الثقافة العربيّة بحثاً عن شرعيّة وجود
«المؤتمر الأول للسياسات الثقافية في المنطقة العربية» مبادرة جديرة بالاهتمام نظّمتها «مؤسسة المورد الثقافي»، بالاشتراك مع «المؤسسة الأوروبيّة للثقافة» و«المجلس الثقافي البريطاني». المؤتمر الذي انعقد في أحد فنادق بيروت يومي 7 و8 حزيران (يونيو) الحالي، جاء يتوّج برنامجاً بحثياً عن السياسات الثقافيّة، انطلق العام الماضي وشمل ثمانية بلدان عربيّة هي الأردن وتونس والجزائر وسوريا وفلسطين ولبنان ومصر والمغرب. جهود الباحثين المشاركين في البرنامج جُمعت في مجلّد حمل عنوان «مدخل إلى السياسات الثقافيّة في العالم العربي» حررته حنان الحاج علي، وصدر بالتزامن مع المؤتمر. لكنّ الباحثين العرب والأجانب والناشطين في الإدارة الثقافيّة الذين شاركوا في المؤتمر، تطرّقوا إلى المهم ونسوا الأهمّ.
التحديات التي تواجه العمل الثقافي، والشروط القانونية اللازمة لتنظيم العمل الثقافي، وتمويل الثقافة، وأهم الفاعلين في هذا الحقل، كلّها مواضيع طرحت خلال المؤتمر. كان اللقاء فرصة لتبادل التجارب، قد تنجح في إعادة الروح إلى الثقافة العربية المقيّدة بفعل عوامل عدّة. مديرة مؤسسة «تكوين» المتخصصة في الإبداع الفني والتعليم، من الأردن، سمر دودين، كانت أكثر المشاركين مباشرةً حين سألت «كيف يتعاطى المثقف مع العامي المؤمن بهويته الدينية؟». مديرة مسرح الـ«تياترو» في تونس زينب فرحات، سألت إن كان يصح القول إنّ هناك سياسات ثقافية للعرب، وهم المختلفون في كل شيء؟ وفي هذا الإطار، جاء التقرير ليكشف الحقائق المرّة، وبينها على سبيل المثال غياب أي وثيقة رسمية تتناول برامج ثقافية محددة الأهداف على المستوى العربي الشامل.
سؤال تمويل الثقافة طرح هو الآخر: فهل تنفرد الدولة بالاستثمار الثقافي؟ أم تنفتح على رأس المال الخاص؟ أم تفسح المجال أمام المؤسسات المانحة؟ بعض المقاربات رأت ضرورة تحويل الثقافة إلى صناعة وخدمة مربحتين، فيما طرحت أخرى خروج الجهد الثقافي عن نطاق المشاريع الأيديولوجية للأنظمة الحاكمة ومعارضيها على السواء. الجهات المانحة بقيت تحت مرمى السهام من كل حدب؛ فهي صاحبة الأجندات الخفية دائما وأبداً، لكنّ البراهين القاطعة على مثل هذه الاتهامات بقيت نادرة خلال النقاشات. ناقش معظم المشاركين «الهم الثقافي»، لكنّ المؤتمرين فاتهم التعمّق في دراسة حال السوق الثقافية المنحسرة. كيف يمكن رسم معالم سياسة ثقافية ذات مردودية أمام الاستهلاك الفكري العربي الهزيل؟ يمكن أن نطّلع على نسب الأمية ومؤشرات الإقبال على المنتج الثقافي في التقرير الأخير للتنمية البشرية، لنعي أنّ التحديات المطروحة لم تُطرح كلها... وهذا ما قد يستوجب أكثر من مؤتمر للسياسات الثقافية.
سفيان الشورابي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد