يوسف الفيصل: ذكريات ومواقف
يقدم د. رفعت السعيد رئيس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي في جمهورية مصر العربية لكتاب «يوسف الفيصل، ذكريات ومواقف» الصادر في طبعته الأولى 2006، وعبر 476 صفحة، قائلاً: «ورغم انني لا أزعم القدرة على تفهم -غير سطحي- للواقع السوري عبر الفترة التي تتناولها هذه المذكرات أو بالدقة الذكريات -وهناك فارق بين الكلمتين- إلا انني إذ مضيت أستمتع بكتابة رصينة ومدققة ومحاذرة، مضت أيامي كقطع من نسيج متصل جيد الصنع، جميل النسج، فقد خفق قلبي كطفل شقي وهو يتابع خيطاً ذهبياً يمتزج مع ألوان الطيف المنسوجة معاً، ويتألق متمايزاً بنضال وتضحيات وأناقة لم تجعل منه نشازاً أو منفصلاً عن مجمل النسيج.. إنه الخيط الذهبي الذي يندمج في النسيج متمايزاً أو حتى متناقضاً، لكنه يعطي النسيج بهاء ونقاء، ويمنحه نوعاً من هذا الجمال أبدي التكوين والإبداع، وقد يتبدى انه خيط.. مجرد خيط من خيوط أخرى عديدة بغير حصر، لكنه يتألق، وكأن النسيج لا يكتمل بهاؤه إلا به، أو حتى لا يكون دونه، وهكذا امتلكت يا أبا خلدون صفة النسيج الذكي والمكتوب، وهي صفة لا يمتلكها إلا القليلون».
أما عن دوافع تأليف هذا الكتاب، فيقول كاتبه الاستاذ يوسف الفيصل: «انه بعد وفاة الرفيق موريس صليبي، نشأ لدي شعور بأن الزمن يسبقنا، وانه لا بد من كتابة مذكرات تسلط الأضواء على تاريخ الحزب».
يضم الكتاب ذكريات يوسف الفيصل وانخراطه في الحزب الشيوعي السوري، خلال فترة زمنية بدأت بدخوله الجامعة السورية عام 1946 وانتهاء بعقد المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي السوري عام 1969، أي قرابة ربع قرن، وهو عبارة عن مزيج من المذكرات الشخصية وتسجيل الوقائع.
حاول الكاتب عرض تفاصيل هذه المرحلة من حياة الحزب الشيوعي السوري، وهي إحدى المراحل الهامة في تاريخه، فهي المرحلة التي نما فيها الحزب وأصبح قوة جماهيرية جدية في سورية، واتسع تأثيره في تطور الأحداث، وأخذ يظهر بوضوح كامل، معتمداً على الذاكرة وما توفر له من الوثائق مستعيناً برفيق دربه الراحل دانيال نعمة في تدقيق المواضيع.. وبذاكرة عدد من القدامى الذين عاشوا هذه المرحلة... ابراهيم بكري، ود. مصطفى أمين، وجورج عويشق.
وضم الكتاب طائفة كبيرة من أسماء الذين قدموا كل ما لديهم: شبابهم وحياتهم في سبيل الحزب، وهو يناقش مواقف الحزب في منعطفات رئيسية كالوحدة السورية -المصرية، مشيراً حسب قناعته إلى الخطأ والصواب، بما في ذلك الانتقاد الذاتي لموقفه من هذا الخطأ أو ذاك.. فليست مسيرة الحزب، حسب رأي الكاتب، كلها صفحة بيضاء، ففيها الأسود والأبيض، السلبي والإيجابي، مشيراً أيضاً إلى الأهم في ذلك وهو الحصيلة الإيجابية الكبرى التي حققها الحزب، وقد جهد الكاتب ان يكون موضوعياً في مناقشته هذه.
ويشير الكاتب إلى أهمية الكتاب قائلاً: «ان آلاف الشيوعيين السوريين حتى من كان منهم في سن الخمسين والستين لم يعيشوا هذه الأحداث، وهم بحاجة لمثل هذا الكتاب لتوسيع معارفهم ولربط حاضرهم بماضيهم، ناهيك عن حاجة جيل الشباب الجدد الذين يطرقون أبواب الحزب إلى وثيقة تاريخية تمدهم بأحوال حزبهم وماضيهم المجيد».
جاء الفصل الأول من الكتاب بعنوان: «طفولة» تحدث فيه الكاتب عن طفولته في مدينة حمص، وعن حيه الذي يسمى «باب التركمان»، وعن عائلته ومدرسته.. «كنت مشدوداً باستمرار لقصص أولئك الثائرين الذين تمردوا على الاحتلال كنظير النشيواتي وخيرو الشهلة اللذين حاربا الاحتلال الفرنسي».
ويضيف: «كانت الحياة المدرسية نشطة في التجهيز، وكانت المنظمات الحزبية واضحة، فقد كان هناك تنظيمنا الطلابي الذي كنت مسؤولاً عنه، وكان هناك تنظيم حزب البعث العربي».
ثم يكتب حول الوضع العائلي الذي فرض عليه الدراسة في معهد الطب فرع الصيدلة، لأن العائلة كانت بحاجة إلى صيدلي لكي تسجل الصيدلية التي ورثوها عن والدهم والتي كانت مصدر رزقهم.
وانتقل إلى دمشق، وأخذ يتردد على مكتب الحزب الشيوعي في طرف شارع الباكستان، حيث تعمق في النشاط السياسي الجامعي.
ويتطرق الكاتب إلى فترة الانقلابات في سورية: انقلاب حسني الزعيم، وسامي الحناوي، وأديب الشيشكلي، ويتطرق إلى موقف الحزب الشيوعي الذي ناضل ضد نظام أديب الشيشكلي بمختلف الوسائل.
ويكتب حول حركة السلام في سورية وفي العالم، وعن سقوط أديب الشيشكلي وعودة الحياة الدستورية.
وفي الفصل الخامس عشر يكتب حول الانتخابات النيابية ونجاح خالد بكداش، ويكتب في الفصل السادس عشر عن البرلمان الجديد وتركيبته السياسية، متطرقاً إلى الوضع السياسي في سورية في السنوات 1954 - 1957، فتحدث عن الاتفاق التركي - العراقي، وسقوط وزارة فارس الخوري، وتأميم قناة السويس والعدوان على مصر 1956، ومؤامرة ستون، وتطورات الوضع الداخلي.
ويتحدث في الفصل الثامن عشر بعنوان: «طريق الخلاص والاستقرار أمام سورية» عن قيام نظام جمهوري برلماني ديمقراطي وحكومة وطنية ديمقراطية.
وفي الفصل التاسع عشر يقف الكاتب أمام مؤتمر باندونغ، ومؤتمر البلدان الآسيوية في نيودلهي 1955 اللذين لعبا دوراً سياسياً هاماً في تطور الحياة السياسية في البلدان العربية والقارة الآسيوية.
وفي الفصل العشرين يتحدث الكاتب عن النشاطات الشعبية التي جرت في مرحلة الخمسينيات، فيأتي بالذكر على المؤتمر الثامن لنقابات العمال في سورية وتظاهرة الثامن من آذار 1955.
وجاء الفصل الحادي والعشرون بعنوان: «الدراسة الحزبية» عندما اتخذ الحزب قراراً بايفاد بعثات حزبية للدراسة في الاتحاد السوفييتي، وكان الكاتب ضمن هذه البعثات.
وفي الفصل الثاني والعشرين يتحدث الكاتب عن الوحدة السورية - المصرية وموقف الحزب الشيوعي منها، عارضاً في الفصل الثالث والعشرين الوثائق الأساسية الصادرة عن الحزب الشيوعي السوري حول الوحدة.
ويقدم في الفصل الرابع والعشرين لمحة تاريخية عن الوحدة والحزب الشيوعي، فيكتب عن الهجمة على الحزب الشيوعي السوري وحول عودة التحالف بين البعث والحزب الشيوعي.
وفي الفصل الخامس والعشرين الذي جاء بعنوان: «الحزب الشيوعي السوري وقضية الوحدة العربية»، جاء فيه ان «موضوع الوحدة العربية إحدى القضايا الاشكالية الكبرى التي جابهت الحزب الشيوعي السوري واستدعت نقاشاً واسعاً، وجرى النقد بل الهجوم على الحزب الشيوعي السوري بأنه ضد الوحدة العربية، وأخذ على الحزب غياب ممثله عن جلسة البرلمان التي أقرت موضوع الوحدة، مشيراً الى أن الحزب الشيوعي كان قد وضع هدفاً أساسياً له هو تحقيق الاستقلال الوطني وتحقيق الاستقلال الاقتصادي، كما وضع شعار إقامة بناء الاشتراكية في سورية، وكانت القضية الطبقية محور حركته، ونظر إلى القضية القومية بمنظار سلبي ولم يفرق بين التعصب القومي والانتماء القومي.
وبعد انهيار الوحدة السورية - المصرية جرى تفسير الموقف السلبي من دولة الوحدة بأن عامله الأساسي هو قرار حل الحزب الشيوعي السوري وليس رفضه الوحدة ذاتها.
وجاء الفصل السادس والعشرون بعنوان: «الانفصال» وتحدث فيه الكاتب عن الانقلاب العسكري في 28 ايلول 1961 الذي أدى إلى انفصال سورية عن الجمهورية العربية المتحدة، وما تركه ذلك على الحياة السياسية في سورية.
وجاء الفصل السابع والعشرون بعنوان 8 آذار الميثاق الثلاثي.. بيّن فيه موقف الحزب الشيوعي السوري من حركة الثامن من آذار والميثاق الثلاثي 1963.
وتركز الفصل الثامن والعشرون حول مرحلة تثبيت حكم حزب البعث وبدء التدابير التقدمية.
وجاء الفصل التاسع والعشرون بعنوان: «خدمة العلم» تحدث فيه الكاتب عن سوقه إلى خدمة العلم عام 1962 وعمله في المشفى العسكري وتسريحه والعودة إلى العمل الحزبي.
وفي الفصل الثلاثين بحث حول استقلال الحزب الشيوعي اللبناني، حيث كان من أبرز القضايا عام 1964 إعلان الحزب الشيوعي اللبناني استقلاليته الكاملة عن الحزب الشيوعي السوري.
والفصل الحادي والثلاثون خصص للحديث عن حركة 23شباط 1966، الظروف التي قادت اليها، وما حملته من نتائج.
وجاء الفصل الثاني والثلاثون بعنوان: «تطوير العمل بين العمال»، حيث رفع الحزب مطالب العمال، وواقع الحركة النقابية الراهنة والحقوق التي يتمتع بها العمال والنقابيون.
كما كتب في الفصل الثالث والثلاثين حول عدوان 1967 عوامله ونتائجه ومضاعفاته، واحتلال اسرائيل سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس العربية.. وعقد مؤتمر استثنائي لحزب البعث العربي الاشتراكي بين 27و30 آب 1967، وخرج بقرار أن الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لإزالة العدوان واعتماد العمل كوسيلة لخدمة الكفاح المسلح.
وفي الفصل الرابع والثلاثين كتب حول سد الفرات والمشاريع الانمائية الكبرى، وبيّن دور الحزب الشيوعي في انجاح بناء السد.
وجاء الفصل الخامس والثلاثون بعنوان: «حكومة جديدة وتزايد التآمر الاستعماري»، حيث شاركت قيادة الحزب الشيوعي السوري لأول مرة في الحكومة، وتم اختيار الرفيق واصل الفيصل ليكون ممثلاً عن الحزب الشيوعي في الوزارة الجديدة، وسمي وزيراً للمواصلات، وكان تشكيل الحكومة الجديدة ضربة للمساعي الاستعمارية.
وعرض الفصل السادس والثلاثون «أحداثاً على النطاق الدولي» كالتدخل السوفييتي العسكري في تشيكوسلوفاكيا ومعركة في بودابست.
ويتحدث في الفصل السابع والثلاثين عن المنظمات الفلسطينية المختلفة التي بدأت تكون تنظيماتها الفدائية.
ويكمل في الفصل الثامن والثلاثين عرضاً «للتنظيم الفلسطيني للحزب الشيوعي السوري» نشأته ونشاطات الشيوعيين الفلسطينيين.
وأخيراً في الفصل التاسع والثلاثين كتب حول المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي السوري عام 1969 في دمشق، عارضاً الوثائق والقرارات التي اتخذت، ملخصاً أهم نتائج هذا المؤتمر.
وبعد فإن الكتاب يؤرخ لمرحلة تاريخية هامة، لا في حياة الحزب الشيوعي السوري فحسب، وإنما أيضاً لسورية ولمحيطها العربي.
ريم سعيد
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد