الدبلوماسية الوقائية التركية-البرازيلية لإنهاء أزمة النووي الإيراني
الجمل: عاد ملف أزمة البرنامج النووي الإيراني هذه المرة بقوة إلى سطح الأحداث, وما كان لافتا للنظر يتمثل في التطورات الدراماتيكية المفاجئة, والتي جمعت بين مسار سيناريو التهدئة البناءة مع إيران, ومسار سيناريو التصعيد المدمر مع إيران: فما هي طبيعة ما يجري حاليا على المسرح وما هي ملامح السيناريو الجديد القادم؟
أزمة البرنامج النووي الإيراني: توصيف الوقائع الجارية
سعت كل من تركيا والبرازيل إلى إطلاق حملة دبلوماسية وقائية نووية, جرت وقائعها الأولى ضمن مسارين, أحدهما تركي, والثاني برازيلي, ثم بعد ذلك وفي تطور لاحق تم جمع المسارين في مسار واحد تركي برازيلي, وبعد 18 ساعة من المفاوضات, تم التوصل إلى الاتفاق الذي طال انتظاره طويلا, والذي وافقت بموجبه إيران على الآتي:
• التأكيد على مبادلة اليورانيوم الإيراني المنخفض التخصيب بالوقود النووي الذي يتضمن يورانيوم مرتفع التخصيب, يتم جلبه من الخارج.
• الموافقة على أن تتم عملية المبادلة خارج الأراضي الإيرانية.
• تحدد تركيا المكان لعمليات تسليم اليورانيوم الإيراني المنخفض التخصيب وتسلم الوقود النووي القادم من الخارج.
• القبول بالالتزامات والضمانات التركية القائلة بأن أنقرا تتعهد بشكل مطلق بإعادة اليورانيوم الإيراني المخفض التخصيب متى ما طالبت إيران بذلك.
• الموافقة على تحديد فترة زمنية تبلغ عاما كاملا لإنجاز عمليات المبادلة والتسليم والتسلم.
• الموافقة على أن تستمر إيران في إجراء عملية تخصيب اليورانيوم إلى حين تتم عملية المبادلة.
• أن يشمل التسليم كامل كمية اليورانيوم المنخفض التخصيب البالغة 1200 كغ, مع إعطاء إيران الحق في متابعة ومراقبة تأمين وتخزين هذا اليورانيوم داخل تركيا, وبالتعاون مع وكالة الطاقة الذرية العالمية.
• تأكيد الأطراف الثلاثة: تركيا – البرازيل – إيران, بأن عقد هذا الاتفاق قد تم ضمن جهود لجنة الـ(5+1), وبالتالي فهو امتداد لهذه الجهود وليس إلغاء أو إبطالا لها.
بعد توقيع الاتفاق الثلاثي التركي – البرازيلي – الإيراني, جاءت ردود الأفعال بشكل سريع ومقتضب, وما كان لافتا للنظر هو الترحيب الدولي بجميع الأطراف الدولية, وعلى وجه الخصوص الدول الخمس (أميركا – روسيا – بريطانيا – فرنسا - الصين) الدائمة.
المفاجأة: سردية مسارات السيناريوهات المتعاكسة
تشير الحقائق النظرية, ومعطيات الخبرة العملية, إلى أن سيناريو الصراع, أي صراع, إما أن يأخذ مسار التصعيد أو مسار التهدئة, ولكن في هذه المرة, فقد أخذ سيناريو الصراع حول الملف النووي الإيراني المسارات الآتية:
• مسار التهدئة بسبب الاتفاقية التي تم التوقيع عليها بين إيران والبرازيل وتركيا, والتي قدمت فيها إيران المزيد من التنازلات التي ظلت إيران في كل جولات المفاوضات السابقة لا ترفض تقديمها وحسب, وإنما تعتبرها خطاً أحمر لا يتوجب بأي حال من الأحوال تجاوزه.
• مسار التصعيد بسبب قيام الولايات المتحدة الأميركية بتسليم مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يتعلق بفرض جولة العقوبات الدولية الرابعة المتعددة الأطراف ضد إيران, تحت مزاعم عدم التزام إيرا ن بتنفيذ مطالب المجتمع الدولي.
المثير للاهتمام هذه المرة, أن روسيا التي تعتبر الداعم الرئيس للبرنامج النووي الإيراني, قد رحبت من جهة بالاتفاق الإيراني – البرازيلي – التركي, وفي نفس الوقت من جهة أخرى وافقت على تأييد ودعم مشروع العقوبات الدولية الأميركي ضد إيران, ونفس الموقف اتخذته الصين وفرنسا وبريطانيا, وتشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة الأميركية صاحبة مشروع قرار العقوبات, قد أكدت على ترحيبها بالاتفاق الثلاثي, ولكن بشيء من التحفظ إزاء بند الاتفاق الذي أعطى إيران الحق في الاستمرار في عملية تخصيب اليورانيوم إلى حين تتم عملية المبادلة والتسليم والتسلم في الأراضي التركية للوقود النووي مقابل اليورانيوم الإيراني المنخفض التخصيب.
التطورات الموازية: الوقائع الجانبية ومؤشراتها
تقول المعلومات والتسريبات الاستخبارية الجارية, بأن الساحة الإيرانية قد بدأت تشهد تواتر حدوث الوقائع الآتية:
• تواتر عمليات الخروج الجماعي للشركات والمنشآت الأجنبية من السوق الإيرانية, وفي هذا الخصوص نشير إلى أن الأيام الماضية قد شهدت خروج: شركة (ENI) النفطية الإيطالية – شركة (TOTF) النفطية الفرنسية – شركة (LKOIL) النفطية الروسية – شركة (RDSA) النفطية الهولندية – شركة (PETRONAS) النفطية الماليزية – شركة (MUVGN) الألمانية للتأمين – شركة (ALVG) الألمانية للتأمين – شركة (RELI) النفطية الهندية – شركة (TRAFIGURA) النفطية الخليجية – شركة (VITOL) النفطية الخليجية – شركة (INGERSOLL-RAND) الهندسية – شركة (SMITH) النفطية الخدمية – شركة (CATER PILLAR) الهندسية – شركة (SIEGN) الهندسية الألمانية – شركة (GLENCORE) النفطية – شركة (HUNTISMAN) الكيميائية – شركة (KPMG) المحاسبية.
• تواتر عمليات خروج الأفراد الأجانب, وفي هذا الخصوص تقول بعض التسريبات والمعلومات, بأن العديد من الخبراء الأوروبيين العاملين في إيران وفقا لنظام العقود الفردية الخاصة, قد بدأوا في إنهاء تعاقداتهم والخروج من إيران.
هذا, وبرغم تواتر عمليات خروج الأفراد الأجانب والشركات الأجنبية من إيران, فقد ظل العديدون يمارسون أنشطتهم العادية ومن أبرزهم: شركة غازبروم الروسية – شركة ريسبول الإسبانية – شركة ديالم الكورية الجنوبية – شركة ENI التايلاندية – شركة (PTT) التايلاندية – شركة (HYUNDAI) الكورية الجنوبية – شركة (GS) الكورية الجنوبية.
اختلفت وجهات النظر التي سعت للكشف عن الأسباب الحقيقية التي دفعت العديد من الأفراد الأجانب والمنشآت الأجنبية إلى الخروج المتواتر من إيران, وفي هذا الخصوص نشير إلى النظريات التفسيرية الآتية:
• نظرية تأثير العقوبات: تقول بأن الأفراد الأجانب والمنشآت الأجنبية قد فضلت خيار المغادرة من الساحة الإيرانية, وذلك لأن جولة العقوبات الرابعة الجديدة, سوف تتضمن بنودا تؤثر بشكل سلبي على حركة نقل الأموال السائلة والمنقولة بين السوق الإيراني والأسواق الخارجية, إضافة إلى أن هذه الجولة سوف تتضمن قيام الحكومة الأميركية بفرض العقوبات على الشركات التي تعمل في إيران, وذلك عن طريق استهداف فروع تلك الشركات الموجودة في أميركا.
• نظرية اللايقين: تقول بأن مغادرة الأجانب والمنشآت الأجنبية المتواترة لإيران, قد حدثت بسبب عدم وضوح مستقبل الأوضاع الإيرانية, وبالتالي فقد فضلت هذه الأطراف الخروج طالما أن المصير أصبح لا ينطوي على رؤية واضحة يمكن الاستناد على معطياتها. وتحديد إن كان البقاء والاستمرار في إيران مجديا أم غير مجدٍ!
• نظرية المواجهة العسكرية: تقول بأن أميركا سوف تقوم بحلول شهر آب (أغسطس) 2010م القادم أو قبله بقليل بتسليم السلطات العراقية المسئولية عن المجال الجوي العراقي, وبالتالي فمن المحتمل أن تستغل إسرائيل هذه الفرصة وتقوم بعبور المجال الجوي العراقي والقيام بتوجيه الضربات العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية, بما يمكن أن يؤدي إلى اندلاع المواجهة الشاملة في المنطقة, وبالتالي, فقد فضلت هذه الأطراف الخروج والمغادرة المبكرة لمسرح المواجهة المحتملة.
هذا, وتشير العديد من التحليلات, إلى أن موافقة روسيا والصين على مشروع قرار العقوبات الأميركي, قد جاءت بسبب أن موسكو وبكين, قد قررتا التعاون مع واشنطن, والتي حذرتهما وبكل وضوح بأن عدم تمرير مشروع قرار جولة العقوبات الرابعة, معناه أن الخيار العسكري سوف يكون من الصعب تأجيله ضد إيران, هذا, وبرغم ذلك, فإن نافذة الفرص ما تزال مفتوحة لجهة تعزيز جهود السعي من أجل استكمال الاتفاق الثلاثي, والذي يتوجب إقناع وكالة الطاقة الذرية العالمية بجدواه, وفي حال الحصول على موافقة الوكالة فإن الاتفاق يتم تمريره بواسطة الوكالة إلى مجلس الأمن الدولي. وحتى الآن وبرغم مظاهر عملية التصعيد السلبي والتعبئة الفاعلة السلبية التي تقوم بها واشنطن في الوقت الحالي, فإن هناك المزيد من الآمال الكبيرة والتفاؤلات الواسعة أن تحدث عملية اصطفاف دولي كبيرة دعما للاتفاق الثلاثي, بما يمكن أن يؤدي في نهاية الأمر إلى تحقيق خيار الحل السلمي لأزمة البرنامج النووي الإيراني.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد