300 جهاز تنصت بأربع لغات مزروعة في مياه لبنان الإقليمية
الالمان قادمون الى محاذاة المياه الاقليمية, والايطاليون يتهيأون لتسلم قيادة «اليونيفيل» المعززة, والعمق اللبناني, كما الحدود السورية اللبنانية تحت المجهر, والاستحقاقات اللبنانية ككل لم تغب عن جولة وزيرة الخارجية الاميركية التي كانت بالغة الحضور في بيروت على الرغم من انها لم تزر لبنان.
في محادثات رايس في القاهرة والسعودية, وحتى في تل ابيب مع نظيرتها الاسرائيلية تسيبي ليفني, كانت الاوضاع اللبنانية بكل تعقيداتها وتشعباتها الدولية والاقليمية, حاضرة بدقة, حيث ان القرار 1701 كان بندا رئيسيا في كل لقاءات رايس مع وزراء الخارجية العرب ووزيرة الخارجية الاسرائيلية, باعتبار ان منطقة جنوب الليطاني قد تتحول في الاسابيع او الاشهر القليلة المقبلة الى احد مفاتيح الحلول في المنطقة, وأيضا الى سبب اضافي للتفجير ليس في لبنان فقط, بل في بعض المناطق الساخنة الاخرى.
وفي كل مرة كانت «كوندي» تتحدث عن الشرق الاوسط وعن مكامن الخطر في المنطقة العربية كان لبنان عنوانا لهذا الخطر, لأنها كانت ولا تزال تعتبر ان الاوضاع الامنية في جنوب لبنان وحتى في الداخل هشة, وقابلة للاهتزاز والانفجار في اي لحظة وأي دعسة ناقصة او زلة قدم قد يرتكبها هذا الفريق او ذاك قد تشكل صاعق تفجير خصوصا ان القوات الدولية الموكلة بمؤازرة الجيش اللبناني لتطبيق القرار 1701, لا يمكن ان تتحول الى «شرطة سير» او قوات مراقبة وشاهدة زور في منطقة جنوب نهر الليطاني, بل هي قوات انتشرت في هذه المنطقة بقرارات وضمانات دولية لبسط سلطة الدولة على كامل الاراضي اللبنانية ومنع ظهور اي سلاح سوى سلاح الشرعيتين اللبنانية والدولية.
والواضح من مواقف رايس المعلنة ان الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي, لا يمكن ان تسلم بالامر الواقع في لبنان, كما لا يمكن ان تترك لبنان ينهار بفعل بعض التدخلات الخارجية, بل ستواصل دعم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وتعزيز قدرات الجيش اللبناني القتالية والعسكرية الى حين تستقر الاوضاع الامنية بشكل كامل في البلاد وبالتالي تطبيق قرارات الشرعية الدولية ولا سيما القرارات 1701 و1559 و1680, ومن دون ذلك فإن اي تدهور امني في البلاد وخصوصا في الجنوب قد يهدد الاستقرار في المنطقة. لذلك, فإنها لم تترك مناسبة خلال جولتها إلا وتحدثت فيها بقلق عن امن لبنان وسياسته وحكومته وضرورة تدعيم قدراته التنفيذية لانقاذ البلاد من اي انزلاق نحو الهاوية, خصوصا في حال اخفاق قوات الطوارئ الدولية المعززة في تطبيق القرار 1701. ولكن هناك امورا اخرى تتخوف منها رايس وقد ابلغتها الى وزيري خارجية السعودية الامير سعود الفيصل ومصر احمد ابو الغيط, خصوصا في حال بدأت المطالبات بإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بالانزلاق في الشارع الذي قد يقابله شارع آخر, فتتحول الساحات الى مواجهات تشترك فيها وحدات من قوى الامن والجيش, بحيث تتكرر تجربة غزة. لذلك تسربت معلومات من جدة والقاهرة مفادها أن وزيرة الخارجية الاميركية لا ترى ضرورة لأي تغيير حكومي في المرحلة الراهنة والاوضاع الامنية المقلقة إلا اذا كان هدف هذا التغيير استحالة تشكيل حكومة جديدة وخلق فراغ حكومي ودستوري يمتد الى موعد الانتخابات الرئاسية. لذلك فإن الحملة الرامية الى إقالة حكومة السنيورة او اسقاطها في الشارع تخفي نيات مبيتة لتحقيق اهداف سياسية «لغاية في نفس يعقوب».
وعلى اي حال, فإن الدعم الاعلامي والمعنوي الذي قدمته رايس لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة قد لا ينفع حكومة الاكثرية سياسيا في الداخل, لأن هذا الدعم قد يوظفه معارضو الحكومة في مجالات سياسية لجهة الاملاءات الاميركية على السنيورة ونواب الغالبية. لذلك فإن المعارضين قد يستخدمون ذلك كورقة ابتزاز كما فعل الجنرال ميشال عون عندما قال انا لا استمع الى اي سفارة وأي امارة في اشارة الى هذه الاملاءات الاميركية, خصوصا ان واشنطن المنشغلة بأمور متعددة ومتنوعة في غزة والعراق وإيران وكوريا الشمالية. من هنا, فإن جولة وزيرة الخارجية الاميركية لم تشمل بيروت هذه المرة, لأنها تدرك ان الحكومة وقوى 14 آذار منسجمة مع الاجندة الاميركية التي باتت معروفة من هذه القوى.
ولكن السفير الاميركي في بيروت جيفري فيلتمان نقل الى الرئيس فؤاد السنيورة ملخص محادثات رايس في القاهرة وجدة خصوصا في الشق المتعلق بالاوضاع اللبنانية, وضرورة تطبيق القرار 1701 وتمكين الجيش اللبناني و«اليونيفيل» من توفير الظروف الامنية الملائمة لبسط سلطة الدولة على كامل الاراضي الجنوبية ايضا. وهذا يفرض, بحسب السفير فيلتمان تطبيق القرار 1559 بالحوار الهادئ وليس بالمواجهات التي بدأت ملامحها تظهر في بعض المناطق الحدودية, بعدما حددت القوات الدولية قواعد الاشتباك العسكري, وبعدما ابلغت الى من يلزم ابلاغه ان خطوط قوات الطوارئ المعززة هي خطوط ما فوق الحمراء. لذلك فإن القوات الفرنسية والايطالية التي بدأت تلاحظ من وقت الى آخر بعض التحديات والاستفزازات الاعلامية كشرت عن انيابها وشربت حليب السباع محذرة من اضطرارها الى استخدام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ليس للدفاع عن النفس, بل للحفاظ على هيبتها وهيبة الامم المتحدة وقرارات مجلس الامن.
ومن هذا المنطلق فإن «العيون احمرت» في منطقة جنوب نهر الليطاني, وهذا الاحمرار قد يوَّلد شرارة قد تشعل برميل البارود, ولكن هناك دائما من يسحب فتيل اي تفجير من خلال تهدئة الخواطر وافهام كل الافرقاء ان قوات الطوارئ الدولية ليست عدائية, كما ليست في وارد تجاوز صلاحياتها المنصوص عليها في القرار 1701, إلا في حال وصل السيف الى رقاب افرادها, او اذا اصبح وجود هذه القوات في ارض الجنوب مهددا او خطرا. إلا ان الوضع في المناطق الحدودية لم يبلغ بعد مرحلة الخطر لأن الاضواء ما زالت خضراء مع بعض الاصفرار الذي يمهد الانتقال الى الضوء الاحمر بعد فترة قد تستمر ثلاثة اشهر او اكثر. ولكن التجربة مع القوات الدولية هذه المرة تختلف عن سابقاتها في العام 1983. لأن هناك حسابات اخرى لمثل هذه التجارب خصوصا ان المياه الاقليمية اللبنانية تشهد عجقة بارجات وسفن وزوارق حربية, اضافة الى حاملات طائرات ومروحيات وغواصة المانية متطورة جدا. لذلك فإن هذه الترسانة الدولية لم تدخل جنوب لبنان ولا مياهه الاقليمية بهدف النزهة والاستكشاف بل لتنفيذ مهمات معينة قد تكون خطرة في بعض الاحيان, خصوصا ان هناك في المياه الاقليمية 300 جهاز تنصت حديثة ومتطورة جدا وباللغات العربية والفرنسية والانكليزية والاسبانية, تغطي كل الاراضي اللبنانية من الشمال حتى رأس الناقورة وصولا الى العمق اللبناني شرقا, وهذا فضلا عن طائرات الاستطلاع الايطالية ومروحيات المراقبة الفرنسية التي تجوب الشواطئ اللبنانية ابتداء من عمق ستة اميال بحرية. وكل هذا الازدحام في المياه الدافئة لا يهدف إلا لتنفيذ اجندة واشنطن التي تنقلها كوندوليزا رايس من دولة الى اخرى وتحاول من خلالها التشديد على دعم المعتدلين والديمقراطيات خوفا من قفز الراديكاليين الى الحكم, كما هي الحال في غزة, او كما يسعى المعارضون في لبنان الى تغيير حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وتشكيل حكومة وحدة وطنية, في حين ان هناك تخوفا من قبل الكثيرين ولا سيما مجلس المطارنة الموارنة من ان تكون الدعوات لتغيير الحكومة الحالية تخفي رغبات في احداث فراغ قد يمتد الى موعد الانتخابات الرئاسية, لأن الرئيس اميل لحود ليس في وارد توقيع مراسيم اي حكومة جديدة إلا اذا كان هناك الثلث المعطل. وهذا ما ترفضه الاكثرية, لذلك فإن الاسابيع القليلة المقبلة قد تشهد تحركات في الشارع للضغط على الحكومة ودفعها الى الاستقالة ولكن الشارع قد يقابله شارع آخر, خصوصا ان فريقي الصراع يتمترسان كل وراء أكياس من الرمل البشرية وأيضا وراء مواقفه السياسية المتشددة تارة والمتصلبة تارة اخرى. ولكن الاكثرية التي تحتمي بالسواتر الاميركية الاوروبية قد تتمكن في نهاية الامر من التسلل الى مواقف الآخرين لجهة حماية المقاومة ومعالجة قضية بلدة الغجر والسعي الى استرداد مزارع شبعا او وضعها تحت السيطرة الدولية لفترة محدودة ريثما يتم «تحديد» حدودها.
وفي ظل هذا الاشتباك السياسي, يخوض الرئيس فؤاد السنيورة ومعه نواب الاكثرية حربا استباقية مع المعارضة قبل نزولها الى الشارع وقبل مهرجان «الجنرال» في الخامس عشر من هذا الشهر, في حين تخوض القوات الدولية ولا سيما الفرنسية والايطالية منها حربا وقائية تفاديا لأي محاولة قد «تأكل رأسها» بهدف اضعافها, ومن ثم القفز من فوق القرار 1701 الذي يشكل في الوقت الراهن احد ابرز بنود اجندة كوندوليزا رايس والادارة الاميركية, قبل الاضطرار الى اصدار قرار جديد يكون ملحقا متطورا للقرار 1701 و1559. وفي حال انهارت قرارات مجلس الامن الاخيرة في الجنوب, تدخل البلاد في نفق الحرب مجددا من دون معرفة آفاق المصير. ولكن لا يمكن لأي طرف ان يجازف او ان يطرق ابواب الحرب في هذه المرحلة لأن ذلك يندرج في اطار المراهنة على المجهول في ظل كل هذه الحشود العسكرية والآليات البرية والجوية والبحرية التي تقيم هلالاً من آلات الدمار حول لبنان الذي قد يتحول الى نقطة انطلاق لحرب واسعة في المنطقة قد تسهم في تغييرات في عدد من الدول استعدادا لاقامة الشرق الاوسط الجديد الذي تتحدث عنه الولايات المتحدة والرئيس جورج بوش منذ غزو افغانستان والعراق. عندئذ تتوضح الاهداف التي من اجلها دخلت كل هذه الوحدات العسكرية الدولية لبنان ورابطت كل انواع الاساطيل الحربية في المياه الاقليمية قبالة الشواطئ اللبنانية, لأنه من غير المعقول ان يكون كل هذا الحشد من اجل سيطرة الدولة اللبنانية على منطقة لا تزيد مساحتها عن 1800 كلم مربع, بل ان البلاد دخلت عن قصد او غير قصد في مخطط جهنمي اكبر بكثير من مضمون القرار 1701, خصوصا أنه يتم التلويح بزيادة عديد وعتاد قوات «اليونيفيل» بشكل يتلاءم مع حجم المهمات الاخرى التي قد تطرأ في ضوء اخفقت المحادثات والمفاوضات الاوروبية الايرانية حول الملف النووي.
ووسط هذه الاجواء المعقدة والمخيفة, لا بد من تفسير بعض الاشارات السياسية التي ألمح اليها الرئيس نبيه بري لجهة ضرورة فتح الاستحقاق الرئاسي قبل سنة كاملة من الموعد الدستوري للانتخابات الرئاسية. وهذا الاستعجال من قبل رئيس مجلس النواب يهدف الى تخوفه من حصول فراغ في رأس الدولة. وهذا يعني في نظر الرئيس بري ان الفراغ في الرئاسة الاولى وارد في حال تطورت الامور بشكل درامي او اذا حالت ظروف لبنان والمنطقة دون تمكين مجلس النواب من انتخاب بديل من الرئيس اميل لحود عند انتهاء ولايته في 24 تشرين الثاني €نوفمبر€ 2007, لأسباب غير معروفة حتى الآن, ولكن ملامحها بدأت تظهر تباعا من خلال الخلافات السياسية بين فريقي 8 و14 آذار, اضافة الى احتمال حدوث مستجدات خطرة في لبنان والمنطقة تحول دون اجراء انتخابات رئاسية او في حال سقوط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة واستحالة تشكيل حكومة جديدة. عندئذ تدخل البلاد في فراغ مخيف ترافقه احداث داخلية وإقليمية فتنقلب المنطقة الى فوضى سياسية وأمنية ويتحول الشرق الاوسط الى جحيم وتفتح كل ابواب جهنم من حيث يخرج «العفاريت الزرق» مع ما يترتب على ذلك من احداث لا يمكن ان يتوقعها اي مرجع سياسي في الداخل او الخارج. لأن مثل هذه الاحداث الكبرى يعرف كيف تبدأ ولا يمكن التكهن كيف تنتهي. وهنا تكمن الخطورة, ومن هذه النقطة بالذات تكمن اسباب الخوف على المصير والرعب من المخطط الاستراتيجي المرسوم للبنان والمنطقة.
غابي أبو عتمة
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد