الجمل: شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال الأيام الماضية حراكا دبلوماسيا مثيرا للانتباه, فقد زار الزعيم اللبناني سعد الحريري, والزعيم العراقي عمار الحكيم سوريا, وقام وزير الخارجية الإيراني بزيارة لبنان, ثم قام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بزيارة القاهرة، فما هي محصلة هذا الحراك الدبلوماسي العالي المستوى, وما هو شكل السباق السياسي الشرق أوسطي القادم مع تباشير حلول مطلع عام 2010م ؟
محفزات الحراك الدبلوماسي الجديد: تأثير العامل السوري
يرتبط الحراك الدبلوماسي الشرق أوسطي الجديد, وتحديدا في منطقة شرق المتوسط, بالمزيد من عوامل الشد والجذب, التي يتمثل أبرزها في الآتي:
• تأثير العامل السياسي الداخلي في كل من لبنان والعراق.
• تأثير العامل السياسي السوري القائم على صعود دمشق الإقليمي.
يتضح لنا تأثير العامل السياسي الداخلي من خلال التطورات الجارية في الساحتين العراقية واللبنانية, ويمكن الإشارة إلى ذلك من خلال الآتي:
1. لبنان: أدركت الحكومة اللبنانية الجديدة, أن تعزيز علاقات التعاون والروابط السورية-اللبنانية, هي المفتاح الرئيس لاستقرار المنطقة, وعلى هذه الخلفية الإدراكية, جاءت زيارة رئيس الوزراء اللبناني الجديد سعد الحريري لتشكل نقطة البداية في ثقل علاقات خط دمشق-بيروت من "مربع الصراع" إلى "مربع التعاون".
2. العراق: تنخرط في العملية السياسية العراقية, أربعة كتل رئيسية, هي "الكتلة الشيعية" و"الكتلة السنية" والكتلة الكردية" و"الكتلة العلمانية". وعلى خلفية انقسام الكتلة الشيعية التي تمثل ثلثي حجم المشاركة السياسية, نلاحظ الآتي:
• سعت مجموعة عمار الحكيم إلى تعزيز روابطها الإقليمية بإعطاء الأولوية لسوريا وإيران, باعتبارهما الجارتان الأكثر تأثيرا على مستقبل العراق.
• سعت مجموعة نوري المالكي, إلى التعاون وبناء الروابط مع سلطات الاحتلال الأميركي, على أمل, أن يتيح لها ذلك دعم الكتلة الكردية, والكتلة السنية.
ونلاحظ أن الأداء السلوكي السياسي لمجموعة نوري المالكي, مازال يمر بالمزيد من المنعطفات الحرجة, فقد سعت إسرائيل لجهة التأكيد لواشنطن بأن خيار نوري المالكي هو الأفضل بالنسبة لإسرائيل, طالما أن نوري المالكي قد بادر باللجوء لاستخدام سيناريو تسويق العداء لسوريا عن طريق توظيف "لعبة إلقاء اللوم" بما يضع دمشق بموضع المتهم بدعم الأطراف والأصابع المسئولة عن تفجيرات بغداد الأخيرة, فقد سعت واشنطن من جانبها إلى حث حلفائها في المنطقة لجهة دعم نوري المالكي, ولكن المساعي الأميركية اصطدمت بالرفض السعودي القاطع. وتقول المعلومات بان زيارة نوري المالكي لمصركانت من أجل استخدام القاهرة كوسيلة ضغط إضافية على الرياض, وأيضا لردع طهران من مغبة التمادي في دعم مجموعة الحكيم.
الرياض: بين خيار خط دمشق-بيروت وخيار خط القاهرة-بغداد؟
حتى الآن, ما يزال "الحراك الدبلوماسي-السياسي" الشرق أوسطي في بداياته الأولى, وبالتالي لم تتشكل أي خارطة جديدة للتحالفات تشير إلى وجود محور دمشق-بيروت, أو وجود محور القاهرة-بغداد, وبالتالي, فمن الواضح أن النظام السياسي الإقليمي الشرق أوسطي قد بدأ أكثر توجها نحو الطابع الانتقالي نحو الوضع الجديد حيث يتوقف الأمر على مدى تحول علاقات خط دمشق-بيروت إلى واقع حقيقي أكثر عمقا لجهة اعتماد جدول أعمال يزيد من التعاون الثنائي, ويقلل من دور ونفوذ الأطراف الأجنبية الأميركية-الأوروبية المرتبطة بإسرائيل.
أما بالنسبة لعلاقات القاهرة-بغداد, كما هو واضح، تمثل "النموذج المثالي" الذي يسعى إلى تخطي "النموذج الواقعي", وبكلمات أخرى, يقع العراق ضمن جغرافية الجوار الإقليمي السوري-السعودي-الإيراني والتركي, ولن تستطيع أي حكومة عراقية من القيام بتجاوز وتخطي هذه الجغرافيا, وبالتالي فإن رهان السياسي العراقي إياد علاوي سوف يكون هو الرهان الصحيح وذلك لالتزامه بالتطابق مع السياق الجيوسياسي العراقي.
سوف تواجه الرياض وضعا حرجا في المفاضلة بين خيارات خارطة الشرق الأوسط الجديد, والتي دخلت خيوطها في مرحلة التشكل, فالذهاب باتجاه خط القاهرة-بغداد سوف يكلف الرياض "إنجازاتها" الدبلوماسية على الساحة اللبنانية, والذهاب باتجاه خط دمشق-بيروت سوف يثير غضب القاهرة, وذلك لأن دخول الرياض على خط دمشق-بيروت, معناه تقويض المزيد من "القوة الرمزية" الإقليمية المصرية في المنطقة, بما يمكن أن يؤدي إلى إغراق سفينة الدبلوماسية المصرية في مياه الشرق الأوسط المضطربة.