الصراع على الجيش اللبناني وحقيقة النوايا الأمريكية
الجمل: تحدثت التقارير الواردة صباح اليوم الأربعاء ومساء أمس الثلاثاء عن قيام الكونغرس الأمريكي بوقف تقديم المساعدات العسكرية إلى لبنان وذلك إلى حين معرفة نتائج التحقيق في حادثة اشتباك قوات الجيش اللبناني مع قوات الجيش الإسرائيلي خلال الأسبوع الماضي؛ فما هي خلفيات هذا القرار وما هي أبعاد تداعياته على سيناريو العلاقات الأمريكية-اللبنانية؟
* العلاقات الأمريكية-اللبنانية: تداعيات مواجهات «العديسة»
بعد بضعة ساعات من انتهاء مواجهة قرية «العديسة» اللبنانية الواقعة على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، سارعت تعليقات الخبراء الإسرائيليين وخبراء اللوبي الإسرائيلي إلى التطرق بشكلٍ مباشر إلى ما أطلقوا عليه عبارة «مخاطر المساعدات العسكرية الأمريكية لقوات الجيش اللبناني» طالما أن قوات الجيش اللبناني لم تعد تترد في إطلاق النار على الإسرائيليين.
انتقلت شرارة الفكرة سريعاً إلى الكونغرس الأمريكي، الذي بادر بدوره على الفور بإصدار قرار تضمن وقف المساعدات العسكرية الأمريكية إلى لبنان وذلك إلى حين التحقق من الآتي:
- أسباب اندلاع المواجهة العسكرية الإسرائيلية-اللبنانية.
- القيام بإجراء تحقيق يحدد الحقائق والمسئولية عن المواجهة.
- التأكد من مدى تأثير حزب الله اللبناني على قوات الجيش اللبناني.
- التأكد من مصداقية الضمانات الممكنة واللازمة لعدم استخدام قوات الجيش اللبناني للأسلحة الأمريكية ضد إسرائيل.
عند التدقيق أكثر فأكثر في معطيات موقف الكونغرس الأمريكي، نلاحظ أنه سوف تترتب عليه المزيد من التداعيات الخطيرة ليس على مسيرة العلاقات اللبنانية-الأمريكية وحسب، وإنما العلاقات اللبنانية-الأوروبية القريبة، بما في ذلك العلاقات اللبنانية-الفرنسية. إضافةً لذلك سوف يؤثر هذا الموقف على توجهات السياسة الخارجية اللبنانية إزاء دول منطقة الشرق الأوسط وبقية دول العالم، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبلدان غرب أوروبا.
* ملف الجيش اللبناني: إعادة إنتاج سيناريو الاستهداف الأمريكي
سعت دوائر اللوبي الإسرائيلي والخبراء الأمنيون-العسكريون الإسرائيليون غلى تقويم المواجهات التي قامت بين قوات الجيش اللبناني وعناصر حركة «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد بشمال لبنان على أساس أنها مواجهات أسفرت عن المزيد من النتائج الميدانية التي يمكن أن استخدامها وتوظيفها لصالح دعم أمن إسرائيل. وفي هذا الخصوص يمكن رصد الآتي:
- استخدام قوات الجيش اللبناني لجهة إضعاف قدرات حزب الله اللبناني وفصائل المقاومة الوطنية اللبنانية الأخرى.
- استخدام قوات الجيش اللبناني لجهة القضاء على قدرات الفصائل الفلسطينية الموجودة في لبنان.
* استخدام قوات الجيش اللبناني في ردع سوريا
وعلى أساس هذه النتائج المفترضة، فقد سعى خبراء محور واشنطن-تل أبيب إلى التفاهم مع حلفاء واشنطن اللبنانيين آنذاك حول العديد من المسائل المتعلقة بإعادة بناء قدرات الجيش اللبناني، وذلك بما تمخض عن ملفٍ لمشروع بناء القدرات العسكرية اللبنانية وفق الآتي:
- تزويد الجيش اللبناني بالأسلحة والعتاد العسكري الأمريكي مع مراعاة التحفظات الإسرائيلية والتي حددت بوضوح أن تتم عملية التزويد ضمن حدود تعزيز قدرات الجيش اللبناني بما يجعله قادراً على شن المواجهات ضد الفصائل المسلحة في لبنان، وفي نفس الوقت يكون عاجزاً وغير قادر على الدفاع عن الحدود الدولية اللبنانية.
- التنسيق مع القيادة الوسطى الأمريكية والقوات الإسرائيلية على كيفية إدماج وتوظيف قدرات الجيش ضمن منظومة قدرات دعم وتعزيز أمن إسرائيل. وفي هذا الخصوص فقد تحدثت التقارير على وصول العديد من العسكريين الأمريكيين إلى لبنان، ومن أبرزهم الجنرال ديفيد بترايوس قائد القيادة الوسطى الأمريكية.
- المضي قدماً من أجل نفاذ مشروع بناء قاعدة القليعات العسكرية الأمريكية في لبنان، والسعي لإكثار عدد المنشآت التابعة لهذه القاعدة، بما يتيح لأمريكا عملياً بناء العديد من القواعد العسكرية الفرعية، ثم التنسيق مع إسرائيل حول كيفية الاستفادة من مزايا القاعدة الأمريكية، بما يتيح للعسكريين الإسرائيليين الدخول إلى لبنان تحت غطاء الوجود العسكري الأمريكي الرسمي في لبنان.
على أساس اعتبارات هذه المعطيات، أصبح ملف الجيش اللبناني أكثر أهمية لجهة فتح شهية الإسرائليين إزاء تحقيق المزيد من التغلغل العسكري-الأمني الإسرائيلي في الساحة اللبنانية. وفي هذا الخصوص أصبح الاستهداف الإسرائيلي لملف الجيش اللبناني يرتكز على الآتي:
- بناء مذهبية عسكرية لبنانية تقوم على مبدأ استخدام الأسلحة الأمريكية في العمليات المرتفعة والمنخفضة الشدة داخل الحدود اللبنانية.
- بناء مذهبية قتالية لبنانية تقوم على مبدأ القضاء على الفصائل والميليشات المسلحة المعارضة في لبنان.
وإضافةً لذلك، دفع مذهبية الجيش اللبناني العسكرية-القتالية لجهة اعتماد قاعد اشتباك تعرف العدو الماثل والمحتمل باعتباره يتمثل في سوريا وحزب الله وفصائل المقاومة الوطنية اللبنانية. أما القوات الصديقة فتتمثل في القوات الإسرائيلية والقوات الأمريكية والميليشيات والفصائل المسلحة اللبنانية المرتبطة بهما مثل حركة القوات اللبنانية.
* النوايا الأمريكية والصراع حول ملف الجيش اللبناني
تقول المعلومات والتقارير والتسريبات الأمريكية، بأن الموقف الأمريكي إزاء تقديم المساعدات العغسكرية الأمريكية للجيش اللبناني هو موقف لم يتبلور بالشكل الحاسم حتى الآن:
- الكونغرس الأمريكي أصبح يمضي باتجاه ضرورة وقف المساعدات الأمريكية العسكرية لقوات الجيش اللبناني بحيث يكون استئناف تقديمها رهيناً ببعض الشروط المحددة.
- الإدارة الأمريكية أصبحت أكثر اهتماماً بضرورة الاستمرار في تقديم المساعدات لقوات الجيش اللبناني مع الالتزام ببعض التحفظات.
تشير المعطيات الوصفية والتحليلية إلى أن عناصر اللوبي الإسرائيلي والخبراء الإسرائيليين قد لعبوا دوراً بارزاً في الضغط على الكونغرس الأمريكي لجهة الحصول على قرار وقف المساعدات العسكرية الأمريكية لقوات الجيش اللبناني. وبالتالي، فإن التزام الإدارة الأمريكية باعتماد موقف الكونغرس الأمريكي هو مجرد مسألة وقت لا أكثر. وحالياً لن يستطيع الرئيس أوباما إبداء أي رفض أو ممانعة لجهة التوقيع على الأمر التنفيذي الخاص بوجهة نظر الكونغرس، وذلك لسبب بسيط لا أكثر ولا أقل وهو أن الإدارة الأمريكية الديموقراطية الحالية أصبحت على خلفية اقتراب موعد انتخابات الكونغرس النصفية غير قادرة على التمادي في خلافاتها مع الجمهوريين وأجنحة يمين الحزب الديمقراطي وجماعات اللوبي الإسرائيلي.
نلاحظ أن شروط الكونغرس الأمريكي لاستئناف المساعدات العسكرية الأمريكية لقوات الجيش اللبناني قد تضمنت بنوداً ذات طبيعة عابرة للسيادة اللبنانية ومن أبزرها:
- شرط التأكد من عدم استخدام الجيش اللبناني للأسلحة الأمريكية ضد الإسرائيليين، وهو شرط غير ممكن عملياً، فالقوات الإسرائيلية ظلت تسعى لانتهاك سيادة الأراضي اللبنانية واستهداف المنشآت والمدنيين اللبنانيين، فهل سيقبل الجيش اللبناني باستلام السلاح الأمريكي مقابل أن يقف موقف المتفرج المحايد؟!
- شرط التأكد من عدم تاثير حزب الله اللبناني على الجيش اللبناني، وهو شرط مثير للريبة والاهتمام. فالجيش اللبناني هو جيش وطني يضم في صفوفه ابناء مختلف الطوائف اللبنانية، فهل المطلوب أمريكياً هو الإبقاء على اللبنانيين الذين ينتمون إلى الطوائف اللبنانية الأخرى أو بالأحرى إلى طائفةٍ دون غيرها.
يقول الخبراء العسكريون بأن هدف الحرب هو إما تحقيق استراتيجية الإبادة الشاملة عن طريق كسب المعركة الحاسمة أو تحقيق استراتيجية الاستنزاف التي تتيح هزيمة الخصم بالتدريج. وتأسيساً على ذلك، يتضح لنا أن لبنان يواجه حالياً الاستراتيجتين معاً:
- تسعى القوات الإسرائيلية إلى التحرش بلبنان بما يتيح للقوات الإسرائيلية كسب المعركة الحاسمة عن طريق إبادة الخصم، وهي استراتيجية فات أوانها، أو بالأحرى سقطت وأصبحت غير ممكنة عملياً بعد هزيمة القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان في حرب صيف 2006م.
- تسعى الدبلوماسية الأمريكية إلى التحرش بلبنان واستدراجه إلى حرب استنزاف سياسية اقتصادية اجتماعية، وربما حرب أهلية داخلية، بما يتيح إنهاك القدرات الوطنية اللبنانية.
نلاحظ أن الجهد الدبلوماسي الأمريكي ينسجم ويتماشى مع الجهة العسكرية الإسرائيلية، وذلك طالما أن حرمان قوات الجيش اللبناني من السلاح سوف يؤدي كما هو مفترض إسرائيلياً-أمريكياً إلى إضعاف قدرات الجيش اللبناني.
وعلى ما يبدو، فإن تحقيق هذه الفرضية سوف لن يكون سهلاً، فالجيش اللبناني قادر على أن يفرض سيطرته على تراب الوطن اللبناني ليس بمساعدة المقاومة الوطنية اللبنانية وحسب، وإنما بمساعدة الجيش العربي السوري الذي بذل دوراً كبيراً ورئيساً في دعم وتوطيد أركان قوات الجيش اللبناني الحالي، وأيضاً دعم بقية حلفاء وأصدقاء لبنان والذين هم كُثُر!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد