اليمنيون والقات.. ثقافة "تخزين" أبدية
كل يوم قبل الظهر يتجه سفيان المعافي لسوق الحصبة الشهير ببيع القات وسط العاصمة اليمنية صنعاء لشراء ما يسد حاجته من وريقات هذه النبتة التي تكاد تكون أشهر من الخبز هنا، معلنا استعداده لبدء يوم "تخزين" جديد.
يقول سفيان (22 عاما) إن رحلته مع مضغ القات بدأت منذ سن الخامسة عشرة وإنه لم ينقطع عنه يوما منذ ذلك الوقت.
ويضيف ممازحا أن "انقطاعه عن التخزين يعادل انقطاعه عن التنفس"، في إشارة إلى مدى تعلقه بهذه العادة التي يكررها يوميا وتبدأ معه منذ ساعات ما بعد الظهر وحتى المغرب.
سفيان الذي يستعد لامتحانات نهاية السنة خلال الأيام القادمة يمثل عينة من الشباب اليمني المقبل بقوة على التخزين. ويبرر أمثال سفيان من أوفياء القات ذلك بتفادي التسكع في الطرقات والتزام بيوتهم نظرا لانعدام وسائل الترفيه في البلاد.
ويؤكد سفيان في هذا السياق أن القات "يساعده على استذكار دروسه ويساهم في تنشيط ذاكرته كما يبعده عن إدمان آفات خطيرة فعليا كالمخدرات مثلا". ويضيف أن القات "قانونا وشرعا ليس من الممنوعات ولا من المحرمات، بل هو مجرد منبه مثل الشاي والقهوة".
وينتشر القات في كل مكان في صنعاء ولا يخلو حي من سوق لبيعه. تجولنا في سوق عنقاد بميدان التحرير في صنعاء لمعاينة أجواء هذه التجارة التي تنطلق منذ العاشرة صباحا وحتى الرابعة بعد الظهر.
محسن البدر تاجر يمارس هذه المهنة منذ 15 عاما أكد أن الكل يخزن في اليمن "الكبار والصغار وحتى الحريم" وهم من زبائنه الدائمين. ويضيف البدر ممسكا بحزمة قات محمرة وريقاتها أن "كل الأنواع والأسعار متوفرة لديه حسب الطلب".
ويتابع التاجر مداعبا "جنبيته" المصنوعة من العاج، أن المنطقة التي يزرع فيها القات هي التي تحدد جودته. وظل يسرد أسماء للقات نسبة لمناطق زراعته، قائلا إن الأجود هو "الضلاعي يليه المطري فالأرحبي فالهمداني فالخولاني فالقطيني فالعنسي فالشامي".
وأوضح البدر أن جودة القات تقاس أيضا بخلوه من المبيدات الكيميائية التي يلجأ إلى استعمالها مزارعوه لتسريع نموه، وبطول عيدان شجرته التي قد يتجاوز طولها الـ20 مترا ولا تنمو إلا في المناطق التي يزيد ارتفاعها عن 800 متر على الأقل فوق سطح البحر.
يذكر أنه رغم كل التحذيرات من مخاطر القات فإن قناعة تلاحظ لدى كل "المولعين" بالقات في اليمن تفيد بأن التخزين جزء من شخصيتهم وأن غياب ذلك الشكل المكوّر عن أفواههم يساوي سلبهم "جنبياتهم" العريقة التي تعتبر رمزا للرجولة في اليمن.
ورغم إقرار السلطات بخطورة الموقف، فإنها تقف عاجزة عن التصدي لهذه الظاهرة التي وصفها أحد الصحفيين اليمنيين بـ"علاقة العشق القاتلة". وقال الصحفي الذي فضل عدم الكشف عن اسمه إن "ثقافة القات هوية قومية لن ينتزعها أحد منا".
يشار إلى أن الحكومة اليمنية وضعت برامج عديدة لمحاربة القات تسهر على تنفيذها جمعية مقاومة القات. وكان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أعلن منذ سنوات إقلاعه عن التخزين، داعيا شباب بلاده إلى الاقتداء به والتوجه نحو الأنشطة الرياضية كبديل.
وللقات مزايا رغم ذلك إذ تمثل جلسات تخزينه المعروفة بـ"المقيل" مناسبة لمناقشة قضايا مختلفة تجمع كبار المثقفين والسياسيين. ويوحي المقيل بما لو كنت في برلمان شعبي مصغر ومنبر لحرية التعبير لا خطوط حمراء فيه.
وحضرنا إحدى جلسات "المقيل" شارك فيها أساتذة جامعيون وبرلمانيون وصحفيون خصصت أساسا لتقييم أداء موقع إلكتروني مستقل ومناقشة قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية أيضا.
والملفت هنا أن الكل عبر وعارض ودافع عن أفكاره بتلقائية لكن الجلسة انتهت والكل متفقون. ربما يعود ذلك إلى "تأثير سحري للقات الذي لن يعرف سره إلا من جربه"، حسب قول أحد المشاركين في المقيل.
ماهر خليل
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد