موسكو والملف السوري: من المواجهة إلى البيانات البلاغية

24-03-2012

موسكو والملف السوري: من المواجهة إلى البيانات البلاغية

تحرص موسكو على تأكيد ثوابت موقفها من الأزمة السورية، التي تمكن الروس من طي أشرعة القرارات الحاسمة بشأنها في مجلس الأمن الدولي لفترة قد تطول، والانعطاف بالملف نحو شاطئ البيانات والتعبير عن النيات.
ويعترف الروس بصعوبة إدخال المعارضة المسلحة في «خرم إبرة» الحوار الذي لا يتسع لقوى تصفهم دمشق بأنهم «عصابات إرهابية». وكانت موسكو حذرت من تغلغل تنظيم القاعدة في النزاع، قبل أن تعلن واشنطن دخول ورثة زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن المتعددعناصر من «الجيش السوري الحر» في قرية بنش في محافظة إدلب أول أمس (أ ف ب) ي الجنسيات على خط الأزمة.
مصادر برلمانية في موسكو تؤكد أن وزير الخارجية سيرغي لافروف لا يخفي قلق موسكو من أن يتحول النزاع إلى حرب أهلية، ويؤكد، في لقاءات مع أعضاء لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما (النواب)، أن سوريا تعيش «اقتتالا أهليا» بفعل أخطاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد والتأخر في إجراء الإصلاحات المطلوبة.

عسكرة «ناعمة»

ولا يستبعد الخبراء الروس كل الاحتمالات، بما في ذلك التدخل العسكري «الناعم» عن طريق ما تسعى أنقرة لإقامته تحت شعار «الممرات الإنسانية». ويقول خبير عسكري، طلب عدم الإشارة إلى اسمه، إن روسيا تراقب عن كثب عمليات تهريب السلاح إلى الداخل السوري، وستحاول في مجلس الأمن التركيز على هذه القضية باعتبارها العائق الرئيس أمام التسوية السياسية للأزمة.
ويعزو الخبير التناقض في التصريحات بشأن وصول سفن حربية روسية إلى الساحل السوري بأنها تأتي في سياق اختبار رد الفعل الأميركي وحلف شمال الأطلسي على تلويح موسكو باحتمال نشر «عيون وآذان ومجسات» روسية في البحر الأسود قريبا من سواحل تركيا، التي يعتقد الإستراتيجيون في وزارة الدفاع الروسية أن «الأطلسي» أناط بها دور اللاعب الرئيس في أي تحرك عسكري، إذا تقرر، برغم أن موسكو تستبعد حصول ذلك في المدى المنظور.
ويلفت الخبير إلى أن وقع تصريح «المصدر» في هيئة أركان أسطول البحر الأسود عن توجه الناقلة الروسية «إيمان» وعلى متنها مجموعة مكافحة الإرهاب «لتنفذ المهمات المناطة بها بالقرب من السواحل السورية»، كان أشبه بالرعد. إذ سارعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند إلى «طلب توضيحات» من الجانب الروسي. فسارعت وزارتا الدفاع والخارجية الروسيتان بالنفي القاطع.
ويقول الخبير «لا ينطلي على أحد أن واشنطن تغمض العين عن كل ما يهب ويدب في البحرين الأسود والأبيض، لكن موسكو أرادت إجهاض شائعات محتملة بالتدخل العسكري الروسي في سوريا لتبرير تدخل أطراف إقليمية في بلاد الشام مستقبلا».
ويشير إلى أن الدبلوماسية الروسية ترفض تصوير موافقتها على بيان مجلس الأمن، بصيغته الفرنسية، على انه تقارب مع الغرب في الملف السوري. فقد أصر مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين على إصدار بيان مواز بصيغة روسية أدان تفجيرات دمشق وحلب. أعقبته تصريحات روسية متواترة تحمل المعارضة السورية مسؤولية القيام بانتهاكات في ضوء الرسالة المفتوحة التي وجهتها منظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى قيادات المعارضة.
واعتبرت موسكو البيان «تأكيدا لصحة الموقف المبدئي الذي اتخذته روسيا» كما صرح قسطنطين دولغوف، مفوض وزارة الخارجية الروسية لشؤون حقوق الإنسان والديموقراطية وسيادة القانون، وهي تسمية طويلة لقسم تأسس منذ سنوات في أروقة الخارجية الروسية، ويبرز إلى الواجهة كلما ردت موسكو على اتهامات الغرب بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في روسيا، وخاصة في جمهورية الشيشان التي تعيش منذ عقدين حربا منسية، لكنها تظهر بين الحين والآخر في عناوين الأخبار العالمية، كلما أراد الغربيون مناكفة الروس.

تنحي الأسد

من غير الواضح تفاصيل الاقتراحات التي حملها المبعوث الأممي - العربي كوفي أنان إلى القيادة السورية. إلا أنها تخلو قطعا من بند يطالب الرئيس بشار الأسد بالتنحي، تماما مثلما تخلو كل المطالبات والمقترحات الروسية من فكرة تبديل القيادة أو «تغيير الحصان» على حد تعبير لافروف في مقابلة مع إذاعة «كوميرسانت» حين علق على المطالب بتنحي الأسد قائلا «في اليمن على مدى شهور طويلة أبدى الجميع الصبر الذي لا نراه في سوريا. وعند ذلك فقط اتفق اليمنيون على كيفية تسليم السلطة ورحيل (الرئيس علي عبد الله) صالح ومنحه الضمانات، بعدها صادق مجلس الأمن الدولي على القرار حول اليمن. أما الآن فإنهم يحاولون وضع العربة أمام الحصان ويحاولون أن يفرضوا على سوريا، عبر مجلس الأمن، الحل الذي لن يكون مستقرا»، مؤكدا أن موسكو لم توجه دعوة للأسد «للمجيء إلى روسيا».

مخاض اسطنبول

يعتقد المراقبون أن موسكو بعد أن تمكنت من كبح جماح الغرب وضمنت قبله امتناع واشنطن عن القيام بعمل عسكري مباشر ضد دمشق، تنتظر مخاض المؤتمر الثاني «لأصدقاء سوريا» في اسطنبول في الأول من نيسان المقبل، على خلفية اعتقاد سائد بأنه قد يختلف عن سابقه الذي لم يتمخض إلا عن بلاغات إنشائية. أما مؤتمر اسطنبول فإنه يكتسب أهمية لناحية الدور المناط بتركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي المقلق لروسيا في جناحها الجنوبي. ومن غير المستبعد أن «يقونن» المؤتمر تزويد المعارضة السورية بالسلاح ويجعل من «الجيش السوري الحر» حصان طروادة للتدخل «الناعم»، عبر عمليات «سرية» لا تشك الدوائر الروسية بأن مراكز عالمية وإقليمية، تضمرها وتخطط لها بعد تفاقم الوضع في سوريا.
ويذهب فريق من المختصين بشؤون الشرق الأوسط في المعاهد الروسية إلى الاعتقاد بأن الملف السوري انتقل من حال المواجهة بين موسكو والغرب إلى مرحلة شبه التوافق على إيجاد حل وسط، بالضغط على المعارضة السورية في الخارج للتفاوض مع النظام بضمانات روسية وغربية مشتركة، على أن تجد القيادة السورية لنفسها مخرجا من طوق الحل العسكري والأمني الذي يضع سوريا أمام هاوية الحرب الأهلية أكثر فأكثر، وبتناسب طردي مع تدفق المعونات المالية والسلاح إلى «الجيش الحر» من بلدان الخليج العربية التي تجد في ارض الشام ساحة للي الذراع الإيرانية.

سلام مسافر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...