غضب الطبيعة يجتاح أحزمة الفقر
تتفاقم يوماً بعد يوم أزمة السكن القائمة في البلاد وتستفحل في ظل غياب سياسة سكنية وإسكانية واضحة الأبعاد والأهداف،تأخذ في سلم أولوياتها،تأمين السكن الصحي والشعبي والصالح للحياة،وبتكاليف تتناسب عموما مع دخل المواطنين لمعظم الشعب السوري،وإن غياب التخطيط العلمي في التوسع السكني وفي البناء وعدم الأخذ بعين الاعتبار ضرورة إقامة التجمعات السكنية قرب المواقع الإنتاجية وقلة وضعف الضواحي العمالية السكنية أدى بدوره إلى تزايد البحث عن مأوى،وانعكس ذلك إلى اللجوء ـ إضافة إلى أسباب أخرى ـ أصبحت معروفة لدى الجميع إلى مناطق المخالفات الجماعية وانتشارها وتوسعها العشوائي لتشكل مناطق كبرى لأحزمة الفقر حول المدن .
جبل قاسيون .... قنابل موقوتة
بعد وقوع حادثة كارثة الانهيار الصخري الذي وقع في جبل المقطم في العاصمة المصرية القاهرة في منطقة الدويقة،استعجل الجيولوجيون لدينا للإنهاء من الدراسة التي تقوم بها على جبل قاسيون من الناحية الجيولوجية،بإدارة المؤسسة العامة للجيولوجية وبالتنسيق مع مشروع تحديث الإدارة البلدية،حيث كشفت الدراسة عن وجود منطقة خطرة في جبل قاسيون المطل على مدينة دمشق العاصمة بطول 10 كيلومترات وعرض 20 ـ 50 متراً تمتد من مشفى تشرين وضاحية حرستا وبرزة البلد حتى مزة 86 مروراً بعش الورور ووادي سفيرة وركن الدين والشيخ محي الدين والمهاجرين،ويمتد تحت هذه المنطقة مايسمى بنطاق التكهف تحت السطحي،وهو عبارة عن مغاور وكهوف تشكلت من انحلال طبقات الكلس الغضاري،حيث شيدت فوق هذه المناطق الكثير من المباني والتي تعد بالآلاف،أصبحت الآن تحت خط الخطر،في أية لحظة،كأننا أمام قنبلة موقوتة قابلة للانفجار عن حدوث أي اهتزاز أو هطول أمطار غزيرة مع سيول جارفة،قد تحدث آثاراً بالغة الخطورة في هذه المناطق على الصعيد الإنساني والاجتماعي والاقتصادي كما حدث في مقطم بمصر وذهب ضحيته العشرات من الضحايا والمئات من الجرحى.
من السكن العشوائي إلى أحزمة الفقر
تتفاقم حدة أزمة السكن في المدن الكبرى وحولها،حيث نشأت تجمعات سكانية تحيط بغالبية المدن معظمها مازال محروما من أبسط الخدمات الاجتماعية والصحية العامة من ماء وكهرباء وصرف صحي وشبكة خدمات عامة ومدارس ومراكز صحية ونظافة وهي بالأساس غير معترف بوضعها قانونياً ومعرضة للإزالة بأي وقت.
وبيّن تقرير إن هناك حوالي 209 منطقة للسكن العشوائي في سوريا،تبلغ مساحتها أكثر من 26.600 ألف هكتار ويعيش فيها حوالي 30% من عدد السكان في المدن وتفتقر هذه المناطق إلى أبسط شروط الحياة الضرورية مما يؤدي إلى تفشي الأمراض المتنقلة بكثرة في هذه المناطق،مثل الكوليرا والتيفوئيد و الإسهالات الدائمة والنشمانيا.
وحسب التقارير الإحصائية فإن نسبة السكن العشوائي غير المنظم يصل إلى 50% من السكن الإجمالي على مستوى البلاد،حيث يصل حصة دمشق من هذه المخالفات إلى 45% من سكان دمشق و 35% من سكان حلب و42% من سكان مدينة حمص،وللوقوف على النتائج الحقيقية للدراسة الجيولوجية كانت بورصات وأسواق حاضرة عند وضع اللمسات الأخيرة للدراسة من قبل الدكتورة منى سراج الدين و مدير مشروع تحديث إدارة البلدية الأستاذ عرفان علي حول حقيقة المشكلة والأخطار المهددة لسكان المناطق الواقعة على الخط الإنهدامي الخطر فكان اللقاء التالي:
الأستاذ عرفان علي قال لبورصات في بداية اللقاء:إن الدكتورة منى سراج الدين هي مسؤولة فريق ومشروع تطوير جبل قاسيون وإعادة التأهيل العمراني فيه،وهي تعمل على المشروع منذ أكثر من عامين،حيث رافقت عملية جمع وتحليل البيانات مع كوادر الإدارة المحلية منهم المهندسة ريم كمنسق أساسي وعملي من قبل الوزارة وتم حالياً تحويل المقترح العام لتطوير منطقة قاسيون بما فيها الدراسات الجيولوجية وتم عرضها بتاريخ 4/8/2008 على رئاسة مجلس الوزراء وكافة الوزارات المعنية ومحافظة دمشق،واعتمدت التوصيات بالكامل بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء وأحيلت للبدء بتنفيذ المقترحات العامة إلى وزارة الإدارة المحلية والبيئة ومحافظة دمشق والجهات المعنية.
وفي سؤال حول ما إذا كان هناك دراسات سابقة اعتمدت عليها الدراسة الحالية كمرجع،أكد الأستاذ علي مدير تحديث الإدارة والبلدية إنه لايوجد أية دراسة سابقة بهذا الخصوص لأن ظاهرة السكن العشوائي بدأت بالتوسع بعد الحروب والهجرة المتزايدة من الريف إلى المدينة وهي بالأصل ليست عريقة ولم يكن هناك أي تخطيط للسكن في هذه المناطق فأعلى منطقة للسكن على جبل قاسيون كان عند خط الصالحية وشيخ محي الدين وحي المدارس والمقامات والقبور والجوامع الموجودة هناك ثم بدأت حركة البناء بسرعة دراماتيكية وباتجاه المناطق الخطرة التي نتحدث عنها الآن وحتى الطريق المقترح فتحه على امتداد الجبل تم دراسته من كل النواحي الفنية والخدمية.
أما الدكتورة منى سراج الدين فصرحت لبورصات: إن أول مايبادر إلى الذهن بالنظر إلى جبل قاسيون هي وجود فوالق خطرة بحاجة إلى دراسة شاملة قبل التخطيط وتحديد أماكن الفوالق الموجودة،لأنها لم تكن محددة ونحن في برنامج تحديث الإدارة والبلدية التابع للإدارة المحلية عملنا على أن ينضم إلينا جيولوجيون وجيوفيزيائيين من أجل دراسة الموضوع بطريقة علمية صحيحة من خلال مركز الاستشعار عن بعد والمركز القومي لدراسة الزلازل،وماتبين حتى الآن بالدليل القاطع هو خطر هذه الانهدامات على كل القاطنين بشراً وبيوت مثلما حصل تماماً بالسكان في القاهر بمنطقة جبل المقطم،وقد أكدت الدراسات إن سفح الجبل غير مستقر وفيه فوالق موجود تحت البيوت السكنية مما أدى إلى صعوبة العمل للجيولوجيين المختصين لذلك الذين عملوا مدة ستة أشهر لكشفها عن طريق فحص الصخور وفتح الآبار للوصول إلى الأماكن الباطنة في الأرض والخطيرة منها.
وأكدت الدكتورة منى: إن حدوث أي زلزال بسيط مهما كانت درجته خفيفة قد يحدث سقوط بيوت وضحايا حتى إن الأمطار الغزيرة المؤدية إلى حدوث سيول جارفة ستؤدي إلى تصدع تلك الصخور وإننا أعدنا خرائط مصورة جاهزة تحدد تلك الصخور وأماكن الردميات والإنزلاقات الصخرية مع العلم إن هناك فوالق كبيرة وفوالق صغيرة،أما الفالق الأخطر فهو الواقع أسفل الجبل،وهناك فوالق ترى بالعين المجردة دون استخدام أية أدوات علمية.
وأضافت الدكتورة إنه يجب إخلاء المنازل التي تقع على الخط الإنهدامي والفوالق الخطيرة وتعويضهم بمساكن بديلة قبل وقوع أي كارثة،أما الخارجي عن نطاق الخطر بالتعاون مع الجهات الأخرى تنمية وتطوير المنطقة حسب الدراسات التي قوم بها من خلال تنظيم الشوارع لأننا وضعنا في الخطة بأن يتم فتح شارع رئيسي يخدم المنطقة بأكملها بين خطي الانهدام الفوقي والتحتي واضعين بالاعتبار عرض هذا الشارع الذي يجب ان يدخل إليه كافة أنواع السيارات وخاصة الإطفاء والإسعاف وسنعمل ضمن المخطط على تحسين الساحات العامة بما فيه مشروع جمع النفايات بالإضافة إلى التطوير الاقتصادي وفتح حاضنة الأعمال لنساء المنطقة.وفي ردها حول سؤالنا عن مناطق التصدع الرئيسية والفرعية قالت سراج الدين:إننا أبرزنا ذلك خلال لوحات مصورة وهي موجودة على الموقع وأصبحت بحوزة الجهات المسؤولة كافة ولن نذكرها الآن حتى لايصيب الأهالي بهلع والسبب الآخر إن منطقة جبل قاسيون بالذات فيه خطان من الفوالق الذي يصل عرضه إلى 50 متراً عكس بعض المناطق الأخرى التي فيها خط واحد عند نقطة البداية والنهاية.
وحول سقوط وتصدع الصخور الخطرة في المدى القريب أكدت الدكتورة منى إن هذه المهمة تابعة للمركز القومي لدراسة الزلازل والتي أكدت بدورها خطورتها أما تأثيرها على المدى القريب فيرتبط بحدوث زلزال أو أمطار غزيرة وهذا مايصعب التكهن به،ولكن المهم الآن اتخاذ الاحترازات عند حدوث أي طارئ في الأيام القادمة لأن الأماكن الخطرة تحدد حسب الصخور التي تحتها بالإضافة إلى التكهفات في مناطق عديدة وهذا ماحدد بالضبط طول وعرض الفالق الذي يتوسع هنا ويضيق في مكان آخر لكن أكبر فالق كما قلنا سابقاً ومايهمنا أن تمنع حركة البناء في هذه المناطق نهائياً وخاصة عند الصخور المتصدعة وفوق وتحت الخط الانهدامي لذلك فإن أهم نقاط الاحتراز هي فتح ساحات وحدائق على تلك الفوالق حتى لا يرجع الناس إلى البناء ثانية بدافع الفقر والحاجة كما حدث في المقطم وذهب ضحيته العشرات والمئات من الجرحى وهذه المأساة التي هزت مصر وأكدت د.منى في ختام حديثها إن على المخططين أن يدرسوا جميع النقاط بشكل علمي وسليم دون أي ضغوطات ويجب دراسة المخاطر ثم وضع المخططات لا العكس لأن حياة الناس أهم من كنوز الدنيا.
الإخلاء لا بد منه
بدوره أكد لنا المهندس عبد الفتاح أياسو مدير التنظيم والتخطيط العمراني بمحافظة دمشق إن خطر وقوع انهيارات صخرية أصبحت حقيقة واضحة حسب الدراسة وإنهم لم يقوموا حتى الآن بأية دراسة مسحية لتعداد عدد العائلات المتضررة وإن الرقم 4000 هو رقم تقديري وقد يزيد عن ذلك أو ينقص،ولكن بعد التأكد من وجود التصدع في الجبل حسب الدراسة الجيولوجية الرسمية التي أعدت مؤخراً فإن إجلاء تلك العائلات لابد منه وبالسرعة القصوى قبل حدوث مالم يحمد عقباه على غرار ماحصل بمدينة الدويقة بمصر وتابع أياسو بالقول إن الدراسة أظهرت وجود تصدع رئيسي وآخر فرعي وهو مايشكل خطراً على سلامة الأبنية المشيدة في تلك المنطقة وأوضح أياسو إ المحافظة أوقفت الدراسات الخاصة بتنظيم هذه العشوائيات ريثما تستكمل الدراسات الجيولوجية للمنطقة بشكل كامل،وإن المسألة لم تعد مسألة هدم أو إجلاء كما يفكر البعض بل تكمن في حدوث كارثة في أية لحظة وإن على المواطنين أن يفهموا إننا نعمل لصالحهم والحفاظ على حياتهم ضد أي مكروه،فعلى سفح جبل قاسيون وحده آلاف المنازل التي أقيمت بطريقة عشوائية والتي تغص بالسكان وأكد أياسو في نهاية حديثه إنهم سيعملون بالتعاون مع الجهات الأخرى لإرضاء الجميع في مسألة البدل والتعويض.
من جانبه أكد محمود موصللي أبو نايف رئيس لجنة أهالي الحي في قاسيون والجبل إن الوضع في هذه المنطقة يختلف عن مناطق المخالفات الأخرى باعتبار إن هناك رخصة نظامية لبعض الأبنية،وإن توسع المنطقة بدأ بالأصل منذ الثلاثينات بسبب الهجرة وتزايد عدد السكان الأسرة الواحدة والمقبلين على الزواج.
قواعد الحزب أنجبتها تلك الكهوف
وأضاف أبو نايف إنهم قاموا بجولة في الحي مع المحافظ الأسبق وليد حماميه وكان هناك اقتراح بتنظيم المنطقة على قاعدة كرة الثلج أي بناء أربعة أبنية مكان أربع بيوت من خلال التراضي والتساوي بين المحافظة والأهالي والاتفاق على ثمن البيت ودفعات التقسيط المريح الممتد حتى ثلاثين سنة حتى لايتضرر أي مواطن أو يتأثر وضعه المعيشي،وأكد أبو نايف إن المنطقة مؤسسة ومبنية منذ أكثر من ثمانين سنة وأنجبت أبجدية حزب البعث العربي الاشتراكي وكوادره الأولى وقواعده السرية التي كانت تقيم أيام النضال في تلك الكهوف الموجودة في الجبل وما نتمناه من المسئولين أن يكون نصيب هؤلاء المكافأة المستحقة لتاريخهم وحياتهم لا تشريدهم.
أما الأهالي فكانوا بانتظار تحديد المناطق الخطرة والانهدامية هذا الانتظار الذي لم يخلو من بعض القلق والخوف مما سيحل بهم ومع ذلك يقول أبو سعيد لايهمني إ ن كان بيتي ضمن المخطط أم خارجه بل ما يهمني هو إعطاء البديل المناسب والتعويض المشرف لكل متضرر خاصة إننا سمعنا بأنه سيتم فتح شارع بدءاً من منطقة الخورشيد وصولا إلى مشفى إبن النفيس بعرض 20م أو أكثر على طول خط الانهدام وإنه سيتم تخديم المنطقة بكل وسائل النقل والخدمات الكاملة لأن وضع المنطقة هو تعيس بكل الأحوال في جميع المقاييس فالمدارس التي تعتبر من الضروريات هي بيوت مستأجرة والمستوصفات قيد الدراسة منذ أكثر من ست سنوات ولم تر النور حتى الآن.
أما أبو محمد الموظف في إحدى دوائر الدولة الذي يستغرق وصوله للبيت حوالي نصف ساعة صرح بأن المحافظ في لقاءاته الجماهيرية وعدنا بأن تكون الحلول لصالح المواطن وإن تنظيم المنطقة سيستغرق مدة سنتين مع إعطاء نتائج أكثر إيجابية لهم.
هويتنا الوطنية
ولم يكن تصريح أبو عمر الكردي أقل تأثيراً مما سبقه حين قال إننا هنا نعيش بكرامتنا ولن يتبدل شيئا فينا مهما كانت النتائج والحلول فهويتنا الوطنية نفتخر بها ولن نتركها مهما حصل حتى إذا رمونا بالشارع عراة .
وأخيراً إذا كان منطق الأمور يقضي بعدم هدم سقف قبل إيجاد وإعطاء البديل عنه فإن الحقيقة تؤكد بأن وجود هذا الخط الإنهدامي أصبح خطراً حقيقياً على كل القاطنين على وضمن هذا المسار،ولابد من الاستعجال من المحافظة والجهات المعنية الأخرى القيام بالدور المناط بها من دراسات مسحيّة وتعداد عدد المتضررين وتحديد أماكن البدل ومصادر التمويل قبل حدوث أية مكروه لا سمح الله وقبل أن نعض أصابعنا ندما كما حصل في المقطم بمصر.
علي نمر
المصدر: بورصات وأسواق
إضافة تعليق جديد