واشنطن واقتصاد قوة الشد والسحب في مواجهة سورية
الجمل: ماتزال حملة اللوبي الإسرائيلي ضد سورية مستمرة، وضمن فعاليات هذه الحملة التي يمثل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أحد عناصر بؤرتها الرئيسية، نشر موقع المعهد الالكتروني تحليلاً من إعداد اليهودي الأمريكي ديفيد شينكر (الخبير بمكتب وزير الدفاع الأمريكي لشؤون سورية، لبنان، الأردن، والأراضي الفلسطينية، وخبير الشؤون العربية بمعهد واشنطن)، وقد حمل التحليل عنوان (اقتصاد قوة الشد والسحب في مواجهة سورية).
يقول ديفيد شينكر في افتتاحية تحليله بأن عملية (القصف الإسرائيلية التي تمت في 6 أيلول الجاري، والتي استهدفت منشأة كورية شمالية للأسلحة النووية في سورية، هي عملية تلقي الأضواء على التحدي الذي تفرضه دمشق على مجرى السياسة الأمريكية الراهنة.
منذ أكثر من ثلاث سنوات، وقعت إدارة بوش على قانون محاسبة سورية والحفاظ على سيادة لبنان، وبرغم ذلك، فقد استمرت سورية في دعم الإرهاب، وتقويض استقرار العراق، والتدخل في لبنان، وتطوير أسلحة الدمار الشامل وأنظمة الصواريخ الباليستية.
كذلك يضيف ديفيد شينكر قائلاً بأن عناوين الأسبوع العريضة تشير إلى الموضوع (أي موضوع تمادي سورية كما يقصد ديفيد شينكر)، والعناوين التي أشار إليها هي:
- في 19 أيلول، برلماني آخر مناهض لسورية يتم اغتياله في لبنان.
- مقتل 15 ضابطاً سورياً وعشرات المهندسين الإيرانيين من جراء حادثة الأسلحة الكيميائية في سورية خلال تموز 2007م.
ويضيف ديفيد شينكر: واليوم، لقد أثبتت وأكدت سورية بقدر كبير أنها تتمتع بالمناعة إزاء العقوبات الامريكية، وبأن جهود واشنطن لبناء إجماع دولي يهدف لعزل دمشق، هي جهود لم تجد قوة السحب والاجتذاب.
ويقول شينكر: ومع أن سورية قد بدت معزولة بعد مقتل الحريري في عام 2005م، فإن الاتجاهات تغيرت في الوقت الحالي باتجاه التعامل الاقتصادي والدبلوماسي مع دمشق.
ويخلص ديفيد شينكر إلى أن هذا التعامل إذا استمر، فإن سورية قد تتمكن من تفادي المحاسبة عن كل من اغتيال الحريري ومطالبة الغرب لها بتغيير سلوكها.
بعد المقدمة التمهيدية، يتناول ديفيد شينكر موضوع تحليله ضمن خمس نقاط، هي:
• التعامل الدبلوماسي:
خلال العام الماضي تدفق على دمشق عدد كبير من المسؤولين، من أجل الاجتماع مع القيادة السورية، وكان آخرها وأبرزها، وأكثرها أهمية، زيارة نوري المالكي الذي قضى ثلاثة أيام في العاصمة السورية دمشق خلال شهر آب الماضي.
وأشار ديفيد شينكر واصفاً زيارة المالكي بأنها تمثل (تطوراً مذهلاً) بعد أن حدثت الوقائع الآتية:
- في أيار تحدث مستشار المالكي للأمن القومي لشبكة أخبار إيه.بي.سي، قائلاً بأن سورية مازالت مستمرة في إيواء ودعم وإرسال المتمردين الذين يقومون بقتل الأمريكيين والعراقيين.
- أعلنت القيادة الأمريكية الوسطى، بعد ذلك بشهر، بأن المتمردين العراقيين قد أقاموا معسكراً لتدريب الإرهابيين على الأراضي السورية.
ويخلص شينكر إلى القول بأنه على خلفية التزام سورية بتقويض استقرار العراق، فليس من المدهش أن تكون اجتماعات المالكي غير مثمرة، ومع ذلك، فقد كان للزيارة مجرد أهمية رمزية.
الزيارة، والتي هي الأولى التي يقوم بها (رئيس وزراء) عراقي منذ ثلاثين عاماً إلى سورية، كانت الأهم من بين سلسلة التعاملات الدبلوماسية الأخيرة: زيارة نانسي بيلوزي رئيسة مجلس النواب في نيسان، مقابلة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس لوزير الخارجية السوري وليد المعلم على هامش مؤتمر شرم الشيخ في نيسان، والمحادثات التي قام بها المبعوث الفرنسي جان كلود كوسيران.
• إجراءات مالية أمريكية غير ناجحة:
يقول شينكر بأن واشنطن أحرزت نجاحاً ضئيلاً عبر استخدام العقوبات المالية بهدف الضغط على سورية، ويرجع ذلك في جزء منه إلى عدم وجود معاملات تجارية كبيرة بين البلدين.
وبسبب وجود سورية ضمن قائمة الإرهاب التي تعدها وزارة الخارجية الأمريكية، فقد ظلت سورية منذ عام 1979 عرضة للعقوبات والضغوط التجارية الثنائية في علاقاتها مع أمريكا، وفي عام 2004م، وعملاً بقانون محاسبة سورية والحفاظ على سيادة لبنان، فقد قامت واشنطن بتطبيق إجراءات عقابية اقتصادية إضافية ضد سورية. ويرى اليهودي الأمريكي ديفيد شينكر بأن كل هذه الإجراءات العقابية كانت مجرد إجراءات رمزية، إضافة إلى أنها لم تهدف إلى التأثير على المواد الغذائية ومعدات الاتصالات، والسلع الأولية الأمريكية التي يتم شراؤها من قبل سورية.
يقول شينكر بأن الإحصاءات الصادرة من وزارة التجارة الأمريكية تشير إلى أنه في الفترة من تشرين الأول 2006م وحتى آذار 2007م، فإن التجارة بين سورية وأمريكا قد تزايدت بثلاثة أضعاف ما كانت عليه في نفس الفترة خلال العام الذي سبق ذلك، (أي نفس الفترة من تشرين الأول 2005 إلى آذار 2006). وبالأرقام (الزيادة من 116 مليون دولار إلى 361 مليون دولار). أما بالنسبة لإجمالي التجارة الثنائية بين سورية وأمريكا، فقد انخفضت من 478 مليون دولار في عام 2005 إلى 438 مليون دولار في عام 2006م، وذلك بسبب الانخفاض في صادرات النفط السورية إلى الولايات المتحدة، بينما تزايدت الصادرات الأمريكية إلى سورية بحوالي 69 مليون دولار خلال نفس الفترة.
المنظور الأمريكي يقول بأن تطبيق الجزء 311 من قانون الحمية الوطنية الأمريكية في آذار 2006 والذي فرض العقوبات ضد البنك التجاري السوري، كان هو الإجراء الأكثر فعالية. وقد أجبر وألزم هذا الإجراء المؤسسات المالية الأمريكية على إغلاق الحسابات مع البنك التجاري السوري. وبرغم أن هذه العقوبات كانت غير حاسمة، فقد استطاعت دمشق أن تتصدى لهذه العقوبات، وذلك عندما قامت بعد ذلك بشهر واحد بتحويل كل عملات الدولة الأجنبية ومعاملاتها بالنقد الأجنبي من الدولار إلى اليورو.
• استثمار شرق أوسطي كبير الحجم:
الجهود الهادفة إلى تغيير سياسات سورية، تم إحباطها بفعل وتأثير تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى سورية، ويقول اليهودي الأمريكي ديفيد شينكر بأن المستثمر الرئيسي في سورية هو طهران، التي يقال بأن اتفاقيات استثماراتها تبلغ حوالي 3 مليارات دولار.
ويقول شينكر أيضاً بأن دول الخليج العربي، قد قامت باستثمارات كبيرة في سورية أيضاً. وقد دخلت شركة نور الكويتية، قامت أيضاً بتمويل مشروع في سورية بتكلفة 2 مليار دولار. وهناك عدة شركات من دبي، قامت أيضاً بالاستثمار في سورية، ومن بينها مجموعة الفطيم، والتي تستثمر حوالي مليار دولار، وأيضاً قطر والإمارات العربية المتحدة سوف تقومان لاحقاً بافتتاح البنوك والمصارف في دمشق.
ويضيف شينكر قائلاً بان حليف الولايات المتحدة الخليجي الوحيد الغائب حتى الآن عن الاستثمار في سورية هو المملكة العربية السعودية، والتي تدهورت علاقاتها مع سورية بعد عملية اغتيال الحريري الذي يحمل الهوية المزدوجة اللبنانية- السعودية.
• قفزة أوروبا والصين:
يقول ديفيد شينكر بأن أوروبا تمثل جزءاً هاماً ضمن أسباب فشل سياسة الضغوط المالية على سورية، وذلك لأن الاتحاد الأوروبي استمر في التعامل اقتصادياً مع سورية برغم اعتراضات فرنسا التي برزت بعد اغتيال الحريري.
ويشير شينكر إلى أن ألمانيا التزمت بمبلغ 95 مليون دولار كمعونة تنموية لسورية يتم تقديمها على مدى عامين، وقد زار وزير التنمية والتعاون الاقتصادي الألماني دمشق خلال آب الماضي من أجل تقديم 46 مليون دولار.
يقول شينكر بأن الاتحاد الأوروبي ظل بمثابة الشريك الرئيسي التجاري التقليدي لسورية، وهو وحده يمثل حوالي 60 % من حجم صادرات سورية، بحسب إحصاءات عام 2003م. وإدراكاً لهذه الحقيقة فقد سعت دمشق لتغطية الانكشاف الذي يمكن أن يحدث من جراء انسحاب الأوروبيين من التعامل معها، ومن ثم فقد بذلت دمشق جهودها الكبيرة من أجل تنويع علاقاتها واتفاقياتها الاقتصادية والتجارية والتقليل من الاعتماد على الاتحاد الأوروبي كمستورد رئيسي لصادراتها.
واستطاعت دمشق –كما يقول شينكر- خلال الفترة بين عام 2005م، وعام 2006م زيادة معدلات التجارة الثنائية السورية- الصينية بنسبة 55%، لتصل إلى حوالي 1،4 مليار دولار. وفي عام 2006، انخفضت نسبة الصادرات الأوروبية إلى الاتحاد الأوروبي إلى 42% الأمر الذي أدى بالنتيجة إلى تقليل قدرة الغرب في الاعتماد على الاقتصاد كوسيلة ضد سورية.
• الآفاق المستقبلية:
يقول ديفيد شينكر بأن الاقتصاد السوري مازال في حالة نمو، وبرغم انخفاض إنتاج النفط بحوالي 6،5% فقد بلغ معدل النمو الإجمالي السوري خلال العام الماضي حوالي 5%، وبرغم الضغوط وأوضاع المنطقة المتدهورة، فقد أشار تقرير صندوق النقد الدولي إلى أن المنظور قريب المدى يقول بأن الأوضاع مواتية وفي صالح الاقتصاد السوري لكي يتقدم ويحقق نمواً أكبر.
ولكن برغم ذلك، يقول ديفيد شينكر بان الصورة ليست وردية، وفي محاولة لتأكيد التشاؤم وعدم التفاؤل إزاء النمو الاقتصادي السورين يقول اليهودي الأمريكي ديفيد شينكر، بأن عائدات النفط السوري في حالة انخفاض كبير، وبأن دمشق لم تلتحق وتنضوي حتى الآن ضمن الرابطة الاقتصادية التابعة للاتحاد الأوروبي. ويضيف قائلاً بأن مبلغ الـ1،3 مليار دولار الذي يحصل عليه الاقتصادي السوري من تحويلات مليون لاجئ عراقي عندما يقوم هؤلاء اللاجئون الذين يرتبطون بعمل بالإنفاق من مدخراتهم.
ويشير ديفيد شينكر قائلاً بأنه بما أن المعلومات بدأت تظهر حول نطاق روابط سورية- كوريا الشمالية، فإن واشنطن سوف تكون أمامها فرصة أخرى من أجل التركيز على استخدام المجتمع الدولي إزاء المخاطر التي يفرضها النظام السوري.
ويضيف شينكر قائلاً بأن محكمة الحريري سوف تضيف ضغوطاً أكثر فأكثر على النظام، وكما يقول ديفيد شينكر، فإن كل ذلك لن يكون كافياً وحده، ويطالب شينكر واشنطن بالقيام بالضغط على الأوروبيين وعلى حلفائها العرب، وبالذات الدول الخليجية بالقيام بتجميد معاملاتهم مع دمشق وأيضاً استبعاد سورية من مؤتمر السلام العربي- الإسرائيلي المقرر عقده في تشرين الثاني القادم. ويضيف شينكر قائلاً: مع تزايد التوترات الإسرائيلية- السورية المرتفع، والوضع الذي تواجهه الحكومة اللبنانية الموالية للغرب، فإن تجديد الضغوط السياسية والاقتصادية ضد دمشق يمثل أمراً حيوياً، لأنه في غياب الإجراءات الفاعلة، فإن النظام السوري سوف يستمر في تقويض آمال واشنطن إزاء المنطقة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد