دمشق تسلّم السعودية ومصر دراسات عن المحكمة
لفت العديد من المراقبين قول الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه الخميس الماضي أمام مجلس الشعب السوري أن هناك دراسات قام بها بعض الحقوقيين العرب في دول مختلفة في شكل طوعي (حول المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وسائر الجرائم المرتبطة بها) وان سورية «قامت بتجميع هذه الدراسات وأرسلناها الى كل من سألنا عنها مع التأكيد أنها لا تعبّر عن موقف سورية ولا تعتبر ملاحظات سورية».
وتقول مصادر واسعة الاطلاع في بيروت أن الرئيس السوري أوحى حين أشار الى أن سورية «أرسلت» تلك الدراسات، بأن دمشق بعثت الى المملكة العربية السعودية ومصر بمجموعة من الدراسات القانونية حول المحكمة، بعدما كانت وعدت القيادتين السعودية والمصرية والأمين العام للجامعة العربية إبان عقد القمة العربية في الرياض أواخر شهر آذار (مارس) الماضي بارسال ملاحظاتها على المحكمة الى المسؤولين فيها، حين تطرق البحث بين الأسد وبين المسؤولين السعوديين والمصريين والأمين العام للجامعة عمرو موسى الى موضوع المحكمة وأكد الجانب السوري أنه لن يقبل بمحاكمة أي سوري أمامها وأن الملاحظات عليها هي من حلفاء دمشق.
وتشير المصادر نفسها الى أن الجانبين السعودي والمصري اللذين نصحا الأسد بموقف يسهّل اقرار المحكمة في لبنان، استغربا عدم ارسال الملاحظات التي وعد بها الأسد وأثار حفيظة الجانبين عندما تأخر ما وُعدا به، فما كان من الأسد إلا أن بعث بالدراسات التي أعلن عنها اليهما، من أجل الحؤول دون عودة الجفاء الى العلاقة، وحرصاً على الابقاء على مناخ المصالحة التي أُجريت بينه وبين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أثناء القمة، وعدم العودة عنه.
وتفيد المعلومات أن هذه الدراسات تتضمن آراء شديدة الانتقاد لنظام المحكمة، لكن دمشق لا تريد أن تنسب الى نفسها أنها وضعت ملاحظات على المحكمة خلافاً لمبدأ عدم علاقتها بها، وكي لا يقال أن موقفها منها يعود الى أنه لم يؤخذ بهذه الملاحظات، في حين هي تعتبر أنها غير معنية بها لأسباب مبدئية تتعلق بالسيادة.
وفي وقت وجدت الأوساط اللبنانية القريبة من المعارضة أن الرئيس الأسد لم يطرح جديداً في موقفه من المحكمة حين أكد أن تطبيق قوانين غير وطنية على مواطنين سوريين أشبه بالانتداب، وهو ترجمة لموقفه الرافض مثول أي سوري أمامها، فهو شاء أن يكرر هذا الموقف أمام التوجه القائم في الأمم المتحدة، وفق التصريحات الأميركية الأخيرة والموقف الفرنسي بعد لقاء زعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته قريباً جاك شيراك والرئيس المنتخب نيكولا ساركوزي بالسعي لاقرارها في الأمم المتحدة وفقاً للفصل السابع، خصوصاً بعدما أكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن الوقت أخذ ينفد بالنسبة الى اقرارها في لبنان عبر البرلمان بسبب رفض المعارضة اجتماعه. وبدا الموقف السوري من المحكمة كأنه يسلّم بأنها ستصدر عن مجلس الأمن وتحت الفصل السابع.
وتعددت القراءات في شأن موقف الأسد من قضايا أخرى مهمة أثارها، وجاءت تلك القراءات كالآتي:
- إن الرئيس السوري انتقد السياسة الأميركية سواء بالنسبة الى المحكمة حين أوحى بأن هدفها تحقيق مصالح الولايات المتحدة، أو بالنسبة الى عملية السلام، إذ أشار الى غياب «راعٍ نزيه للمفاوضات» وأن عملية السلام «رهينة الادارة الحالية خدمة لمصالحها». وفي وقت وجد بعض الأوساط المتابعة للموقف الأميركي أن الأسد يطمئن في هذا الكلام الجانب الايراني الذي أعرب عن عدم رضاه عن الاتصالات الأميركية – السورية ولقاء وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس مع الوزير وليد المعلم في شرم الشيخ مطلع الشهر، فإن بعض المحللين رأى أن الانتقادات التي وجهها الأسد للسياسة الأميركية بقيت في حدود المعقول قياساً الى مرحلة العداء السابقة. فدمشق تريد الاحتفاظ بقنوات الحوار التي فتحت بينها وبين واشنطن، خصوصاً بعدما تردد أن اجتماع رايس – المعلم شمل تبادلاً للأوراق المكتوبة التي تتضمن مطالب كل من الفريقين من الآخر وتصوره لتطوير التعاون.
- تأكيد الرئيس الأسد أن لا اتصالات سرية أو علنية مع اسرائيل وجد فيه البعض أنه يهدف بدوره الى طمأنة طهران وحلفاء دمشق الى أن الاتصالات التي أجراها رجل الأعمال الأميركي – السوري ابراهيم سليمان لم تتوصل الى نتائج يمكن أن يعوّل عليها في هذه المرحلة. ومع أن بعض المحللين سجل عدم ذكر الأسد للمبادرة العربية للسلام في خطابه، فقد كان تحذيره من أن حكومة ايهود أولمرت الضعيفة قد تقوم بأعمال عدوانية يجب الاحتياط تجاهها، يُشكل خلفية الموقف السوري الضمني الذي تفيد التقارير أنه يستعد لاحتمالات مواجهة عسكرية على جبهتي الجولان ولبنان بالتعاون مع «حزب الله»، بالكثير من الاحتياطات وتحسباً لأي تطورات اقليمية – دولية تؤدي الى الحرب.
وترى أوساط وزارية لبنانية أن ثمة علاقة بين عدم ذكر الأسد المبادرة العربية للسلام وبين انتقاد الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله أول من أمس هذه المبادرة، معتبراً أن توقيتها غير مناسب وأنها جاءت لانقاذ رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت. وترى هذه الأوساط أن أحد أسباب عدم الارتياح الايراني هو موافقة سورية على هذه المبادرة خلال قمة الرياض، واعتبرتها تنازلاً.
وتوقفت أوساط في الأكثرية أمام حديث الأسد في خطابه عن «بعض الأصوات الموتورة وبعض السياسات المأجورة» في لبنان وهجومه على «من لم يتعلم من دروس الماضي»، في سياق حديثه عن دعم «أي خيار بالتوافق بين اللبنانيين». وربطت هذه الأوساط بين هذا الموقف «الموجه الى بعض قوى الأكثرية وبين معطيات تشير الى أن دمشق تسعى عبر بعض حلفائها من أجل قيام حكومة انتقالية غير حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وبرئاسة غيره، كي تتولى ادارة الوضع اللبناني الى حين اجراء انتخابات رئاسية، كبديل لقيام حكومة الوحدة الوطنية ما دام التوافق بين الأكثرية والمعارضة متعذراً عليها». وتشير الأوساط الوزارية اللبنانية الى أن ما يهم دمشق هو «مجيء رئيس للحكومة غير السنيورة في المرحلة المقبلة لأنها تعتبر أن أي تسوية أو توافق على الرئاسة يجب أن يشمل الاستغناء عن السنيورة وعدم عودته الى الرئاسة الثالثة، نظراً الى اعتقادها أنه لعب دوراً في الاساءة اليها والى العلاقة اللبنانية – السورية، وأن لا بدّ من أن يكون مقابل أي تسوية استبداله بشخصية أخرى».
وليد شقير
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد