ما هي خطوات إعادة هيكلة المسرح الأفغاني
الجمل: بينما تمارس الإدارة الأمريكية ضغوطاً مكثفة على حلف الناتو وحلفاءها الأوروبيين الغربيين بضرورة إرسال المزيد من القوات والعتاد والدعم للحرب الأمريكية في أفغانستان، فإن نفس الإدارة تقوم حالياً بممارسة المزيد من الضغوط الهادفة لتوريط بلدان الخليج العربي وربما بعض الأطراف العربية الأخرى في أفغانستان.
* الخليج العربي وإسقاطات المزايا النسبية الإضافية للقوة الأمريكية:
تمركز الوجود العسكري والاستخباري المكثف في منطقة الخليج العربي، أدى إلى جعل هذه المنطقة تعمل كقاعدة استناد وارتكاز استراتيجي متقدمة للقوات الأمريكية في حروبها ضد العراق وأفغانستان وحربها المتوقعة ضد إيران.
سعت الولايات المتحدة منذ البداية إلى عدم الاكتفاء بالمزايا الجيوسياسية التي حصلت عليها من جراء تمركز قواتها المكثف وقواعدها العسكرية في منطقة الخليج العربي، وتحاول تعظيم المنافع والمزايا عن طريق الجمع بين المزايا الجيوسياسية والمزايا الجيوبوليتيكية، وإذا كانت المزايا الجيوسياسية لجهة استخدام مزايا الأرض والموقع الجغرافي في الجهود العسكرية، فإن المزايا الجيوبوليتيكية تكون لجهة استخدام القدرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
* مخطط استدراج دول الخليج العربي:
أقنعت الولايات المتحدة دول الخليج باستضافة القوات الأمريكية من أجل حماية الخليج من خطر النظام العراقي السابق، وشن الحرب لإسقاطه، وبعد غزو أمريكا للعراق واحتلاله تحولت المزاعم الأمريكية في تبرير وجودها العسكري في الخليج لجهة تأمين العراق وإعادة الاستقرار إليه ووقاية دول الخليج من انتقال حالة الفوضى وعدم الاستقرار العراقي، ثم تحولت المزاعم الأمريكية إلى فرضية حماية الخليج من الخطر العسكري التقليدي وغير التقليدي الإيراني.
* الضغوط الأمريكية والتحولات المطلبية النوعية:
بدأت الولايات المتحدة مشروع توظيف القدرات الخليجية عن طريق دفع الخليجيين لتقديم الأموال الكبيرة في مشروعات إعادة التعمير، ومن أبرز الخطوات التي تمت في هذا الصدد:
• مشاركة دول الخليج في مؤتمرات المانحين لدعم إعادة إعمار أفغانستان.
• مشاركة دول الخليج في مؤتمرات المانحين لدعم إعادة إعمار العراق.
وبعد ذلك، رصدت المعلومات أن الإدارة الأمريكية قد حولت هذه الأموال لتمويل قواتها الموجودة في العراق وأفغانستان، وقد برر الأمريكيون ذلك بأن وجود القوات الأمريكية يهدف إلى تحقيق الاستقرار في العراق وأفغانستان، وبالتالي فإن أموال الدعم يمكن استغلالها في تمويل القوات الأمريكية الهادفة لتحقيق الاستقرار باعتبار أن الاستقرار يشكل المرحلة الأولى التي تنطلق منها عملية إعادة الإعمار. وقد استطاعت الولايات المتحدة قبل استدراج قوات دول مجلس التعاون الخليجي عندما أرغمت هذه الدول على أن تشارك "قوات درع الجزيرة" ضمن العمليات العسكرية الأمريكية.
* إعادة هيكلية المسرح الأفغاني:
مهدت الإدارة الأمريكية المسرح الأفغاني بما يفسح المجال واسعاً أمام توريط حلفاءها وابتزاز قدراتهم العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية. وأبرز الخطوات التي قامت بها الإدارة الأمريكية لجهة إعادة هيكلة قوام المسرح الأفغاني تمثلت في الآتي:
• تنويع الكيانات المؤسسة الموجودة في أفغانستان.
• إضفاء الطابع الدولي على الكيانات المؤسسة الجديدة.
• الضغط على الحلفاء للمشاركة وتقديم الدعم لهذه الكيانات المؤسسة الدولية.
ومن أبرز هذه الكيانات التي كونتها الولايات المتحدة في أفغانستان:
• قوات المساعدة الأمنية الدولية (مهمتها القيام بالعمليات العسكرية) وتتكون من القوات الأمريكية وقوات الناتو والدول الأخرى الحليفة لأمريكا.
• فريق إعادة التعمير الإقليمي الذي يتكون من هياكل عسكرية تنضوي جميعاً ضمن قيادة عسكرية موحدة، وهدف هذا الفريق هو التركيز على عمليات إعادة التعمير والبناء.
وعلى هذه الخلفية المؤسسية الجديدة، أصبح مطلوباً من حلفاء أمريكا القيام بأحد أمرين أو بالاثنين معاً، وهما:
• إرسال القوات للمشاركة ضمن قوات المساعدة الأمنية الدولية في القتال ضد حركة طالبان والمعارضة الأفغانية.
• إرسال الدعم والمساعدات لفريق إعادة التعمير الإقليمي الذي يعمل في تعمير أفغانستان.
وتشير التوقعات إلى أن دول الخليج أصبحت غارقة حتى أذنيها في الخيار الثاني، وقد ظلت طوال الفترة الماضية تقدم الدعم المالي والمساعدات لفريق إعادة التعمير الإقليمي لأفغانستان. وبسبب ربط الإدارة الأمريكية بين جهود التعمير والعمليات العسكرية القائم على أساس اعتبارات المنظور الأمريكي الذي يستخدم مفهوم إعادة الاستقرار للدمج بين جهود إعادة التعمير والجهود العسكرية، فإن الدعم المالي والمساعدات التي تقدمها دول الخليج لصالح إعادة تعمير أفغانستان يتم استخدامها في تمويل العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات حلف الناتو والقوات الأمريكية وحلفاءها ضد حركة طالبان والمقاومة الأفغانية.
ومن أبرز الشواهد على ذلك أنه وعلى مدى ستة أعوام كاملة فإن المليارات التي تبرعت بها وقدمتها دول الخليج لإعادة تعمير أفغانستان لم تؤد حتى الآن لإقامة أي مشروع تعميري ولا حتى لصيانة وإعادة تعمير المدارس أو المرافق الصحية الصغيرة التي دمرتها القوات الأمريكية قبل ستة سنوات.
* الضغوط الأمريكية والخطوة الخليجية القادمة:
يعتقد الخبراء العسكريون الأمريكيون بأن وجود قوات عربية وإسلامية في أفغانستان هو أمر شديد الأهمية ويلعب دوراً كبيراً في تعزيز جهود القوات الأمريكية وحلف الناتو الحربية الجارية حالياً في المسرح الأفغاني، للأسباب التالية:
• يلقي المظهر والانطباع العام السائد بين أوساط الشعب الأفغاني بأن الحرب تدور بين المسلمين الأفغان والقوات الأمريكية وقوات الناتو غير الإسلامية.
• يؤثر سلباً على الجهد المعنوي الحربي الذي تقوم به حركة طالبان والقائم على أساس استنفار حركة طالبان للشعب الأفغاني المسلم للحرب ضد أعداء الإسلام.
• يؤدي إلى فتح قنوات الحوار والتفاهم مع زعماء ووجهاء القبائل الأفغانية خاصة وأنهم يتميزون بروابط مع دول الخليج.
• يقلل من فرص وجود المقاتلين العرب المتطوعين إلى جانب حركة طالبان وتنظيم القاعدة خاصة وأن معظم هؤلاء المتطوعين هم من اليمن ودول الخليج والسعودية.
• يساهم في تحييد الرأي العام الخليجي والسعودي الذي أصبح ينظر بالكثير من الشكوك وعدم المصداقية إزاء قيام الحكومات الخليجية بدعم الحرب الأمريكية ضد أفغانستان.
نقلت صحيفة المدار العراقية تقريراً يقول بأن القوات الخليجية تشارك بالفعل في المسرح الأفغاني، ولكنها تنخرط في جهود الإغاثة وتقديم المساعدات، أما العمليات العسكرية فلم تنخرط فيها هذه القوات بعد.
الاعتقاد السائد يقول بأن أسلوب التوريط الذي تستخدمه إدارة بوش يقوم على البدء بمحاولة التوريط دفعة واحدة، وإن تعذر ذلك، فمن الممكن اللجوء لاستخدام أسلوب التوريط التدريجي وهو ما تحاول إدارة بوش القيام به إزاء عملية توريط دول الخليج في مسرح الحرب الأفغاني.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد