خارطة الصراع اليمني الداخلي ومستقبل الدولة
- توصيف الأحداث والوقائع: ماذا تقول المعلومات الجارية؟
أشارت التقارير إلى العديد من الوقائع الجارية التي تفيد لجهة أن الصراع الدامي اليمني – اليمني, أصبح على وشك أن يشهد انفجاراً جديداً, وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
- منطقة الشمال اليمني: تحدثت التقارير عن مقتل عدد من الجنود والمدنيين في محافظة صعده اليمنية, وفي الوقت الذي اتهمت فيه السلطات اليمنية المسلحين الحوثيين, فقد نفى الحوثيون المسؤولية وأكدوا بأن عمليات الاغتيال المشار إليها قد حدثت ضمن عمليات ثأر بين بعض الأطراف المحلية وتورطت فيها عناصر القوات اليمنية بإرسال المزيد من وحدات المشاة والمدرعات إلى مناطق شمال اليمن.
- منطقة وسط اليمن: تحدثت التقارير عن عمليات تعبئة واسعة النطاق, يقوم بها تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية, وتقول التقارير بأن عملية التعبئة الجارية قد شملت وصول العديد من الزعماء الجهاديين السعوديين, والذين كان آخرهم الشيخ – المهندس محسن العولقي, إضافة إلى العديد من العناصر الجهادية – السلفية السعودية, والتي تتميز بالقدرات والمهارات الفكرية والمهنية العالية, مثل دارسي الهندسة والعلوم والطب والرياضيات, والذين لا يتقنون علوم الفقه والشريعة وحسب, وإنما أيضاً تقنية الكمبيوتر والعلوم الدقيقة المتطورة, وهو أمر يشير إلى أن تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية سوف لن يكون على غرار تنظيم القاعدة الناشط في المسرح الأفغاني – الباكستاني, وإنما على غرار تنظيم جماعة عسكر طيبة, الذين يجمعون بين أطراف مثلث: المصحف – الرشاش – الكمبيوتر, والذين برغم قلة عملياتهم العسكرية, فإنها تميزت بالدقة والقوة, ومنها على سبيل المثال لا الحصر عملية مومباي السابقة, والتي مازالت تمثل لغزاً محيراً أمام خبراء الإرهاب ومكافحة التمرد الأمريكي والإسرائيلي والهنود والباكستانيين.
- منطقة جنوب اليمن: أشارت التقارير إلى تزايد المظاهرات والحشود الجماهيرية المطالبة بإنفصال الجنوب اليمني, وما هو لافت للنظر هذه المرة, يتمثل ليس في كثافة حجم الحشود, وإنما في اتساع النطاق الجغرافي, بما ينطوي على دلالة تفيد بأن انفصال الجنوب ليس مجرد مطلب سياسي تطرحه بعض القوى السياسية الإنفصالية وإنما على وشك أن يصبح الانفصال مفهوما قوميا اجتماعيا يسيطر بقوة على أذهان سكان مناطق الجنوب اليمني.
على خلفية التطورات الجارية في المناطق الساخنة اليمنية الثلاثة, نلاحظ أن سيناريو المواجهة على الخطوط الثلاثة هو الأكثر احتمالاً, إضافة إلى أن محدودية قدرات السلطات اليمنية على القيام بنزع فتيل المواجهة, أو حتى مجرد السيطرة على التوترات ضمن أطرها المحلية الداخلية.
يدور الصراع اليمني- اليمني ضمن سياق الدولة اليمنية, والتي تبلغ مساحتها 527968 كلم مربع, بعدد سكان في حدود 24 مليون نسمة, واقتصاد وطني يبلغ فيه الناتج المحلي الإجمالي: 58,2 مليار نسمة بمتوسط مستوى لدخل الفرد في حدود 2500 دولار, وناتج محلي صافي يبلغ 25,1 مليار دولار بمتوسط دخل مستوى للفرد في حدود 100 دولار تقريبا..
أما بالنسبة للتركيب السكاني, فجميع سكان اليمن من العرب, وينقسمون على أساس اعتبارات الخطوط الدينية والمذهبية إلى:
52% مسلمون سنة, أغلبيتهم تنتمي إلى المذهب الشافعي, مع وجود أقلية مالكية, وأقلية حنبلية.
46% مسلمون شيعة أغلبيتهم تنتمي إلى المذهب الزيدي, مع وجود أقلية إثني عشرية, وأقلية إسماعية.
2% دروز
1% يهود – هندوس – مسيحيين
أما بالنسبة للصراع اليمني – اليمني, فنلاحظ أنه ينطوي على الخطوط الرئيسية الأتية:
- الخط الديني – المذهبي بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة, وتحديداً في منطقة شمال اليمن, حيث توجد في محافظة صعده اليمنية أغلبية شيعية كبيرة.
- الخط الديني – العلماني بين تيار الأصولية الدينية وتيار العلمانية السياسية, وتحديداً في منطقة وسط اليمن, حيث يسعى تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية إلى تفويض أركان النظام الجمهوري واستبداله بدولة الإمارة والخلافة الإسلامية.
- الخط القومي – الإجتماعي بين سكان الجنوب اليمني والتيار الوطني الوحدوي اليمني, حيث تسعى القوى السياسية الجنوبية إلى فصل الجنوب واستعادة جمهورية اليمن الجنوبية السابقة..
نلاحظ أن الصراع على هذه الخطوط الثلاثة, يتضمن توزيعاً معيناً, لأطراف الصراع, ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
- خارطة الصراع في الشمال اليمني: الطرفان الرئيسيان هما: الحكومة اليمنية والمسلحين الحوثيين, أما الأطراف الثانوية, فهي إيران (إلى جانب الحوثيين) – السعودية (إلى جانب الحكومة اليمنية) إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومصر ودول الخليج والأردن والتي تقوم جميعاً بدعم جانب الحكومة اليمنية.
- خارطة الصراع في الوسط اليمني: الطرفان الرئيسيان هما: الحكومة اليمنية وتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية, أما الأطراف الثانوية فهي أمريكا وبلدان الإتحاد الأوروبي ومصر والأردن (إلى جانب الحكومة اليمنية) وشبكة الحركات الأصولية الإسلامية السلفية المنتشرة في السعودية والخليج العربي وشبه القارة الهندية (إلى جانب القاعدة).
- خارطة الصراع في جنوب اليمن: الطرفان الرئيسيان هما قوى الحراك الجنوبي (تضم العديد من القوى السياسية والدينية الانفصالية) والحكومة اليمنية, أما الأطراف الثانوية, فهي أمريكا ومصر والسعودية والأردن, (إلى جانب الحكومة اليمنية), وإيران وأرتيريا (تدعمان الحراك الجنوبي)..
تشير التطورات الجارية في خرائط الصراع اليمني – اليمني إلى أن المواجهات التي سبق أن دارت وتلك التي سوف تدور على المدى القريب المنظور, سوف تكون مجرد مواجهات تجري ضمن سباق الصراع المتقطع الأطوار, أو الصراع غير المنتظم الشدة, والذي يتصاعد حيناً ثم يهدأ، ثم لا يلبث أن يتصاعد مرة أخرى, وبالتالي, فإن شدة وفترة استمرارية المواجهات وكثافتها سوف تتوقف حصراً على جانبين, يتمثل الأول في مدى قدرة الحكومة اليمنية على احتواء الموقف بالوسائل العسكرية أو بالوسائل السياسية, الثاني يتمثل في مدى قدرة خصوم الحكومة اليمنية على النجاح في احتواء الموقف بالوسائل العسكرية أو بالوسائل السياسية, وهو أمر يتوقف حصراً على مدى نجاح الحصول على الإمدادات ودعم السكان المحليين..
سيناريو تحول المواجهات إلى حريق كبير, وإن كان من الناحية العملية غير متوقع في الوقت الحالي, فإنه من الناحية النظرية ممكن الحدوث في المستقبل, ويتوقف حصراً على حدوث تحالفات بين خصوم الحكومة اليمنية, بما يمكن أن يؤدي إلى إدماج خرائط الصراع اليمني ضمن خارطة الصراع اليمني- اليمني موحدة, يتفق و ينضوي ضمنها خصوم الحكومة اليمنية على توزيع الأدوار واقتسام الحصص, بحيث تقبل الأطراف الثلاثة بمخطط إقامة دولة يمنية جنوبية مستقلة, وإمارة إسلامية في الوسط, ودولة شيعية في الشمال..
إذا حدث و تم بناء تحالف واسع يضم خصوم الحكومة اليمنية, فإن المأزق اليمني سوف يكون أكبر, وذلك لأن التدخل السعودي والتدخل المصري والتدخل الأمريكي والأردني.. وهلمجرا سوف يكون بمثابة الوقود الذي سوف يغذي الحريق اليمني الكبير.
الجمل قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد