مهن القسوة في دمشق
«شركة تجارية تطلب مندوبي مبيعات، شبان لديهم خبرة في مجال التسويق وقدرة على تحمل ضغط العمل، رواتب جيدة مع عمولة والشهادات غير ضرورية» أو «مطلوب مندوبة للعمل ضمن المنزل لتسويق مستحضرات تجميل براتب ثابت وعمولة مغرية».
وعلى عمود مجاور للإعلانين السابقين منشور كتب فيه «مطلوب شبان وشابات ذوو قوام رشيق ومنظر حسن للعمل في مجال الإنتاج (كومبارس، أدوار ثانوية، فيديو كليب، إعلانات) الخبرة ليست ضرورية» ترافق الإعلانات السابقة ملاحظة أنها «للجادين فقط».
تلك نماذج مما تطالع به صحف الإعلانات شباب يبحث عن عمل، ليقرأها تارة باهتمام شديد وطوراً بملل ومرات للضحك سخريةً من واقع تحول إلى ما يشبه «الكوميديا السوداء» كما يصفه يمان (23 سنة طالب في كلية الآداب)، والذي يعرف عن نفسه بأنه صاحب تجربة طويلة في البحث عن عمل مناسب، وفي رأيه ان مهنة مندوب المبيعات في كثير من الأحيان هي «استغلال لطاقات الشباب المندفع للعمل»، يقول يمان: «تلك الوظيفة أصبحت الأكثر شهرة في سوق العمل استغلت بعض الشركات وجود الكثير من الشباب العاطلين عن العمل وخصوصاً طلاب الجامعة وابتكرت هذه الوظيفة، لاستغلال طاقاتنا، اذ يطلب من الشاب أن يقضي ساعات يجول على المحال والباعة، ويطرق أبواب البيوت ليروج البضائع»، والمشكلة التي يطرحها يمان أن هذه الوظيفة تسبب «الأذى النفسي» للشاب لما يواجهه فيها من «عبارات رفض قاسية وسخرية من هذه المهنة في مجتمع لا يتقبلها»، بيد أن عامر (يعمل مندوب مبيعات منذ ثلاث سنوات) يخالف يمان فيصف هذه المهنة بأنها «مربحة على رغم أنها متعبة»، لكن عامر ينصح الشباب بأن يعملوا مع شركات ذات سمعة طيبة وألا يقعوا ضحية لفترة تدريب طويلة من دون راتب. يقول: «في البداية قبلت بوضع سيئ لم يمنحني حقوقي على أمل تغييره، وبالفعل بعد ثلاثة أشهر وقعت عقداً براتب معقول مع الشركة التي وضعت تحت تصرفي إحدى سياراتها».
ويبدو أن صبر الشباب على وضع عمل ليس منصفاً بهدف الحصول على فرصة جيدة لا يكون في مهنة مندوب المبيعات فقط، وإنما يتعداها الى مجالات أخرى منها ما يتعلق بالإنتاج التلفزيوني، فاللقطات العامة التي تظهر أشخاصاً لا يثيرون اهتمام المشاهد بقدر ما يثيره البطل، على رغم صغر حجم هذه اللقطات تشكل مهنة لبعض الشباب و «ليلى» واحدة منهم، فهي تعمل اليوم في شركة إنتاج بوظيفة كومبارس. تقول ليلى (20 سنة): «منذ طفولتي أحلم بأن أكون ممثلة، فتقدمت إلى المعهد العالي للفنون المسرحية لأدرس التمثيل ورُفضت، لكني لم أيأس فقررت البدء بالعمل بين الكومبارس»، واليوم تلقت ليلى وعداً من أحد أصحاب النفوذ في شركة الإنتاج التي تعمل معها بإعطائها دوراً ثانوياً وإنما في عمل مهم وتقول: «كثير من الفنانين بدأوا بأدوار ثانوية ووصلوا بعدها إلى النجومية»، لكنها تخشى أن تفكر بما سيطلب منها لقاء الحصول على هذا الدور؟
شاب آخر يضحك حين يصنف نفسه بأنه «كومبارس من نوع آخر» ويرفض ذكر اسمه لأن ذلك قد يفقده عمله كمساعد مصور في مكتب إحدى القنوات الفضائية في دمشق يقول: «مهمتي الأساسية أن أساعد المصور في الأمور التقنية، والأمر الآخر أن أقف أمام كاميرا القناة أثناء تصوير تقرير تلفزيوني لأمثل حركة لا يقبل الناس أن نصورهم أثناء قيامهم بها، لذا بسهولة يستعين بي مراسل القناة ليبدو التقرير واقعياً». ويضيف هذا الشاب: «بالطبع لا أتقاضى أجراً إضافياً في مقابل تمثيلي هذه اللقطات البسيطة، لكن ذلك يمنحني رضا المراسل الذي أعمل معه ما يطيل مدة عملي في القناة».
لينا الجودي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد