الدور التركي الجديد في المنطقة
الجمل: تزايدت فعاليات الدور التركي في مسرح الصراعات السياسية الشرق أوسطية، وتحديداً في المنطقة العربية، وعلى خلفية تطورات الأحداث والوقائع التي جرت في تركيا خلال اليوم وأمس الجمعة وأول أمس الخميس، يبرز السؤال القائل: ما هي طبيعة الدور التركي الجديد في المنطقة، ولماذا برزت تركيا وهي أكثر اهتماماً بما يدور في المنطقة، وما هي يا ترى حدود الدور التركي الحالي؟
* المسرح الدبلوماسي التركي: توصيف التحركات والمعلومات الجارية
سعت أنقرا خلال الأشهر الماضية، وتحديداً منذ لحظة بدء حركة الاحتجاجات السياسية التونسية التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي لجهة القيام بدور سياسي موازي لهذه الاحتجاجات، ونفس الدور التركي تكرر خلال فعاليات أزمة الاحتجاجات المصرية التي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك، وفي هذا الخصوص نلاحظ أن الدور التركي السياسي ـ الدبلوماسي الموازي قد شمل الآتي:
• إطلاق التصريحات المتزامنة مع حركة الاحتجاجات بما يحث آنذاك الرئيس التونسي زين العابدين والرئيس المصري حسني مبارك على ضرورة الاستجابة لرغبة المحتجين.
• لجهة التوقيت تميزت التصريحات التركية بأنها كانت تأتي دائماً بعد التصريحات الأمريكية والتصريحات الأوروبية الفرنسية والبريطانية.
• لجهة المحتوى ظلت التصريحات التركية أكثر تأكيداً على ما ورد في محتوى التصريحات الأمريكية والأوروبية الفرنسية والبريطانية.
انتهت أزمة الاحتجاجات التونسية والمصرية، بما أدى إلى صعود نظام جديد في كل من تونس والقاهرة، وأعقب ذلك ظهور الاحتجاجات السياسية في كل من اليمن ـ البحرين ـ ليبيا وسوريا، وما كان لافتاً للنظر أن تركيا تعاملت بشكل انتقائي هذه المرة، بحيث نظرت بعين مغمضة للاحتجاجات اليمنية والبحرينية، وعين مفتوحة على الاحتجاجات الليبية والسورية، وما هو مثير للاهتمام هذه المرة تمثل في الآتي:
• انتقائية أنقرا إزاء التعامل مع الاحتجاجات الليبية والسورية، وعدم التعامل مع الاحتجاجات اليمنية والبحرينية تطابقت بشكل تام مع انتقائية أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن.
• لم تكتف أنقرا لجهة التعامل عن طريق التصريحات مع الاحتجاجات الليبية والسورية، بل سعت إلى التدخل الذي وصل إلى حد التورط لجهة القيام بانتهاك السيادة الليبية والسيادة السورية.
وتأسيساً على تطورات الأحداث والوقائع التي جرت مسبقاً وتجري حالياً، يبدو الاستنتاج واضحاً، وهو يتمثل في الآتي: بدت نخبة حزب العدالة والتنمية أكثر اهتماماً باستعادة الدور التركي القائد في منطقة الشرق الأوسط، ولكن، وفقاً للشروط والمواصفات المحددة أمريكياً.
* خيارات دبلوماسية أنقرا الجديدة إزاء ليبيا وسوريا: إدارة التصعيد أم إدارة التهدئة
تقول المعلومات والتقارير والتسريبات، بأن أنقرا قد أصبحت أكثر انخراطاً في القيام بالمزيد من الفعاليات التدخلية في الساحة الليبية، والساحة السورية، إضافة إلى تورط أنقرا في استخدام الوسائل السياسية والدبلوماسية والعسكرية والمخابراتية والإعلامية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• أداء أنقرا السلوكي إزاء ليبيا: قطع التدخل التركي شوطاً كبيراً في ملف الأزمة الليبية، ووصل إلى مرحلة التورط المعلن، الذي يستخدم القرار الدولي 1970 والقرار الدولي 1973 كغطاء رسمي، إضافة إلى التورط مع أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، لجهة القيام بتطبيق أحد جوانب القرار الدولي وغض النظر عن الجوانب الأخرى، الأمر الذي أدى إلى تزايد انتقادات العديد من الأطراف الدولية القائلة بأن أنقرا قد تورطت مع أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، لجهة القيام بتوسيع نطاق ولاية اختصاص القرارات الدولية المتعلقة بليبيا، وإضافة اختصاصات ومهام جديدة غير منصوص عليها في القرارات الدولية المتعلقة بليبيا.
• أداء أنقرا السلوكي إزاء سوريا: أخذ التدخل التركي في الشأن السوري طابعاً متلوناً، فأنقرا تسعى من جهة إلى التعامل مع أطراف المعارضة السورية وفقاً للتوجهات الأمريكية، وفي نفس الوقت تسعى من الجهة الأخرى إلى التعامل مع دمشق، وبكلمات أخرى، تقوم أنقرا بالتعامل مع المعارضة السورية لجهة دعم فعاليات التصعيد، وفي نفس الوقت تتعامل أنقرا مع دمشق لجهة دعم فعاليات التهدئة.
تشير المعطيات إلى أن أنقرا، أصبحت أكثر اهتماماً لجهة تفضل المضي قدماً في خيار التصعيد على خيار التهدئة. وما حدث خلال اليومين الماضيين يؤكد أن أنقرا قد أصبحت باتجاه التحول من دور الوسيط في حل النزاع إلى دور الطرف الراعي لتصعيد فعاليات النزاع.
* أنقرا وإدارة سيناريو الجمعة
شهدت تركيا يوم أمس الجمعة فعاليات خاصة بأنشطة المعارضة الليبية واستهداف النظام الليبي، وتقول التسريبات بوجود فعاليات خاصة بالمعارضة السورية تشرف عليها أنقرا، وطبعاً بالتعاون مع أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الآتية:
• عقدت لجنة اتصال ليبيا اجتماعها الثالث في تركيا، والذي تضمن قراراً مثيراً للاهتمام، وهو الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي. ليس كممثل شرعي للشعب الليبي، وإنما لجهة إعطائه صفة التصرف كـ(حكومة ليبية)، الأمر الذي يعطي هذا المجلس حق توقيع الاتفاقيات والمعاهدات، بما في ذلك مطالبة الأطراف الدولية والإقليمية بإرسال قواتها المسلحة إلى ليبيا، وفي هذا الخصوص تشير التسريبات إلى أن هذه الخطوة، تهدف إلى إفساح المجال أمام عملية التدخل العسكري البري، وبكلمات أخرى، لم تعد هناك ضرورة لقيام مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار جديد يفوض بالتدخل العسكري الدولي في ليبيا، وفقط سوف يقوم المجلس الانتقالي الليبي بمطالبة حلفائه بهذا التدخل.
• تقول التسريبات والتقارير بانعقاد فعاليات مؤتمر للمعارضة السورية في تركيا، وما هو مثير للاهتمام يتمثل في أن هذا المؤتمر سوف يكون متصلاً بشكل مباشر، وعبر "الخط الساخن" مع مؤتمر آخر للمعارضة داخل سوريا، وذلك لتبادل وجهات النظر والتوافق على المزيد من التنسيق، والذي سوف يركز على الأغلب لجهة العمل من أجل الآتي:
ـ تقويض جهود هيئة الحوار الوطني السورية.
ـ تعزيز فعاليات التعبئة السلبية الفاعلة في الشارع السوري.
ـ تصعيد فعاليات المظاهرات والمواكب.
هذا، ونلاحظ أن جميع هذه الفعاليات قد تم بإشراف تركيا، وبشكل يتزامن مع التواجد الدبلوماسي الأمريكي ـ الفرنسي ـ البريطاني ـ العربي الخليجي، المكثف والمرافق لجولة اجتماع مجموعة اتصال ليبيا، وبكلمات أخرى، إذا كان تورط هذه الأطراف مع تركيا معلناً إزاء ملف الحدث الليبي فإن تورط هذه الأطراف قد أصبح شبه معلناً إزاء ملف الحدث السوري. وإضافةً لذلك، يمكن الإشارة إلى المعلومات الفائقة الأهمية، والتي تمثلت في قيام رموز جماعة المحافظين الجدد الأمريكية، بعمليات ضغط لجهة دفع واشنطن من أجل الضغط على أنقرا من أجل تصعيد التوترات مع دمشق بما يصل للمواجهة العسكرية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• مقاربة اليهودي التركي راؤول مارك غيريخت: نشرتها مجلة ويكلي ستاندارد، والتي قال فيها بضرورة قيام القوات التركية بالتدخل في سوريا، وأضاف قائلاً بأن قيام أنقرا بمثل هذه الخطوة سوف يكون أمراً عادياً. ولن تترتب عليه أي مخاطر، طالما أن أنقرا ظلت ترسل قواتها بشكل عادي إلى شمال العراق.
• مقاربة اليهودي الأمريكي التركي الأصل سونير كاغابتاي: نشر وجهة نظره في صحيفة حريات التركية، طالب فيها بضرورة أن لا تكتفي أنقرا بإرسال قواتها من أجل إقامة المنطقة العازلة، وحسب، وإنما بضرورة أن تشمل العملية العسكرية كل الأراضي السورية، وأضاف قائلاً أن المجتمع الدولي بقيادة أمريكا وفرنسا وبريطانيا، سوف ينظر لمثل هذه العملية العسكرية التركية التدخلية، باعتبارها تدخلاً إنسانياً.
اتضحت الصورة أكثر فأكثر، من خلال وجهات النظر الجديدة التي بدأت تتحدث عن ضرورة إسقاط النموذج السياسي الإسلامي التركي على كافة بلدان الشرق الأوسط، طالما أنه يمثل الاعتدال الإسلامي الذي يتيح تطبيع العلاقات مع تل أبيب. على النحو الذي سوف يؤدي في نهاية الأمر إلى إدماج إسرائيل بالكامل في المنطقة دون حاجة لإنفاذ شرط قيام الدولة الفلسطينية وشرط التخلي عن القدس وشرط الانسحاب من الجولان.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد