لغز تفجيرات ماراثون بوسطن
الجمل - باري غري- ترجمة: د. مالك سلمان:
ترافق انفجار قنبلتين بعد ظهر يوم الإثنين, أثناء ماراثون بوسطن, بإطلاق أحكام متسرعة من قبل وسائل الإعلام, حيث تم الحديث عن هجمة إرهابية جديدة واسعة دون أي دليل ملموس.
انفجرت القنبلتان بالقرب من خط نهاية سباق الماراثون في قلب المدينة التجاري. وتبعاً للتقارير الإعلامية, قتل 3 أشخاص على الأقل وجرح حوالي 144 شخصاً, بينهم 15 في حالة خطرة. وقال شهود عيان في المشافي إن الإصابات تشمل اقتطاع أعضاء سفلية.
حدث الانفجاران بفاصل زمني قدره حوالي 20 ثانية وعلى مسافة 50 – 100 ياردة بين الانفجار الأول والثاني, بينما كان الآلاف من المتسابقين لا يزالون يركضون والآلاف من المشاهدين المنتشرين على طول خط السباق. حطم الانفجاران واجهات المحلات التجارية, مما أدى إلى تطاير الزجاج والمواد الأخرى بين الحشود.
لم يعلن أي شخص أو منظمة مسؤوليته عن هذا العمل الإجرامي الوحشي بعد.
تم إخلاء "ساحة كوبلي" وسوف تبقى مغلقة لمدة 24 ساعة. كما تم إغلاق جزء من نظام النقل العام في المدينة, ومنعت الطائرات من الإقلاع لساعات عديدة من "مطار لوغن الدولي", ولكن تم استئناف الخدمة في بداية المساء.
شددت الحكومة الفدرالية من إجراءات الأمن حول "البيت الأبيض", وأعلنت مدينة نيويورك أنه رفعت من مستوى العمليات الأمنية في المدينة.
وفي مؤتمر صحفي بعد الحادثة بعدة ساعات, قال رئيس شرطة بوسطن, إدوارد ديڤيس, إن هناك انفجار ثالث على بعد عدة أميال في "مكتبة جون ف. كنيدي", تتعامل معه السلطات بصفته مرتبطاً بتفجيري الماراثون. لكن المسؤولين قالوا لاحقاً إن الحادثة في المكتبة "ناتجة عن حريق" وليست مرتبطة بتفجيري الماراثون.
كما كانت هناك تقارير صحفية كثيرة عن قنبلة ثالثة قامت السلطات بتفجيرها بعد الانفجارين الأولين, وقد ساقت "أسوشييتد بريس" عن مسؤول أمني لم تسمه قوله باكتشاف عبوة واحدة على الأقل في مكان السباق.
في غياب الحقائق الواضحة أو الأدلة الجنائية, كانت معظم التصريحات التي أطلقتها وسائل الإعلام مجردَ تكهنات تهدف إلى الترويج لأجندة سياسية غير معلنة وخلق مناخ من الذعر. فقد كانت هناك تأكيدات متناقضة. وعلى سبيل المثال, زعم بعض المعلقين أن العبوات المتفجرة صغيرة وبدائية, بينما قال آخرون إنها متطورة وتشير إلى أنها من فعل منظمات إرهابية.
وقد بدت بعض المؤسسات الإعلامية, بشكل خاص, مصرة على توجيه الرأي العام نحو الفكرة القائلة إن أحداث بوسطن هي هجمات إرهابية مماثلة لهجمات 11 أيلول. إذ قام وولف بليتزر في "سي إن إن" بتوجيه نقل الشبكة في هذا الاتجاه, مشجعاً معلقيه "الخبراء" لإطلاق المزاعم العريضة بعد الانفجار بدقائق قليلة وبينما كانت الفوضى لا تزال تعم شوارع بوسطن. كما أن جين هارمون, العضو الديمقراطي السابق في "لجنة استخبارات الكونغرس" والذي ظهر بصفته معلقاً في "سي إن إن", زعم أن التفجيرات تشير باتجاه "القاعدة".
كما عرضت "نيويورك بوست", التي يملكها روبرت ميردوك, العنوان العريض التالي, "من الواضح أنه عمل إرهابي", وقدمت مقالة ثانية بعنوان "السلطات تحدد هوية المشتبه في تفجيرات بوسطن على أنه سعودي الجنسية, وهو تحت الحراسة في مشفى بوسطن".
وقدمت "إن بي سي" في "النشرة الإخبارية المسائية" مايكل لايتنر بصفته خبيراً في الإرهاب, وهو المدير السابق ﻠ "المركز الوطني لمكافحة الإرهاب" في الولايات المتحدة في إدارتي بوش وأوباما. وبلا أية أدلة ملموسة, أعلن لايتنر أن التفجيرين من فعل "منظمة إرهابية".
ومع ذلك, تجنبَ الرئيس أوباما – في تصريح قصير من البيت الأبيض أدلى به في حوالي الساعة 6 مساءً – الإشارة إلى الحادثة بصفتها عملاً إرهابياً. حيث قال إن "كافة إمكانات الحكومة الفدرالية" و "الثقل الكامل للعدالة" سوف يستخدمان ضد المسؤولين عن التفجيرات, مع اعترافه بأن الحكومة لا تعرف "من فعل ذلك ولأي سبب".
بدا هناك نوع من الارتباك أو النزاع في الدولة بخصوص ردود الفعل على التفجيرات. فقد صرحت وسائل الإعلام, على نطاق واسع, أن "مكتب التحقيقات الفدرالي" أعلن أن التفجيرات عمل إرهابي. وبعد تصريح أوباما من البيت الأبيض بدقائق فقط قال "مسؤول رفيع في الإدارة" ﻠ "فوكس نيوز", "عندما تحصل عدة انفجارات, يكون العمل إرهابياً." !!!
من الضروري التعامل مع كافة التقارير الأولية الصادرة عن الإعلام بدرجة كبيرة من الشك. فمن غير المعروف إن كانت تفجيرات بوسطن عملاً إرهابياً من فعل القاعدة, أو من فعل منظمة يمينية متطرفة داخلية, أو من فعل الدولة نفسها.
من أجل المحافظة على موقف نقدي وتجنب الوقوع في براثن الاستغلال الإعلامي, من المفيد استرجاع دور الإعلام في حالات سابقة متعلقة بهجمات إرهابية مزعومة. ففي حوادث "الأنثراكس" التي حصلت بُعيدَ 11 أيلول, على سبيل المثال, أطلقت وسائل الإعلام ادعاءات جامحة حول تورط القاعدة والحركات الإسلاموية المتطرفة, ولكن لم يتم إثبات أي من هذه الادعاءات.
تُرجم عن ("وورلد سوشليست ويب", 16 نيسان/إبريل 2013)
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد