خلفيات الانقسام السياسي في لبنان
الجمل: الانقسام السياسي في لبنان، والذي أفرزته مخططات جماعة المحافظين الجدد، المدعومة إسرائيلياً، كانت أبرز محطات (ثورة الأرز)، والتي أذكت وقودها عملية اغتيال الحريري، التي خطط لها ونفذها تحالف المحافظين الجدد- إسرائيل، واكتسبت ثورة الأرز هذه، ديناميكية أكبر بفعل تأثير عمليات الاغتيال السياسي التي أعقبتها.
انخرطت في استهداف لبنان مجموعة القوى والأطراف، وظلت تعمل بشكل وثيق، على محورين:
• محور كلي: وذلك عن طريق استخدام المؤسسات والمنظمات الدولية، مثل مجلس الأمن الدولي (القرار 1559)، والاتحاد الأوروبي والتجمعات الدولية (مؤتمر المانحين)، وذلك من أجل تشديد الضغوط الخارجية، التي تهدف إلى تحريك الموقف السياسي اللبناني باتجاه الأجندة الإسرائيلية المحددة سلفاً في المنطقة، والتي وردت في خطة الـ(تخلص التام)، والتي تم إعدادها في عام 1996م بواسطة مجموعة من مفكري جماعة المحافظين الجدد، كانت تعمل تحت إشراف ريتشارد بيرل (أمير الظلام)، وبتحديد أكبر ضمن الفقرة التي حملت عنوان (تأمين الحدود الشمالية لإسرائيل).
• محور جزئي: وذلك عن طريق استخدام القوى السياسية اللبنانية، وفقاً لبرنامج يقوم على مبدأ الشراكة في تسويق العداء لسوريا في المنطقة، وقد نجح برنامج الشراكة الجديدة هذا، في إعادة إنتاج التحالفات اللبنانية القديمة التي كانت تتبنى أجندة العداء لسوريا، وقد ضم التحالف الجديد (قوى 14آذار)، عدا عن الأطراف التقليدية المعادية لسوريا: القوات اللبنانية (جعجع)، الكتائب (الجميل، إضافة إلى مجموعات أخرى، كان اللافت للنظر فيها، الحزب التقدمي الاشتراكي (جنبلاط)، والمجموعة السنية (سعد الحريري).
في مقابل تحالف 14 آذار، كان هناك تحالف قوى المقاومة الوطنية اللبنانية، وتجمع حركة أمل، وحزب الله، والحزب الشيوعي، وآخرين كان اللافت للنظر فيهم هو تكتل الجنرال ميشيل عون.
تحالف قوى 14 آذار، وجد الدعم والمساندة من أمريكا، فرنسا، بريطانيا، وبقية بلدان أوروبا الغربية، إضافة إلى دعم إسرائيل الواضح له، وقد وجد هذا الدعم على خلفية تبني قوى 14 آذار للأجندة المتطابقة مع المصالح الإسرائيلية في المنطقة، وبسبب الزخم السياسي الذي ولدته ديناميكية عمليات الاغتيال السياسي، فقد كسب تحالف 14 آذار نقطتين:
- خروج القوات السورية من لبنان.
- الفوز في الانتخابات البرلمانية العامة.
حاول تحالف 14 آذار أن يمضي قدماً، مستغلاً أغلبيته البرلمانية في مجلس النواب، باتجاه تنفيذ بقية الأجندة الإسرائيلية، وتبني زعماء هذا التكتل إدارة معركة نزع سلاح المقاومة اللبنانية وفقاً لعدد من المحاور:
- استخدام وتوظيف الضغوط الدولية من أجل إقناع المقاومة الوطنية اللبنانية لكي تسلم سلاحها.
- استخدام قرارات مجلس الأمن الدولي من أجل إقناع المقاومة الوطنية اللبنانية لكي تسلم سلاحها.
- استخدام الأطراف العربية المؤيدة أو المتواطئة مع الأجندة الإسرائيلية الأمريكية في المنطقة (الأردن، مصر، السعودية) لإقناع المقاومة الوطنية اللبنانية لكي تسلم سلاحها.
- استخدام الشارع اللبناني، عن طريق تصوير القوى الوطنية اللبنانية باعتبارها تعمل لمصلحة سوريا وإيران، وبأن لبنان ليس له مصلحة في ذلك.
وبرغم كل هذه الضغوط، ازدادت قناعة المقاومة اللبنانية من جراء إدراكها اللبناني الوطني، بأن هناك مؤامرة إسرائيلية، يجري تنفيذها ضد لبنان، ولم تستمر مسرحية قوى 14 آذار طويلاً، خاصة وأن الذئب الإسرائيلي الموجود في المنطقة قد نفذ صبره، وأيضاً جماعة المحافظين الجدد قد نفذ صبرها، لأن كل الذي كان متبقياً لإجراء انتخابات الكونغرس الأمريكي حوالي ثلاثة أشهر ونصف تقريباً، وهي فترة قليلة، قد لا تكون كافة لإنجاز الأهداف المتبقية، ومن ثم لابدّ من تقديم العون والمساعدة لقوى 14 آذار، بما يحرك الجمود السياسي اللبناني، والذي نتج عن (عناد) وإصرار المقاومة اللبنانية على عدم تسليم سلاحها.. ولما كانت عملية جعل لبنان (أعزلا) ومكشوفاً أمام القوات الإسرائيلية، هي المهمة العاجلة والتي لابدّ منها لكي يتم تنفيذ عملية ضرب إيران وسوريا، وإطالة أمد الاحتلال الأمريكي للعراق، وتصفية المقاومة الفلسطينية بشكل نهائي، بحيث عندما يكتمل تنفيذ ذلك تتم عملية تمديد أنابيب النفط من أكبر منابع النفط الاستراتيجية العالمية الرئيسية (حوض بحر قزوين، الخليج العربي، السعودية، شمال وجنوب العراق)، وتتجمع كل خطوطها في ميناء (روتردام الجديدة)، على النحو الذي يجعل من إسرائيل (كازية) النفط العالمية الأولى.
استغلت إسرائيل ذريعة إمساك حزب الله بالجنود الإسرائيليين، واندفعت مستخدمة القنابل العنقودية الفوسفورية- ودبابات الميركافا، في واحدة من أعنف وأشرس الحملات العدوانية في المنطقة، وكانت تقديرات هيئة أركان الجيش الإسرائيلي تراهن على أن إنجاز مهمة القضاء على المقاومة وتركيع لبنان لن تستغرق سو 3 أو 4 أيام، وكحد أقصى أسبوع، وبكل بساطة، استمر العدوان خمسة أسابيع، وكان الذي ركع هذه المرة جاثياً على ركبتيه هو جيش الدفاع الإسرائيلي.
سلبية ولا مبالاة قوى 14 آذار وعدم مشاركتها في الدفاع عن وطنها اللبناني، كانت مثاراً لدهشة الجميع، وازداد وضع قوى 14 آذار سوءاً عندما حاول زعماؤها التعامل بـ(العالي) مع الحدث، وحاولوا تقديم العديد من النظريات التي تزعم بأن حرب حزب الله- إسرائيل، هي حرب بالوكالة، ونيابة عن سوريا وإيران، إضافة إلى محاولة بعض زعماء قوى 14 آذار الشماتة من أهل الجنوب والضاحية الجنوبية، وجماعة التيار الوطني، الذين عانوا من العدوان الإسرائيلي.
وازداد حرج موقف قوى 14 آذار عندما أدارت أمريكا والقوى الغربية ظهرها، متفادية دفع الأموال من أجل إعادة تعمير لبنان.
كل هذه العوامل أدت إلى تغيير التوازن في الشارع اللبناني، فلم تعد الأغلبية أغلبية مثلما كانت، ولم تعد الأقلية أقلية كما كانت.. وبرغم معرفة زعماء قوى 14 آذار لـ(غلطتهم) الفادحة، إلا أنهم وعلى غرار الـ(بريسيتج) فضلوا التعامل بـ(العالي) مرة أخرى مع الوضع السياسي، وحاولوا المضي قدماً في تنفيذ أجندة تحالف إسرائيل- المحافظين الجدد، وذلك عن طريق تسريع إجراءات المحكمة الجنائية الدولية، وعمدوا إلى غض النظر عن تسلسل الإجراءات واللجوء إلى استراتيجية حرق المراحل، وذلك لكسب الوقت وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وذلك لأن سوريا سوف تصبح لاعباً رئيساً في الصراع العراقي، وإيران سوف تنجو من الضربة الأمريكية- الإسرائيلية، ومن ثم سوف تبقى المقاومة الوطنية اللبنانية، أكثر قوة وصموداً، وحدوث هذه الوقائع سوف يؤدي إلى احتراق ملف تسويق العداء لسوريا، محلياً (داخل لبنان) وإقليميا (في الشرق الأوسط) ودولياً في سائر أنحاء العالم، وتكون النتيجة الأشد إيلاماً هي احتراق قوى 14 آذار.
حاولت حكومة السنيورة استخدام الـ(زانة) لتحقيق القفزة العالية، وهي إنشاء المحكمة الدولية في أقرب فرصة، ولم يتوانَ تحالف إسرائيل- المحافظين الجدد عن تقديم المساعدة لها هذه المرة عن طريق اغتيال بيير الجميل، وذلك على النحو الذي يقدم المساعدة لتحركات حكومة السنيورة.. وبالفعل بادر زعماء قوى 14 آذار إلى التبرع باتهام سوريا منذ اللحظة الأولى لعملية الاغتيال.. وذلك على النحو الذي يتيح لحكومة السنيورة تحقيق جملة من الأهداف:
- عرقلة تحركات المقاومة الوطنية اللبنانية الهادفة إلى تصحيح الأوضاع داخل لبنان.
- دعم التحركات الأمريكية الهادفة إلى الضغط على سوريا وإيران.
- دعم المخطط الإسرائيلي الذي يستهدف سوريا وإيران.
- تعزيز موقف تحالف الـ(معتدلين العرب).
- إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الهادفة إلى إطلاق يد تحالف إسرائيل- المحافظين الجدد لابتزاز سوريا.
- إضافة تهمة جديدة لسوريا تؤدي إلى عزلها دولياً، وتعميق الكراهية لها في الشارع اللبناني.
ولكن ما لم ينتبه إليه فؤاد السنيورة، أو زعماء قوى 14 آذار، أن الذي يريد أن يقفز قفزة عالية بـ(الزانة)، يجب عليه أن يخطط جيداً لهذه القفزة العالية، ليعرف كيف وأين سيقع في نهاية الأمر.
ما لم يتوقعه السنيورة وقوى 14 آذار، أو حتى تحالف إسرائيل- المحافظين الجدد، هو أن الشارع اللبناني سوف يخرج بهذه الكثافة مؤيداً لمشروع المقاومة، ورافضاً لحكومة قوى 14 آذار، التي أدارت ظهرها لمصالح لبنان، وظلت تعمل بإخلاص من أجل تنفيذ أجندة تحالف إسرائيل- المحافظين الجدد.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد