تحايل فرنسي ـ بريطاني «يدفن» التحقيق «الكيميائي»
التحقيق في ملف الكيميائي الحلبي لم يغلق تماماً. هذا ما أرادت أن توحي به صحيفة «اللوموند» الفرنسية أمس، وأن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تسلّم ملفاً «يزخر بالأدلة المقنعة على تورط دمشق في استخدام سلاح كيميائي» في 19 آذار الماضي في خان العسل في ريف حلب، وأدى إلى مقتل 25 سورياً، بينهم جنود ومدنيون.
الصحيفة الفرنسية نشرت معلوماتها الجديدة نقلاً عن ديبلوماسيين في مجلس الأمن الدولي، ترجّح كل الفرضيات أن يكونوا فرنسيين، وربطت بين معلوماتها وبين فقرة في بيان وزراء خارجية «مجموعة الثماني» في لندن، يستعيد تحذيراً أميركياً وغربياً يجعل من استخدام الأسلحة الكيميائية «عملاً يتطلب رداً دولياً جدياً».
ذلك أن الفرنسيين والبريطانيين لم يتوقفوا منذ ثلاثة أسابيع عن السعي إلى وضع العصي في دواليب الجهود السورية والروسية لإرسال لجنة تحقيق دولية إلى خان العسل. فبمجرد أن تقدم السوريون بطلب تشكيل لجنة تحقيق في استخدام أسلحة كيميائية في خان العسل، حتى سارع الفرنسيون والبريطانيون إلى فرض مطالب، يعرفون مسبقاً أن السوريين لن يقبلوا بها على الإطلاق، وستؤدي إلى دفن اللجنة. علماً أن الفرنسيين أنفسهم، كانوا بالأمس قد ألقوا بالأسئلة جانباً، التي عادوا لطرحها اليوم ويطالبون بلجنة تحقيق فيها وفي احتمالات استخدام النظام للكيميائي في حمص.
وتذكر الصحيفة الفرنسية أن «الفرنسيين والبريطانيين حصلوا على معلومات تدل على استخدام الجيش السوري للكيميائي في مواجهة المتمردين في حي البياضة في حمص في 23 كانون الأول العام 2012»، لكن ديبلوماسياً فرنسياً رفيع المستوى كان قد نفى بوضوح، خلال لقاء مغلق مع الصحافيين قبل أسابيع حضرته «السفير»، صحة اتهامات المعارضة للنظام السوري باستخدام أسلحة كيميائية في البياضة. وقال «إننا تحققنا من تلك الاتهامات، وتبين لنا أن لا أساس لها».
ونقل الفرنسيون والبريطانيون النقاش خلال المفاوضات الآن بين مكتب الأمين العام في نيويورك والخارجية السورية في دمشق، من تكليف بتحقيق محدد بخان العسل، إلى إعادة فتح ملف التحقيق بقضية البياضة.
الأرجح أن أحداً من الفرنسيين والبريطانيين لا يريد جواباً على مجزرة خان العسل الكيميائية.
وقال ديبلوماسي غربي إن موظفين عرباً في مكتب الأمم المتحدة نظموا عمليات تسريب للمفاوضات الجارية بين الأمين العام والخارجية السورية، عبر مندوبها بشار الجعفري، بهدف إحباط أي محاولة من الأمين العام نفسه لإيجاد مخرج، ينهي انتظار 15 خبيراً كيميائياً يقبعون في قبرص، ريثما يتلقون الضوء الأخضر.
وكانت وكالة «رويترز» قد حصلت على ملخص لمراسلات مكتب الأمين العام مع سوريا، تدل على مفاوضات لتحديد كيفية التفتيش ووسائل البعثة وصلاحياتها. ولم تأت المراسلات المكشوفة بجديد، سوى تأكيدها أن العقبة أمام وصول خبراء البعثة الدولية إلى حلب يعترضه شرط فرنسي ـ بريطاني بأن تمر على حمص، لتتفحص مكانين آخرين، تقول المعارضة إن النظام استخدم فيهما أسلحة كيميائية.
لكن دبلوماسياً غربياً، اطلع على تلك المراسلات، قال لـ«السفير»، إن المراسلات عكست مخاوف سورية من أن تكون الأمم المتحدة تنصب كميناً لدمشق، بتحويل لجنة تحقيق في قضية محددة إلى «لجنة تفتيش» تتجاوز المهمة الموكلة اليها تذكر بالسابقة العراقية.
واستناداً إلى المراسلات، قال الديبلوماسي الغربي، إن الأمم المتحدة طلبت من سوريا دخول بعثتها من دون تأشيرات، وهو ما رفضته السلطات السورية، حتى يمكنها أن تحدد أعضاء البعثة وهويتهم، التي رست في النهاية على مجموعة خبراء ينتمون إلى بلدان أوروبا الشمالية وأميركا اللاتينية وبعض دول آسيا، لكن أحداً منهم لا ينتمي إلى أي دولة من دول مجلس الأمن الخمس الدائمة العضوية.
وفيما وافقت دمشق على شمول أعضاء البعثة بالحصانة الديبلوماسية، فقد رفضت طلباً بأن توفر الأمم المتحدة وسائل النقل لبعثتها، براً وبحراً وجواً، واقتصر القبول على النقل البري المشروط بمواكبة أمنية سورية. كما رفضت دمشق أن يقوم جهاز الحماية الأمنية التابع للأمم المتحدة بتولي مهام فوق الأراضي السورية. وطلب السوريون أن يضم فريق الخبراء، مراقبين سوريين للتأكد من حيادية العمل والاطلاع على صحة العينات.
ونشب خلاف جوهري بين سوريا والأمم المتحدة على ازدواجية العينات. إذ طلب السوريون نسخة عن كل عيّنة يستخرجها خبراء البعثة لإجراء تحقيق مقارن في حال التوصل إلى نتائج مختلفة، وعرضها على طرف ثالث للتحكيم، وهو ما رفضته الأمم المتحدة. وتمتد الخلافات السورية الأممية إلى ميدان يطال مهمة التحقيق نفسه، فبينما يقول السوريون إنه على الأمم المتحدة أن تحدد أيضا من قام باستخدام الكيميائي لمعاقبته، ترد الأمم المتحدة بأن مهمة بعثتها هي الكشف عن استخدام الكيميائي أم لا.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد