كاتبة مسلسل 'ما ملكت ايمانكم':شرقنا يصادر اجساد النساء

07-09-2010

كاتبة مسلسل 'ما ملكت ايمانكم':شرقنا يصادر اجساد النساء

مسلسل 'ما ملكت ايمانكم' الذي كتبت قصته والسيناريو والحوار له لم يكن بطاقة تعريف هالة دياب الاولى للمشاهدين العرب، فقد كان لها من قبله مسلسل 'الحور العين' في 2005 و'يقتلون الياسمين' في 2006 وكان لديها برنامج اسبوعي على شاشة روتانا يدعى 'ست الستات'، كما أعدت وكتبت 'سوا يا شباب' وهو فيلم وثائقي من جزءين يتناول التحديات التي تواجه الشباب السوري (تم عرضه على القناة الفضائية السورية في ايلول/سبتمبر من عام 2007)، كما أنتجت هالة دياب وكتبت مؤخرا فيلما وثائقيا لقناة الجزيرة تم تصويره في بريطانيا بعنوان 'خرائط جديدة الى كنز قديم'، وكذلك لديها فيلم 'وادي حنيفة: رحلة التغيير' وهو فيلم وثائقي قامت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض على انتاجه، بالاضافة الى فيلم 'كلايدسكوب' وهو فيلم وثائقي تلفزيوني باللغة الانكليزية يتناول التعايش الديني والاجتماعي في بريطانيا، وتم عرضه على قناة الام تي 'ي.
استندت د. هالة دياب في مسلسل 'ما ملكت ايمانكم' على اطروحتها للدكتوراه 'التهميش والأقليات في دراما تينسي وليامز'، وهي حائزة على شهادة الدكتوراه في الدراما من جامعة ليستر في بريطانيا، كما تملك شركة أسستها في بداية عام 2010 لانتاج الأفلام الوثائقية والدرامية برؤية عربية وبتقنيات أجنبية، حيث تعمل من خلالها مع فريق أجنبي انجليزي من تقنيين ومصورين لعكس رؤيتها الابداعية والشرق الأوسطية.
- هل كنت تتوقعين ردود الفعل الكبيرة على المسلسل؟
- لا اخفي القول انني عندما كتبت 'ما ملكت ايمانكم' وأنجزته في نيسان/ابريل 2009 كنت أتوقع الصدى الاعلامي الذي سيرافق عرضه... ولكن الذي لم اتوقعه هو الهجوم اللاموضوعي الذي واجهه المسلسل.... فلقد تم اتهامه بأنه يزدري الاسلام وبأنه اقتباس من الثقافة الغربية كما اتهمت بالنمطية، ويبدو أن كثيرا من الصحف العربية تتداول ما كتب ضدي وضد المسلسل.
- توجه بعض النقد، بداية، الى اسم المسلسل؟
- الهدف من استخدامي واختياري لتعبير 'ما ملكت ايمانكم' المأخوذة من سورة النساء ليس تحديا للمعنى الديني لهذه العبارة، بل بالأحرى للترميز لحال النساء في الشرق الأوسط والضغوط التي تمارس عليهن وتشكل بالتالي هويتهن وعلاقتهن مع أنفسهن ومع من حولهن.
القرآن الكريم هو من أجمل وأغنى الكتب السماوية والكتب أجمع بما يحمله من مفردات مجازية تلخص التجربة الانسانية أجمع وأنا أرى ان القرآن الكريم نهج حياتي وفلسفي يجب الاستناد اليه في حياتنا وفي تجربتنا الحياتية.
عنوان المسلسل يحمل رمزا مجازيا لفكرة الإماء والجواري التي تعيشها في رأيي المرأة والمواطن العربي مجازا في الشرق الأوسط في كنف الضغوط الاجتماعية والدينية والسياسية والعولمة والحرب والفساد الاجتماعي وصراع القوة. والرسالة نقلت للمشاهد العربي من خلال عكس هذه الشخصيات المكسرة والهشة والمريضة والفاسدة التي خلفها التخلف والفساد الاجتماعي والاخلاقي والتطرف الفكري وشهوة القوة وابتزاز الضعيف والفقراء.. 'ما ملكت..' هو محاولة للتحرر من الخوف الذي جعل هذه الشخصيات جواري... وأول خطوة للتحرر من الخوف هو التحدث عن الاشياء التي تخيفنا ومواجهتها.
تأملي في مسألة الخوف الذي نعيش في قوقعته الخوف في مجتمعنا العربي هو احد دوافع كتابتي للمسلسل.. الخوف هو ما يجعلنا اماء وجواري. نحن نخاف من كل شيء لا نستطيع تغييره.. نخاف من السياسة ومن الدين ومن الجار ومن المجتمع ومن الزوج ومن الأب حتى من الحب ومن الرغبة ومن الجنس نخاف، ونخاف أيضا من الحلم.. الخوف من أن نتحدث عن أي شيء وربما ان نحلم بأي شيء.. المسلسل هو محاولة درامية لكشف حقائق من خلال حكايا الشخصيات الأنثوية الأساسية، تهدف لتغيير وجهة نظر المشاهد والمواطن العربي لرؤيته لنفسه ولهويته وللوضع الراهن للشرق الأوسط.
جمعت قصص المسلسل لأكثر من ثلاث سنوات، وعرضته على بعض شركات الانتاج حتى تم الاتفاق بيني وبين نجدت انزور لاخراجه.
اليوم أسأل نفسي لماذا استغرق المسلسل كل هذا الوقت ليخرج الى النور فقد عاش 'ما ملكت' معي سنوات عديدة، ربما سبب ترددي في انتاجه هو أنني كنت أخاف أيضا، وكنت كاتبة جبانة نوعا ما ويبدو انني كنت أنتظر الوقت لأنضج فنيا ودراميا قبل طرحه للعالم العربي..الان لا أقول تماما انني امرأة وكاتبة حرة من الخوف... ما زال الخوف حالة عشوائية هاربة الى دهاليز فكري، ولكن الحياة أكسبتني ثقة وقوة ساعدتني في اتخاذ القرار بأن يخرج 'ما ملكت' الى النور وأشارك به الناس.. والان 'ما ملكت' لم يعد من حقي فقط بل أصبح من حق الناس أيضا.
*محور اللاجئين العراقيين اثار لغطا حيث عبر الكثيرون عن انزعاجهم من الشخصيات السلبية التي قدمتها؟
* اعتمدت تناول عدة محاور في المسلسل وطرحها من خلال الشخصيات الدرامية... فالمسلسل كنوع أدبي مختلف عن الفيلم أو المسرحية، يرتكز على محور واحد. والحقيقة في ما ملكت هناك محاور رئيسية وتمت معالجتها بافاضة، وهناك محاور ثانوية وجدت لتدعيم المحاور الرئيسية ولم تتم معالجتها بالتفصيل لأنها كانت محاور مساعدة وليست رئيسية وتضم هذه المحاور جميع الشخصيات التي ستستخدم كأدوات درامية لدفع الأحداث وتطوير الشخصيات ضمن الخط والحدث الدرامي.
مثلا محور زينة وعائلتها: اللاجئة العراقية كان محورا ثانويا فقط كنت من خلاله أشرع الباب للنقاش في تأثير الحرب على هذه العائلة، فزينة التي قتل والدها أمام عينيها أثناء الحرب وأجبرت أمها على أن تترك العراق أثناء الحرب تحمل في قلبها الكثير من الألم والغضب الذي تفرغه من خلال 'السمة التحطيمية للنفس' التي تسيطر عليها وتفرغها من خلال علاقتها الجنسية وممارسة بيع الهوى. وأعلم أن الصورة التي قدمت عن هذه الفتاة كانت سلبية، فهي تقوم بممارسة الجنس بدون احساس بذنب وبدون أن تعيش صراعا ذاتيا وذلك قصدته لأزيد الصدمة على المشاهد العربي ولأبين أن الحروب أثرها على الانسان أعمق بكثير من أثرها على المكان وعلى النظم... وكان قصدي من هذا ان اعالج قضية مع اللاجئين في بعض المجتمعات العربية فما زالت العرقية والتهميش تمارس عليهم من قبل الناس فنرى أم ليلى تطرد زينة العراقية عندما تدعوها ليلى للمنزل لتدرس معها اللغة الإنكليزية لأن زينة غير محجبة وعراقية ذات أفكار من الممكن أن تؤثر على عقلية ليلى واتجاهاتها الدينية، بالإضافة إلى اعتقادها أن زينة هي غير دمشقية وغريبة من الممكن لها أن تقوم بأي شيء من دون اعتبار لمجتمع أو عادات بسبب عدم انتمائها للمجتمع الشرقي السوري ولقبتها بـ'الغربتلية'، واعتقد ان هذا مصطلح عرقي سائد في الشرق الاوسط، ويهمش هذه الاقليات ويضعها ضمن فئات مهمشة. وموضوع الأقليات يشغلني كثيرا ونحن لا نعاني منه في مجتمعاتنا العربية بل الغربية أيضا، ولكن رغم أن الدين الاسلامي دعى الى المساواة وتجاوز الفروق الاجتماعية بين الناس نحن في مجتمعنا العربي ما نزال نمارس العرقية والتهميش على الأقليات وبعض العائلات لا تزوج بناتها من لاجئ ان كان فلسطينيا أو عراقيا، وهذه ظاهرة لا بد من تسليط الضوء عليها ومعالجتها فنحن في الوقت الحاضر لا بد أن نتقبل فكرة المجتمع 'الكزموبوليتان' الذي يدمج الثقافات والجنسيات المختلفة لخلق اندماج وتعايش ثقافي بين الفئات المختلفة من المجتمع وتجاوز الاختلافات العرقية والطبقية.
* اثار زميلنا فادي عزام نقاطا سماها 'سرقات نجدت انزور' اشار فيها الى تقارب في اللقطات بين فيلمي 'السكرتيرة' و'اصطدام' وبين بعض اللقطات في حلقات المسلسل ما رأيك في ذلك؟
* لماذا نهاجم الابداع في الشرق الأوسط.. أنا كاتبة دراما محترفة... وثقافتي الأدبية هي خليط من الثقافة العربية والثقافة الغربية فأنا في صغري كنت أقرأ للمنفلوطي ولقاسم أمين وطه حسين وادوارد سعيد وفي نضجي الأدبي والمهني في بريطانيا تتلمذت على دراما تينسي وليامز وأدب فرجينيا وولف وماري وليستن كرافت ومايكل اونتدجي.
كل شخصية في 'ما ملكت' هي مسنودة ومأخوذة من شخصية واقعية التقيتها أو لاحظتها أو قرأت عنها، وبعضها مستند الى بحث اجتماعي قمت به في الشرق الأوسط.. أنا ككاتبة أرى نفسي كالمصور أو الرسام، أعكس الواقع من خلال ما أكتب، و'ما ملكت' مرآة بزجاج درامي وصيغة حوارية لعكس ما يحدث بالمجتمع.
لقد التقيت ببعض شخصيات 'ما ملكت' في الواقع واكتنزت حكاياهم التي ظهرت في المسلسل، وكل الأفكار المقدمة مستندة الى واقع الشرق الأوسط. يعني أنا أضحك عندما يتهمني أحد بالاقتباس لأنه أنا أثق بامكانياتي ولا أحتاج الى أن أقتبس من فلان أو علان، وبصراحة هجومهم لا يكثر ولا يقلل من ابداعي.... أنا اجمع بين الثقافة العربية والغربية، وقد درست الدراما في الغرب وربما لذلك يجد البعض تشابها بين فكري وبين كتاب هوليوود...
ليلى ليست فتاة مازوخية كما وصفها فادي عزام وشبهها بشخصية 'السكرتيرة' لأن بطلة فيلم السكرتيرة من خلال ما تقوم به تحصل على المتعة الجنسية وهي شخصية مازوخية ومريضة عقليا كانت في مصحة للمعالجة العقلية والنفسية وبعد خروجها من المصحة كانت تستمتع في أن تعذب نفسها لتصل الى ذروة الاستمتاع الجنسي. ولكن ليلى شخصية مختلفة تماما عن هذه الشخصية وهي من ابداعي الخاص وانا استندت في تركيب شخصية ليلى على التطور النفسي والدرامي المدروس فنحن نجد ليلى تعيش رحلة خلال المسلسل تتطور بها شخصيتها من فتاة مقموعة وسلبية تتعرض للضغوطات الاجتماعية والدينية والعائلية والذكورية ونادرا ما تتحدث أو تعترض على القمع الذي يمارس عليها وهي محاكمة الذات من خلال تعذيب نفسها كنوع من العقاب الجسدي الذي من خلاله تطمح الى التطهر من احساس الذنب الذي يلازمها بسبب الصراع الداخلي الذي تعيشه بين الضغوط الدينية المتزمتة والاجتماعية والعادات ورغبتها الانثوية بالحب وبأن تعيش مراهقة كمرحلة لتطوير شخصيتها. وتمارس على جسدها التعذيب كنوع من معاقبته على رغباته التي تحكمها، وهذا الصراع الذي تعيشه تتم معالجته مع الوقت من خلال مواجهتها بما تقوم به من قبل محمود زوجها، الشخصية التي تحررها وتساعدها على اكمال نضوجها وتطورها كامرأة. بالمقابل فمحمود من أجمل الشخصيات الذكورية التي ابتدعتها وهو رمز للرجل الذي تحتاجه ليلى لتكمل مشوارها في الحياة، ولتصبح أمرأة أكثر قوة وأكثر تحررا. وهو مستند الى فكرتي أن استقلالية المرأة وتحررها لا تعتمد على جهودها الخاصة فقط، بل تتم أيضا بمساعدة الرجل وبمساعدة المجتمع ودعمها لها. نحن النساء لسنا صواريخ بل نحن نحتاج الى من يهيئ لنا الظروف الاجتماعية والعائلية لنصبح نساء لنا استقلاليتنا الفكرية والذاتية، ونحتاج الى تبن لامكانياتنا لنصبح أكثر تألقا وحضورا في مجتمعنا.
لم أطرح شخصية ليلى لأهاجم الدين، ولا لأهاجم العادات، ولكن لأقول ان الاعتدال في التربية وفي ممارسة الاعتقاد يصنع جيلا متزنا وناجحا.. يجب أن نعلم أن الضغوط الشديدة التي تمارس على الانسان تخلق دائما أثرا سلبيا، وهذا مستند الى علم النفس، فالتزمت في ممارسة الدين يولد ردة فعل معاكسة، والدين الاسلامي حرر الشعوب من العبودية ومن الولاء للأصنام والأشخاص ونحن اليوم بممارستنا المتزمة والمتطرفة نمارس الظلم على الانسان وهذا ضد الدين.
*وماذا عن الوجه السلبي للمجتمع المسيطر في المسلسل؟
* المسلسل لا يركز على السلبيات لمجرد التركيز على هذه السلبيات فقط، بل ليصور الأثر المدمر لهذه السلبيات على الانسان وأن الضغط الشديد الذي يمارس على الفرد العربي والمرأة العربية سيقود الى خلق جيل غير سوي وغير صحي ومريض وهش.. ونحن نتعدى على حرية الاخرين بما نقوم به من ضغوط عليهم وهذا ما يركز عليه ما ملكت، فحرية ليلى يتم الاعتداء عليها من قبل أخيها و'الانسة' هاجر ووالدتها وهذا الذي يزيد من حدة الصراع الداخلي الذي تعيشه.
- بعد مسلسلك 'حور العين' تعودين مجددا الى موضوعة التطرف الديني وعلاقته بالارهاب مرة ثانية فما الجديد الذي اردت طرحه؟
- محور التطرف والارهاب هو من أهم السلبيات التي يركز عليها المسلسل، لأن التطرف يفتك بالمجتمع العربي ويؤثر على صورته عالميا ومن خلال شخصية توفيق، وهي من أكثر الشخصيات الذكورية قبحا في المسلسل، وعكست الرجل الشرقي الذي يستغل الدين لاضطهاد المرأة ومصادرة حقوقها التي وهبها لها الله، وهو يتستر بعباءة الدين ويسيء للاسلام.. أنا أريد أن أقول ان هذه العينات من الاشخاص تؤذي الاسلام وتشوه حقيقته، وهي شخصيات غير سوية.... فتوفيق يلتحق بجماعة ارهابية كنوع من الهروب ومحاولة لتطهير نفسه من الذنب الذي يصاحبه بسبب علاقته غير الشرعية مع ديمة، يعيش توفيق حالة من التناقض حيث أنه يحلل لنفسه ما يحرمه على أخته ليلى، ومن خلال ليلى يعبر توفيق عن هذا التناقض الذي يشكل عقدة عنده بين الجسد ورغباته وبين البيئة الدينية التي يعيش بها، ونجد توفيق في أكثر من موقف يعتدي على ليلى بالضرب وفعل الضرب هو رمزي من خلاله ينفث توفيق حالة الغضب من نفسه ويسقطها على ليلى للتعبير عن معاقبته لنفسه وروحه باستخدام اخته وسيلة للتعبير عن ذلك لتطهير نفسه وتحريرها، وبالتحاق توفيق بالجماعة المتطرفة يجد من خلال مفهوم الجهاد طريقة لتطهير جسده من الأخطاء التي قام بها، ولم يستطع أن يواجهها أو أن يتحدث بها لأحد بسبب بيئته الاجتماعية المحافظة.
'ما ملكت' يوضح ان هؤلاء المتطرفين يسيئون للدين الاسلامي ولثوابت الاسلام الصحيح فالاسلام قائم على الحوار والتفاهم كالسبيل الحضاري لحل مشكلات العالم وأن الجنوح الى القوة والارهاب والعنف لن تحقق للعالم السلام والاستقرار، ومن خلال عكس محور التطرف في ما ملكت أنادي بضرورة حشد امكانيات الاعلام العربي من أجل الدفاع عن الاسلام دينا وثقافة وحضارة ودرء الشبهات الباطلة عنه وابراز قيمه الانسانية التي ليس لها علاقة بالتطرف والتعصب المذهبي والعنف.
تعرض المسلسل ايضا الى محاور اخرى مثل تهميش الاقليات والمعاقين والاستغلال الجنسي للاطفال؟
* نعم كما في شخصية أبو عليا الذي فقد مكانته كأب للاسرة واحترام زوجته فقط لأنه معاق ولا نجد ان المعاقين او ذوي الاحتياجات الخاصة يتم دمجهم في المجتمع، بل تهميشهم وربما تخبئتهم في البيوت خجلا منهم ومن اعاقتهم وهم ليسوا اعضاء فعالين في المجتمع واتمنى ايضا ان تصل للناس معالجتي محور الاستغلال الجنسي الذي طرحته من خلال شخصية شادي الذي يقوم بالاعتداء الجنسي على الطفل نسيب، وهذا موضوع خطير ونعاني منه حاليا في المجتمعات العربية... كما تناولت ايضا موضوع العذرية الجنسية عند المرأة، وان الفتاة تحافظ على عذريتها فقط لأنها تخاف ان لا تتزوج، وخوفها أن ترفض من قبل المجتمع وليس لاقتناعها الذاتي بأن تحتفظ بعذريتها.. لذلك تقوم بعمليات 'ترقيع البكارة' التي تجرى حاليا في الشرق الأوسط.
* تلعب الشخصيات الانثوية دورا جوهريا واساسيا في المسلسل بينما يجري نقد للذكورية السائدة.
* صحيح. المجتمع العربي هو مجتمع ذكوري تسوده أغلبية الرجال الذين يحللون لأنفسهم الكثير من الأشياء التي لا تستطيع النساء في الشرق الأوسط القيام بها، ويعمد المسلسل إلى تهميش دور الرجل كقائم بالحدث إلى أن يكون دوره مسببا للحدث، وذلك بعكس ميكانيكية دور الرجل في المجتمع العربي كصانع للقيم والأسس التي يبنى عليها المجتمع، بينما ستكون المرأة من تقع عليها نتيجة قرارات الرجل، ويعرض المسلسل نوعا آخر من النساء يصنع القرارات ويؤثر على بنية المجتمع وتركيبته، بالإضافة إلى عرض تنوع من الشخصيات النسائية التي تختلف وتتشابه ويتراوح دورها بين السلب والإيجاب داخل تركيبة المجتمع العربي. هناك شخصيات ذكورية جدا مثل رأفت الذي يحلل لنفسه علاقاته النسائية ويلعب بمشاعر النساء بكاريزماته الفنية، ولكن هناك شخصيات ذكورية جذابة مثل جهاد عامل البناء ومحمود الشاب المسلم المتسامح المفكر الذي درس العلوم الاسلامية وهو يمثل الوجه الحقيقي للاسلام، والشيخ عبد الوهاب الأب العادل الذي يراعي الله في معاملته لليلى ابنته، والاستاذ أمين الأب المتحرر والمدرس الذي يشغله هم الجيل الجديد ومشاكله. أهم شخصية ذكورية في المسلسل هي نسيب الهشيمي، وهو يستند على شخصية حقيقية ستعرف نفسها لحظة عرض المسلسل، ويمثل سلطة المجتمع والقوانين الذكورية التي تسيطر على المجتمع العربي ويمثل رجل الاعمال الشره الذي لا يتوانى عن فعل أي شيء في سبيل جمع ثروته. ويمثل نسيب المسؤول الفاسد الذي يستغل منصبه لمصالحه الشخصية. ولقد تم استخدام اسم 'هشيمي' تيمنا بقول الله تعالى 'واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فاصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا' للترميز لتحول ثروته الى هباء منثور حيث أن عائلته مفككة ونسله متعفن مثل ابنه شادي الذي يعطي لنفسه الحق في استغلال سلطة والده ليستغل صديقه الفقير جنسيا.
وفي 'ما ملكت' أكثر من 99 شخصية كلها قبل الكتابة عنها رسمت لها شبكة تمكنني من الربط بين هذه الشخصيات، فلأول وهلة لا يدرك المشاهد ان الشخصيات مرتبطة ببعضها حتى يتبين لك من خلال الحدث ان الشخصيات كلها مرتبطة ببعضها الاخر عن طريق الحدث أو القرابة أو الحب أو الصداقة، وهذا يعكس حياتنا وواقع علاقتنا مع الاخرين. وهدفت من ذلك الى ان تدور الشخصيات في حلقة مفرغة تلتقي ببعضها البعض وتتشابه في أقدارها لتجسيد فكرة أننا جميعا نشبه بعضنا بطريقة او بأخرى لان حريتنا تصادر منا بطريقة أو بأخرى وبأشكال مختلفة.
* الهم السياسي موجود ايضا وبقوة، وخصوصا بعلاقته مع الدين كيف قاربت هذه العلاقة بين الموضوعين؟
* رغم أن 'ما ملكت' هي دراما اجتماعية في الدرجة الأولى، ولكن كان لمحور السياسة مكان، ففي الوقت الحالي تم تسييس الدين وتم الخلط بين العادات والتقاليد والنظم الاجتماعية والدين ولقد قام المسلسل بمعالجة هذا المحور وعالج موضوع استغلال القوة والسلطة من خلال شخصية نسيب الهشيمي. المسلسل سلط الضوء على اساءة بعض المسؤولين للسلطة من خلال ما حدث للاستاذ أمين الذي تم اتهامه وفصله عن العمل بسبب الخوف الذي يعيشه مدير المدرسة من نفوذ عائلة الهشيمي. انا اريد ان أقول ان مشكلتنا الحقيقية ليست في أوضاعنا السياسية أو نظمنا السياسية، ولكن المشكلة الحقيقية هي في الفرد والمواطن العربي نفسه ورؤيته لنفسه ولهويته ولمجتمعه وتعامله وعلاقته مع المنظومة الاجتماعية والسياسية، ولابد كخطوة أولى لتغيير المجتمع العربي هو تطوير الفرد وتطوير امكانياته واعادة تعريف هويته وعلاقته مع نفسه والاخرين. نحن يجب أن نفرق بين السياسة والدين ويجب عدم تسييس الدين ولا تديين السياسة.
*كذلك وجه العديد من الانتقادات للرؤية الاخراجية لنجدت انزور، فما ردك عليها؟
* أنا سعيدة لان نجدت انزور اخرج العمل فهو أمين على نصي ويتعامل معه بكل التفاصيل المكتوبة، فأنا كنت أضيف ما يسمى بالانكليزية 'ستيج دايركشن' لتساعد المخرج في تجسيد الحدث والشخصيات، ورغم أنني ونجدت لم نلتق الا مرة واحدة في لندن.... جلسنا في مقهى نعتاد الاجتماع فيه ووقعنا العقد وكنت ارسل له الحلقات بالبريد الى دمشق وكنا أغلب الاوقات نتحدث على الهاتف، لأن انزور يحترم ما أكتب ولا يتدخل بالافكار التي أطرحها في المسلسل.
*قلت لي ان الشخصيات الانثوية الثلاث في المسلسل قائمة على نظرية استخدمتها في رسالتك للدكتوراه، هل يمكنك توضيح ذلك؟
*استخدمت في التعامل مع هذه الشخصيات نظرية الجسد والمكان المرتكزة على رسالتي للدكتوراه. لقد شغلني أمر المكان والجسد منذ بداية دراستي في مركز حقوق المرأة في بريطانيا عام 2002 . المكان يأسرنا نفسيا وجسديا ويجتاحنا أيضا فعندما تكون في مجتمع متحفظ ترتدي ثيابا متحفظة وتغطي جسدك حتى لا تتصارع مبادئ المكان الاجتماعية مع الطريقة التي تطرح فيها جسدك، وهنا يحصل اجتياح المكان للجسد وتأثيره على الطريقة التي يعرض بها للاخر. ونفس الشيء في المجتمع الأوروبي مثلا تجد أن طريقة طرح الجسد مختلفة لأن المكان وجغرافيته ومعتقداته اختلفت أيضا.
نحن نعتقد أننا نملك جسدنا ولكن في الوقت الحالي فان الجسد تمت مصادرته منا بسبب المكان الذي نسكنه... بسبب العقد الاجتماعية والضغوط الدينية والتقاليد والمجتمع، وليلى هي نموذج لامرأة صودر منها جسدها وهذا الأمر يجعلها غير قادرة على معاشرة زوجها والمسلسل يرصد رحلة هذه المرأة في استرداد جسدها وحقها فيه.
والأمر نفسه مع عليا التي صودر منها الحق في جسدها بسبب الفقر وتورطها في ممارسة الدعارة... التي جعلتها تبيع جسدها من أجل المال.. وغرام امرأة تساوم على الجسد من أجل المال والرغبة بالرجل.
الدين هو الروح والجنس هو الجسد والسياسة هي العقل. ونحن كمواطنين تصبغ هويتنا هذا المثلث الذي نزج في داخله ويشكل مفاهيمنا واحلامنا وقدراتنا وحياتنا أيضا.
وفي 'ما ملكت ايمانكم' طرحت هذا المثلث على صعيد الشخصيات وعلى صعيد الانسان العربي، المرأة العربية بالتحديد لأن المرأة هي رمز الحياة والعطاء والولادة.

حسام الدين محمد

المصدر: القدس العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...