وقائع المؤتمر الصحفي بين الأسد وأردوغان
أعلن الرئيس بشار الأسد، أمس، انه مهتم بزيارة لبنان، على ان تكون في الوقت المناسب، مشيرا الى أن الحكومة اللبنانية جديدة وقد تكون لها أولويات داخلية قبل أن تفكر في موضوع العلاقات الخارجية، واصفا زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري إلى دمشق مؤخرا بالناجحة، ووضعت اسسا مؤسساتية سليمة للعلاقات مع لبنان، مؤكدا أن تركيا قامت بدور بارز بعيد عن الاضواء في تحسين تلك العلاقات.
وكان الاسد يتحدث في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، في ختام يوم سوري تركي حافل، شهد الاجتماع الاول لمجلس التعاون الاستراتيجي بين البلدين وتوقيع حوالى خمسين اتفاقية ومذكرة تفاهم، فضلا عن تحذير مشترك وجهه الرجلان الى الاخرين من مغبة العبث بأمن المنطقة لأن العلاقة السورية التركية أصبحت واقعا لا يمكن لأحد أن يتجاوزه باي حال. وكان لافتا إشارتهما إلى ضرورة السماح بوصول المساعدات المرسلة إلى غزة، ولاسيما القافلة السورية التركية التي ستصل مصر خلال اليومين المقبلين.
ورداً على سؤال حول إمكانية زيارة لبنان والدور التركي في زيارة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى سوريا، قال الأسد «قلة من الناس تعرف عن الدور التركي بالنسبة للموضوع اللبناني وأنا أريد أن أؤكد الآن أن الدور التركي كان بعيداً عن الإعلام ولم يكن يبحث عن إبراز هذا الدور وإنما تمحور ضمن ما تحدث عنه أخي رئيس الوزراء اردوغان وهو أن تكون العلاقات بين الدول كلها علاقات سليمة وطبيعية ملؤها المحبة والاحترام المتبادل.. والحقيقة في العام الماضي قطعت المنطقة شوطاً كبيراً في هذا الاتجاه من خلال تطور العلاقة السورية السعودية ومؤخراً من خلال تطور العلاقة السورية اللبنانية.. وفي هذا الإطار كانت زيارة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إلى سوريا زيارة ناجحة ووضعت أسساً مؤسساتية سليمة للعلاقة مع لبنان».
وتابع الرئيس الأسد«أنا زرت لبنان في العام 2002 بشكل رسمي ومن الطبيعي أن تكون هناك في يوم من الأيام زيارة من قبلي إلى لبنان.. هي
ليست شيئاً مستغرباً.. وفي الحقيقة لم توجه الدعوة ولا بد من القيام ببعض الخطوات في العلاقة بين البلدين وهذا لن يستغرق باعتقادي وقتاً طويلاً.. وفي الوقت نفسه الحكومة اللبنانية هي حكومة جديدة ربما لديها أولويات داخلية في لبنان قبل أن تبدأ بالتفكير بموضوع العلاقات الخارجية.. ولكن جوابي كما قلت قبل قليل هو بالإيجاب.. بكل تأكيد تهمني زيارة لبنان لكن في الوقت المناسب».
وحول عملية السلام، قال الرئيس السوري «العالم اليوم مهتم بشكل كبير في عملية السلام أكثر من قبل، ويبدو أنها تحتضر»، مضيفا «مع الأسف هي بحاجة للاهتمام ليس فقط عندما تفشل بل عندما تبدأ في الإقلاع أيضاً. لذلك نرى تذبذبا، صعودا ليس عاليا، يليه هبوط سريع».
واعتبر الأسد أن سوريا وتركيا ليستا متفرجتين أو مشجعتين. وقال «تركيا أحد الأطراف واللاعبين الأساسيين. عندما نلتقي لا نلتقي لكي اطلب من أردوغان أو أشجعه على القيام بدوره، فتركيا أعلنت عن استعدادها لاداء هذا الدور، ولم يأت أردوغان ليشجع سوريا على التزامها بالسلام، فهو يعرف أكثر من غيره حماس سوريا لتحقيق السلام العادل والشامل». وأضاف «لكننا بحثنا كيفية إخراج عملية السلام من المأزق الذي وصلت إليه»، موضحا أن السبب الأساسي في ما وصلت إليه عملية السلام هو «غياب الشريك الإسرائيلي الجدي الذي يسعى لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. نحن أمام شريك وهمي، ولا أدل من المصطلحات الإسرائيلية المستخدمة للمناورة، والتي أصبحت كثيرة لدرجة أنه لا بد أن نحمل قاموس جيب لترجمتها».
وأوضح الأسد «عندما يقولون نريد مفاوضات من دون شروط فهذا يعني مفاوضات من دون أسس، والمفاوضات من دون شروط هي كالبناء من دون أساس، من السهل هدمه وهم يريدون هدم عملية السلام». وتابع «يقولون السلام هو الذي يعود بالأرض، وهذا يعني السلام حسب الطريقة الفلسطينية أي ليس لها نهاية وليس لها نتائج، الأرض هي التي تحقق السلام وليس العكس، أما عودة الأرض بعد اتفاق السلام فهي عملية إجرائية فقط»، مؤكدا نزاهة الوسيط التركي وعدالته وموضوعيته. وقال «كان الوسيط التركي ناجحا، ونحن نؤكد على هذا الدور أكثر من أي وقت»، مشيرا إلى أن هذا لا يعني «رفض مساعدة أي دولة مهتمة، ولكن لا يعني استبدال من نجح بهذه العملية أو تجاوزه تحت عناوين واهية وغير مقبولة». وعن العلاقات الثنائية السورية التركية، قال الأسد «العلاقات السورية التركية أصبحت غنية عن التعريف، وما وصلت إليه جعلها أنموذجا للعلاقات الأخوية بين الشعوب والدول»، مشيرا إلى أن «الانجازات التي حققتها أصبحت ملموسة في منطقتنا في مختلف المجالات وأصبحت واقعا لا يمكن لأحد أن يتجاوزه بأي حال». وأضاف «إن ما تحقق من نجاحات يرتكز إلى القاعدة التاريخية المشتركة للشعبين، وهذا العامل لوحده غير كاف، ولو اجتمعت كل العوامل فإنها غير كافية إن لم يكن العامل الأهم موجودا، وهو الإرادة المشتركة القوية التي امتلكناها والتي تهدف إلى صناعة المستقبل وإلى رسم وصياغة وتخطيط هذا المستقبل من قبلنا وبأيدينا... وهذه الإرادة يجب أن تبنى على قاعدة صلبة من الدعم الشعبي، وهذا ما فهمناه بشكل جيد في سوريا وتركيا وعملنا بناء عليه». وتابع «ما فهمناه وعملنا عليه أن الشخص الذي يحترم نفسه ووطنه يحصل على دعم شعبه، والشخص الذي يقف إلى جانب القضايا العادلة في العالم بشكل عام وفي منطقته بشكل خاص يحصل على احترام شعب تلك المنطقة، ومن يستخدم الأوراق فوق الطاولة لا تحتها، في الضوء لا في الظلام، يحصل على احترام العالم»، مؤكدا أن «من يفكر بالعبث بأمن هذه المنطقة عليه أن يفكر مليا قبل فعل أي شيء».
وحول غزة، أكد الرئيس السوري أن كل من يساهم في الحصار يتحمل دماء الفلسطينيين. وقال «ما يحدث في غزة يؤلم المواطنين في تركيا وسوريا، وكل مواطن مسلم، وكلنا يعرف المواقف التركية، ونحن نتشارك دائما بموقف المطالب برفع الحصار»، معربا عن شكره للشعب التركي الذي ساهم في قافلة المساعدات التي غادرت سوريا متوجهة إلى غزة.
من جانبه، قال أردوغان إن «أشقاءنا في سوريا يقولون نعم للوساطة التركية غير المباشرة، ولكن يجب أن تقول إسرائيل نعم، وعندها سنكون على استعداد»، مشيرا إلى اتهام إسرائيل له بالانحياز، معبرا في الوقت ذاته عن شكره «للشقيق الغالي (الأسد) لقوله انه لا يرى من المناسب أن يكون الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الوسيط».
وأشار أردوغان إلى الجولات الخمس الماضية من المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل. وقال «خمس جولات، وفي الأخيرة، كنت على ارتباط هاتفي مع الأسد ووزير الخارجية كان على اتصال مع وزير الخارجية وليد المعلم. وكان هناك مضايقات في كلمة أو كلمتين، وقلنا سنبحث ذلك يوم الجمعة، ولكن إسرائيل أمطرت غزة بالقذائف السبت»، متسائلا «من هو الذي يساند السلام ومن هو الذي يعاديه».
وأشار اردوغان إلى أن لا علاقة لإسرائيل في العلاقات العربية التركية. وقال «في الوقت الحاضر كل النشاطات غير مرتبطة بإسرائيل، وهي مرتبطة بمجالس التعاون الاستراتيجية التي أسسناها بشكل ثنائي... يجب أن نؤمن ببعضنا البعض، ولا أحد يستطيع أن يقطع ذلك سواء في المجالات السياسية أم الثقافية أم الاقتصادية». وأشاد رئيس الوزراء التركي بمتانة العلاقات بين البلدين وما تم إنجازه من اتفاقيات، مشيرا إلى أن المباحثات استمرت حتى الثالثة من فجر أمس الاول، معتبرا أن «سوريا بوابتنا إلى الشرق الاوسط وتركيا بوابة لسوريا لتنفتح إلى أوروبا وبلد ثان للسوريين».
ولفت أردوغان إلى أن «علاقاتنا الاقتصادية والتجارية وما أنجزناه سيكون له انعكاسات، بحيث سيصل حجم التبادل التجاري الى خمس مليارات دولار خلال سنوات قليلة».
وفي ما يخص غزة، أشار إلى أن عرقلة قافلة المساعدات المتوجهة إلى غزة يعتبر منافيا لحقوق الإنسان، داعيا إلى أن يتحمل كل شخص مسؤولياته تجاه هذا الموضوع. وقال «نريد الإحساس من الجميع».
وشهدت العلاقات السورية التركية أمس يوما حافلا، انتهى بتوقيع حوالى خمسين اتفاقية ومذكرة تفاهم ثنائية في مجالات التعليم والطاقة والأمن والمياه والصحة والنقل.
وشهد اليوم التركي السوري مشاهد تعكس حرارة العلاقة الثنائية بين اردوغان والأسد، فاصطحب الأخير ضيفه برفقة عقيلتيهما إلى التكية السليمانية قرب المتحف الوطني في دمشق حيث يقوم الأتراك بعملية ترميم واسعة ومكلفة للصرح التاريخي. كما أقام الأسد لضيفه مأدبة عشاء موسعة ضمت أطيافا من المجتمع السوري من الأوساط الاقتصادية والفنية والثقافية.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد