الفلسفة والحرب

22-03-2022

الفلسفة والحرب

مشير باسيل عون
لا يختلف اثنان في القول إن العقل الإنساني مصدوم صدماً شديداً باشتعال الحرب في الأرض الأوروبية، التي شهدت نشوء الحكمة الفلسفية منذ أيام الإغريق الأوائل حتى زمن الحداثة وما بعد الحداثة. من المحزن أن نكون قد تعودنا سماع أخبار الاحتراب في القارات الأخرى التي لم تنعم بازدهار العقلانية المستنيرة، بل ما برحت تخضع لتقاليد العصبيات القبائلية والعشائرية، وأعراف المبايعات الدينية المذهبية، وذهنيات الاتجار الرخيص بالمبادئ والقيم والمثل العليا. أما في الأرض الأوروبية، وما انبثق منها استيطاناً في الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، فيربكنا أن نعاين استفحال النفس الغضبية الفردية والجماعية، ويصعقنا أن نلمس غلبة الأحقاد الدفينة والضغائن الخبيثة. أغلب الناس لا يزعجهم، ويا للأسف، أن تظل الحروب مشتعلة في أرض العصبية والقبيلة والتدين الأعمى، أي في أرض العقيدة والغنيمة والقبيلة، على حد تعبير الفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري (1935-2010). وفي هذا أقصى ضروب الرياء الدولي.
انتقاد الحداثة في عقلانيتها التسلطية الانتفاعية
مهما يكن من أمر الاضطراب الكوني، يعجب المرء مستفسراً: كيف ينبغي للعقل الفلسفي أن يفسر عجز العقلانية الغربية الحديثة الأوروبية المنشأ عن اجتناب الصراع الأيديولوجي الانتفاعي الرخيص بين مجتمعين أوروبيين يدعيان الاحتكام إلى شرعة حقوق الإنسان؟ كثرت في القرن العشرين مذاهب المراجعة النقدية التي اجتهدت في فضح عيوب الحداثة الغربية المبنية على العقلانية الحسابة. أعظم الفلاسفة الناقدين هايدغر (1889-1976) الذي ذهب إلى أن المسعى المتافيزيائي الناشئ في الأنظومة الإغريقية الأفلاطونية يفضي إلى تسويغ السيطرة على الكائنات بواسطة العقل الحساب الذي يصر على ضبط كل الموجودات وتحويلها إلى أغراض بحثية استقصائية خاضعة لسلطانه القاهر. ومن ثم، فإن التقنية الحديثة، بما جرته على البشرية من ويلات الاستعلاء والهيمنة، إنما تنبثق تواً من المتافيزياء الأفلاطونية التي تشرع سيطرة العقل على الكائنات والموجودات والأشياء رغبة في تحقيق نموذج الكينونة الأعلى والصلاح الأسمى المرتسم في عالم المثل.
من غير الخضوع خضوعاً كاملاً للنقد الذي ساقه هايدغر، عكف فلاسفة مدرسة فرانكفورت النقدية على استجلاء مقام عقل الحداثة الغربي الذي أفضى بالمجتمعات الأوروبية إلى حروب شرسة أزهقت حياة الملايين من الناس الأبرياء الذين كانت وعود النهضة العقلانية تعدهم بنعيم العدالة والمساواة والسلام والأخوة. استلهم الفلاسفة النقديون هؤلاء تحليل هايدغر وماركس وفرويد وماكس ڤيبر وسواهم من أجل استيضاح ضروب الاستلاب الكياني والتغرب الوجودي التي يعانيها الإنسان المعاصر فرداً وجماعة. ومع أن الأجيال الأربعة التي تعاقبت على المدرسة الفلسفية النقدية هذه، منذ الجيل الأول (أدورنو، هوركهايمر، ماركوزه)، مروراً بالثاني (هابرماس) والثالث (أكسل هونت)، وصولاً إلى الرابع الحالي (هارتموت روزا)، آثرت تناصر النظريات النقدية المختلفة وتعاضد التناولات الفكرية الإصلاحية، إلا أن الجامع المشترك ما برح التنديد بعمليات تشييء الوعي الإنساني، أي تحويل الكائن الإنساني إلى غرض من أغراض الاستنهار والاستهلاك والاستغلال والاستعباد. وما الحروب التي تشنها الأنظمة السياسية الأيديولوجية المعاصرة سوى الوجه القاتم الذي تحمله العقلانية الحديثة حين تتخلى عن قيم شرعة حقوق الإنسان، وتكب على إدارة المجتمعات على نحو ما تدار الكتل الآلية الإنتاجية الاقتصادية المسلوبة الكرامة، المنزوعة الوعي.
طبيعة الإنسان العنيفة
يعيدنا التحليل النقدي هذا إلى النظريات الأنثروبولوجية التي كان تتحرى طبيعة الكائن الإنساني، لا سيما في سياق تأصيل الاجتماع الإنساني وتشييده على قاعدة عقد التراضي أو ما يدعى بالعقد الاجتماعي. شهير الإسهام الفلسفي الذي انطوت عليه نظرية الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبس (1588-1679) السياسية. بعد أن عاين الحروب الأهلية التي أدمت إنجلترا وأفضت إلى ثورة 1648 وقطْع رأس الملك شارل الأول، أدرك أن المجتمعات الإنسانية تحتاج إلى نظرية سياسية تضبط أهواء النفس الإنسانية الغضبية. ذلك بأن الناس جبلوا أصلاً على المساواة، لا يطيقون أن يحكم بعضهم بعضاً من غير اللجوء إلى تسويغ شرعي. فإما القوة الغاشمة، وإما السند الإلهي، وإما التأصيل المستند إلى الحكمة العقلية.
اختار هوبس السبيل الثالث، فعكف ينظر في طبيعة الإنسان الأصلية. فإذا به يعاين تأصل الرغبة المشتركة في الحفاظ على الحياة الفردية، إذ إن كل إنسان سليم العقل يميل بالفطرة إلى صون حياته من الأذى. ومن ثم، فإن غريزة البقاء التي يدعوها الرغبة المحركة أو المجاهدة (conatus) تجعل الناس يستخدمون جميع الوسائل المتاحة، فيصطدم بعضهم ببعض ويتحاربون من أجل الفوز بضمانات البقاء والاستمرار. لذلك يصف هوبس الطبيعة الإنسانية الأصلية بحال الاحتراب، إذ يتصرف الإنسان تصرف الذئب المستشرس. فالإنسان للإنسان ذئب (homo homini lupus est)، على حد تعبيره الشهير.
لا عجب، من ثم، أن تذكرنا الحروب الفظيعة التي ارتكبتها مجتمعات الحداثة الغربية بتحليل هوبس الثاقب الذي أفضى به إلى بناء نظرية عقلانية واقعية يوكل الناس بمقتضاها إلى حاكم مطلق أو إلى مجلس مطلق الصلاحية شؤون إدارة المعية الإنسانية في نطاق المدينة الواحدة أو الدولة المركزية. في كتابه" اللڤياتن "(Leviathan)، ينصحنا بالخروج من حال الاحتراب الأصلية بواسطة الانتداب الحر والوكالة العادلة. ذلك بأن جميع أعضاء المجتمع ينبغي أن يقبلوا التخلي عن قسط من حقوقهم الذاتية حتى يستطيع الحاكم أو المجلس أن يبت الأمور. بيد أن صفة المطلق لا تعني في نظر هوبس التعسف والاعتباط والاستبداد، بل الحرية الكاملة في تدبير شؤون الناس، بحسب ما تقتضيه كرامتهم الذاتية ومقتضيات المعايشة وتسويات الإنصاف الممكنة. أما إذا انحرف السلطان المطلق وأخذ يستبد بالناس ويهدد حياتهم، فيجوز الانتفاض والثورة وخلع الحاكم. في الحال القصوى النادرة هذه، يقبل هوبس أن يخلع الحاكم المطلق. أما المبدأ الناظم في فكره السياسي، فالقول بالإطلاقية المستبدة العادلة، صوناً للاجتماع الإنساني من الانهيار والاحتراب.
إذا كان الإنسان مفطوراً على الصلاح، وكان الاجتماع علة فساده الأصلية، على ما كان يذهب إليه الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان-جاك روسو (1712-1778)، مخالفاً بذلك نظرية هوبس القائمة على تدبير الحاكم المطلق، فإن الخروج من حال الاحتراب يتطلب الانعتاق من غرائز التملك والجشع والأثرة. ليس من مثال أنصع وأنقى من صورة الإنسان الأول الذي انطبعت فيه براءة الطبيعة البشرية الزاهدة في كل شيء، المتأملة في جمال الكون، المستغرقة في الابتهاج بجمالات النفس الإنسانية الصافية. غير أن هذا كله لا يفيد الوضعية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تطورت في الأزمنة الحديثة تطوراً شديد التشابك والتعقيد، بحيث رسمت الحدود بين الدول، واعتمدت الأنظمة الراعية، ووزعت الحصص، وقهرت شعوب، وتجبرت أمم واستكبرت وقهرت المشيئة العامة وانتهكت حقوق الناس. كيف لنا اليوم أن نتدبر الوضعيات الجيوسياسية المعقدة التي نشأت في حضن الحداثة الغربية المهيمنة على مصائر الأمم والمجتمعات منذ ما يقارب الثلاثة قرون؟
نظريتان متعارضتان في الحرب
أعود إلى معثرة الحرب في أرض الحداثة الفلسفية الأوروبية. تتناول الفلسفة الحرب تناولاً مزدوج الأبعاد يربطها بقضية الحق: فإما أن ينزل الحق منزلة العدل، وإما أن ينزل منزلة السلطان. ومن ثم، تتعارض نظريتان فلسفيتان في الحرب: النظرية المبنية على الحق في الحرب أو الحرب العادلة، والنظرية المستندة إلى التسويغ الأصلي الذي يضمن السلطان صدقيته. تعتمد النظرية الأولى على الحق الذي ينبغي أن يصان صون الواجب الأخلاقي، وفقاً لما هو عادل بحسب أحكام العقل العملي. أما النظرية الثانية، فتستند إلى الحق القائم، أي إلى الواقع المحكم والنظام القانوني المثبت الذي تفرضه الدول الوطنية المهيمنة الساعية إلى إثبات صدارتها القومية وتعزيز هيمنتها المحلية والإقليمية والدولية.
تشبه الحرب العادلة في النظرية الأولى إجراءً قانونياً يستلزم الاقتصاص من الذين انتهكوا الحرمات، وتعدوا على الممتلكات، واجتاحوا أراضي الآخرين. يلجأ الفيلسوف الأميركي مايكل والزر إلى قيم الاستقامة الأخلاقية، فيسوغ الحرب العادلة في سياق الانتصار لشرعة حقوق الإنسان. في كتابه" الحروب العادلة والحروب غير العادلة. حجاج أخلاقي مدعوم بمعاينات تاريخية" (Just and Unjust Wars. A Moral Argument with Historical Illustrations)، يصر على استثمار القوة في سبيل نصرة الحق. للشعوب الحق في ردع العدوان بعد إخفاق جميع الوسائل الدبلوماسية السلمية. وللأنظمة الديمقراطية الحق في اجتناب المظالم قبل وقوعها اجتناباً صارماً يستخدم العنف حصرياً من أجل صون السلام.
أما النظرية الثانية، فتعتبر الحرب أصلاً من أصول الحق الوضعي. إذا كان اصطلاح الحق يعني السلطة، وإذا كانت القوة الوسيلة الفاعلة الوحيدة التي تتيح ممارسة هذه السلطة، فإن الحرب تصبح من أشد الحقوق التصاقاً بمشروعية الدولة. بيد أن نظرية الحرب المقترنة بشرعية السلطة تبطل كل تسويغ معياري أخلاقي يتيح لنا أن نميز الحرب العادلة من الحرب غير العادلة. ومن ثم، فإن التسويغ يعقب الحرب، عوضاً عن أن يسبقها، بحيث يصبح جائزاً القول إن كل حرب لها ما يسوغها، باعتبارها ضرباً من ضروب ممارسة حق السلطان الأقوى. وعليه، تتحول الحرب إلى أداة في خدمة السلطان، أي يتحول الحق إلى أداة في خدمة القوة. لا ريب في أن مثل هذه النظرية التي تنشئ المعادلة الصريحة بين السلطة والقوة والحق ناصرها هوبس مناصرة علنية، إذ صرح بأن الحق الفردي الطبيعي يشتمل على حرية تصرف الإنسان بقوته الذاتية. لذلك لا بد من تسويغ السيطرة المكتسبة بالغزو والفتح، أي تسويغ السيادة المكتسبة على غرار تسويغ السيادة الأصلية. كلتا السيادتين تنبثق من الرغبة المجاهدة الساعية إلى البقاء، وكلتاهما تفضي إلى ضرورة الحد من التعانف بواسطة إبرام العقد الاجتماعي إبرام التراضي الحر.
إشكالية الالتباس في العقل الإنساني
حين ينظر المرء في تطور تاريخ الوعي البشري، يقلقه أن طباع الإنسانية الفاسدة ما برحت تغلب مسار التطبع الأخلاقي الحضاري. ذلك بأن الإنسانية الراقية ما زالت مثالاً بعيد المنال، ترقد في منطويات الوعي الإنساني رقاد القابلية والجاهزية والإمكانية. وعليه، ينبغي لنا أن نسأل: هل الحرب من فعل العقل الناجح أم من طبيعة العقل المخفق؟ أفيكون العقل بحد ذاته ملتبس الهوية والقوام والمضمون؟ هل العقل مستودع القيم والمبادئ والمثل، أم منهج تقني في التحليل والاستنتاج، أم مصباح منير يهدي الإنسان إلى مراتب الرقي الرفيعة؟ لا شك في أن جميع هذه الأسئلة تنطوي على خلفيات فكرية تتجاوز الحدث المأساوي الذي يدمي القارة الأوروبية في الاقتتال الروسي الأوكراني المشتعل.
تعريف الحرب في السياق الفلسفي السياسي
من أفضل السبل التي تتيح لنا تعريف الحرب فلسفياً أن ينظر المرء في هوية المتحاربين. حينئذ يدرك أن الأشخاص المتخاصمين لا يشعلون الحرب، بل الدول التي يتعدى بعضها على بعض تضرم نار الاقتتال. ومن ثم، فإن الحروب تتقد نارها بين الدول التي تنشأ على صون مصالحها الخاصة. منذ أفلاطون حتى اليوم، يختلف الفلاسفة في تسويغ الحروب، إذ يعتقد بعضهم أنها ضرورية في بعض الأحوال القصوى، في حين يصر بعضهم الآخر على تقبيحها وإدانتها، إذ إنها تظل في جميع الأحوال أسوأ الحلول وشراً مطلقاً يجب اجتنابه. يعلن القانوني واللاهوتي والكاتب الإنسي الهولندي هوغو غروسيوس (1583-1645) أن الحرب تعكس "حال القوى المتنافسة" في الميدان، في حين يرسم المفكر البروسي الألماني كارل فون كلاوسڤيتس (1780-1831) في كتابه "في الحرب" (Vom Kriege) أنها "استمرار السياسة بواسطة وسائل أخرى". ومن ثم، فإن النظرة الفلسفية ينبغي أن تتأمل في تكرار ظاهرة العنف الإنساني المتجلي في الحروب المشتعلة على امتداد المسكونة. إذا ثبت أن الإنسان مفطور على المعانفة، فإن الفيلسوف الإغريقي هيراقليطوس كان محقاً في القول بأن الحرب (polemos) أصل الأشياء كلها، والفيلسوف الألماني هيغل (1770-1831) كان محقاً حين ربط الحرب بجدليات التاريخ معتبراً أنها تصون صحة الشعوب الأخلاقية، إذ تصدمها وتعتقها من مسلماتها الفكرية العتيقة البالية.
ضرورة التفكر الأخلاقي في حقل السياسة
يعنيني في الختام أن أسأل الحداثة الغربية عن انحرافات عقلها السياسي، لا سيما في دوائر القرار المقترنة بالمصالح الجيوسياسية القومية العليا. ما من عاقل أوروبي يدعي اليوم تسويغ العنف على مستوى الأفراد والجماعات. غير أن العقلانية الأداتية الآلية الاقتصادية المستشرية توشك أن تجهز على مقام الاستنارة في العقل الغربي الحديث. أعلم أن الأمور ليست واضحة وضوح التمييز بين الأسود والأبيض. فالرماديات تظلل الوقائع التاريخية في جميع المجتمعات التي نشأت وتطورت وتمأسست وتقوننت وتمكنت، بحيث أصبح من العسر المطلق أن نعود إلى الوراء سعياً إلى وضعية البراءة الكهفية الأولى. ثمة مصالح إستراتيجية واقتصادية وعلمية وثقافية تفرض على الأمم المتحدة أن تتصف مباحثاتها السياسية بقدر عظيم من الحكمة والاطلاع والبصيرة والحزم والرقي الأخلاقي.
قد يكون من أسوأ ويلات الحداثة الغربية أنها فصلت السياسيات عن الأخلاقيات، وذلك بعد أن استصوبت فصل السياسيات عن الدينيات، وهو الفصل الأنسب والأضمن والأرقى الذي ينبغي تأييده من غير تردد. بيد أن الأخلاقيات لا تحتكرها الأنظومات الدينية وتتربض بها على الإطلاق. ثمة أخلاق إنسية محض تروم صون الكرامة الإنسانية من غير أن تربطها بتصور ديني متافيزيائي. أما أن يجري حتى الفصل القاطع بين السياسيات والأخلاقيات، فذلك يعني أن الحداثة الغربية تهدد مصير الإنسانية تهديداً يبلغ حدود الإفناء الجماعي. ذلك بأن العقل السياسي المكتفي بالتدبير الإداري التقني الحساب لا يقوى على معالجة اضطرابات البنى الثقافية المعقدة، والتركيبات الاجتماعية الشائكة، والتنظيمات الاقتصادية المترجرجة، والتوازنات الجيوسياسية الدقيقة. وحدها الحكمة الأخلاقية قادرة على إلهام قرارات السياسيين المنخرطين في ميدان المناقشة العلنية حتى تأتي منزهة عن العصبيات الأيديولوجية، والانتمائيات القومية، والانتفاعيات الخبيثة. ما أحوجنا اليوم في السياسة العالمية إلى عقل أخلاقي مستنير يطوع قرارات الأنظمة تطويعاً مقنعاً يخضعها لقيم الكرامة والمساواة والأخوة والعدل!
لا يجوز للعقل المنبعث من الحداثة أن ينظر ويحلل ويعلل ويستنتج ويبني فحسب، بل عليه أيضاً أن يشرع أخلاقياً، صوناً لكرامة الإنسان وحفاظاً على قيمه الأصلية. فيبين للجميع أن حياة الإنسان الفرد أغلى من قطعة أرض، أو انتساب أجدادي وهمي، أو عزة قومية مستكبرة، أو وهم أيديولوجي مستحكم، أو كشف غيبي صوفي لا يحترم حرية الإنسان الآخر. لا قيمة لوجود إنساني ذليل في بقعة من الأرض تحاذي النهر من على اليسار، في حين أن هذه الكرامة يمكنها أن تعز وتتألق في البقعة المقابلة التي تحاذي النهر عينه من على اليمين! نحتاج إلى الحداثة لكي تذكرنا أخلاقياً بأن الإنسان أثمن من الأرض والعرق والنسب والدم والتاريخ والأفكار. ذلك بأن الأرض جعلت للإنسان، لا الإنسان للأرض!

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...