حوار مع مديرة «المورد الثقافي» بسمة الحسيني
تعمل المصرية بسمة الحسيني منذ سنوات طويلة كمنشطة ثقافية ومديرة فنون، وكان لها، مع زملاء لها، دور كبير في ظهور مؤسسة «المورد الثقافي» إلى النور، وهي مؤسسة إقليمية غير رسمية وغير ربحية، تسعى إلى دعم الإبداع الفني في العالم العربي، وإلى تشجيع التبادل الثقافي داخل المنطقة العربية ومع بلدان العالم النامي. ظهرت «المورد» منذ سنوات قليلة وأسست لملتقيات وفعاليات ومهرجانات لافتة في القاهرة وبيروت ودمشق، وكان لها الفضل في وضع العديد من المواهب الشابة على عتبة الإبداع.
الحسيني، مديرة «المورد الثقافي»، التي جاءت دمشق أخيراً على هامش الملتقى الإبداعي المسرحي الشبابي «بداية اللعبة»، شرحت لـ «السفير» في هذا الحوار كيف تأسست «المورد» واستمرت، والعقبات التي واجهتها، ومشكلات التمويل ومصادره، والشكوك التي تحيط به، وكذلك فكرة «الصندوق العربي للثقافة والفنون» وكيف اختير غسان سلامة مديراً له.
ما هوية مؤسستكم «المورد الثقافي»؟ كيف نشأت؟ تحت أي حاجة وظرف؟ وماذا تريد؟
∎ نشأت مؤسسة المورد الثقافي بمبادرة من مجموعة أفراد يعملون في الشأن الثقافي خارج الإطارين الرسمي والتجاري ومن بلاد عربية مختلفة. كانت لدينا قناعة بأن هناك فائدة من تأسيس كيان غير حكومي يعمل على نطاق إقليمي، يربط بين المجموعات الثقافية المستقلة في البلدان العربية التي تواجه تحديات ومشاكل متشابهة: السيطرة البيروقراطية، ضعف أو غياب البنية التحتية للعمل الثقافي، نقص المعلومات والمعارف، الرقابة الرسمية وغير الرسمية. ورأينا أن نعطي أولوية في عملنا لدعم الجيل الجديد من الفنانين والأدباء، باعتبار أن هذا الجيل مهدد بالتسرب من العمل الثقافي إلى أعمال أخرى، إذا لم تتوفر أمامه فرصة تحقيق مشروعاته ولو في حدها الأدنى. لقد حدث هذا التسرب بالفعل في جيلين من أجيال المبدعين العرب، ما أدى إلى ما نراه اليوم من ضعف في الإنتاج الثقافي كماً و كيفاً.
لنتحدث عن التمويل. دائماً كان هنالك شكوك في أن للجهات الممولة أجندة استعمارية، أو ما شابه. كيف تتجنبون مثل هذه الشكوك، وعن أي تمويل تبحثون؟
∎ أرى أن الشك عموماً أمر طبيعي وصحي، ومن الواجب دائماً التساؤل حول دوافعنا ودوافع الآخرين، بالذات في ما يتعلق بالمال. ينطبق هذا على الجهات الممولة الغربية كما ينطبق على الجهات الممولة العربية. من السذاجة التصور أن الجهات الممولة العربية، ليست لديها أجندة سياسية، أو أن هذه الأجندة «وطنية». يجب إذن النظر بدقة وبالتفصيل إلى دوافع أية جهة تقدم التمويل. وينبغي النظر إلى كل حالة على حدة بدون تعميم ولا إطلاق المديح أو الهجاء. ليس مستحيلاً أو صعباً معرفة دوافع الجهات الممولة، فكلها أو معظمها لديها أهداف معلنة ومنشورة، ولديها رصيد وتاريخ يمكن مراجعته. هناك فروق أساسية بين جهات التمويل، عربية وغربية، تنبغي ملاحظتها. مثلاً هناك فرق بين جهات التمويل الخاصة التي تأتي أموالها من فرد أو أفراد ولها رسالة مستقلة، مثل مؤسسات «دوريس ديوك» و«فورد» و«كارنيجي» و«دون» أو «العويس» و«البابطين» و«الحريري»، والجهات المرتبطة بحكومة بعينها مثل هيئة المعونة الأميركية والجهات التي تعمل وفق تكتل سياسي حكومي مثل الاتحاد الأوروبي، والتي تقدم التمويل في إطار سياستها الخارجية. نحن دائماً نتحاور مع جهات التمويل ونسأل عن دوافعها، وأفضل مدخل هو أن تكون لدينا مشروعاتنا وأولوياتنا السابقة على أي تمويل، والتي تأتي من تقديرنا للحاجات الفعلية في الواقع، وأن تطرح هذه المشروعات على جهات التمويل. العكس يؤدي إلى نوع من التبعية: أن نتلقى التمويل لتنفيذ مشروعات تحددها جهات التمويل، وهذا يحدث في هذه الأيام كثيراً مع الاتحاد الأوروبي الذي يحدد بشكل تفصيلي المشروعات التي يمولها ولا يترك لمتلقي هذا التمويل الكثير من الحرية. نحن حريصون على استقلالنا ونترجم هذا إلى حوار معمق مع ممولينا ولا نقبل تلقي تمويل مشروط بتنفيذ مشروع لا نقوم نحن بتحديده في المقام الأول. أيضاً لا نقبل تمويلاً يصب في الترويج للسياسة الخارجية (أو الداخلية في حالة الحكومات العربية) لحكومة ما. موقفنا هذا يؤدي في كثير من الأحيان إلى أن تكون لدينا مشروعات هامة لا نجد لها تمويلاً. مثلاً لدينا منذ سنتين مشروع لتدريب الصحافيين الثقافيين والتشجيع على الربط بينهم في البلاد العربية المختلفة، ولكن حتى الآن لم نجد ممولاً يتحمس لهذا المشروع بالشكل الذي رسمناه.
عيوب التمويل
باعتبارك عملت من قبل من داخل مؤسسة مانحة مثل «فورد» ما هي عيوب الجهات المموِّلة برأيك؟ وأي أجندة كانت لدى «فورد»؟ وما هي عيوب طالبي التمويل العرب خصوصاً؟
∎ معظم عيوب الجهات الممولة تأتي من تغليب الأفكار النظرية النابعة من بيئات اجتماعية وسياسية غربية على الاحتياجات الواقعية لمجتمعاتنا.
وهناك عيوب أخرى تظهر لدى جهات التمويل الحكومية مثل تغليب المصلحة السياسية المباشرة للدولة المانحة، والتعقيد البيروقراطي، وفي بعض الأحيان الفساد المقنع. مثلاً هناك وكالات معونة أوروبية تحصل على مبالغ طائلة من حكوماتها لإنفاقها على دعم المنظمات الأهلية العربية، ولكن معظم هذه الأموال ينفق على الوكالات نفسها وعلى منظمات أوروبية وسيطة تتولى «الإشراف» على عمل المنظمات العربية. أما في ما يتعلق بمؤسسة «فورد» فهي من أقدم المؤسسات المانحة الأميركية، وهي تعمل في المنطقة العربية منذ إحدى وخمسين عاماً. أسسّها الرأسمالي هنري فورد المتهم عادة بمعاداة السامية، ولكنها تحولت مرات عدة منذ تأسيسها، وغيرت سياساتها وأهدافها. سمعتها السيئة في المنطقة تأتي غالباً من الدور الذي لعبته في سنوات الحرب الباردة، إذ دعمت مثقفين وناشطين ليبراليين ومناهضين للشيوعية، ولكنها تحولت مرة أخرى في الثمانينيات، إذ احتفظت باتجاهها الليبرالي، ولكنها أصبحت أكثر اهتماماً بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وبالمجتمعات الفقيرة والمهمشة، فدعمت منظمات وناشطين ينتمون إلى اليسار بشكل عام. بالنسبة إليّ عملت في مؤسسة «فورد» منذ 1998 إلى 2003 مسؤولة عن برنامج الثقافة والفنون والإعلام في المنطقة العربية. السياسة التي عملت وفقاً لها خلال هذه الأعوام وضعتها بنفسي وكتبتها في ورقة عمل وافق عليها رؤسائي دون تعديل.
أما عن عيوب طالبي التمويل العرب، فأحب أن أشير إلى أن هناك تحسناً تدريجياً في وعي المنظمات الأهلية والناشطين العرب بحقوقهم وواجباتهم تجاه جهات التمويل. ومع ذلك ما زالت هناك منظمات ومجموعات أهلية تقبل تنفيذ مشروعات تحددها جهات التمويل، بغض النظر عن خططها وأهدافها الأصلية. المشكلة الأخطر والأكثر شيوعاً هي غياب الحوار بين طالبي التمويل وعدم الاتفاق على أجندة وطنية تحدد أولويات العمل، وبالتالي التمويل، وهذه ليست دعوة إلى التوحيد، لأن الاتفاق على أجندة وطنية يعني أيضاً التنوع والاختلاف. مثل هذا الحوار قد يحدث تغيراً كبيراً في العلاقة مع جهات التمويل.
سنوات التدهور
هل يمكن القول إن هناك لدى «المورد» خطة موجهة إلى الجمهور، وأخرى إلى تطوير مبدعين لا يجدون العون الكافي؟ أي جمهور وأي مبدعين؟
∎ بصراحة خطتنا في خدمة المبدعين أكثر وضوحاً ونضجاً بكثير من خطتنا لاجتذاب الجمهور. «المورد الثقافي» أساساً مؤسسة تقدم خدمات للمبدعين. ولهذا تجد معظم برامجنا موجهة إليهم مثل ملتقيات الشباب (ري ميكس، بداية اللعبة، صفحة جديدة) وبرنامج المنح الإنتاجية وبرنامج الإدارة الثقافية وبرنامج مواعيد. لدينا فكرة معقولة عن المشاكل التي تواجه المبدعين واقتراحات فعالة لحلها. أما الجمهور فأمره معقد: هناك بالطبع المنافسة غير المتكافئة مع الثقافة التجارية، ثم هناك المدّ الاجتماعي المحافظ الذي يكسب أرضاً جديدة كل يوم بدعوى تقديم بديل من الثقافة الغربية المنحلة، والذي يضيق بحرية التعبير الثقافي والتجريب الفني، أيضاً هناك وسائل الإعلام التي تروج في معظم الأحيان للمنتجات الثقافية الحكومية فقط. ومع كل هذه الصعوبات نحاول أن نوجه بعض برامجنا إلى الجمهور من خلال مهرجان الربيع الذي يقدم مرة كل سنتين، وسيقدم في نيسان القادم في القاهرة وبيروت في الوقت نفسه، وبرنامج مسرح الجنينة القاهري.
ما العقبات التي واجهت عملكم؟
∎ هناك عقبات توقعناها وحدثت وتعوّدنا عليها: المنع الأمني هنا وهناك، التعقيد البيروقراطي، صعوبة التواصل مع الإعلام. وهناك عقبات لم نتوقعها ونحاول التعامل معها، مثل قلة المشروعات الإبداعية الجديدة ويأس العاملين بالثقافة. لقد أدت سنوات التدهور الثقافي إلى شيوع الإحساس بعدم الجدوى والإحباط بين المبدعين، وهذه هي أصعب عقبة تواجه عملنا.
كيف جاءت فكرة «الصندوق العربي للثقافة والفنون»؟ ماذا عن المشروع وأين وصل؟ وكيف جاء اقتراح غسان سلامة رئيساً له؟
∎الصندوق العربي للثقافة والفنون بدأ بمبادرة من «المورد الثقافي».Åرأينا أن هناك حاجة كبيرة لمؤسسة تقدم التمويل للمشروعات الثقافية ولا تمارس العمل الثقافي بنفسها، حتى يتوفر لها قدر معقول من الحياد والموضوعية تجاه المشروعات الثقافية المختلفة.Åسعى مؤسسو الصندوق إلى اجتذاب ممولين عرب، على الأخص من شباب رجال الأعمال، لديهم رغبة في دعم الفنون وليس لديهم الوقت أو المعرفة الكافية لاختيار المشروعات التي يدعمونها.Åساندت الفكرة من البداية مؤسسة المجتمع المفتوح وهي مؤسسة أميركية أسسها الماليّÅجورج سوروس، ولكننا حرصنا على ألا تكون هذه المؤسسة هي الممول الأكبر للصندوق، بل أن تأتي معظم الأموال من ممولين عرب، ونسعى تدريجاً إلى توسيعÅالقاعدة المالية للصندوق لتستوعب صغار الممولين. الصندوق مسجل في سويسرا كمؤسسة مانحة،Åويتشكل مجلس أمنائه من 12 شخصاً، يرأسهم غسان سلامة ونائب الرئيس وأحد ممولي الصندوق هو نبيل قدومي وهو رجل أعمال كويتي من أصل فلسطيني، وأمينة السر هي زينة عريضة من لبنان، وباقي الأعضاء هم: عمر غباش من الإمارات وهو أيضاً أحد ممولي الصندوق وهو نائب مدير مؤسسة الإمارات، وبيان كانو من البحرين، وخالد المطاوع من ليبيا، وعباس زعيترÅوهو ممول للصندوق ورجل أعمال أميركي فلسطيني، وعادلة العايدي من الجزائر، وهاني كلوتي (ممول للصندوق، فلسطيني سويسري) ورنا صادق وهي أيضاً ممولة للصندوق و كويتية من أصل فلسطيني وسوزان ويتينشوايلر وهي قانونية من سويسرا وأنا.
جمع الصندوق في عامه الأول حوالى مليون و 100 ألف دولار، منها 700 ألف دولار من ممولين عرب والباقي من مؤسسة «فورد» ومؤسسة المجتمع المفتوح. يتلقى الصندوق التبرعات مباشرة من الأفراد والمؤسسات المستقلة. أطلق الصندوق إعلاناً لقبول طلبات الدعم في شهر يونيو، والإعلان موجود على الموقع الإلكتروني: www.arabculturefund.org والموعد النهائي لقبول الطلبات هو نهاية تشرين الأول.Åيوجد أيضاً على الموقع ملخص لرسالة الصندوق.
أما عن اختيار غسان سلامة لرئاسة مجلس الأمناء فقد جاء بإجماع المجموعة المؤسسة. كنا نبحث عن شخصية عربية مستقلة اقتصادياً وسياسياً ولها مصداقية عربية ودولية وخبرة بالعمل الثقافي وعلاقات واسعة، وكان هو الوحيد الذيÅنعرفهÅولديه كل هذه الصفات.Åلم يوافق على رئاسة المجلس بسهولة، ولكننا استطعنا إقناعه بأهمية وجدية المشروع، وهو الآن يقود جهود الصندوق لتثبيت أقدامه عربياً ودولياً وبناء مصداقيته واجتذاب ممولين جدد.
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد