أيمن زيدان يقتبس «الشهداء يعودون هذا الأسبوع» للمسرح: نحو فرجة شعبية
الثورة تأكل أبناءها، غالباً ما يكون هذا هو السؤال الأكثر سطوعاً بُعيد تسلّم الثورة للسلطة، وبُعيد انتزاع الشعوب لاستقلالها، إذ سرعان ما ينقضّ الثوار على الغنائم، وسرعان ما تتبدل قيم الثورة. ربما كانت هذه هي الموضوعة الأثيرة في أدب الكاتب الجزائري الطاهر وطار (1936- 2010)، والتي شكلت قصة «الشهداء يعودون هذا الأسبوع» نموذجاً لها. بل لطالما اعتبر أن كل ما كتبه الأديب الراحل ما هو إلا تنويع على هذه الحكاية.
القصة، التي كتبها وطار العام 1973، ونشرت العام 1975 في مجموعة قصصية تحمل الاسم نفسه، تفترض، في بلد المليون شهيد، أن الشهداء سيعودون من جنتهم، وتروح تتخيل كيف سيستقبل الناس هؤلاء الذين دفعوا حياتهم من أجل بلدهم وشعبهم. السؤال يأتي عبر عجوز يرى في منامه ولده الشهيد يخبره أنه عائد وزملاءه الشهداء. ثم يتسلم العجوز رسالة من ابنه تؤكد ذلك.
والد الشهيد يحمل سؤاله إلى شخصيات اعتبارية في بلدته؛ ماذا سيفعلون لو عاد هؤلاء؟ فموظف دائرة النفوس لن يستطيع إعادتهم إلى دفاتر الأحياء، وابن الخائن سيفكر بالانتقام من الشهيد لأنه هو من اغتال والده، والمسؤول الحزبي سيفكر في الطريقة التي سيعيد فيها تنسيب الشهداء إلى الحزب.. في النهاية لن يرحب أحد بالشهداء، الذين من شأنهم فقط أن يزيدوا من أزمة السكن، وغلاء الأسعار، إلى ما هنالك. بل سنجد من ينصح الشهداء بعدم العودة، حيث لا مكان لهم في هذا البلد. والأكثر غرابة أن والد الشهيد نفسه سيقاد إلى التحقيق، باعتباره ناطقاً باسم حركة تشويش تجري في الخفاء. ليس مستبعداً إذاً أن يكون مصير الشهداء أنفسهم الاعتقال باعتبارهم حركة اعتراض وتشويش.
راجعين
الفنان السوري أيمن زيدان اقتبس هذه الحكاية في مسرحيته «راجعين»، من دون تعديل يذكر، سوى أنه وضعها في مناخ مسرحي. وهو سيظل تقريباً مخلصاً للحكاية، بعد أن يضع في خلفيتها مشهد حياة في قرية سورية افتراضية، تتعدد فيها اللهجات، التي شكّل بعضها هنا مصدراً كوميدياً، خصوصاً اللهجة الحمصية لرجل الشرطة. لكن مشاهد الحياة تلك ستقتصر على عرس شعبي، تليه طقوس الولادة والختان، وقد أتاح ذلك إضفاء طابع كوميدي من جهة، كما أتاح وبرّر مرافقة العرض بالعزف والغناء الذي قرّب العرض كله من شكل المسرح الغنائي. أو شكّل حافزاً لفرجة شعبية، لا يخفي أيمن زيدان أنه يطمح إليها في مختلف عروضه.
لكن السؤال هو إلى أي مدى تحتضن مشاهد العرس والولادة تلك حكاية العجوز عن عودة الشهداء؟ إلى أي حد تتقاطع معها، أو تضيف إليها معنى ما؟ والحقيقة أن تلك المشاهد بإمكانها أن تكون خلفية لأي حكاية يحكيها العجوز، عن الأموات كانت أم عن الأحياء.
ما يلفت في هذا العرض هو قراره التخلي عن معادلة «الآن وهنا»، فهو يعلن مراراً أن الحكاية تقع بعد حرب تشرين 1973 بخمس سنوات، وكأنه يدرك أن حكاية الشهداء تلك مستغربة وغير مقنعة في سوريا العام 2010. ينقل زيدان الحكاية من زمن ما بعد استقلال الجزائر إلى ما بعد حرب تشرين. لكن الحديث عن الشهداء ما هو إلا ذريعة للحديث عن الأحياء، عن الانتهازيين والوصوليين، ويقول صراحة للشهداء «لا تعودوا، لأن البلد صار صغيراً عليكم».
وإذا كان زيدان قال عن مسرحيته إنها دعوة لاحترام دماء الشهداء، فإن ذلك التوجه هو ما يفسر تلك النبرة الخطابية في العرض بعض الأحيان، إن كان على مستوى الأداء، أو في استحضار أغان وطنية، كأن يفتتح بـ «يا مهيرتي فوق الجبل»، ويختم بها. تلك النبرة بدت غريبة على عرض انتقادي، ساخر، وبدا أن لا هم لها سوى شحن الجمهور بعاطفة وطنية جياشة، وكأنه خشي أن يصدق الجمهور أطروحة العرض حول أن البلد «صغر على الشهداء» وبات مليئاً بالانتهازيين والفاسدين والمتكسبين.
يسجل للمخرج أيمن زيدان مهارته في صياغة مشهد كوميدي، وعموماً في صياغة مشهد جاذب للناس الأبعد من المهتمين الاعتياديين بالمسرح، الأمر الذي يندرج في مشروع زيدان نحو مسرح شعبي يقوم غالباً على حكايات بسيطة، وقد كانت مسرحية داريو فو «سوبر ماركت» التي قدمها من قبل نموذجاً لذلك. ولقد ساعد وجود ممثلين أكفياء في هذ العرض على مشهد أكثر إتقاناً ومن أبرز ممثليه محمد حداقي، الذي لعب دور العجوز والد الشهيد، أدهم مرشد، لمى حكيم، زهير عبد الكريم، علاء قاسم، حازم زيدان، وائل أبو غزالة، وسواهم.
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد