا كدولة، على الرغم من أن المعركة الطويلة أضعفتها. حصل الرئيس الأسد على دعم ثابت من جيشه ومن أجهزة الاستخبارات. ويضيف فورد: «تُصرُّ الرئاسة السورية على السيطرة على جميع المؤسسات الكبرى وترفض تقاسم السلطة مع المعارضة أو أي جهد لفرض التغيير أو الإصلاح من الخارج. ولم تتراجع قط عن هدفها المتمثل في استعادة جميع الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة تدريجياً».
تعتمد الحكومة السورية على مساعدة حلفائها، وألمحت إلى أن القوات الروسية والإيرانية ستبقى في سورية على المدى الطويل. تحتفظ دمشق ببعض القوة، إذ تقاوم بحذر الضغوط الروسية في بعض القضايا. وعلى حد تعبير فورد، فقد وبّخت إيران علانيةً لأنها تدّعي الكثير من الفضل في النجاحات الميدانية.
أبرمت دمشق، بدعم من موسكو، العديد من اتفاقات المصالحة المحلية التي يرى فورد أنها استسلام للمتمردين. كما اتخذت خطوات لتطبيع علاقاتها مع الدول العربية، ولتنفيذ مبادرات محدودة لإعادة البناء بمساعدة حلفاء أجانب ومجتمع الأعمال السوري. وأبدت اهتماماً ضئيلاً في تشجيع العودة السريعة لما يقدر بنحو 5 ملايين لاجئ سوري.
إيران
الشريك الأساس لسورية بحسب فورد ليس روسيا بل إيران، التي وفّرت على حدِّ تعبيره معظم القوة البشرية التي مكّنت الجيش السوري من مواصلة القتال، وقلبت بالتالي المدَّ في حمص ولعبت دوراً حاسماً في العديد من المعارك التي فازت بها الحكومة السورية بين عامي 2015 و2018.
الهدف الأساسي لإيران هو ضمان بقاء حكومة الأسد، والتي توفر عمقاً استراتيجياً لحزب الله وجبهة المقاومة "إسرائيل". لكن رغم أن الظروف الاقتصادية الصعبة في إيران تعرقل أنشطتها في سورية، فإن الحكومة الإيرانية ملتزمة التزاماً راسخاً بوجود طويل الأجل هناك.
روسيا
عام 2012، كانت سورية آخر حليف عربي لروسيا، لذا قدم بوتين مساعدة مادية منذ بداية الأحداث كي لا يخسر حليفه، لكن الدخول الوازن والذي كان عاملاً فعالاً في قلب المد لصالح الأسد كان في نهاية عام 2015.
بطريقةٍ ما، رسم بوتين خطاً أحمر في سورية ضد الدعم الغربي لحركات المعارضة الداخلية في البلدان التي قد تشمل يوماً ما روسيا. لم يتردد بوتين في السعي لتحقيق نتيجة الحرب التي تترك الحكومة في السلطة وذات سيادة.
تحتفظ موسكو بعلاقات دبلوماسية ثابتة مع جميع الدول الأجنبية المشاركة في النزاع السوري، بما في ذلك تركيا و"إسرائيل" وإيران، ما يؤهلها لقيادة الجهود الدبلوماسية لاحتواء الحرب وإنهائها.
الأراضي الخاضعة للسيطرة التركية في شمال سورية
في البداية، كانت أنقرة مصممة على الإطاحة بحكومة الأسد واستبدالها بحلفائها من الإخوان المسلمين. لكن مع التدخل الروسي، وتعاون أمريكا مع الأكراد لقتال "داعش"، تحول هدف تركيا إلى إحباط إنشاء أي كيان كردي في شمال سورية، وبدأ تقاربها مع روسيا.
تريد أنقرة، المثقلة بتكاليف 3.5 مليون لاجئ سوري، ردع هجوم للجيش السوري على إدلب من شأنه تحفيز موجة من اللاجئين إلى الحدود التركية. لذلك، تستمر أنقرة في محاولة استرضاء موسكو التي تحاول تدريجياً بناء علاقات أقوى مع أنقرة. الموقف التركي ضعيف: لا تريد أنقرة زيادة جديدة في عدد اللاجئين ولا مواجهة مسلحة مع القوات الروسية، لا سيما عندما تتوتر علاقاتها مع الولايات المتحدة.المعارضة الجهادية وغير الجهادية
يقول فورد: الطيف الإسلامي للمعارضة المسلحة توزع بين الجماعات المحافظة دينياً التي ستقبل التفاوض مع الحكومة السورية، والجماعات الجهادية التي ترفض أي مفاوضات وتصر على القتال للوصول إلى دولة إسلامية من نوع ما.
تعمل معظم الجماعات المسلحة غير الجهادية الآن تحت الحماية العسكرية التركية في إدلب أو في عفرين، ويقاتلون بانتظام الجماعات الكردية السورية. يتناوشون في بعض الأحيان مع المقاتلين الجهاديين في إدلب، لكنهم خسروا جميع المعارك الكبرى ضد الجهاديين.
أهم جماعة جهادية لاتزال تسيطر على أراضٍ هي "هيئة تحرير الشام" في إدلب. أثبتت "الهيئة" مرونة سياسية وكثيراً ما أقامت تحالفات تكتيكية مع المنظمات غير الجهادية، وكسرتها عند الحاجة. تدّعي "الهيئة" أنها قطعت كل العلاقات مع تنظيم القاعدة، لكن الحكومة الأمريكية رفضت وصنّفتها كمنظمة إرهابية. تسيطر "هتش" منذ عام 2013 على المعابر الحدودية في إدلب مع تركيا. مقاتلوها لديهم دوافع وخبرة، وقيادتها ذكية من الناحية التكتيكية، وستبقى مسيطرة على أجزاء كبيرة من إدلب إلى أن يكون هناك اتفاق أوسع يشمل تركيا وروسيا والحكومة السورية.السيطرة الأمريكية شرق سورية، والأكراد
تحوّل تركيز واشنطن من إنشاء حكومة انتقالية في سورية إلى القضاء على "داعش". وبحلول عام 2019 ركّز موقف الولايات المتحدة على حماية عملائها في شرق سورية، واحتواء النفوذ الإيراني فيها، وخنق الحكومة السورية اقتصادياً.
للموقف الأمريكي نقاط ضعف عديدة، فتنظيم "داعش" منته تقريباً، ولا مبرر قانوني للوجود العسكري الأمريكي. كذلك لم يتمكن الأمريكيون من ترجمة النجاح في محاربة "داعش" إلى تنازلات سياسية من دمشق تضمن استقلالاً كردياً. بدلاً من ذلك، الأميركيون محيَّدون نسبياً عن المحادثات حول الإصلاحات السياسية التي تشمل الأمم المتحدة وروسيا وتركيا وإيران.
تحثُّ الولايات المتحدة حلفاءها الكرد على إبرام اتفاق مع دمشق، التي قد تقدم تنازلات مقابل مطالبة الكرد أمريكا بالخروج، عندها سيصبح بقاء أمريكا شرق نهر الفرات مستحيلاً.
ثالثاً: مفاوضات فاشلة
يقول فورد: تنتهي الحروب إما بالفوز التام لأحد الطرفين، أو من خلال تسوية تفاوضية. لا يمكن للحكومة السورية مواجهة تركيا أو الولايات المتحدة مباشرة لإعادة تأكيد سلطتها في شمال وشرق سورية. لذا ستتطلب استعادة سيطرتها مفاوضات ناجحة تضمن موافقة تركية وأمريكية على إنهاء احتلالهما للأراضي السورية مقابل تنازلات سورية حول الإدارة المحلية وسلامة قادة المجموعات، وكلاء تركيا وأمريكا. ويرى فورد أن الوصول إلى هكذا صفقة قد يكون مستحيلاً، بانياً اعتقاده على فشل الجهود السابقة لبدء محادثات بين ما يسميه "المعارضة السورية السياسية والمسلحة" والحكومة السورية، ويلقي باللوم طبعاً على الحكومة.
رابعاً: الوصول بالنزاع إلى نهايته ..إنهاء عمليات الغزو في سورية
ترفض الحكومة السورية ومؤيدوها الاحتلال الأجنبي في شمال وشرق سورية. وفي حين قد يرفض الروس استخدام قوتهم الجوية ضدّ الأتراك والأمريكيين، إلا أنهم يرفضون أيضاً إضفاء أي شرعية على وجود طويل الأجل لهم، ومن المرجح أن تضغط موسكو نحو سلسلة من المفاوضات المنفصلة لتمكين القوات السورية من الانتشار في المناطق التي تسيطر عليها تركيا وأمريكا. كما ستصرُّ موسكو ودمشق على تدمير "هتش"، ويخضع وضع "الجبهة الوطنية للتحرير" "غير الجهادية" والإدارات المدنية المدعومة من تركيا للتفاوض.
سيتعين على الأتراك والروس والسوريين الاتفاق على ترتيبات متوسطة الأجل لملايين اللاجئين السوريين في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في شمال سورية، وفي تركيا نفسها.
شرق سورية تحدٍّ مختلف تماماً للحكومة السورية. لا يمكن للحكومة السورية مواجهة الجيش الأمريكي مباشرة. وبالتالي من المرجح أن يدفع الروس باتجاه مفاوضات تشمل روسيا والحكومة السورية ووحدات حماية الشعب YPG حول المناطق التي تسيطر عليها، وسيكون الهدف السوري الروسي هو إعادة السيطرة الرسمية لدمشق.قد يحاول الأمريكيون تأخير انسحابهم إلى أن تنسحب القوات الإيرانية، لكن دمشق وطهران لديهما حافز ضئيل لقبول مثل هذه الصفقة. من المرجح أن تستخدم الحكومة، بدعم إيراني وربما تركي وروسي أيضاً، أساليب غير تقليدية لمضايقة القوات الأمريكية.
لا تمتلك إدارة ترامب صبراً كافياً لتحمل الخسائر العرضية أو المحادثات الطويلة حول مستقبل شرق سورية. كذلك، لم تعلن أي استراتيجية خاصة لإجبار سورية على تقديم تنازلات تتجاوز العقوبات الاقتصادية القاسية.
"إسرائيل"
اتخذت "إسرائيل" موقفاً دقيقاً نسبياً تجاه الحرب السورية حتى عام 2017، إذ قدمت مساعدات لبعض عناصر "المعارضة" بالقرب من الحدود لكنها حافظت على تدخل محدود، وحتى الحشد المدعوم من إيران جنوب سورية بدأ يشكل إنذاراً للحكومة الإسرائيلية. مع ذلك، يتابع فورد، حافظت "إسرائيل" على محدودية ضرباتها حرصاً على عدم تدخل الروس، ودفعت إلى مزيد من العمل الدبلوماسي معهم.
تخشى "إسرائيل" من قواعد صاروخية إيرانية في سورية على غرار حزب الله في لبنان، وتدفع واشنطن نحو اتخاذ موقف صارم بشأن الوجود الإيراني في سورية؛ وسيُسعَد الإسرائيليون برؤية القوات الأمريكية شرق سورية متشابكة مع القوات الإيرانية القريبة.
يعيق الوجود الأمريكي نقل العتاد والمقاتلين الإيرانيين إلى غرب سورية لكن لا يمنعه، وقد تدفع المعاناة الاقتصادية إيران إلى تجنب مواجهة كبيرة مع "إسرائيل" في سورية. لكن هذا لا يلغي احتمال وقوع هذه المواجهة.
استمرار الوجود المتطرف
رغم فقدان تنظيم "داعش" ما تبقى بيده من أراضٍ، فإنه لايزال يعمل كتمرد قادر على توجيه ضربات في شرق سورية وغربها، ويستهدف قوات الحكومة ومقاتلي "قوات سوريا الديمقراطية". يعوق هذا العنف المتطرف جهود تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار.
إعادة الإعمار المتوقفة، واللاجئون الذين تقطعت بهم السبلتشرَّد حوالي نصف سكان سورية خلال القتال. ووفقاً لتقديرات البنك الدولي، كلفت الحرب الاقتصاد السوري حوالي 226 مليار دولار. قدرت الحكومة السورية أنها ستتكلف ما بين 200 مليار و400 مليار دولار لإعادة بناء الاقتصاد، بما يتجاوز بكثير موارد دمشق وموسكو وطهران.
ستستخدم دمشق تكلفة إعادة دمج اللاجئين للمطالبة بمساعدة من تركيا ودول الخليج والغرب. لقد صرّحت إدارة ترامب والكونغرس مراراً بأن الحكومة الأمريكية لن تساعد حتى يكون هناك حركة حقيقية للإصلاح السياسي داخل سورية. بدلاً من ذلك، شددت العقوبات على الحكومة السورية وحليفتها الإيرانية، ما أدى إلى حدوث نقص خطير في الوقود خلال شتاء 2019.
يتبنى الاتحاد الأوروبي موقفاً مشابهاً للموقف الأمريكي، لكنه يواجه ضغوطاً روسية لعكس موقفه.
رغم تراجع القتال، فإنه من غير المرجح أن يستعيد الاقتصاد السوري كثيراً من نشاطه، ولا يبدو أن عودة اللاجئين قريبة. مساعدة مجتمعات اللاجئين السوريين الضخمة في الأردن ولبنان وتركيا ستكون تحدياً كبيراً للمجتمع الدولي لسنوات قادمة. أضف إلى ذلك تجنيد العناصر المتطرفة الذي يجد في هذه المجتمعات هدفاً له، وكذلك الاستياء المتزايد والعداء تجاه اللاجئين بين السكان المضيفين، أمور لن تؤدي إلا إلى تفاقم مشكلة اللاجئين.
الخاتمة
يقول روبرت فورد في ختام ورقته: رغم الانكسار الاقتصادي ووجود قوى احتلال في الشمال والشرق، الحكومة السورية التي تسيطر على الأجزاء الرئيسة من البلاد لا تبدو "نادمة". سينسحب الأمريكيون في النهاية، لأن شرق سورية ليس حيوياً من الناحية الاستراتيجية للأمن القومي الأمريكي. كما أن الرأي العام الأمريكي لا يجد مبرراً لخسائر قواته في سورية.
يتعين على الولايات المتحدة أن تدرك أنها لا تستطيع طرد القوات الإيرانية من سورية بالموارد الدنيا التي تكرسها لهذه المهمة. ومن غير المحتمل أن يكون حلفاء أمريكا في الخليج قادرين على استخدام العلاقات الدبلوماسية ووعود الاستثمار لتخفيض علاقات الحكومة السورية مع إيران.
لن تسمح الحكومة بالجهات الفاعلة والمساعدات الاقتصادية المستقلة، في حين يوقع تمويل المؤسسات الحكومية الجهات المانحة في شبكة المحسوبية والفساد الحكومي. إن أفضل ما يمكن أن تفعله الدول الخارجية للحد من المعاناة السورية وتقليص التجنيد المتطرف في المستقبل هو تركيز الموارد على اللاجئين السوريين.
الجمل بالتعاون مع مركز مداد للدراسات
إضافة تعليق جديد