سوريا لم تنتظر دعوتها: أيّ جوار من دوننا؟
لم يقتصر نفْي توجيه دعوة عراقية إلى سوريا لحضور قمّة بغداد على الجانب العراقي، بل إن نفياً مبطناً جاء من الرئاسة السورية نفسها، التي لم تتحدّث عن حمْل رئيس «هيئة الحشد الشعبي»، فالح الفياض، دعوة إلى دمشق للمشاركة في القمّة، بل أشارت إلى أن الفياض نقل إلى الرئيس بشار الأسد رسالة من رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، حول اللقاء المزمع عقده أواخر الشهر الجاري، والمواضيع المطروحة على جدول أعماله. ويؤكد مصدر دبلوماسي عربي في دمشق، لـ«الأخبار»، أن الحكومة العراقية لم تُوجّه دعوة رسمية إلى نظيرتها السورية لحضور المؤتمر، الذي تصفه بأنه «سوريّ الفكرة بالأصل»، موضحة أنه «على الرغم من الترويج للمؤتمر على أنه الأوّل لدول جوار العراق، إلا أنه سبق وانعقد مؤتمر من هذا النوع في العاصمة السورية إبّان الحرب الأميركية على العراق»، مستغرباً أن «تنعقد هذه القمّة من دون حضور جارٍ أساسي لبغداد». ويشير المصدر إلى أن «دمشق تراقب اليوم ما قد يصدر عن هذا المؤتمر، من دون أيّ أمل في تحسّن سلوك تركيا في شمال العراق، أو حتى سلوكها تجاه ملفّ الأنهار المشتركة مع سوريا». كذلك، لا تتوقّع دمشق أن تُحدث القمّة تحوّلات في طبيعة العلاقات التي تجمع العراق مع بقيّة دول جواره، أو أن تثمر نتائج تفضي إلى تهدئة المنطقة المشحونة بعدد من الملفّات الساخنة.
قمّة «الاستعراض» في بغداد: الكاظمي يحبط عودة دمشق سرى جياد ويشير الأستاذ الجامعي والكاتب عقيل محفوض، إلى أنه لم تكن هناك توقّعات في الأوساط السياسية السورية بأن تُدعى دمشق إلى مثل هذا المؤتمر، لأن ذلك سيؤثّر على مواقف بقيّة الدول المَدعوّة التي لم يَزل مسؤولوها غير جاهزين للجلوس مع مسؤولين حكوميين سوريين على أيّ طاولة سياسية، على الرغم من كون هذه الدول على تنسيق أمني مع دمشق في عدد من الملفّات. ولا يَتوقّع محفوض أن يؤثّر غياب دمشق عن المؤتمر على «العلاقات الثنائية التي لم تنقطع منذ بداية الحدث السوري، والتنسيق المشترك بين الحكومتَين في الملفّات المتعلّقة بالاعتداءات الأميركية والإسرائيلية على نقاطٍ في أراضي البلدين، وتبادل المعلومات الاستخبارية في محاربة تنظيم داعش، بما يحقّق الأمن الوطني والقومي لكلّ منهما، ويضاف إلى ذلك التعاون المشترك في ملفّات ذات طابع اقتصادي، وعلى هذا الأساس لن يكون غياب دمشق عن مؤتمر جوار العراق مؤثّراً على مسار العلاقات الثنائية مطلقاً».
من جهته، يعتقد أستاذ القانون العام في جامعة دمشق، عصام التكروري، أن «عدم دعوة دمشق مسألة تبدو أنها ناتجة من فيتو للمحتلّ الأمريكي، لم تعارضه أو تعترض عليه أيّ من الدول المجتمعة حتى الآن، كما أن غالبية المدعوّين ليسوا جاهزين لتطبيع العلاقة مع دمشق خارج المظلّة الأميركية، وهذا يؤكد اعترافهم الضمني بالدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه دمشق في حلّ مشاكل المنطقة، والتي يساهم عدد من الدول المجتمعة في تكريسها». ويرى التكروري، في حديث إلى «الأخبار»، أن عدم توجيه الدعوة إلى دمشق «يتجاهل الحقيقة الجغرافية المتمثّلة في أن سوريا هي أهمّ جيران العراق، وتتقاسم معه ملفّات وجودية يأتي على رأسها وجود الاحتلال الأميركي وتنظيم داعش الإرهابي في كلا الدولتين»، معتبراً أنه «في ما لو كان المجتمعون يريدون تحقيق زخم لمؤتمرهم، فكان من الضروري بمكان أن تتمّ دعوة دمشق قبل غيرها، وذلك بحُكم الجغرافيا والتهديدات الوجودية المشتركة ما بين الدولتين».
يبلغ طول الشريط الحدودي السوري مع الجار الشرقي (العراق) نحو 599 كم، وهو شريط شهد معارك مشتركة بين الجيش السوري وقوات عراقية ضدّ تنظيم «داعش» في صيف العام 2107، انتهت بتحرير مدينة البوكمال السورية في تشرين الثاني من العام 2018، بما أفضى إلى تأمين الحدود، وإنهاء إمكانية تنقّل التنظيم بين طرفَيها. ويُعدّ قطْع طريق دمشق – بغداد من معبر التنف أحد أهمّ أسباب البقاء الأميركي في سوريا، لما يمثّله من عنصر حيوي في عملية منْع قيام طريق برّية بين العاصمتَين الإيرانية واللبنانية، تَعتبره إسرائيل تهديداً لها. وعلى هذا الأساس، اعتمد الجانبان السوري والعراقي معبر «البوكمال – القائم» في عملية انتقال الركّاب والبضائع. وتنتشر القوات الأميركية في منطقة التنف، بشكل مشترك مع القوات البريطانية التي تواصلت خلال الشهرَين الماضيَين مع الفصائل المسلّحة المنتشرة في مخيم الركبان، الواقع بالقرب من الحدود الأردنية جنوب شرق سوريا، والذي كانت دمشق عرضت غير مرّة استقبال قاطنيه، إلّا أن واشنطن عرقلت ذلك لكون الحُجّة المُعلَنة لبقائها في التنف هي تقديم الحماية لسكّان المخيم، ومحاربة تنظيم «داعش» في البادية السورية.
أمّا في ما يخصّ ملفّ الأنهار، فقد كانت الحكومة السورية فوّضت نظيرتها العراقية بالحوار مع تركيا في شأنه، في ظلّ قيام الحكومة التركية بخفْض الوارد المائي عبر الأنهار المشتركة مع سوريا والعراق، من دون تقديم مبرّرات واضحة. ويكشف مصدر هندسي، لـ«الأخبار»، عن كون الجانب التركي عاد إلى تخفيض مستوى التدفّق المائي لنهر الفرات إلى أقلّ من 350 متر مكعّب في الثانية، علماً أن الاتفاق المُوقَّع مع الحكومة التركية في العام 1987 يجبر أنقرة على الحفاظ على مستوى تدفّق لا يقل عن 500 متر مكعّب في الثانية، الأمر الذي انعكس على مستوى تخزين السدود السورية، لكون دمشق ملتزمة بالاتفاق المُوقَّع مع الجانب العراقي في العام 1989، والذي يوجب عليها تمرير ما نسبته 58% من الوارد المائي نحو الأراضي العراقية. وكان وزير الموارد المائية العراقي، رشيد الحمداني، أعلن، في أواخر الشهر الماضي عقب زيارته دمشق، أن سوريا وافقت على تفويضه بالنيابة عنها للنقاش مع تركيا حول الحصص المائية، حيث سيتمّ تزويده بكتاب رسمي عن طريق الخارجية السورية، لإصرار الجانب التركي في معظم الجلسات التفاوضية بشأن الحصص المائية على وجود الجانب السوري. واعتبر الحمداني، حينها، أن هذا التخويل سيقطع الطريق أمام حجج تركيا، وسنصل إلى تفاهمات.
محمود عبد اللطيف -الأخبار
إضافة تعليق جديد