واشنطن: لا أدلة ضد الأسد وخيار الهجوم هو المرجح
وكأنه هدوء ما قبل عاصفة العدوان الذي ازدادت مؤشراته أمس على الرغم من استمرار خفوت حدة التهديدات الغربية ضد سوريا، من دون تلاشي الخيار العسكري الذي تعزز بإعلان أميركي صريح، من البيت الأبيض، بأن ضربة ستتم وستكون «محدودة»، وباستمرار إرسال التعزيزات البحرية والجوية للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الى المنطقة.
وإذا كان يوم الاربعاء ميزته لهجة التحدي الإيراني العالية النبرة، فإن الاهتمام توجه امس نحو الكونغرس الاميركي ومجلس العموم البريطاني، بعدما فرضا على حكومتي باراك اوباما وديفيد كاميرون الاستجابة للأسئلة المتزايدة في البلدين بشأن جدوى الحرب ومدى جدية الاتهامات التي استندت عليها الحكومتان من اجل السعي الى تشريع الحملة العسكرية المتوقعة ضد سوريا. وفي هذا الإطار، رفض البرلمان البريطاني في ساعة متأخرة من ليل امس، التدخل العسكري في سوريا في عملية تصويت «رمزية» نال فيها المعارضون للحرب 285 صوتاً مقابل 272 أيّدوا الحرب.
وفي ما يبدو بمثابة خطوة تراجع، تعهد كاميرون، بعد التصويت، باحترام تصويت البرلمان الرافض للحرب. وأعلن أنه «يدرك شكوك الرأي العام والبرلمان تجاه ضرب سوريا لمعاقبتها على استخدام أسلحة كيميائية. سأتصرف على ضوء ذلك».
وكان كاميرون، الشريك الاساسي في الحرب المتوقعة، قال في مداخلة أمام النواب، إنه «مقتنع بأن النظام السوري شن هجوماً كيميائياً في 21 آب»، لكنه أقر بأن مسؤولية السلطات السورية «غير مؤكدة بنسبة مئة في المئة». وخاطب النواب قائلاً «عليكم اتخاذ قرار والردّ على جريمة حرب» عبر الموافقة على مذكرة حكومية تجيز مبدأ التدخل العسكري في سوريا.
كما كان من اللافت أنه بينما أقرت كل من واشنطن ولندن بأنه لا وجود لـ«أدلة قاطعة» بشأن الهجوم الكيميائي في غوطة دمشق في 21 آب الحالي، فإن الحشود العسكرية تواصلت استعداداً للحرب التي تدور تكهنات بأنها صارت وشيكة، بعد خروج المفتشين الدوليين المفترض غداً من سوريا، وبعد إعلان اسرائيل طلبها من المجالس المحلية استكمال استعداداتها للوضع الطارئ قبل يوم الاثنين المقبل، في وقت طلب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الدول الغربية على عدم شنّ عدوان على سوريا حتى يُقدم المحققون الدوليون نتائج بحثهم إليه وأعضاء مجلس الأمن الدولي.
وأعلنت الأمم المتحدة أن خبراءها حول الأسلحة الكيميائية سيقدمون «تقريراً شفهياً أولياً» إلى بان كي مون فور عودتهم من سوريا، لكن الخلاصات النهائية ستظل رهناً بتحاليل ستجري في مختبرات أوروبية. وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق ، إن «مهمة بعثة التحقيق ليست معرفة من استخدم الأسلحة الكيميائية لكن إن كان لديها ادلة تتعلق بهذا الأمر فإنه يمكنها اضافتها الى التقرير».
وفي مؤشر على تواصل الخلاف بين الدول الكبرى حول مشروع القرار البريطاني الذي يدعو الى تدخل عسكري في سوريا، جرت مشاورات جديدة، دعت اليها روسيا، بين مندوبي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، لم تدم سوى 45 دقيقة. وكان سفراء الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا اجتمعوا، امس الاول، من دون أن يتوافقوا على مشروع قرار يجيز تدخلاً عسكرياً في سوريا مع استمرار تمسك موسكو وبكين بموقفهما المعارض.
وأكد الأسد، خلال لقائه وفداً يضمّ عدداً من قيادات الأحزاب ونواب البرلمان في اليمن في دمشق، أن «التهديدات بشنّ عدوان مباشر على سوريا سيزيدها تمسكاً بمبادئها الراسخة وبقرارها المستقل النابع من إرادة شعبها»، مشدداً على أن «سوريا ستدافع عن نفسها ضد أي عدوان».
وأكد وزير الدفاع السوري العماد فهد جاسم الفريج، خلال اتصال هاتفي تلقاه من نظيره الإيراني العميد حسين دهقان، أن «الإرهابيين الجناة عمدوا إلى استخدام الأسلحة الكيميائية وقتل النساء والأطفال والأبرياء للحصول على المزيد من الدعم من الدول الإقليمية والكبرى، للتعتيم على هزيمتهم ولحرف الرأي العام وتبرير استمرارهم في جرائمهم». وشدّد على «استعداد القوات المسلحة والشعب السوري للتصدي لأي شكل من أشكال العدوان العسكري عليهم من قبل القوى الكبرى، وسيردون عليها بحسم».
من جهته، اعتبر دهقان أن «الخاسر الرئيسي في أي حرب في المنطقة هو من يبدأ بها». وقال إن «إيران تتابع بدقة وحساسية التطورات الأمنية في المنطقة والأزمة الحاصلة في البلد الصديق سوريا»، مشدداً على «ضرورة الاستفادة من الوسائل السياسية والسلمية لحل المشكلات الأمنية».
وبدأ حجم الحشود العسكرية وطبيعتها تحضيراً للعدوان على سوريا يُظهر شيئاً فشيئاً شكل العمل العسكري الذي تنوي القوى الغربية القيام به، حيث أرسلت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا المزيد من القطع الحربية إلى المنطقة، في حين أرسلت روسيا سفينتين حربيتين يعتقد أنهما قد تؤديان دوراً وقائياً في عمليات الإنذار المبكر.
وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية، أمس، إن الولايات المتحدة سترسل مدمرة إلى قبالة السواحل السورية ما يرفع عدد السفن الحربية الأميركية في شرق المتوسط إلى خمس. وذكرت صحيفة «لوبوان» أن فرنسا أرسلت الفرقاطة «شيفاليه بول» الحديثة لتنضمّ إلى حشد القوات الغربية التي تستعدّ لضرب سوريا. وقال متحدث باسم وزارة الدفاع البريطانية إن بلاده سترسل ست طائرات من سلاح الجو إلى قبرص، مضيفاً إن الطائرات، وهي من طراز «تايفون» الاعتراضية، ستنشر في قاعدة «أكروتيري» البريطانية في قبرص.
ونقلت وكالة «اسوشييتد برس» عن مسؤولين في الاستخبارات الأميركية قولهم إن الاستخبارات الأميركية لا تملك دليلاً قاطعاً يربط بين الرئيس السوري بشار الاسد او الدائرة الضيقة حوله بالهجوم المزعوم بالاسلحة الكيميائية في غوطة دمشق، مشيرين الى انه لا يزال هناك اسئلة حول من يتحكم ببعض مخازن الاسلحة الكيميائية السورية وشكوك بشأن ما اذا كان الرئيس السوري أمر بالهجوم.
وأشار المسؤولون إلى ان تقريراً قدم إلى رئاسة الاستخبارات يرجح ان تكون القوات السورية مسؤولة عن الهجوم، لكنه يتحدث عن ثغرات. وقال مسؤول رفيع المستوى في الاستخبارات و3 مسؤولين آخرين اطلعوا على تقرير للاستخبارات قدم الى البيت الابيض انه خلال الأشهر الستة الماضية، والتي تمت خلالها تغيرات كثيرة على الأرض، لم يعد عملاء الولايات المتحدة والحلفاء يعرفون مَن يسيطر على بعض الاسلحة الكيميائية، بالاضافة الى ان المكالمة الهاتفية التي تم اعتراضها كانت بين مسؤولين من رتب منخفضة، ولا يوجد أي دليل مباشر يربط بين الهجوم الكيميائي والدائرة الضيقة للأسد او حتى مسؤول عسكري رفيع المستوى.
واوضح المسؤولون انه، وفي حين ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري اعتبر، الاثنين الماضي، ان الحكومة السورية تقف «بشكل أكيد» خلف الهجوم، فإن مسؤولي الاستخبارات غير متأكدين بشكل كامل من أن الهجوم تم بناء على أوامر الأسد، او ان القوات السورية هي مَن شنته.
وأكد البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما سيتخذ قراراً بشأن كيفية الرد على استخدام أسلحة كيميائية في سوريا بناء على مصالح الأمن القومي الأميركية.
وأشار المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست إلى تعليقات مسؤول بريطاني رفيع المستوى قال إن الولايات المتحدة يمكن أن تتخذ قرارات بشأن السياسة الخارجية من تلقاء نفسها، ومن دون موافقة الكونغرس الاميركي.
وأعلن أن الولايات المتحدة ستقدم التبرير القانوني لأي استجابة لاستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا إذا لزم الأمر بمجرد أن يقرر أوباما كيفية المضي قدماً. وقال «عندما يصل الرئيس إلى رأي حاسم بشأن الاستجابة المناسبة، وعندما يتطلب الأمر تبريراً قانونياً لتأكيد القرار أو دعمه فسنقدّمه من تلقاء أنفسنا»، برغم انه اشار الى انه «ما من أدلة دامغة حتى الآن على تورط النظام السوري في استخدام السلاح الكيميائي في الغوطة».
وكرر أن أي رد أميركي سيكون محدوداً، ورفض المقارنات مع الغزو الأميركي للعراق. وقال «ما نتحدث عنه هنا هو رد محدود ومحدد جداً»، مضيفاً إن «واشنطن لا تبحث عن تغيير النظام السوري بل عن رد على استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين».
وأشار إرنست الى ان دولاً عربية وقادة العالم اعربوا عن غضبهم من الهجوم الكيميائي ويريدون رداً عليه. وأضاف «رأي قادة العالم الآخرين في هذا الوضع مهم». وقال إن «الرئيس تحادث هاتفياً مع المستشارة (الالمانية انجيلا) ميركل. وهذا يأتي في اطار الاتصالات المتواصلة التي يجريها الرئيس بشأن الوضع في سوريا».
وأعلن أن الادارة الاميركية لا تزال مصمّمة على كشف تفاصيل تقرير الاستخـــبارات الذي يظهر لماذا واشنطن متأكدة من ان «الحكومة السورية تقف وراء استخدام السلاح الكيميائي».
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد