حين فاض نهر العنف في سورية على العراق

07-03-2014

حين فاض نهر العنف في سورية على العراق

الجمل ـ *أنطوني ماثيو جاكوب ـ ترجمة رنده القاسم:
تخيل الحياة في العراق، لا يمضي يوم واحد دون مقتل عشرات المدنيين الأبرياء و تدمير حياة أعداد لا تحصى....تقريبا كل يوم يوجد تفجير لجوامع ، كنائس، مدارس، جامعات، أسواق، شوارع.. و لا يبقى شيء.
السلام و الأمن من أكبر التحديات أمام العراق اليوم، و أتقدم بالتهاني لأولئك الذين جلبوا الديمقراطية إلى العراق عام 2003 و يعملون الآن ليلا و نهارا لجلب الديمقراطية ذاتها لسوريه.داعش تقطع رأس. أصدر تنظيم “الدولة الإسلامية بالعراق والشام” بياناً أوضح فيه أنه أقدم على ذبح أحد مقاتليه في مدينة حلب شمالي سوريا عن طريق الخطأ.
في العراق و بعد انتهاء الحرب الأهلية الرهيبة عام 2008 ، كانت سنة 2013 الأكثر هلاكا منذ خمس سنوات، فالأرقام التي جمعتها وزارة الصحة و الداخلية و الدفاع العراقية تشير إلى أن 1013 شخصا قتلوا في شهر كانون الثاني وحده ، و يضم الرقم 795 مدنيا و 122 جنديا و 96 شرطيا.
الأمم المتحدة قدرت أرقام العراقيين المدنيين ضحايا العنف السنة الماضية ب 7818 ، إضافة إلى 1050 عنصرا من قوات الأمن قتلوا في الفترة نفسها. و خلصت إحصائيات قامت بها مجموعة "أعداد ضحايا الحرب في العراق" ،و مقرها بريطانيا، إلى أن عدد القتلى المدنيين وصل الى 9475.
ترسم الأرقام صورة مروعة و محزنه عن العراق. و تناضل الحكومة العراقية للسيطرة على الوضع و إيقاف سفك الدماء الوحشي الحاصل بمباركة العم سام و لندن و تل أبيب و الرياض و أصدقائهم مثل أنقره و عمان و آخرين، فهناك تدفق مستمر للسلاح الى القاعدة و فروعها. و الحقيقة هي أن العنف يخرج عن السيطرة في العراق و حان الوقت لاتخاذ الأطراف المعنية الخطوات اللازمة لضبط حمام الدم.
العنف الرهيب الحالي وصل إلى درجة لم يسبق لها مثيل عندما قامت قوات الأمن بإزالة مخيم احتجاج في كانون الأول 2013 قالت الحكومة أنه يستخدم من قبل الميليشيات لشن هجمات إرهابية. إزالة المخيم أدت الى احتجاجات من قبل المشرّعين العراقيين الذين حثوا الجيش على مغادرة المدينه، غير أن انسحاب قوات الأمن فتح الطريق أمام ميليشيات الدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش) للدخول والاستيلاء على مدينة الفلوجه.و يعتقد بأن هذه المجموعة قد نشأت تحت رعاية فرع تنظيم القاعدة في العراق و قائد تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. داعش نالت سمعتها السيئة من تورطها في عنف مميت في العراق و سوريه و في الأخيرة وضعت داعش يدها على احتياطي النفط و هي قناة أساسية للجهاديين  لتلقي الأسلحة و المقاتلين من الجار العراق.
وقامت داعش، مع منظمات ارهابية أخرى ،باحتلال منطقة الرمادي و مقاطعة الأنبار لأكثر من شهر. و قام الجيش العراقي الى جانب رجال قبائل سنيين موالين بتنظيف معظم المناطق في الرمادي ، و لكن تم تأجيل عملية الجيش في الفلوجه تجنبا لاصابات بين المدنيين، و أنذر محافظ مقاطعة الأنبار ، أحمد الدليمي، الميليشيات المسيطرة على مدينة الفلوجة  بالاستسلام قبل أن يشق الجيش طريقه إلى قلب الصراع.
وفقا لمقال في New York Times فان ال CIA و حكومات عربية و تركيا تزيد بشكل نظامي مساعداتها العسكرية لمقاتلي المعارضة في سوريه خلال الأشهر الأخيرة، فقد مدوا جسرا جويا سريا للأسلحة و المعدات من أجل "الثورة" ضد الرئيس بشار الأسد، و مصادر هذه المعلومات تتضمن بيانات الطرق الجوية و مقابلات مع ضباط في عدة دول و الحسابات المصرفية لقادة المتمردين.
و الحقيقة المعروفه أن واشنطن كانت كريمه في منح المساعدات العسكرية لمقاتلي المعارضة السورية (التعبير اللطيف عن  القاعدة) منذ بداية الاضطرابات في سوريه ، و من المثير للسخرية أن حكومة الولايات المتحدة الصادقة و المحبة للسلام تساعد أيضا الحكومة العراقية لمقاتلة القاعدة في وطنها. و وفقا لموقع foxnews فان الولايات المتحدة وافقت على إرسال أسلحة جديدة للعراق لمقاومة الميليشيات المرتبطة بالقاعدة المسيطرة على الفلوجه بناء على طلب رئيس الوزراء نوري المالكي.
ليباركهم الله في حربهم العالمية ضد الإرهاب. اذ من المدهش أن أولئك الذين يساعدون واشنطن هم أنفسهم رموز "الديمقراطية" في الشرق الوسط أي المملكة العربية السعودية و قطر الملكية الصرفة و مملكة الأردن. فتلك الحكومات المحبة للحرية تساعد الولايات المتحدة لجلب الديمقراطية الى سوريه !!!عدد المخابز الاحتياطية في دمشق 18 مخبزا
اذ تُسَلّم الأسلحة الى القاعدة و الجماعات الأخرى المرتبطة فيها عن طريق ال CIA بتمويل من أنظمة دمى مثل السعودية و قطر و الأردن و تنقل عبر ممرات آمنه في تركيا، و أشارت تقارير حديثة الى مصادرة أسلحة إسرائيلية من ارهابي القاعدة في العراق.و يسعى هؤلاء الإرهابيون الى  سفك الدماء و العنف  و تمزيق نسيج السلام و الوحدة في العراق. و أشارت وسائل اعلامية لا حصر لها الى أن الكثير من هؤلاء الإرهابيين أطلق سراحهم من السجون شريطة حمل السلاح ضد المدنيين و قوات الحكومة في العراق و سوريه.
و علاوة على ذلك، فان أولئك الذين يجهزون الإرهابيين و يمولونهم و يدعمونهم يرمون الى السيطرة على الدول المبتلية بهم بتمزيقها الى زمر و بالتالي السيطرة عليهم كما في حالة العراق، و اذا لم تكن السيطرة ممكنه عن طريق الطمع كحال معظم المملكات العربية ، يبقى تغيير النظام هو الخيار الوحيد و سورية المثال الأخير.
النظام الصهيوني في إسرائيل من أكبر المستفيدين من الفوضى الحاصلة و اراقة الدماء في الشرق الأوسط، و طالما  هناك هذه الحالة من الاضطراب و القلق في الشرق الأوسط لن يكون هناك من تركيز على الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية و الفظاعات الكبيرة التي يحتملها الفلسطينيون.
و الأجندة الأكثر أهمية المنبثقة عن هذه الفوضى تكمن في خلق شرخ بين الشيعة و السنة في الشرق الوسط و في النهاية في العالم بأسره . و خلال السنوات السابقة كان يمكن ملاحظة هذا الأمر في العراق، اذ تحدث انفجارات في مناطق شيعية و سنية بشكل متبادل، ما يخلق الشك و الكره بينهم و بالتالي يكون الانقسام و المزيد من الضعف في المجتمع، و لكن الرابح في هذه الحالة هو طرف ثالث.
قد ينجح  أولئك المتبجحون بالديمقراطية و الحرية، الذي يفعلون عكس ما يعظون به ، في تحقيق أهدافهم قصيرة المدى، و لكن على المدى الطويل سيكونون خاسرين بالتأكيد. و النضالان في   سورية و العراق غير منفصلين كما تريد منا وسائل الاعلام الغربية أن نعتقد،في الواقع العنف الجاري في العراق هو فيضان العنف الوحشي في الجارة سوريه. و أولئك الذين يزودون الأسلحة و العبور الآمن للارهابيين (نعم انهم إرهابيون و ليسوا مقاتلو معارضة) في سوريه مسؤولون عن إراقة الدماء الهمجية في العراق... إنها الحقيقة التي تقوم وسائل الإعلام المدفوعة الأجر بإخفائها عمدا.

*صحفي و باحث هندي مختص بقضايا الشرق الأوسط و الولايات المتحدة.

عن موقع Press TV

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...