أسماء عريقة وأخرى «مودرن» في أسواقنا ومحلاتنا التجارية
من المؤكد أنّ اتّباع الموضة أمر موجود بكثرة في مجتمعنا، كما في المجتمعات الأخرى، وإن اختلفت الدرجة.. ولكن ماذا عن زحف الموضة إلى المحلات التجارية، هل يمكن لأحد توقّع سبب التسميات التي تنتشر فجأة في الأسواق، متمثلة في مسلسل تركي أحياناً، أو بأسماء فرق رياضية مشهورة، وربما تغلب أسماء تحمل التراث في هذه المحافظة أو تلك..
وكلنا يتذكر مسلسل «كساندرا» المكسيكي، وما عكسه على حياتنا، سواء من ناحية انتشار أثواب كساندرا بين الفتيات، أم تسمية معظم الماركات والمحلات باسمها، وبالطبع لا يمكن نسيان مسلسل «باب الحارة» عندما نتحدث عن العصا التي كان يحملها معتز في المسلسل، ومن ثمّ المطاعم والمحلات والبضائع التي أخذت اسم «باب الحارة»، بدلاً من الدعاية والإعلان..
وبالطبع، بالنسبة للأسماء الغربية التي كانت قد انتشرت في كل المحافظات والأسواق، فإن حملة تمكين اللغة العربية وتعريب أسماء المحلات التجارية قد بدلت هذه الأسماء إلى أخرى عربية، ولكن بقيت تحمل المعنى الغربي، أي أن الاسم بقي أجنبياً ولكن بحروف عربية..
في دمشق.. أسماء مركز المدينة محمّلة بتراث الآباء
لا ننسى العادة القديمة، التي كان يلجأ إليها أصحاب تلك المحلات في دمشق، في اختيار أسماء محلاتهم، انطلاقاً من اسم صاحب المحل أو اسم الأب، بحيث أنّ بعض العائلات أخذت ألقابها انطلاقاً من مهنتها؛ كالحداد والصواف وغيرهما..
ولعلّ سوق الحميدية يظهر مدى تعلق هذا الأمر في أذهان الدمشقيين، رغم دخول تلك الأسماء التي تمثّل الممثل «الفلاني» أو المسلسل «العلاني»، إلا أنّ ذلك لم يلغِ بقاء أسماء الآباء أو الأجداد على يافطة المحلات في الحميدية والحريقة..
وبالانتقال إلى منطقة القصاع، نلاحظ تغيّر المزاج بشكل كلي، إذ قلّما تجد اسم الأب موجوداً على يافطة المحل، ما يجعل الأسماء الأجنبية تتصدّر تلك المحلات، تلك الأسماء التي عرّبت لتحمل الاسم الأجنبي نفسه، ولكن بأحرف عربية مثل «بينكي وستايل وستار»، وإلى ما هناك من أسماء أجنبية تدلّ على مزاج صاحب المحل أكثر من نوعية البضاعة المعروضة..
أمّا ما يغلب على هذه التسميات في مناطق تبتعد قليلاً عن الأسواق الرئيسية في دمشق، أي في المناطق الأكثر شعبية، مثل مخيم اليرموك، أو المزة 86، ومناطق المخالفات، فتلك التي تدل على أصل صاحب المحل، سواء حمل المحل اسم القرية التي أتى منها أم لا، فنرى حلويات أريحا، وخياط الساحل، ومركز توزيع غاز القلمون..
وتبقى أسماء المحلات في دمشق تحمل الكثير من تراث المدينة، وربما ثقافتها وثقافة أبنائها..
أسواق حلب.. أسماء عصية على التغيير
من الصعب منافسة مدينة حلب، من حيث العراقة والتراث، ومن المعروف عن حلب أسواقها الضخمة وتجارها المعروفون بشطارتهم..
ولعل أسماء الأسواق تدلّ على الثقافة الحلبية الصعبة الاختراق، وخصوصاً تلك الأسواق التي تمتد على شكل شوارع وأسواق متوازية ومتعامدة ضمَّت «39» سوقاً، امتاز كلّ منها ببيع نوع معين من البضائع، كسوق الحبال، وسوق «القطن»، وسوق «العطارين»، وغيرها من الأسواق.
ولعل شهرة بعض الأسواق الحلبية تعدّت حلب ليسمع بها العديد من المدن، مثل سوق (الزرب) الذي يقع في الجهة الشرقية للمدينة، وسوق «العبي»، والذي يعدّ امتداداً لسوق الزرب نحو الغرب، وهو أقصر منه، ويحتوي على محلات تجارية يحمل كلّ منها اسم صاحب المحل أو أبيه وربما جده، وجميعها تتاجر بـ «العبي»، وأنواع المنسوجات من مناديل وأقمشة.
ويوجد سوق «العطارين»، واسمه التاريخي سوق (الأبارين)، ويبدو من اسمه أنّه سوق يختصّ ببيع التوابل ومشتقاتها..
ومن الأسواق الحلبية سوق (البهرمية)، وقد سمّي بهذا الاسم لوجود المدخل الرئيس لجامع ومدرسة بهرام باشا (البهرمية)، وأغلب تجارة السوق في الأغذية.
ومن الأسماء الطريفة، سوق «الدهشة»، ويعود سبب التسمية إلى الدهشة، التي كانت تنتاب المشاهد، وهو يطوف أرجاء السوق قديماً لروعة وجمال وكثرة الأقمشة المعروضة التي كانت تصدّر إلى الشرق والغرب في عهد ازدهرت فيه التجارة في حلب ازدهاراً عظيماً.
وبالطبع لا ننسى سوق الصابون وسوق المناديل والصياغ والطرابيشية، وغيرها من الأسواق التي تحمل اسم البضاعة المعروضة والمتخصّصة فيها..
لتبقى حلب في جزئها القديم (المدينة القديمة) محافظة على معظم تراثها، أمّا القسم الجديد منها، فقد دخلت عليه الأسماء المتنوعة، التي لا تأخذ طابعاً معيناً، وإنّما هي خليط من الأسماء الفنية أحياناً، والرياضية، وكل تلك الأسماء في أغلب الأحيان لا تمتّ بصلة إلى نوعية البضاعة المعروضة.
في حمص: الأسماء المرتبطة بالرياضة والرياضيين.. الأكثر انتشاراً
من المعروف أنّ كلّ شخص يحمل من اسمه نصيب، ولكن في وقتنا الحالي: هل تحمل الأسماء الحالية للمحلات الموجودة في أسواقنا جزءاً من اسمها، خاصة التي تسمّي أسماء لها علاقة بالمسلسلات أو الممثلين أو الرياضيين، أم الأمر عائد إلى الشهرة فقط، ولا يرتبط الاسم بما يباع في المحل.
ومن هنا لا بدّ من تسليط الضوء على ظاهرة أسماء المحلات المرتبطة بالدراما والرياضة، التي انتشرت بشكل كبير في المحافظات السورية، ومنها مدينة حمص التي يتبين خلال جولة في بعض شوارعها، وبشكل لافت كثرة أسماء المحلات المتعلقة بالرياضة، كمحل برشلونة وفالنسيا وديفيد بيكهام وريال مدريد، وأسماء لاعبين رياضيين مهمّين، وهذا يعود إلى سبب رئيسي هو تطور كرة القدم في حمص في السنوات الأربع الأخيرة، عبر مشاركة الكرامة في البطولات الآسيوية، وتحقيقه إنجازات لم يحققها فريق سوري من قبل، لذا فأسماء من مثل «الكرامة» تعدّ الأكثر رواجاً مع الأسماء الرياضية العالمية وحتى اللاعبين، فهناك محلّ باسم لاعب الكرامة جهاد الحسين، ومحل باسم مدرب الكرامة القدير أبو شاكر، وكذلك الأمر ينطبق على فريق الوثبة، وإن كانت تسمياته أقل من الكرامة.
- لكنّ المميز أحياناً أنّ هناك محلات تسمّي أسماء رياضية، وتبيع أشياء لاعلاقة لها بالرياضة، كما في محل «ميسي» المفتتح منذ العام ونصف العام، والذي يبيع ألبسة نسائية بعيدة كلّ البعد عن اللاعب البرشلوني الأرجنتيني الكبير، ميسي، ويشير صاحب المحل محمد الهابط إلى أنّ اختياره الاسم جاء لمحبته لللاعب، ولفريق برشلونة، وقد قرّر أن يكون ذلك الاسم بغض النظر عن نوعية البضاعة المباعة.
وأضاف أن اسم المحل حقق تفاعلاً كبيراً مع الزبائن، وحتى من قبل النساء اللواتي يردن الشراء، لأن ميسي معروف عند الجميع نساء ورجالاً، وحتى الأطفال، بل المميّز أنّ الكثير من النقاشات تدور قبل أيّ مباراة لبرشلونة، وما سيفعله الساحر ميسي، وحتى بعد المباراة، كما أنّ جميع الزبائن يعرفون أنّ المحل سيكون مغلقاً عند وجود مباراة لبرشلونة.
واعتبر الهابط أنّ الاسم الرياضي تبقى بهجته سنوات طويلة، لأنه يكون لشخص معروف رياضياً على عكس أسماء المسلسلات التي تخفّ بهجتها مع ظهور مسلسل جديد أهم من القديم.
بينما أشار السيد صلاح قمحية، من محل ألبسة سبورات رجالية اسمه برشلونة، إلى أنّ اختيار الاسم جاء لشعبية الفريق الإسباني، ولكي تتناسب البضاعة المعروضة مع عمر الشباب الذين تشكّل كرة القدم الشيء الأهم في حياتهم، لذا يكون كلّ الحديث عن الرياضة والفوز والخسارة، أثناء البيع، حتى إنّه من الطريف أحياناً قدوم أشخاص لا يريدون الشراء، وليسوا من زبائن المحل فقط، عندما يرون اسم المحل يدخلون ويهنئون بفوز الفريق أو يطرحون نقاشات حول مستوى البطولات المحلية والعالمية.
وأضاف أنّ كثرة أسماء المحلات المرتبطة بالرياضة أو الدراما ظاهرة إيجابية متناسبة مع الجيل الحالي الذي يبحث دائماً عن شي جديد، بدلاً من اسم العائلة الذي أصبح موضة قديمة.
- ولا تقتصر أسماء المحلات الموجودة في حمص على الرياضة، فالدراما تأخذ حصّتها بشكل كبير في أسواق حمص، فمن محلات باب الحارة إلى ليالي الصالحة وطل القمر وجار القمر إلى محل وأقمشة الحاج متولي، الذي جاءت تسميته بعد عرض المسلسل على الشاشات، كما يؤكد السيد محمد حاج عمر، صاحب الفرع في حمص، وأنّ المحل يقدم أقمشة نسائية، كما كان يقدّمها المسلسل، وحقق الاسم شعبية كبيرة للمحل مع افتتاحه.
وأضاف أنّ المحل قام بإجراء مسابقة للسيدة التي تحمل اسم نعمة الله، إحدى زوجات الحاج متولي، لتأخذ هدية فجاءت سيدات من أغلب المحافظات وفزنَ.
واعتبر السيد محمد أنّ أسماء المسلسلات تجذب الجيل بشكل كبير، حتى المغتربين العرب اشتروا من محل الحاج متولي، وهي ظاهرة ستزيد في الأعوام القادمة، لأننا نعتمد على الأفكار المستوردة بشكل كبير.
- وخلال جولتنا كانت بعض الآراء ترفض تسمية أسماء المحلات بأسماء المسلسلات والممثلين، ومنها محل نور، الذي تعود تسميته إلى اسم صاحب المحل نور، الذي يرفض رفضاً قاطعاً أن يسمّي المحل باسم ممثلة أو مسلسل، لأن بريق الاسم سيخفّ بعد فترة قصيرة، بينما اسم العائلة يبقى ويزيد من وقار المحل أكثر.
- ومن الأشياء التي لا بد من الإشارة إليها في حمص، كثرة أسماء المحلات الحلبية، كبوابة حلب، وقلعة حلب، وأبو يوسف الحلبي، مع أنّها تقدّم أشياء حمصية، كما أنّ صالونات التجميل عند النساء حملت أسماء الممثلات وأحيانا توضع صورهنّ على الواجهة، وهي ظاهرة منتشرة بشكل كبير.
إذاً مهما اختلفت الآراء عن إيجابية هذه الظاهرة، فإنّها موجودة بكثرة، وهي بطريقة أو بأخرى تعبّر عن ثقافة الجيل الحالي.
في الحسكة.. أسماء المحلات.. تمكين على تمكين
في الحسكة الوضع مختلف، فقد استطاعت لجنة تمكين اللغة العربية من تغيير العديد من أسماء المحلات التجارية التي كانت تحمل أسماء عشوائية، كما تمَّ إجبار أصحاب الوكالات والماركات على كتابة أسماء محلاتهم باللغة العربية إلى جانب اللغة الإنكليزية.
أسماء المحلات بأسماء الأشخاص
قام العديد من أصحاب المحلات، بعد الاستفسار عن تغيير أسماء المحلات، بشطب العديد من اللافتات الاسمية وتحويلها بأسمائهم، وذلك هرباً من تمكين أسماء المحلات للغة العربية.
وبالتدقيق على هذه المحلات وأسمائها، ترى أنها اقتدت بالدراما السورية وأبطالها، مثل مقهى «باب الحارة» ومقهى «بلدنا»، لأنها أسماء عربية وهرباً من تمكين لجنة التمكين. كما أنَّ العديد من أسماء الأشخاص في المقهى، تتشابه مع شخصيات المسلسل كـ»مسلّم وأبو النار»، ولم يقف الموضوع عند هذا الحد، بل امتدَّ للوصول إلى أسماء اللاعبين الأجانب كـ»ميسي» نجم فريق برشلونة، و»كريستيانو رونالدو» نجم ريال مدريد.
يقول محمد العمورة، صاحب مقهى «باب الحارة»: «عندما افتتحنا المحل، كان المسلسل في أوجه، ولأنَّ اسم المسلسل عربي بامتياز، قمنا بتسمية المحل باسمه، ولأنَّ الشباب اعتادوا على «أبو النار» و»مسلّم» قمت بتسمية الأشخاص داخل المحل باسميهما».. أما عزيز داوود، صاحب محل «البارسا»، فيقول: «المحل الذي أعمل فيه هو محل للقطع الرياضية، فمن الضروري أن يكون الاسم مشتقَّاً من الألعاب الرياضية، أو أسماء الأبطال، لذلك قمت بتسمية المحل باسم النادي الكاتالوني الذي يملك الكثير من المشجعين، وذلك لاستقطاب الزبائن وشدّهم إلى المحل»..
القامشلي تغيّر أسماء محلاتها وفق الموضة
لكلّ اسم دلالة ومعنى, ولكلّ منطقة رونقها وبصمتها الثقافية، التي تحمل هوية المكان، فالقامشلي بتنوّعها الفسيفسائي الثرّ تضفي أثرها الجمالي، من خلال التناغم اللافت بين مكوناتها والأثر الأكثر دلالة ووضوحاً، على أسماء المحلات التجارية وشركات النقل والشوارع والأحياء, طبعاً الموضوع يحمل جماله في طبيعيّته المنسجمة مع تلونات الناس وثقافاتهم, وأصولهم, والقادم إلى القامشلي يرى بأمّ عينه هذا التنوّع الأخّاذ من الريفي البدوي إلى ريف الجزيرة العليا وثقافتها, فهم إمّا أن يسمّوها بأسمائهم، التي تشكّل في القامشلي تنوعا آخر، لما لهذه الأسماء من معان واختلافات, فمن شركة دجلة دلالة نهر دجلة في الجزيرة، والكثير من المحلات التي تحمل اسم النهر ومدرسة سواقة, كما نجد شركة الرافدين دلالة النهرين دجلة والفرات، وأثرهما في ثقافة المجتمع ككل, ناهيك عن حضور الأغنية في التسمية، لنجد بمجرد ظهور أغنية ضاربة (بلغة السوق) حتى تسارع ثلة من شباب المدينة، من أصحاب المحلات، إلى تلوين محلاتهم بالاسم, محلّ البرتقالة وتلوينها بالبرتقالي كان نتيجة طغيان أغنية «يا البرتقالة عذبت حاله»، أو ستيريو خطابة، إشارة إلى أغنية «خطابة خطابة»، إضافة إلى أثر الدراما التركية مؤخرا، فمن سوبر ماركت مراد علمدار، إلى محل لميس للإكسسوارات، وغيرها الكثير, أو يشير الاسم إلى رسالة يريد صاحب المحل إيصالها إلى المشترين عن شخصيته, فتسمية «دلبرين»، تعني محل القلب المجروح، وآخر» صياد العيون» أو غيرها.
- ظهر مؤخراً أثر خفيف للدراما السورية، متمثلاً في تسميات قليلة، كمقهى باب الحارة، وتوظيف شخصية العكيد لصاحب المطعم، واللافت أنّ أهالي القامشلي يعشقون المدينة إلى درجة أنّك ترى محلاتهم والشركات ومدارسهم كذلك وغيرها، تحمل اسم «القامشلي» أو «الجزيرة».
وظهرت أسماء صالات أعراس تحمل أسماء قصص الحب، كصالة «مموزين» في بلدة معبدة، دلالة على قصة العشق الشهيرة «مموزين»، التي وثّقها د محمد سعيد رمضان البوطي سابقاً في كتاب «مموزين.. قصة حب»..
ظاهرة طغيان أسماء البنات على المحلات في الجزيرة كـ «شيرين – لافا – سولين – خلود - سلاف - وغيرها، وإن كان المحل خاصاً بالرجال، لنجد محلاً للأحذية الرجالية يحمل اسم فتاة.
ونظراً إلى غرابة الأسماء الشخصية، فالمحلات التي تحمل تلك الأسماء تبدو غريبة أيضاً, ولا نستطيع أن نعطي تصوراً عاماً عن التسميات، لأنّ مردّها الأساسي المزاجية السائدة الفنية أو الثقافية أو المجتمعية أو مدى ثقافة ونوعية المحل كذلك.
عبد الرحمن الدباغ: حمص- أيهم طفس: الحسكة- محمود عبدو: القامشلي
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد